الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل من مثقف عربي؟

وجيه جميل البعيني

2018 / 5 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


هل من مثقف عربي؟
إذا سلمنا جدلاً بأن الثقافة هي معين لا ينضب، لأمكن الافتراض بأن عبارة "مثقف" هي بمثابة خطأ شائع. ذلك أن المثقف هو من اكتملت لديه الثقافة، وهذا غير معقول جملة وتفصيلاً. لذلك يمكن القول بأن كل واحد منا "متثقف" بنسبة معينة، او " مستثقف" أي يلتمس الثقافة. لكنني في هذه المقالة سوف أستمر في استخدام هذا الخطأ الشائع لأنه " شائع"!
حتى الآن لم يُحسم، كما يبدو، مفهوم المثقف، نظراً لتعدد الأهداف التي ينحو باتجاهها المثقف، خاصة وأن كل من يقرأ ويكتب يطلق عليه لقب مثقف. وبالتالي لابد من التمييز بين أصناف عدة من المثقفين، إذا صحت عليهم هذه التسمية.
أول هؤلاء وأكثرهم انتشاراً على مدار التاريخ هو المثقف التسويغي التبريري. هذا المثقف يعتبر بمثابة المدافع عن الاستقرار والحرية والكرامة والاستقلال، وهي مفاهيم وهمية يمليها عليه أسياده، حكاماً كانوا أم زعماء طوائف او عصابات او زمر.إنه مثقف الدفاع عن " الخصوصية الثقافية" الجهوية. بعض هؤلاء المثقفين ينطلق في دفاعه من قناعات حقيقية قائمة على وهم التغيير، وبعضهم الآخر، وهم الأكثرية، ينطلق من مصالح انتهازية شخصية( هؤلاء هم مثقفو الحكم – او الزعامة- وبطانته). وهم دائماً على استعداد لتسويغ كل ما يقوم به الحاكم، حتى ولو ارتكب الجرائم.
ثانيهم هو المثقف الإيديولوجي، المقتنع بإيديولوجيا معينة ينطلق منها في رؤية المجتمع والعالم، ويروّج لها ويتوخى فيها الحل الكامل والأنسب. إنه دون شك مثقف عميق المعرفة، ويمارس النقد، لكنه ليس نقداً بالمعنى المتعارف عليه للكلمة، بل هو انتقاد، كونه موجهاً لكل ما، ومن، هو خارج فضائه الإيديولوجي، بينما يرفع من شأن إيديولوجيته وأتباعها، ويرى فيهم شخصيات كاريزمية ترنسندنتالية، ويتعامى بالمقابل عن رؤية العظماء الذين ينتمون الى أية إيديولوجياً منافسة.
ثالثهم هو المثقف الشعبوي، الباحث عن الشهرة وانتزاع إعجاب الجماهير، والحصول على التصفيق والتهليل، منطلقاً في ذلك من استنفار مشاعر الجماهير الدينية او الطائفية او المذهبية، علماً بأنه لا يمتلك معرفة عميقة ورؤية منهجية. وهواليوم يرتكز في بروزه على وسائل الإعلام- خاصة المتلفزة- التي تنقل تحريضاته واستفزازاته. إنه مثقف محنّك يعتمد على أقصى درجات الإثارة الجماهيرية، لناحية نبرة الصوت والحبكة اللغوية والتلاقي مع المزاج الشعبوي، وتوظيف مفاهيم المؤامرات والاستعمار والتطرف وإعلاء شأن الدين، والمحرومين والفقراء، الخ.، لمصالح فئوية.
أخيراً هناك المثقف العضوي، وهو مفهوم أطلقه المفكر الشيوعي أنطونيو غرامشي، حيث يعتبر أن كل البشر مثقفون بشكل او بآخر، لكنهم لا يملكون الوظيفة الاجتماعية المنوطة بالمثقف. وهي وظيفة لا يمتلكها سوى أصحاب الكفاءات الفكرية العالية الذين يمنكهم التاثير على الناس. من هنا، يوضح الفرق بين المثقف التقليدي والمثقف العضوي. فالأول يعيش في برجه العاجي ويعتقد أنه أرفع منزلة من كل الناس، في حين يحمل الثاني هموم كل الطبقات وكل الجماهير وكل الفقراء والمحرومين والكادحين. وبالتالي، فإن المثقف الحقيقي هو المثقف العضوي الذي يعيش هموم عصره ويرتبط بقضايا أمته. والمثقف الذي لا يتحسس آلام الآخرين لا يستحق لقب المثقف، حتى ولو كان يحمل أرقى الشهادات الجامعية. بل قد يكون المرء أمياً، لكنه مثقف كونه يستطيع حل المشكل الاجتماعية الأكثر تعقيداً.
ولم يكن المفكر محمد عابد الجابري بعيداً عن هذا التوجه، حيث يرى أن المثقف هو الذي يلتصق بهموم وطنه وهموم الطبقات الكادحة والمقهورة. إنه المثقف العضوي الذي يضع نفسه في خدمة المجتمع ويواجه تحدياته المختلفة، دفاعاً عن الحق والحقيقة ورفضاً لكل أشكال الظلم والقهر والتسلط، علماً بأنه يعلم بأن ذلك قد يكلفه حياته. أما صلاح أبو سيف فيعتبر أن مفهوم المثقف ليس مفهوماً مُحكماً، قطعياً ممتلئاً بتعبيراته وما يحمله في طياته من مداليل، بل إنه مفهوم متموّج، منشرح، وما فيه من فراغ ومن مساحات شاسعة، أكثر مما فيه من امتلاء. وهذا ما يسمح بضرورة الإضافة والملء، وبالمراجعة الدائمة، او البدء من جديد على الدوام، ليس بنفي المفهوم وإلغائه، بل لتجديده وتحيينه، ووضعه في سياق المتغيرات الحادثة والطارئة.
وكي نختم نشير الى أن المفكر الفرنسي جوليان بندا يعتبر أن المثقف لا يكون مثقفاً حقيقياً إلا حين يعارض الفساد، ويدافع عن المستضعفين،ويقف في وجه السلطة القمعية والفاسدة. إن المثقفين الحقيقيين هم أقرب ما يكونون الى الصدق مع أنفسهم، حينتدفعهم المشاعر الميتافيزيقية الجيّاشة والمبادئ السامية، أي مبادئ الحق والعدل، الى فضح الفساد والدفاع عن الضعفاء وتحدي السلطة المعيبة الغاشمة
يبدو أننا في لبنان، وفي سائر أنحاء العالم العربي، بعيدون جداً عن المثقف العضوي او المثقف الإنساني. لقدظهر هذا النوع من المثقفين إبان عصر النهضة ( جبران خليل جبران، عمر فاخوري، رئيف خوري، ميخائيل نعيمة، خليل تقي الدين وغيرهم كثر. فهل لنا بمحاكاتهم؟
أيها العربي! أيها العالمي! حدد واختر موقعك الثقافي
وجيه البعيني
كاتب وباحث لبناني
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لبنان - 49 عاما بعد اندلاع الحرب الأهلية: هل من سلم أهلي في


.. التوتر يطال عددا من الجامعات الأمريكية على خلفية التضامن مع




.. لحظة الاصطدام المميتة في الجو بين مروحيتين بتدريبات للبحرية


.. اليوم 200 من حرب غزة.. حصيلة القتلى ترتفع وقصف يطال مناطق مت




.. سوناك يعتزم تقديم أكبر حزمة مساعدات عسكرية لأوكرانيا| #الظهي