الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شيء عن الإسلام في البحرين - جدد الشيعة و السنة الجدد

موسى راكان موسى

2018 / 5 / 21
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


هناك فرق بين المذهب و الطائفة ، فالتناحر أو التعايش الطائفي لا يعني أنه مرتبط بنصوص مذهبية لكنه مرتبط بحالة مجتمعية ، و من يعتقد أن النص المذهبي له قوة على أفراد المذهب مخطئ ، فالنص من ذاته لا قوة له ، و الإسلام الجديد في هذا البحث لم يعن سلطة فكرية قاهرة غيّرت في المجتمع ، فالمَعني أن التغيير الإجتماعي الواقعي المتمثل بالعالمية التي نحن فيها بالإضافة إلى الوضع الإقليمي بين شرق شيوعي و غرب إمبريالي أدى إلى تكوين هذا الإسلام الجديد ، تكوين أساسا من أسفل إلى أعلى ، تكوين لا واعي و إلى اللحظة مُختلف حوله ، تكوين ليس له أعلام ثقافية أو دينية محددين ، تكوين مائع شبه سائل ؛ لأن الإسلام الجديد ليس بمشروع فكري محدد إنما نتاج إجتماعي لا واعي .


جرى تمييز اللا مذهبية في الوسط الشيعي عما تكونه في الوسط السني ، فهي في الأول لا مذهبية سياسية بينما في الثاني لا مذهبية دينية ، بالتالي فالطائفية كانت أوضح في الوسط الشيعي الذي ما إنفك يستحضر المسألة الطائفية في مشاريعه الوحدوية و السياسية ؛ و هنا الطائفية لا بالمعنى السلبي فقط [كما في العداء لطائفة الغرب] ، بل أيضا بالمعنى الإيجابي [التعايش الطائفي] ــ أما الوسط السني فيبدو أنه صار طائفيا كردة فعل على طائفية الوسط الشيعي ، و يُشار إلى أحداث 14 فبراير 2011 على أنها السبب في تقسيم المجتمع طائفيا ؛ بعض المعارضة في البحرين تتهم السلطة الحاكمة أنها هي سبب الطائفية في محاولة منها لوأد حراك التغيير ، إلا أنها تتناسى أن شعارات الحراك كان مُطعّمة و مُثقلة بالطائفية ، يكفي استحضار الشعار الطائفي (( إخوان سنة و شيعة )) الذي كان ثيمة ما إنفكت تطبع الحراك بإختلال الحضور الطائفي نفسه ، دون الغفل عن طلائع الحراك التي استحضرت هذا الإختلال الطائفي في شخصياتها هي ، فالحراك لم يكن وطنيا إنما طائفيا بإمتياز [إلى اليوم لم يستوعب اليسار و الليبرال المعارض أخطاء 2011 و لا يزال يكررها] .


لكن قبل أن يصير الوسط السني طائفيا كردة فعل على طائفية الوسط الشيعي ، كان هو نفسه يمثل مع الوسط الشيعي طائفة ، فالإسلام الجديد في تكوينه كان تعبيرا عن طائفة لا شرقية و لا غربية ، إذ يجب أن ننتبه إلى مسألة أن الوسط السني ما كان له أن يصير طائفيا دون أن يحوي في ذاته إمكانية هذا التصيّر [فالماء لا يغلي لمجرد تعرضه لمسبب خارجي بل لأنه هو ذاته يحوي في ذاته إمكانية الغليان] ؛ ففي مناسبات عديدة شهدت البحرين مظاهرات و إحتجاجات كان فيها الوسط السني مع الوسط الشيعي مشتركين معا [كما في زيارة بوش للبحرين] ، و يسهل ملاحظة أن هذا التشارك كان موجها في قضايا ذات طابع تحوي "هيمنة غربية" .


البروز الطائفي في الوسط الشيعي ساهم إلى درجة كبيرة في إنخراط مبكر في السياسة مقارنة بالوسط السني ، فظهرت الأبحاث و الدراسات التاريخية [الإخبارية] التي تُأصّل و تُشرْعن الوجود الطائفي الشيعي في البحرين ، على سبيل المثال لا الحصر فإن الناظر في البحث عن عدد قرى البحرين قديما يجد مبالغة لا عقلانية ، فالعدد بين 300 و 360 و 666 قرية ! ، و برر الدكتور خليفة الغتم ذلك إلى حصول إلتباس في مفهوم "القرية" إذ جرى اعتبار كل من "السيحة" و "النِخل" قرية ؛ يجب الإنتباه إلى أن القرية مرتبطة في الحاضر بالريف الشيعي ، إذ أن معظم ما يوصف بالريف في البحرين تقطنه أغلبية شيعية ، مع العلم أن القرية في الماضي كانت على نوعين (قرية زراعية) و (قرية بحرية) ، و لم يكن قاطنيها (الأقنان/العمال) دائما ذو أغلبية شيعية ، فالقرية البحرية عرفت غاصة من أصول أفريقية ، بالإضافة إلى أن بعض القرى المعروفة اليوم في البحرين لم تكن آهلة بالسكان كما قرية المعامير التي كانت مزرعة إقطاعية "نِخل" قبل أن تستوطن في ثلاثينيات القرن الـ19 على حد قول الغتم [معظم تلك الدراسات و الأبحاث (الطائفية ـ الشيعية) تغفل الدور المتخلف للرعاية الصحية قديما و أثره على التزايد السكاني] .


هذا البحث التاريخي [الإخباري] ليس بريء و إن أدعى الموضوعية ، فغايته من هذا التأصيل الوجودي و شرْعنته هو الإنتصار السياسي ، فالمسألة (( نحن شرعيّون إذا نحن موجودون )) ليست بصحيحة ، فالصحيح (( نحن موجودون إذا نحن شرعيّون )) ، لكن طلب "الشرْعنة" ليس غلط غير مقصود بل غلط مقصود ، مقصود لأهداف سياسية طائفية ؛ مركز أوال للدراسات و التوثيق عبر شخوصه و مؤلفاته يتحدث عن ذلك بوضوح .


العجيب أن الاعتمال الطائفي في الوسط السني قائم في مجال البحث و الدرس التاريخي [الإخباري] على نفي تأصيل الوجود الطائفي الشيعي بل و إضفاء الطابع اللا شرعي على وجوده في البحرين ! ؛ لنتذكر أن البروز الطائفي الشيعي جاء مبكرا بالنسبة للبروز الطائفي السني ، لذا تأتي معظم أفعال الأخير في مظهر ردة الفعل على الأول ــ و لم يقتصر الأمر على مجرد القيام بدراسات و أبحاث ، إذ تكاثر المآتم و المساجد هو جزء من هذا الصراع السياسي ؛ على الرغم من تأكيد دور المأتم و المسجد التعبدي إلا أنه لا ينفك يؤكد دوره السياسي من حيث النفوذ و الرمزية ، فمسجد الإمام جعفر الصادق [المُبهرج] الكائن في منطقة سلماباد يقع في وسط "دوّار مروري" ، و إعادة بناؤه بعد هدمه حمل دلالات رمزية أكثر من كونه مجرد مكان للعبادة [هو فعليا لا يشهد الدور العبادي المزعوم نظرا لموقعه السيء] ، كما أن كلمة الشيخ عيسى قاسم حول "مسجدية" المعلم الأثري (( مسجد الخميس )) ليس لمجرد إحياء دوره العبادي بقدر ما هو تحدي سياسي ، إذ يثير مسألة الدور التاريخي الطائفي الشيعي لمسجد خميس [مسجد خميس معلم سني (أموي/بني أمية) عند السنة ، و معلم شيعي (ثوري/ضد القرامطة) عند الشيعة ، و في ذلك أُستِلَ القلم الطائفي] ، و رغم أن الدكتور نادر كاظم أنار شيئا من طبيعة هذا الصراع السياسي في كتابه "طبائع الاستملاك" إلا أنه لم يتحرر من المنظور الطائفي الشيعي في اعتباره السلطة تمثل الطائفة السنية .


جزء من طائفية المرء هو أنه يتعامل مع الآخر تعاملا طائفيا ، بالتالي يرى الآخر كما لو كان طائفيا ، لذا يرى الوسط الشيعي السلطة الحاكمة في البحرين أنها طائفية [العجيب أن بعض المعارضة الشيعية تحاول (في سياق كسب حلفاء من الطائفة السنية) زعزعة هذا التمثيل طائفيا بقولها "حتى أنتم يا سنة البحرين لا يخدمكم النظام الحاكم"] ، و هو ما يُفسر [إلى درجة معيّنة] التقاعس السياسي في الوسط السني إذ يرى في السلطة الحاكمة أنها تمثله طائفيا ؛ في الدراسة التي قام بها عباس المرشد و عبدالهادي الخواجة تحت عنوان (( التنظيمات و الجمعيات السياسية في البحرين )) لا تشهد الجمعيات السياسية السنية الإقبال و الحضور في الوسط السني مثل الذي تشهده جمعية الوفاق السياسية الشيعية في الوسط الشيعي فقط ، بل و تتعداه أضعاف مضاعفة [رغم حلّها و مصادرة ممتلكاتها لا تزال فاعلة في الوسط الشيعي إجتماعيا] .


طائفيا لا اختلاف بين الطائفي السني و الطائفي الشيعي ، لكن هذا لا يعني أن الوسط السني هو هو ذاته الوسط الشيعي ، فالوسط السني يتميّز بلا مذهبية دينية بينما الوسط الشيعي يتميّز بلا مذهبية سياسية ، إثر ذلك لا يمكن أن يلعب رجل الدين في الوسط السني الدور نفسه الذي يلعبه رجل الدين في الوسط الشيعي ، بالإضافة إلى أن الوسط السني يتميّز بتنشيط عناصر المباشرية و اللا مركزية بينما الوسط الشيعي ينشط عناصر الطائفية و المركزية و البراجماتية ، و كلما تطأفن الوسط السني دُفع إلى تثبيط عناصر المباشرية و اللا مركزية ؛ هذا لا يعني أن الوسط السني أفضل من الشيعي ، فعلى المستوى العملي الوسط الشيعي منظم أكثر و محكم أيديولوجيا متقدما على الوسط السني الذي يتميز بالتفكك و التشتت حتى على مستوى وعي نفسه كوسط سني واحد [أحداث 2011 وُصفت أنها أزمة من قِبل الوسط السني ، و بفضلها دُفع إلى شيء من وعي ذاته كوسط سني واحد ، إلا أن ديمومته أنتهت تقريبا مع ما سُمي بـ"إنتهاء الأزمة"] .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لابيد: كل ما بقي هو عنف إرهابيين يهود خرجوا عن السيطرة وضياع


.. عام على حرب السودان.. كيف يعرقل تنظيم الإخوان جهود الحل؟ | #




.. خالد الجندي: المساجد تحولت إلى لوحة متناغمة من الإخلاص والدع


.. #shorts yyyuiiooo




.. عام على حرب السودان.. كيف يعرقل تنظيم الإخوان جهود الحل؟ | #