الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قواعد النّقد السياسي-7

محمد ابداح

2018 / 5 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


لا شك بأن محمد على باشا نجح بتأسيس دولة مصرية حديثة ومعاصرة؛ فعسكريا قام بانشاء الجيش المصري الحديث وفق المواصفات العسكرية المعاصرة آنذك، وإنشاء مصانع الإنتاج الحربي، وقام ببناء أسطوله البحري من جديد، واقتصاديا قام بإصلاحات إقتصادية واسعة وأدخل زراعة القطن لمصر، وقام بانشاء مصانع النسيج والعديد من الصناعات الحيوية الأخرى، وقام بنهضة علمية وثقافية واجتماعية واسعة، غير أنه في الحقيقة هو المسؤول الأول عمّا يحدث في كافة الدول العربية المعاصرة من فسادٍ ماليٍّ وإداريٍّ وفشلٍ اجتماعيٍّ واقتصاديٍّ بل وحضاريٍّ تام عقب سقوط ما يسمّى بالخلافة الإسلامية العثمانية.
إن المُحال في عالم الميثولوجيا العربية هو ما لايمكن له أن يحدث، غير أنه عند الذين باتو يعمرون الفضاء هو فقط ما لم يحدث بعد. وفي عالم السياسة فإن العمل فيه هو في نهاية المطاف كالسير في دائرة ليس فيها أي زاوية للإستراحة أو التوقف، والحل الوحيد المتبقي هو التنحّي عن العمل السياسي والخروج من تلك الدائرة كرها أو طوعا، وكما إن ماضي الفرد كماضي المجتمع فكان يُمكن لمحمد على باشا أن يكون كيوسف بن تاشفين أو صلاح الدين، لولا أنه خط لنفسه أهدافا وأطماعا شخصية رجى بلوغها، فكانت أهدافه تلك عوامل حقيقية في تغيير التاريخ العربي والإسلامي والذي كان ما لم يحدث فيه أشد تأثيرا عموما مما حدث، والذي يمكن أن تعلّق فيه أحداث زمنية كاملة مفقودة، وإننا لنعيش اليوم في حاضر رُجم مستقبله بالغيب، باحثين عن وجهتنا بالماضي معتقدين بأننا قادرين على إيجادها في المستقبل، ولكيلا تُضطرُّ وقائع السّرد إلى الإندساس فيما بين سطور العرض لاحقا، وجدتني أتّبعُ الحكمة القائلة بأن ( كل ما لا يدور في فلك الحقيقة فهو زائف)، كما إن الوعي السياسي لفظ في الحقيقة صارخ، يستدعي صاحبه الخروج للشارع وبقاءه في حالة يقظة.
كان يمكن أن يُسعفني ببحثي إتباع المناهج النقدية المعروفة في الأوساط الأكاديمية سواءا المفهوم الديكارتي العام القائم على عدم قبول المُسَلّمات قبل عرضها على العقل وتحليلها واختبارها والتأكُّد من صحتها، أو المفهوم الخاص المتعلق بالأعمال الإنسانية والظروف المحيطة بها. كان أمامي المَنهَج التاريخيّ وهو من أهم المناهج النَّقْدية في العصر الحديث؛ لارتباطه الوثيق بتطوّر الفِكر الإنسانيّ، والماركسي القائم على الدراسة العمليّة للحدث ضمن المحور الزمانيّ والمكانيّ المتعلِّقَين به، أو منهج الواقعيّة النَّقْدية القائمة على تَبنِّي القضايا المجتمعيّة دون إلزامٍ من أحد، وربما المنهج الاجتماعيّ المُنبثق عن المنهج التاريخيّ في أساسيّاته، أو المنهج النفسيّ الأنثربولوجيّ المتزامن مع ظهور نظرية فرويد للتحليل النفسيّ، حيث درس السلوك البشري باعتباره مجموعة من الرغبات المُخزَّنة وغير الظاهرة للشخصيّة الإنسانيّة.
غير أن كافة المناهج السابقة متعلقة بنقد الأعمال الأدبية لا السّياسية، وكلما تعمّقت أكثر في البحث عن منهج نقدي سياسي لم أجد سور المزيد من المناهج النقدية الحديثة للأدب كالمنهج البُنيَويّ؛ وهو المنهج الذي ميّز بين الكلام الذي يُعتبَر عملاً فرديّاَ، واللغة التي تُعتبَر نموذجاً ذهنيّاً ومرجعيّة للكلام، والمنهج الأسلوبيّ الذي اعتمد على المظهر اللُّغوي للأسلوب بتركيزه على الجانب العاطفيّ، باعتبار الأسلوب من الاختيارات اللُّغوية بين عدّة بدائل؛ ممّا يشي بطباع وشخصيّة الكاتب، كما التقيت بالمنهج السيميولوجي؛ وهو متعلق بدراسة الخواص الأساسيّة للعلامات والرموز والإشارات اللُّغوية والفرق بينها.
وإن كان النقد السّياسي رغم أهمّيته الكبيرة خارجا عن أية قواعد منهجية للنقد لاسباب متعلقة بالمجتمعات، فقد أوشكت على تطبيق المناهج النقدية الأدبية المعروفة، واستخدامها في النقد السيّاسي، لولا أن أيقونات النقد الأدبي في التاريخ العربي الحديث كانت تسقط تباعا في أحابيل الخلط والاستقراء الناقص والأحكام الجازمة من خلال اتباعها للمنهج التاريخي في النقد، بحيث من المستحيل جمع كل شاردة عن الأديب المستهدف، كما فعل طه حسين من دراسة شعر المجون في العصر العباسي ثم إصدار الحكم عليه بأنه عصر أدب المُجون والعلة اتساع نفوذ الفرس الذي أوجد شعر المجون، كذلك التعميم العلمي المطلق كنظرية دارون في النشوء والارتقاء الخاصة بعلوم الإحياء واسقاطها على تطور الأعمال الأدبية، برغم أن الأدب ليس دائمًا تسجيلاً للواقع المُعاش، وإنما قد يعكس تطلعات مستقبلية، وربما يكون ذلك هو حال الناقد السّياسي .
ولما كانت ذاكرتنا طويلة الأمد لازالت تحتفظ في سجلاتها ببعض البديهيّات العلمية، كالقول بأن أي نتيجة من النتائج تكون غامضة بمعزل عن أصل نشأتها وتكوّنها؛ وبأن عرض النتائج يغدو قرارا معيبا بالإكراه إن هو أخفى المسار الذي أدركته الأحداث. لذا بادرت باللّياقات الأكاديمية بابتداع قواعد مُدمجة للنقد السّياسي مُقرّا سلفا بأني تخيّلتُ التاريخ البشري كله؛ ماضيه وحاضره ومستقبله مضغوطا بقرصٍ ليزريّ، غير أن العلم لم يتمكن بعد من صناعة أجهزة إلكترونية تقرأ أحداث المستقبل في ذلك القرص، وبما أنني لست بمُنجّم للغيب فكيف لي أن أتوقع بأن الأحداث الجارية في الشرق الأوسط ابتداءا من التدخل العسكري الروسي-الإيراني في سوريا ولبنان والعراق واليمن يقابله نافخ الكير السعودي، وحمالة الحطب الإمارتية في مرجل الأحداث السياسية في الشرق الأوسط والذي تديره إسرائيل بتمويل قطري؛ بات يغلي ويُنبىء بحرب إقليمية ودولية قادمة مُدمرة. ربما يكون السبب وكما ذكرنا آنفا؛ بأن كافة الأنظمة العربية الحاكمة منذ زمن محمد علي باشا وإلى اليوم تحمل في كيانها خاصية التدمير الذاتي. وليتكرم القارىء الكريم بقبول عُذري عمّا يُمكن أن يكون في ملامح السّير الذاتية السّياسية للأنظمة العربية مخالفا للمسلمات والثوابت القومية والوطنية التاريخية المقررة في المناهج الدراسية الرسمية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. آثار القصف الإسرائيلي على بلدة عيترون جنوبي لبنان


.. ما طبيعة القاعدة العسكرية التي استهدفت في محافظة بابل العراق




.. اللحظات الأولى بعد قصف الاحتلال الإسرائيلي منزلا في حي السلط


.. مصادر أمنية عراقية: 3 جرحى في قصف استهدف مواقع للحشد الشعبي




.. شهداء ومفقودون في قصف إسرائيلي دمر منزلا شمال غربي غزة