الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


‎امرأة من حديد!

مظهر محمد صالح

2018 / 5 / 22
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


‎امرأة من حديد!
GMT 18:09 2016 الجمعة ,01 إبريل / نيسان

مظهر محمد صالح
من بدائع التشخيص التي عثرت عليها، هي تلك الورقة الفضية التي مدت على بساط الحقيقة لتهيئ لي فرصة الشعور بخلود رجالات الأمة العراقية، ودوام إرادة الحياة التي تتوارى فيها فكرة النهاية والتطلع إلى المستقبل. فحقا بين ثلاث زعامات سياسية عراقية عملاقة، أثرت في التاريخ السياسي والاقتصادي المعاصر للبلاد بعطائها في القرن الماضي، منحت الأمة بالمقابل ثلاثة من عباقرة العمارة، وهم أبناء او أبناء عمومة تلك النخبة التي أرست بدورها ولادة الدولة العراقية الحديثة، ودافعت عن الديمقراطية وبناء الحريات والتقدم في تاريخها الوطني الحافل. فمثلما شكل رفعت الجادرجي، نجل السياسي الراحل كامل الجادرجي، واحدة من الزوايا الحادة في العمارة العراقية. فقد شكل هشام المدفعي، من عائلة رئيس وزراء العراق الأسبق الراحل جميل المدفعي، بنفسه الزاوية المعمارية القائمة التي تحاكي مثلث القوة السياسي في بلاد الرافدين. ولم تكتمل زوايا مثلث القوة، إلا عندما زينت المعمارية زهاء حديد، كريمة الزعيم السياسي والمفكر الاقتصادي وزير مالية العراق الأسبق، رائد الصناعة العراقية الراحل محمد حديد، زوايا مثلث قوة الأمة العراقية. تلك المرأة المعمارية التي ميزتها مجلة نيوستيتمنت البريطانية في العام 2010 من بين أول خمسين شخصية مؤثرة في العالم. انفردت المعمارية زهاء حديد والى مدى بعيد، بالرؤية المستقبلية في تصميم هياكلها المعمارية التي غالبا ما تأخذ أشكال ذات انحناءات طويلة وقوية. وهي حسب القراءة المعمارية، فأنها من الصنف الذي يستخدم نمطا من أنماط الرياضيات التجزيئية، من حيث التعامل مع النقاط والخطوط والسطوح، مع توافر القوة والصلادة والاستقرار، بما يمكّن من استيعاب فوضى الحياة العصرية!. فبالقدر الذي برعت فيه زهاء حديد في فن تصميم العمارة العصرية لتحصل في العام 2004 على جائزة علمية نادرة مماثلة لجائزة نوبل، من حيث مكانتها العالمية تسمى جائزة pritzker التي تعد من أعلى الأوسمة المعمارية في العالم، فإنها برعت في فن تصميم الملابس والأحذية النسائية والأثاث وبشكل لافت! اتخذت زهاء حديد، بناية مدرسة من العصر الفيكتوري في لندن، من دون أن تغفل أن رمز مدرسة العمارة الإسلامية البغدادية والكوفية التي أسسها العملاق المعماري محمد مكية يسكن إلى جوارها لتزهو به ويزهو بها ويزهو العراق كله بهما. إنهما عملاقا مدرسة بلاد الرافدين في تأسيس التراث المعماري العالمي. التقيت شخصيا بزهاء حديد في مساء يوم رمضاني من شهر آب 2010، ضمن حشد رسمي من رجالات العراق على فطور عمل، اختارت هي بنفسها مكان مائدة إفطارنا الذي كان مطعم شعبي في اسطنبول، ويدلك المكان من فوره بأنه شديد في عراقته، فسيح في مجلسه، وتسرك في الوقت نفسه بساطة رؤيته، يقع المكان في وسط اسطنبول، ويسمى مطعم اسطه رجب الطاوجي، اذ يبتدئ المطعم وجبات إفطاره، وفق التقاليد الموروثة، بتقديم نوع من ألبان اسطنبول، التي تصنع تقليديا في قرية متخصصة بهذه الألبان، تقع قريبا من ضواحي المدينة نفسها. كان مطعم اسطه رجب الطاوجي، يحاكي حقا من موقعه بوابات السماء التي انفتحت وقتها على حزمة ساطعة من سلاسل نجمية لامعة أحاط طيفها قلب اسطنبول، الذي اخذ يجرف تيارات الظلمة من حولنا، وهي مسرعة هاربة من حالة الوجود إلى اللاشيء! جلست زهاء على الطاولة نفسها التي جلسنا عليها، ومن الجهة المقابلة لنا، مع فريق عملها من المهندسين، وقدمت من فورها بطاقة عملها التعريفية لنا جميعا، وتطلعت في تلك البطاقة لأجد أمام عيني مستطيل من المقوى شديدة البساطة في تصميمه، خال من الألقاب أو التزويق إلا اسمها واسم عائلتها. وانك تحس من الوهلة الأولى، أن هذه المرأة العالمية لا تنتمي، إلا لمدرسة واحدة هي مدرسة العراق!. لم يأخذ الحديث في تلك الساعة همومها المعمارية، ولم يشغلها إلا التحدث عن مصير تلك العائلة البغدادية من الطبقة الوظيفية المتوسطة التي كانت ظروف حياتها تسمح لها في ستينيات القرن الماضي وسبعينياته أن تقضي بعض عطلة صيفها في انكلترا، مثلها مثل الكثير من الطبقة الوسطى العراقية!. ولكن لم تترك الحياة لهم بعد عقود من الزمن من فرصة، بعد أن حاصرتهم أوضاع البلاد الاقتصادية والمعاشية في تسعينيات القرن الماضي لتسحقهم عجلة البؤس التي توافرت بحرية واسعة، وهي تتجاهل مشاعر الناس وتطحن جوعهم، ما اضطر العائلة إلى بيع مدفئة شتائها في أوقات البرد التسعيني القارص لتعوض عنها برغيف خبز، كي تستمر الحياة عندها، ولو بأدنى صورها الممكنة، للتلاحم مع شغف العيش والصراع من اجل البقاء من دون هدف يذكر! تحدثت زهاء بحرقة وعاطفة جياشة عن حال العائلة التي تعرفها بنفسها، وحال اهل العراق جميعا في أزمنة العوز والفاقة وعيناها تدمع. إنها المرأة الحديدية صاحبة القلب الكبير. ونحن نستمع إليها دون أن تعلم أني احد من استبدل مدفئته النفطية بأقراص خبز سمراء في تسعينيات القرن الماضي، ولو سألت زهاء حديد الجلوس كلهم في تلك المأدبة العامرة لوجدت عند كل واحد منهم قصة في الحزن الإنساني! فبين زمنين متناقضين، أسهم والدها السياسي الوطني والاقتصادي اللامع الراحل محمد حديد في تأسيس عناقيد أو شركات الإنتاج الصناعي، يوم امتلأت أسواق البلاد بوسائل التدفئة والتبريد والسلع الوطنية الصنع، في ظاهرة لتنويع الإنتاج الصناعي للعراق. لننتهي حقا بعدها إلى عقود مؤلمة، وأوضاع اقتصادية ممزقة، وأزمنة خلت من عجلات إنتاجها، استبدل فيها الناس ما بحوزتهم من منتجات صناعية وطنية، من الماضي المشرق بخبز الزمن المتردي! لقد قايضت البلاد حقا عصور تقدمها وازدهارها، التي أسسها رجالات الأمة وبناة نهضتها الحديثة، من قبيل محمد حديد وضياء جعفر وإبراهيم كبة وغيرهم، بعصور هاربة نحو المجهول، إلى عصور التنمية الضائعة وخراب الصناعة واندثار معالمها، في اقتصاد مبهم خال من دواليب إنتاجه! لعل أن تعيد لنا مدرسة العمارة العراقية منطلقات حداثتها في بناء عراقي عصري آخر، وبأصابع حديدية، قوامها قلم زهاء حديد وقبضة محمد مكية، وغيرهم من رموز العراق الوطنية المعمارية، من اجل الخطو نحو مستقبل جديد للاعمار، بدلا من ان نتعثر في دفن أنفسنا في الظلام والمجهول والخوف من المستقبل، والتمتع بالعيش في اللامعنى الذي ما زال يخلو من إرادة أفذاذ، يصنعون لنا الغد، وتؤازرهم امرأة من حديد!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - توضيح
يوسف خماس ( 2018 / 5 / 22 - 00:02 )
اوضح بعض الاخطاء التي لا تخل بهذه المقالة الجميلة. هشام المدفعي ليس من عائلة جميل المدفعي وإنما ابن حسن فهمي المدفعي وهو من اصول كردية. الشئ الثاني هشام المدفعي مهندس مدني وليس معماري، والمعماري اخوه قحطان المدفعي، وبقية الاخوة سهام واختصاصه الكيمياء وعصام معماري وأشهرهم إلهام المغني والموسيقي


2 - هارب من الاقتصاد للادب ليش-وليش يخللولك صفر زميلي
الدكتور صادق الكحلاوي ( 2018 / 5 / 22 - 04:28 )
تحياتي للزميل المحترم د مظهر-طبعا انا مستغرب لانك تخصص وقتك في هذه الايام الصعبه لعراقنا العزيز للكتابات الادبيه ولا نسمع صوتك في القضيه المفتاح لحل مشاكل العراق كلها=اقصد التنميه
فكرت واعتبرت ذالك نوع من الاحتجاج=الصرخه المعلنه ان العراق في ضياع
ولكن الذي اغاضني حقا هذا اليوم واغضبني هو التقييم الاوكاء لمقالتكم اليوم والتي وان كانت شاعريه وعن المعماريه ولكنها بوضوح اشارت الى اختفاء الانتاج والاهمال الكامل للتنميه-هذا التقييم الاوطاء وهو في الحوار المدني عشره-وهذا له معنى فلسفي ذكرني باستاذ بولندي درسنا تاريخ الافكار الاجتماعيه-السياسيه في العالم وعلر مدر 4فصول طويله-قال في بداية محاضرته الاولى-لاتوجد نظريه زائفه لاقيمة لها فاءن كانت تماما زائفه فاءن الحبر والورق الذي استعمل لنشرها يبرر ضرورة دراستنا لها لان فيها شئ حقيقي -اعتقد ان 10الحوار المتمدن تشير لفكرة معلميذاك الذي درسني قبل ستين ونيف من السنين
انت يازميل لازلت شابا وانا ابرر لنفسي التقاعد اني من دكاترة منتصف الستينات-عليك رجاء ان توضح لنا ولجمهور محبيك ومحتاجيك من العراقيين لماذا تهرب من الاقتصاد الى الادب رغم حلاوة الادب


3 - مقالات شيقه
ali menhel ( 2018 / 5 / 22 - 14:41 )
نقدم الشكر والتقدير لاستاذنا الدكتور مظهر محمد صالح لان المقالات مهمة وحيويه وفيها ماء الحياة شكرا له وسلامنا الى استاذنا صادق الكحلاوى

اخر الافلام

.. #تفاعلكم | -سفراء المحبة- بإيران يعتدون على النساء في الشوار


.. ولادة طفلة من رحم امرأة قتلت في القصف الإسرائيلي في غزة | بي




.. الطفلة جانيت.. اغتصاب وقتل رضيعة سودانية يهز الشارع المصري


.. إعلاميات مداهمة ستيرك وميديا خبر هي لطمس وإسكات صوت الحقيقة




.. دراسة بريطانية: الرجال أكثر صدقا مع النساء الجميلات