الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إيران وسوريا في ميدان الصراع الروسي - الأمريكي (2-2)

ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)

2018 / 5 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


لم يعن "الخطر" الإسلامي والبوذي والأرثوذوكسي الكامن أمام الولايات المتحدة، سوى العوالم التي كانت تنخر الوعي الكولونيالي على امتداد قرون وتداعب خياله المغرم بالسطو والسيطرة والخداع والسرقة! كما أنها الأضلاع الثلاثة لمثلث العصيان الهائل أمام النزعة الغربية الكولونيالية. وليس مصادفة أن ترمي الولايات المتحدة بكامل ثقلها في العراق وأفغانستان في بداية القرن الحادي والعشرين، كما لو أنها تريد تحقيق فرضية "القرن الأمريكي". غير أن الغزو لم يكن في يوم ما من الأيام تحقيقا لحقيقة أو إرساء لفضيلة. من هنا تحول القرن الزمني إلى قرنين ناطحت بهما الولايات المتحدة العراق وأفغانستان، أي البلدين اللذين كانا آنذاك من بين أكثر بلدان "العالم الإسلامي" ضعفا وتحللا ونخرا وضعفا.
لقد نفذت الولايات المتحدة الشعار القائل بضرب رأس الجبان لكي يهلع لها قلب الشجاع! لكنها إطاحة بلا مبارزة! وشجعان اليوم ليسوا كشجعان الأمس. مع أن قلب الشجاع لا يصيبه الهلع. كما أن بقايا البطولة القديمة لا تصلح لتقاليد الارتزاق المستشرية في بنية القوات الأمريكية. والدعاية يمكنها إسدال الغشاوة على أعين المشاهدين البسطاء، لكنها لا تصنع ستارا واقيا من زوبعة الوجود الحي كما هو، أي بكل مظاهره الخشنة والقاسية. وقد يكون الخروج المتخفي للقوات الأمريكية من العراق مثالا حيا لهذه الخاتمة السخيفة. والشيء نفسه سيحدث في أفغانستان!
غير أن هذه الهزائم كانت في الوقت نفسه هزائم العالم الإسلامي والعربي بشكل خاص. قد استطاعت الولايات المتحدة المنهمكة بإعادة صنع العالم على هواها أن تدخل دهاليز الغلو الأيديولوجي والعماء السياسي. ومن ثم التحارب على أكثر من جهة وجبهة ومستوى. وهو ديدن الإمبراطورية الذي ينهك قواها الذاتية. فقد كان سقوط الولايات المتحدة في الوحل العراقي والأفغاني ومحاربة طواحين الهواء "الإسلامية"، قد ترك لروسيا (والصين) الفكاك النسبي من تحرشها. وفي الوقت نفسه قد ألهاها عن مهمة التأمل النقدي العميق لتجاربها ومواقفها السياسة تجاه العالم الإسلامي بشكل عام والعربي والإيراني بشكل خاص.
إن العالم الإسلامي هو الفاصل بين الولايات المتحدة والعالم الروسي (الأرثوذوكسي) والصيني (البوذي). وهي عوالم لم تعرف الصراع الحضاري والثقافي فيما بينها. على العكس. لقد كان تاريخها نموذجا للتفاعل والاحترام المتبادل. وذلك لأنه لم تفسد أذواقهم طعوم الكولونيالية الحديثة (والاستعمار الروسي كان جزء من التقاليد الإمبراطورية الآسيوية وليس الكولونيالية الأوربية. وهذه أشياء مختلفة تماما). أما في القرن العشرين (قرن الذروة الكولونيالية) فقد وحّدهم في جبهة الصراع ضدها. من هنا ترسخ وتعمق شعور العداء والكراهية للغرب في البداية لأوربا والآن لأمريكا، بوصفهما تركيبة غربية (غريبة) وحالة كولونيالية. وهو بعد يفعل فعله في المصالح الجيوسياسية والاقتصادية والعسكرية، تماما بالقدر الذي تفعل هذه المصالح المتصارعة على إذكاء قوة "الصدام الحضاري" الذي تحول إلى محرك خفي وراء نزوع وهواجس الرؤية الأيديولوجية الأمريكية. وقد بلغ ذلك ذروته في مرحلة صعود وهيمنة المحافظين الجدد، أي ذروة الصعود الأمريكي واحتلاله للعراق وأفغانستان بوصفهما ميدان تجريب هذه الرؤية. فقد كان "نجاح" هذه السياسة المنفردة والمستفردة التي وقفت آنذاك ضد العالم لوحدها من اجل "إعادة بناءه" على الطريقة الأمريكية، جعل من الدول الأخرى في مخيلتها مجرد قطع دومينو يمكن رميها بسهولة. وأصبح السؤال الوحيد الذي ينبغي أن يقلق الدول ورؤساءها هو "من القادم؟" بينما كان بإمكان الولايات المتحدة أن ترفع إصبعها تجاه أي كان لتقول له: "أنت القادم!". لقد بلغت نشوة الغرور في السياسة الأمريكية حدا بدت لنفسها كما لو أنها ساحر الوجود الأوحد، دون أن تستدرك استكماله البسيط القائل، بان السحر يمكن أن ينقلب على الساحر.
لقد فقدت الولايات المتحدة شعور الواقعية وإدراك الحدود الذاتية. من هنا تهورها وانهماكها في دفع عجلة "السير إلى أمام" بلا توقف. بمعنى أنها لم تدرك بان المواقف ضرورية في كل شيء. ولكن ما هو الشيء الذي يمكنه أن يوقف الأعمى غير عثرات الطريق؟ وقد أخذت هذه العثرات بالازدياد ليس بسبب كثرتها فحسب، بل وبسبب سرعة الأعمى! فقد أرادت الولايات المتحد أن تقضم كل ما يقف أمام أسنانها: دول البلطيق، وأوربا الشرقية، والعمل من اجل إدخال اوكراينا لحلف الأطلسي، وكذلك جورجيا وأذربيجان ثم أفغانستان والعراق، وذلك دويلات الخليج شبه العربية التي كانت تحت هذه السيطرة والهيمنة منذ عقود. إننا نقف هنا أمام استعجال محموم بإحكام السيطرة على كل الطوق الغربي والجنوبي لروسيا. ولم يبق في الواقع سوى إيران وسوريا. فهما الموقعان والدولتان والنظامان السياسيان الوحيدان اللذان كانا يتمتعان باستقلال تام، ويقعان خارج التأثير الأمريكي، بل ومعاد له.
إننا نقف أمام خارطة جيوسياسية تكشف عن محاولات الولايات المتحدة التحكم بالعالم الإسلامي بوصفه مصدر الخطر الحالي الأكبر من بين العوالم الثلاثة الحضارية الكبرى "المعادية" للحضارة الغربية حسب المفهوم الأمريكي الجديد أي العوالم التي لا تقر ولا تريد الإقرار بالقرن الأمريكي ونهاية العوالم غير المنطوية تحت جناحه المنفوش! فقد كانت إيران تقف على طوال الخط د النهج الأمريكي منذ انتصار الثورة الإسلامية. أما بالنسبة لسوريا فأنها كانت تتراوح بين مواجهة تتسم بقدر كبير من المقاومة القومية وتذبذب سياسي تجاه دول الخليج (الأمريكية) والعراق. إلا انه تذبذب جزئي. من هنا لم يكن احتلال العراق وأفغانستان سوى الأسلوب الضروري لإحكام السيطرة الأمريكية على العالم الإسلامي. فقد كان احتلال أفغانستان والعراق يحتوي على محاولة محاصرة إيران من الشرق والغرب. وهي خطة كانت ترمي إلى إحكام العزل التام لإيران. فقد كانت محاطة من دول محتلة (أفغانستان وتركيا والعراق والخليج). إلا أن هذه الخطة السحرية كان لها مثالبها الجوهرية أيضا. أنها جعلت إيران في قلب المعركة. ومن ثم قدرتها على التأثير في كل هذه الجهات. بمعنى أنها جعلت الولايات المتحدة أيضا تحت مطرقة العوالم الثلاثة "المعادية" - الصين وروسيا وإيران (العالم الإسلامي). بعبارة أخرى أنها أرادت محاصرة هذه العوالم، فأصبحت هي المحاصرة بينها. ولم يكن ذلك حدسا بقدر ما انه كان هدفا مدركا من قبل الجميع. ولعل حلقات التقارب الروسي والصيني والهندي واسيا الوسطى (مجموعة شنغهاي) واجتذاب القوى الكبرى للقارات الكبرى (أمريكا اللاتينية - البرازيل) و(أفريقيا - جمهورية جنوب أفريقيا) وتشكيل (مجموعة بريكس) هي الحلقات الأولى لهذه العلمية المعقدة. وليست هذه بدورها سوى صيغة جديدة وأولية لمواجهة هيمنة "القطب الواحد" الذي تعرض لضربة أولية قوية في مجرى الحرب الابخازية – الجورجية. فقد وجهت روسيا ضربة أولية قوية لمحاولات تطويقها الجيوسياسي والعسكري. كما أن دعمها المتواصل للمشروع النووي السلمي الإيراني يهدف من الناحية الموضوعية إلى صنع توازن خفي من طراز خاص.
فالتجربة السياسية على مدار عقدين من الزمن (من 1991 حتى الآن) كشفت عن طبيعة وشكيمة الإرادة السياسية القومية والإسلامية للدولة الإيرانية. كما كشفت عن أن التحالف التقليدي الراسخ بينها وبين سوريا هو تحالف "دول الشر" المواجهة للشرير الأمريكي! بعبارة أخرى، إن كل ذلك كشف عن ثلاثة حقائق كبرى وهي: أن إيران وسوريا دولتان متحالفتان، وان حلفهما حلف مجرب، وأنهما يمثلان القوة التي كانت تخزن رغم كل المآخذ على طبيعة واختلاف نظمهما السياسية، وحدة المكونات الإسلامية (الثقافية) والقومية (العربية والفارسية الإيرانية).
وقد كانت حصيلة هذه المواجهة الانتصار النسبي لإيران وسوريا. أما خروج قوات الاحتلال الأمريكي من العراق، فقد أضاف قوة كامنة لتشكيل المحور العربي (العراقي السوري) الإيراني، أي القوة التي تفعل على المدى البعيد ضمن سياق نمو وتراكم البؤر الجديدة المعادية للهيمنة الأمريكية (المحور العربي الإيراني + محور مجموعة شنغهاي + بريكس، إضافة إلى الاحتمال الكامنة لتشكيلات مستقبلية جديدة). وهي عملية جيوسياسية واقتصادية وثقافية وأمنية بقدر واحد. أما الثورات العربية الجديدة فقد أضافت بعدا اجتماعيا قوميا عارما في هذا الاتجاه رغم كل الطابع الدرامي والمتناقض لها في مراحلها الأولية. أما الحصيلة فأنها تشير إلى أن السياسة الأمريكية تجاه العالم (وفي الحالة المعنية تجاه روسيا والعالم العربي والإسلامي) بعد ثلاثة عقود من الزمن وإحكام سيطرتها النسبية، قد بدأت بالتآكل. فقد حرجت إيران أقوى من السابق. وهنا بدأت تبرز قيمتها الجيوسياسية في معركة المصالح الكبرى والمحاور الآخذة في البروز والتنافس. أما العالم العربي، فان براكينه الداخلية لا يمكن التحكم بها. من هنا محاولات السطو لرمي ما يمكن رميه في فوهتها من اجل إطفائه أو جعل حرائقه مثيرة للخوف والقرف! وليست المحاولات الأمريكية والخليجية (والتنافس السعودي والقطري) للظهور بهيئة القوى "الطليعية" للثورة سوى احد مهازل التاريخية الكبرى الحديث والقديم على السواء. ومن ثم ليس الدفاع عن ا"الثورة السورية" سوى الأسلوب المناسب لحرف مسار الفيضان البركاني صوب المدن العربية لا صوب الربع الخالي من معنى الحرية والقومية والحق والشرعية!
وبالمقابل نرى التقاطع الروسي الأمريكي يبلغ درجته القصوى التي تجعل فيما يبدو من الصعب الرجوع إلى الطريقة "السلمية" السابقة، وبالأخص بعد بروز ووضوح أطر السياسة الإستراتيجية الأمريكية لتطويق روسيا بمنظومة الصواريخ الجديدة. وبما أنها من حيث الدعاية موجهة ضد إيران، من هنا أصبحت روسيا = إيران، وإيران = روسيا. والشيء نفسه يمكن قوله عن العلاقة الروسية - السورية.
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران وروسيا والصين.. ما حجم التقارب؟ ولماذا يزعجون الغرب؟


.. مخلفا شهداء ومفقودين.. الاحتلال يدمر منزلا غربي النصيرات على




.. شهداء جراء قصف إسرائيلي استهدف منزل عائلة الجزار في مدينة غز


.. قوات الاحتلال تقتحم طولكرم ومخيم نور شمس بالضفة الغربية




.. إسرائيل تنشر أسلحة إضافية تحسبا للهجوم على رفح الفلسطينية