الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حقوق الرعي والتنقل لدى فيدرالية « أيت ياف المان» بجبال الأطلس الكبير الشرقي المغربية

لحسن ايت الفقيه
(Ait -elfakih Lahcen)

2018 / 5 / 23
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


تفيدنا وثائق الحماية الفرنسية بالمغرب، إن هي إلا تقارير وصفية ميدانية، في إرساء سوسيولوجيا الترحال القبلي، والاستقرار بجبال الأطلس الكبير الشرقي. فلو يسمح لي القاريء بالثناء قليلا، لأفصحت أن للمستعمر مزية إقحام أوساط قبلية تتخبط في أهوال الشفاهية، في عالم الكتابية.
لا أحد ينكر أن الزوايا المتناثرة بالوسط القروي بذلت مجهودا جبارا في التوثيق، تُدون الاتفاقيات القبلية بعد أن كان يجري ترسيمها بالدم، أو بتناول طعام يُسقى بحليب نساء الطرفين المتفقين، (تاظا) بالأمازيغية، فترى المتفقين يحسبون أنفسهم إخوة من الرضاع. لكن وثائق الزوايا تتلاشى لضعف تجديد استنساخها، فتعود الشفاهية إلى أصل عهدها. وفي جميع الأحوال أثبت الواقع أن الهوية الثقافية للقبائل، بما هي مكون من مكونات ذاكرتها، صامدة بسواد الشفاهية أو مدعمة بالكتابة. وكلما ضاعت الوثيقة أو تلاشت، يظل العهد قائما، إذ العهد يصمد بصمود الوفاء به.
إن الذي أضافته الحماية الفرنسية، لواقع الشفاهية والذاكرة، إقدامها على تدوين كل شيء شفاهي، ونقل المخطوطات، إن كانت عقودا والتزامات إلى السجلات الرسمية. وحسبنا أن الجزائري مصطفى نيهليل طوع أو استؤجر فقدم خدمة فائقة لتدوينه جل أعراف قبائل حوض كير، بكاف معقودة، بالجنوب الشرقي المغربي. أعراف مصنفة منشورة ضمن كتاب «أرشيفات البربر»، أو «Les archives bérberes» باللغة الفرنسية.
01 - التحولات المجالية وجدلية الشفاهية والكتابية في التصرف في المجال
دخل المجال عنصرا ضمن ما يمكن تسميته بالمجالية الثقافية، وهي جزء من الهوية الثقافية للقبائل، ومكون من مكونات الذاكرة الجماعية، مع التحولات القروية التي حملها جفاف الثمانينيات من القرن الماضي، واستفحال الحاجة إلى المجالات الزراعية، وتراجع الرعي،. ولقد أتت التحديدات الإدارية، في وقت متأخر، لتمكن المستقرين وتعززهم، بالباطل، وتجعل لهم حقوقا في المجال، على حساب الرحل. فكان أن اختفت مجالية قبيلة أيت موسى بإقليم الرشيدية، وتراجع مجال أيت خليفة، بل اختفت الجماعة الترابية أيت خليفة الترابية برمتها. وأمام إلباس المجال ألبسة غير صحيحة، أضحى ذلك الذي دونه المستعمر الفرنسي مُهِمّا، إن لم نقل إن الوطر إليه يزادد كلما تعمق النزاع حول المجال.
الترحال والاستقرار نمطان سوسيواقتصاديان سائدان في المغرب منذ قديم الزمان. ويشهد التاريخ أن الترحال مكث، بعيدا، نمطا مرغوبا فيه، وأسلوبا في العيش، مقدما بكثير على الاستقرار. فالترحال تعبير عن الحرية وتجسيد لمفهوم الأمازيغية التي ترادف في المعنى الحرية. وفي العصور التي ساد فيها الدفاع الذاتي للقبائل، كان الرحل ينتصرون على المستقرين لقدرتهم على التنقل السريع، والكر والفر. والأمازيغ، بطبعهم رحل، ينزعون نحو الانتجاع، إلى حدود الأمس القريب. ولا يزال منهم من ظل منقطعا للترحال، متشبثا بهذا النمط السوسيواقتصادي. وتفيدنا الآثار الباقية من البنايات أن الاستقرار سمة الأقليات العرقية، في الغالب، إذ هم يُسخرون في المزارع، كنحو الأفارقة المجلوبين خلال القرون الوسطى ليشكلوا يدا عاملة بواحات الجنوب الشرقي المغربي، التي يطلق عليها بلاد القبلة. ومن الأقليات من لبس لباسا ثقافيا وأخص منه الشرفاء الأدارسة الذين اختبأوا بالجبال إثر سقوط دولتهم بفاس، فأسسوا رباطات للتعبد سرعان ما تحولت إلى زوايا لممارسة النسك، على نهج التصوف الطرقي، الذي علا شأنه في القرن الخامس عشر الميلادي وما بعده. وللإشارة فإن الأقليات العرقية مكثت طول الزمان مفتقرة إلى حق الدفاع الذاتي، لذلك تلجأ إلى العصبيات القبلية لتضمن لها الرعاية والحماية، مقابل نوال يدفع لها باسم «النايبة»، أي: واجب الحماية. وسرعان ما تمكنت الأقليات العرقية ذات النسب الطيني الإدريسي أو ذات النسب الصوفي الروحي من الحصول على ظهائر التوقير والاحترام من لدن السلاطين الذين تعاقبوا على حكم المغرب، ابتداء من سنة 1757 يوم استقر الوضع للسلطان عبد الله بن إسماعيل، عقب أزمة دامت ثلاثين سنة. يحمل هؤلاء لقب الشرفاء أو المرابطين لحملهم طريقة من طرق التصوف. وقبل ذلك حملت الأحداث التي عرفها المغرب، ومست أمنه، كنحو الاستعمار البرتغالي للشواطئ المغربية، ابتداء من القرن 15 الميلادي، بروز الزوايا كقوى سوسيوسياسية، وإن شئت مؤسسات دينية واجتماعية، إذ اكتسبت الأرض الزراعية، ووظفت عمال الأرض في المزارع، وأنشأت قرى وظيفتها الوحيدة ممارسة الزراعة لإنتاج محاصيل زراعية، كي تُمكن هذه المؤسسات من إطعام الطعام على حبه. هنالك ازدهرت الزاوية العياشية بجبال الأطلس الكبير الشرقي، والزاوية الوكيلية، وزاوية سيدي أبي يعقوب يوسف. فالوضع، وقتها، لم يعد يرشح الترحال، ويجعله نمطا سيدا. فالأمور انقلبت على عقبيها، بسرعة، وأصبح الاستقرار في الجبال يشكل القاعدة، والترحال سلوك غير مرغوب فيه، خصوصا مع ظهور القيادات التقليدية، في القرن التاسع عشر، وافتقارها إلى مزارع الفصة لتغذية الخيول المهيأة دواما لخوض المعارك حول الأرض. وفي مسار الصراع حول المجال، أن كان أرضا زراعية ومحطبا وبساطا معمرا بالدور لدى المستقرين، أو كان منتجعا صيفيا وشتويا، يستجيب لرحلة الشتاء والصيف لدى الرحل، نشأ العرف يحوي معلمة المجال، كلما هدأ الصراع، وجلس العناصر المتحاربة لمناقشة مسار السلم. وهنالك، تُطرق أبواب الزوايا طلبا للتوثيق، بما هي مؤسسات تعتمد الكتابة وذات مهارات في تدوين الاتفاق، الذي يدعا «تيعقيدين» بالأمازيغية، أي: الاتفاقيات والتعاقد بين الأطراف. ولم تصمد وثائق «تيعقيدين»، كلها، أمام الزمان، إذ سرعان ما تضيع الوثائق وتندثر، ولحسن الحظ، ظل السكان أوفياء للعهد، وكل يعرف حدود مجاله شفاهيا. ولما نزل المستعمر الفرنسي الأوساط القبلية، حمل معه طابع الكتابية والتوثيق فدون العرف الشفاهي، واستنسخ الوثائق المكتوبة وترجمها، وفق المتوافر، وبذل مجهودا فائقا في تسوية الخلاف بين العشائر والقبائل حول الحدود الوظيفية للمجالات.
وكما هو الحال من قبل ظل المجال يحمل في الحال هوية ثقافية، لذلك طالما يرتدي لباسا إثنوغرافيا. ولا تفتأ الهوية المجالية تطفو على السطح، كلما بزغت رغبة التحديد الإداري لمجال وظيفي ما. ومن بين الإشكالات التي استصحبها التحديد الإداري مشكل الجوار القبلي وما يبطنه من الصراع حول الحدود، فضلا عن الصراع بين الاستقرار والترحال، في مجال قبلي معين. وأحب الوقوف عند نموذج واحد بقلب جبال الأطلس الكبير الشرقي، متصل بفيدرالية أيت ياف المان، قبل تفككها، عمليا، في نهاية عهد الحماية الفرنسية. تتكون فيدرالية أيت ياف المان من القبائل: أيت حديدو، وأيت مرغاد، وأيت يحيى، وأيت يزدك، وعرب الصباح [بباء مشددة مفتوحة].
وإنه بإهمال الأعراف الأمازيغية، وإغفال استحضارها في كل توتر، يظهر ما يسمى السياسة الترابية، في القرن الواحد والعشرين، أنها تدبير عشوائي مرتجل. ولا يمكن مواجهة الأمر إلا بالوثيقة، وفي غيابها يحسن استنطاق ما تحويه المجالية الثقافية ضمن الأعراف الشفاهية، وذلك بمواصلة تدوين التراث الشفاهي. ولا يمكن فهم المجالية على وجهها الحالي الذي يجسده الصراع بين الاستقرار والترحال دون العودة إلى نماذج مما تحويه الوثائق.
02-- دراسة فردية مفصلة حول تنقل أيت مرغاد
قام الضابط العسكري الفرنسي القبطان ألونو رئيس ملحقة أسول بجبال الأطلس الكبير الشرقي، في عهد الحماية الفرنسية على المغرب، بإنجاز دراسة حول تنقل أيت مرغاد. وحبّ أن يضع القبيلة، محور دراسته، ضمن انتمائها لفيدرالية أيت ياف المان القبلية.
يحسب الدراس المرعى ويقدره «عند القبائل التي لا مورد لها ولا مكسب غير ماشيتها»، أنه «أهم ملجأ وخير حافظ لها». إلا أن المرعى، محفوف على الدوام «بمشاكل عويصة قد تزيد حدتها وتبقى، على مر الأيام، بغير حلول قاطعة، وكذلك الأمر في مختلف الجهات التي تعتمد بها تربية الماشية»، إذ يفرض وطر الانتجاع على القبائل التنقل المستمر.
«ففي أعلى النجود الجزائرية، رغم مضي أزيد من مائة سنة على الاحتلال الفرنسي، مازال الأمر على ما كان عليه، ولم تزل الحالة تقضي – كل عام- بتعيين أحد ضباط الشؤون الأهلية المختصين ليقيم حكما بين الرحل في بحثهم على المراعي، ويتنقل معهم طيلة فصل الصيف. وفي ذلك أكبر شاهد على ما يوليه المسؤولون، ثمة، من رعاية لهذا المشكل. وعلى أي، فإن تنقل الماشية رغم كون بعضهم يجمعون على جعل حد له، يبقى في نظر بعض الجماعات ضروريا وحيويا لها. إنه- التنقل- بمثابة الماء أو التربة في نظر غيرها.
ففي فرنسا، يعتبر الصعود بالماشية – كل صيف- نحو قمم الجبال أمرا واقعيا لا محض خيال تطرق إليه الكاتب الشهير ألفونس ضوضي فقط» (َAlphonse Daudet)، يغلب أن تناول ذلك في كتابه (Les lettre de mon moulin). وبعد هذه المقدمة تساءل الضابط القبطان ألونو: لماذا لا نحقق في المغرب، بعد التدريبات الضرورية، ما سبق تنسيقه، والاعتراف به في فرنسا وفي الجزائر، بعد ما ثبتت ضرورته هناك؟
استدرك القبطان ألونو قائلا: «وبما أننا لسنا بصدد القضاء على حرمان القبائل الرحالة من تنقلاتها الفطرية، ولا العمل على التخفيض من حدة تلك التنقلات، فلا يسعنا إلا أن نعتبر الواقع كما هو، وعلى ما هو عليه، وأن نسعى في استخلاصنا أنجع درس من ذلك الواقع الذي لا مفر لنا من الخضوع إليه». وفي هذا التصريح اعتراف بحق الرحل في التنقلات، وضمنه المحافظة على البنية التقليدية في المجال المسمى المغرب غير النافع. وحسبنا أن النظام الرأسمالي، بما هو نظام اقتصادي واجتماعي، لا يمكن أن يتسمر بدون الاسترسال، ويقضي استرساله تفكيك البنية الاقتصادية الاجتماعية التقليدية للدول المستعمرة [بفتح الميم]. وبعبارة أخرى، لن يرسو النظام الرأسمالي بدون تفكيك البنية الاجتماعية إلى طبقتين، طبقة تملك وسائل الإنتاج، وطبقة مجردة من الملكية، ومؤهلة لتضحى يدا عاملة بالمصانع، أو بالضيعات الزراعية. ذلك ما فعلته فرنسا في النطاق الذي تسميه المغرب النافع، حيث السهول والمنبسطات الخصبة. وأما في النطاق الذي قدرته غير نافع، لفقره من الماء والتربة والموارد الأخرى، حافظت فرنسا على البنيات العرفية التقليدية، بل دعمتها بمحاكم عرفية، أصدرت ظهير 16 من مايو من العام 1930منظما لها. وتلك، إذن، بعض أوجه التعديلات التي أتت بها الحماية الفرنسية. ويضيف الضابط المذكور: «وقبل أن نقترح حلولا من شأنها أن تعدل تنقلات قبائلنا، بوضعنا لها قانونا ملائما، ينبغي أن تكون تلك الحلول المقترحة كفيلة بتبسيط مختلف المشاكل، وحلها حلا مرضيا، في آخر الأمر، شريطة أن نعترف مسبقا، على جميع ما قد يكون ثمة من أغلاط، ومعطيات مختلفة ومصاعب طارئة». ذلك هو هدف الدراسة «في قسمها الأول والثاني. بينما تعكف نفس الدراسة في بابها الثالث على عرض المطالب المقترحة حاليا، من طرف أيت مرغاد، والتطرق في بابها الرابع، إلى القوانين العرفية المنطبقة على « تنقلات القبائل في بحثهم عن المراعي»». وفي الباب الآخر، من تلك الدراسة، جرى كان عرض الحلول.
انتقل القبطان ألونو إلى ذكر تنقل أيت ياف المان، مذكرا أن العرف، بما هو القانون الجاري عندهم «بشأن تنقلاتهم بمواشيهم، يقوم على مبدأين»، أولهما حق كل ذي ماشية، ينتمي إلى القبيلة أن «يترك ماشيته ترعى بدون عوض [بدون نوال] في نطاق دائرة الجماعة»، وثانيهما أن يحترم «الكساب»، أي: ذو ماشية، المراعيَ المحروسة «إيكدلان»، بكاف معقودة، جمع «أكدال» بالأمازيغية. وينعت القبطان ألونو تلك المراعي أنها هي «المحدثة إثر الاحتلال»، أي الاحتلال الفرنسي، وأنها، بعبارة أخرى، «انتهاء فترة السيبا»، أي: فترة الفوضى. ويستفاد من هذا الكلام أن جبال الأطلس الكبير الشرقي لم تندرج ضمن النطاق الذي يحكمه المخزن، أي: السلطة المركزية. ويُشترط «ألا يدخل على تلك المراعي أي تعديل، دون موافقة الجماعة على لسان ممثليها القانونيين»، أي: سلطات الاحتلال الفرنسي.
03- دواعي تعديل على عرف المراعي لدى أيت ياف المان
أدركت فرنسا حينها وجوب إنهاء عهد السيبا، وإرساء مفهوم الدولة، كذلك يحسب الاستعمار كله بالقارة الأفريقية جميعها. لقد أدخل مفهوم الدولة، وأرسى دعائم المدنية، ووضع نهاية لمرحلة تاريخية ما! ولقد أثارت المفاهيم التي حملها المستعمر الفرنسي جدلا فكريا في المغرب. فكيف يمكن نعت المجتمع المغربي في فترة ما قبل الحماية الفرنسية؟ هناك من قال إنه مجتمع إقطاعي، ونجد الأستاذ بول باستكون يقول بسواد القائدية المخزنية، وناقش الوضع الأستاذ إدريس بن علي في أطروحته بالفرنسية «المغرب ما قبل النظام الرأسمالي»، «précapitaliste Le Maroc ». وأثر مفهوم بلاد المخزن وبلاد السيبا، كذلك، جدلا عميقا.
يقول القبطان ألونو «وقد دخلت على قانون التنقل بحثا عن المراعي الخاص بأيت ياف المان تعديلات»، ذكر أسبابها. من ذلك «الوضع الناجم عن الاحتلال وانتهاء فترة السيبة التي تقدمته»، فإذا لم يتغير القانون فإن ادعاء المستعمر بحمله مفاهيم الدولة الحديثة غير ذي معنى. وهناك سبب «الهدنة التي شجعت القبائل التي كانت مضطهدة على المطالبة بحقوقها»، مثل الأقليات العرقية، التي لا حق لها في الدفاع الذاتي، وفق العرف الأمازيغي. و«من المعلوم أن كل نزاع من هذا القبيل»، أي: النزاع ذو الصلة بالمرعى «كان حله بإرادة الأقوياء»، وهذا صحيح،« لكن في الوقت الراهن ومنذ عشرين سنة مضت»، على فرض الحماية على المغرب «أصبحت تلك النزاعات تحل على أساس ما تتخذه، السلطة المختصة من قرارات ضرورية» . ومثال على ذلك «تضخم الحاجة إلى المراعي بسبب توافر عدد الماشية لدى بعض القبائل»، و«ضآلة المراعي التي أصبحت لا تلبي الحاجة في بعض الجهات من جراء تزايد المواشي بها»، وهذا العرف سائد، للآن، مفاده أنه كلما فاقت عدد الرؤوس 60 رأسا، يتوجب على «الكساب» المغادرة بعيدا. واسترعى انتباه القبطان ألونو، ما حملته الحماية الفرنسية من تقطيع إداري ليضيف داعي «وضع حدود لم تكن معهودة من ذي قبل بين المناطق الإدارية، وهي حدود لا تتلاءم مع الحواجز المصطلح عليها بشأن تنقلات المواشي»، و«اتساع دائرة الأرض الزراعية». وهناك مثبطات التنقل السائدة ذات الصلة بالمراعي المحروسة «إيكدلان». تلك هي دواعي تعديل العرف، وما أكثر الأعراف التي تعدلت مع دخول المستعمر، كنحو عرف بوذنيب.
04- ما ينبغي التركيز عليه في عرف أيت ياف المان
لم تحوِ دراسة القبطان ألونو النص الكامل لعرف أيت ياف المان، ولكنها لم تخلُ من مواقف عرفية تفيدنا في الحقوق الثقافية.
- «يقضي العرف الجاري به العمل عند أيت ياف المان إلزام مختلف فخداتهم بكل الاتفاقيات المبرمة بين قبيلتين متجاورتين». فإذا اتفقت أيت عيسى يزم إحدى بطون أيت مرغاد، على سبيل المثال، مع أيت إبراهيم من أيت حديدو فإن الاتفاقية، ملزمة لكل أبطن أيت مرغاد وكل أبطن ايت حديدو بأسيف ملول وأمدغوس. وإذا ما اتفقت أبطن أيت مرغاد في جنوب الانكسار الأطلسي الجنوبي مع أيت عطا، فإن ذلك يلزم كافة أيت مرغاد.
- «حرية المرعى للرحل المنتمين للفيدرالية القبلية فوق ترابها»، باستثناء ««إيكدلان» القصور التي كانت موجودة قبل الاحتلال، وصرف النظر عن سائر الاستثناءات التي سبق لأرباب المواشي الاعتياديين أن سلموا بها صراحة».
- حق المرور مكفول: يسمح للرحل باجتياز «إيكدلان» شريطة «ألا يخرجوا عن طريق معين، وأن يقضوا بها ليلة واحدة دون أن يخرجوا عن الطريق المعين لهم مسبقا».
- تطبيق «الإيفغليل». «إيفغليل» بالأمازيغية، أو «إيفغل»، ومنه «أفغول»، أي: التصرف مفردا، وتعني المتوحد في عمله. وفي مجال الانتجاع تعني التنقل مفردا، بدون خيمة. وعرفه القبطان ألونو: «هي عادة قديمة معمول بها عند أيت ياف المان، وبمقتضاها يعرض على أصحاب المواشي أن يقضوا الليل صحبة مواشيهم بعيدا عن الخيام، في نفس المرعى التي تغيب عليهم الشمس بها. وبالرغم عن كون أيت مرغاد ن تانا عارضوا أيت حديدو بشأن تلك العادة فإنها بقيت مفروضة عليهم لكونها موافقة لعرف أيت ياف المان».
05- مبادلات المراعي بين أعضاء فيدرالية أيت ياف المان
حصلت مبادلة المراعي بين أيت مرغاد وأيت يزدك. ويمكن الاستشهاد بأن ثلة من أيت عيسى يزم ظلت منتمية إداريا، في الحال، إلى جماعة سيدي حمزة الترابية. ومعنى ذلك، أنهم ينتجعون مراعي أيت يزدك بفج تيزي نتلغمت، وجبل العياشي. ونُذكر أن مكتب الريش «بيرو الريش» بالتعبير الفرنسي اقترح، حسب ما أورده القبطان ألونو: «أن يقوم رؤساء مخيمات أيت عيسى يزم بزيارة للقائد الحمزاوي راجين منه بكل خضوع أن يسمح لهم بولوج مراع طالما قضت العادة بالسماح لهم بولوجها». ولا تزال عشائر أخرى من أيت مرغاد تنتج المراعي المحيطة بحاضرة ميدلت شمال جبل العياشي. وبالمقابل، إن لقبيلة أيت يزدك حقوقا في مراعي أيت مرغاد بإيغف أمان بأعالي واد غريس.
وطبقا لعرف أيت ياف المان «يتمتع «أيت مرغاد ن أسول»، أي: أيت مرغاد منطقة أسول، بحق المرعى في نطاق مختلف المراعي المنسوبة لسائر الجماعات الخاضعة لنفس العرف، أي: كل مراعي إخوانهم أيت مرغاد المقيمين بأسفل غريس، وبفركلة. وقد أظهرت أيت خليفة، وهم قبيلة خارجة عن تلك الفيدرالية القبلية»، فيدرالية أيت ياف المان «أسكنتهم سلطات الحماية بعيد انتهاء السيبة بناحية قصر السوق»، وهذا لبس يستدعي المزيد من الحفر، فقبيلة أيت خليفة تدعي أنها كانت تستوطن بمحيط قصر السوق، أي: الرشيدية حاليا، يقول: وقد أظهرت أيت خليفة «صعوبات، في بعض الأحيان، بشأن تنقلات أيت ياف المان، بمراعي كان مسموحا لهم، من قبل، بولوجها». ولتسوية الإشكال بين أيت ياف المان وأيت خليفة، كان اجتماع يوم 18 من شهر أكتوبر من العام 1947 بقصر السوق (الرشيدية حاليا). ضم الاجتماع جماعات أيت مرغاد، وأيت يزدك، وايت خليفة، إحدى أبطن قبيلة أيت سغروشن، ولم يتوفقوا في إبرام أي اتفاقية، وكل ما حدث أن «اقترحت أيت ياف المان، أن يعود الوضع إلى التمتع بحقهم القديم في التنقل من أجل المرعى جنوبي طريق تاردة، لأن أيت خليفة أصبحوا يمنعونهم من ذلك ويجعلونهم يقفون في تنقلاتهم بشمال الطريق المذكورة. ولم يتحقق إبرام أية اتفاقية، لكن أيت خليفة وافقوا على السماح لعدة خيام بولوج ترابهم مقابل خيامهم التي سبق لها أن أقامت عند أيت يزدك».
06- القيود التي فرضها الاحتلال الفرنسي على الرحل
لإنهاء ما يسمى «السيبا»، وإرساء الدولة بمفهومها الحديث ودت سلطات الحماية الفرنسية أن تعدل بعض الأعراف، وذلك بوضع قواعد عامة، نقتبس منها ما حصل بمنطقة أسول.
- «قبل خروج الجماعات المعنية في طلب المرعى يجب أن يحصل رئيس كل جماعة، على رخصة بذلك، من طرف السلطة المحلية، وتحمل تلك الرخصة اسم رئيس الجماعة المتنقلة وعدد رؤوس الماشية».
- «يتقدم رئيس الجماعة المتنقلة بتلك الرخصة لسلطة محل المرعى قصد التأشير عليها. ويعتبر رئيس الفرقة المتنقلة مسؤولا قبل غيره عن الخيام المرافقة له، ومواشي أصحابها طيلة مدة التنقل. ويتولى مكتب السلطة المصدرة إرسال نظير من الرخصة المذكورة مباشرة إلى سلطة محل المرعى».
- «على رئيس المتنقلين المعني أن يبقى على اتصال مستمر بمكتب القبيلة التي يكون بها المرعى، وأن يستجيب لكل الاستدعاءات المرسلة إليه من طرفه».
قررت السلطة المحلية بأسول مراجعة الضوابط الزجرية وفق قرار 06 من شهر مايو من عام 1950.
- «على الماشية أن تؤدي ذعيرة قدرها 1500 فرنك لفائدة الجماعة المشتكية، وعلى الراعي لأول مرة [أن يدان] ب15 يوما سجنا، ولثاني مرة 30 يوما حبسا، ولثالث مرة 60 يوما حبسا».
- العقوبة في المزروعات، تجري «كما كانت في المرحلة أعلاه. وعلى رب الماشية أن يعوض لرب الزرع خسارته بتقويم العرفاء».
- البغال والحمير بإيكودلان القصور، «يكون شأنها كما كان عليه الأمر أعلاه».
- «بإيكودلان القبيلة، أي: بأسيف ملول خاصة فبل فاتح يونيو الفلاحي»، تلزم ذعيرة «250 فرنك لكل بغل أو بغلة، و125 فرنك لكل حمار أو حمارة. وبعد فاتح يونيو الفلاحي يكون الأمر، هنا، على ما هو عليه بإيكودلان».
راجعت سلطات الحماية الفرنسية العلاقة بين المجالات الرعوية الحرة والمجالات الرعوية المحروسة المعروفة إيكودلان، جمع أكدال بالأمازيغية، وهي مراجعة طفيفة. ذلك أن الزجر بالذعيرة «إزماز» سلوك معروف لدى الأمازيغ. وتسند مهمة الزجر لشيخ المزرعة أو شيخ المرعى. وأما عادة فتح المراعي المحروسة في فاتح يونيو بالتقويم الجولياني الذي يدعى في المغرب التقويم الفلاحي فإجراء معروف منذ القديم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تنشر أسلحة إضافية تحسبا للهجوم على رفح الفلسطينية


.. مندوب إسرائيل بمجلس الأمن: بحث عضوية فلسطين الكاملة بالمجلس




.. إيران تحذر إسرائيل من استهداف المنشآت النووية وتؤكد أنها ستر


.. المنشآتُ النووية الإيرانية التي تعتبرها إسرائيل تهديدا وُجود




.. كأنه زلزال.. دمار كبير خلفه الاحتلال بعد انسحابه من مخيم الن