الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أفكار في فلسفة الفن ..

زكريا كردي
باحث في الفلسفة

(Zakaria Kurdi)

2018 / 5 / 23
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



مرت فترة طويلة على إعتقادي ، بأن الفن هو فعل وجودي بإمتياز ، ولكن أحياناً أجدُني أختلف مع الآراء الصارمة ، التي تقول بأن الحالة الفنية المتمثلة في هذا الأثر أو ذاك هي حالة ذاتية محضة ، إذ أنني أشعر بكل عمل فني أتذوقه أو أعيش حضوره ، وكأنه محوى – بالضرورة - للحظة كلية مختزنة بداخله على هيئة ما ، بل و أخالها تشابه في تمظهرها إلى حد كبير ، لحظة الانفجار الكوني الكبير التي يخبرنا عنها علم الفلك ، أي بمعنى أنها تتأتى في إدراكي على هيئة فعل جزئي يقدّم الكلّي مُكثفاً بشدة بالغة..
والفن – كما أفهمه - هو وعي خاص مستقل يريد أن يصل إلى لب الأشياء ، وأن يلامس جوهر الموجود ، لذلك يسعى الفنان - في ظني – عبر بديع صنعه ، إلى ما وراء الفردي والجزئي الذي يراه أو يدركه الآخرون ، حتى تشعر و كأنه يبتغي في كل أثر أو منتوج فني يقدمه سبيلاً جديداً إلى ذاك " المثال الأفلاطوني " الذي حدثتنا عنه الفلسفة يوما ما ، أي إلى الجوهر الذي يكون هذا الشيء الجزئي و الفني المحسوس صورة من صوره ..
وفي رأي ، حول دور الفنان هو أنه فاعل هام بين الناس ، ومكون أساس من مكونات وعيهم ، و هو مَثلهُ كمَثلِ الفيلسوف ، لكونه يملك نظرة كلية وحساسية مُجردة ، فلا يقف بفكرته عند حواف المرئي المحدد أو المحسوس المؤقت كما يبدو لحواس الآخرين ، بل نجده يسعى بشكل فاعل ، و من خلال أثر متعين ، لإدراك ما وراء الصفات الإنسانية العامة ، محاولاً أن يقارب حقائقها الأكثر ثباتاً ، إلى درجة قد يصبح - الفنان - بحد ذاته رمزاً لها ..

وبحسب فهمي الهيغلي للفن ، أرى بأن الفنانين هم اولئك الاشخاص الذين يُمكن تعريفهم فلسفياً بأنّهم : أولئك الأفراد الذين يستطيعون تحويل الفكرة التي في أفهامهم إلى أثر ما ، يخضع للقياس ، ( صوت – لون - كتلة .. الخ )..
و هم - بالإضافة إلى الفلاسفة - الأفراد القادرين على نقل عصارة الحساسية الكلية للواقع المعيش ، من غياهب الفهم إلى حيّز الوجود في الطبيعة ...
نحن نلاحظ ذلك بوضوح - مثلاً - من خلال انجاز المقطوعة الموسيقية أو اللوحة الفنية أو أي تشكيل مادي آخر ، ونرى كيف نجحت الفكرة في التعبير عن نفسها خارج نفسها ، بمعنى كيف تخارجت عن أنيّة الوعي المُدْرِك لها ، وتتجاوز الفهم الذاتي للفنان ، ثم نجدها بعد ذلك تنتشر في المكان ..على شكل هيئات مُختلفة ومُتعددة الأثر ، مثل (صوت – لون – كتلة ..الخ ) ..

وفي زعمي العام ، أن هذه الآثار الفنية بمختلف صنوفها إنما هي عبارة عن أفهام جديدة مُشكلة ، برزت كنتيجة لإثر الصدام المستمر مع الأفهام القديمة ، التي سبقتها في تقديم أفكار مختلفة تماماً ، على شاكلة أعمال وآثار فنية أو صياغات تشكيلة متعددة ..
وأظن أنه كلما كان الأثر الفني أصيلا أكثر في الفكرة والحضور كان تناقضه مع الموجود السابق له أقوى صداما وأشد مخالفة مع السائد ، ثم يحصل من هذا التناقض المستمر أنْ تأتي أفهام جديدة بأفكار تتضمن كلا الطرفين السابقين ، فتعيد خلق أفكار مبتكرة خاصة بها تتناقض مع سابقاتها وتتجاوز من جديد إلى مكان آخر .. وهكذا .. دواليك ..
قصارى القول :
للأمانة ، يصعب الكتابة عن الأثر الفني دون رطانة متكلفة أو عاطفة زائفة ، لما يمتلأ به من ذاتية مغلقة ، متعددة القراءات ، تخص فهم الفنان وحده دون سواه ، ولهذا أعود لأعتقد ، أن أية مقاربة لفهمه تماماً سيجعل المتلقي الناقد المُتفاصح يبدو إما مدعيا وإما متملقاً ..
فسر العبقرية يكمن في إدراك الحقيقة الموضوعية والجوهرية العامة إدراكاً واضحاً ، لا تشوبه شائبة من ميل شخصي أو هوى ذاتي .. على حد تعبير الفيلسوف آرثر شوبنهاور ..
للحديث بقية ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن يوقع حزم المساعدات الخارجية.. فهل ستمثل دفعة سياسية له


.. شهيد برصاص الاحتلال الإسرائيلي بعد اقتحامها مدينة رام الله ف




.. بايدن يسخر من ترمب ومن -صبغ شعره- خلال حفل انتخابي


.. أب يبكي بحرقة في وداع طفلته التي قتلها القصف الإسرائيلي




.. -الأسوأ في العالم-.. مرض مهاجم أتليتيكو مدريد ألفارو موراتا