الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشاي الأسود والسكر الابيض

مظهر محمد صالح

2018 / 5 / 25
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني


الشاي الأسود والسكر الابيض

الكاتب:د. مظهر محمد صالح

24/9/2013 12:00 صباحا

د.مظهر محمد صالح
امتلأت اقداح الشاي ببلورات السكر الشديد البياض ثانية وبسرعة وخفة متناهية، قبل ان يُغرق صاحب مقهانا أقداحنا بسائل الشاي الذي تكحل بلون شديد السواد وهو يتدفق بسخاء من ذلك الابريق الذي دُفن بين احضان الخشب اللاهب.
قلت لصاحب المقهى وهو منشغل بنار موقده، انها مفارقة بين سائل الشاي الذي تفحم بلونه وبين بلورات السكر الابيض التي سطعت ببياضها، انهما لونان متناقضان في مكان واحد! ابتسم الرجل وهو يقلب عيناه تجاه ناظريه بحكمة وود واحترام وبدا لأعينهم هادئاً مطمئناً قوياً رائعاً ،قائلاً: ان التناقض يخلق الانسجام! وان في الاسرة الواحدة لايوجد مكان للاسياد او العبيد!. ذكرني هذا الرجل الحكيم صاحب مقهانا بحقيقة السكر ومرارته في تطور التاريخ الاقتصادي للعبودية، فالشاي الاسود والسكر الابيض هما حقيقتان في تاريخ الصراع الدامي بين الرجل الابيض والرجل الاسود في العهود الاستعمارية الماضية ومنذ القرن السادس عشر الميلادي ، يوم شهدت الانسانية مآسي محزنة على حافات الاطلسي الافريقية. قلت في سري ،كلنا مدينون في تناولنا لاقداح الشاي الاسود وهو يغرق ببلورات السكر الابيض اليوم، لاولئك الرجال السود الذين سرقهم البيض من القارة السمراء بما فيهم ذلك الصبي الذي انتزعه البيض من ذراعي امه وهي تصرخ ليلقوا به في سفن صيد البشر التي حطت بوحشيتها على شواطىء افريقيا الغربية وهي متجهة الى العالم الجديد من دون رحمة!!، فحتى تاريخ يوم تحريم العبودية في بريطانيا في العام 1807ميلادية ، كان عدد الافارقة الذين جرى صيدهم وترحيلهم الى العالم الجديد بحراً قد بلغ 11مليون انسان وان نصفهم قد انتهى في مزارع قصب السكر وان الملايين قد قضوا نحبهم عند محاولتهم الفرار والرجوع الى اذرع والديهم او زوجاتهم في القارة السمراء!.
يقول المؤرخ والسياسي اللاتيني (وليم إرك): "إن العبودية لم تولد من رحم العنصرية، بل ان العنصرية ولدت من رحم العبودية!" لقد توج القرن الثامن عشر نهاية زواج العبودية بالسكر، بعد ان استعمرت اكثر جزر البحر الكاريبي، وان الجانب الاكثر دموية كان ما يسمى بالتجارة المثلثة للسكر، حيث أخذت السفن التجارية للاوروبين البيض المحملة بالسكر وهي تجوب سواحل افريقيا الشرقية هذه المرة لمبادلة السكر مقابل العبيد ليزج بهم في مزارع السكر في العالم الجديد ثانية ولاسيما في مناطق الكاريبي والبرازيل وغيرها والتي سميت في التاريخ الاقتصادي(بدورة السكر-العبودية).
تقول الكاتبة والمؤرخة الكندية (اليزيبث أبوت )في كتابها الصادر في العام 2008والموسوم(السكر:مرارة الحلوى) وهي تنقل نصاً لاحد القادة العسكريين واسمه وليم فوكس، ممن ركب البحر، وهو يتناول خطيئة اوروبا ليجسد احساسه بالشعور المخجل والمرارة لما جرى للانسانية السوداء باصطياد الجنس الاسمر من القارة الافريقية واستعبادهم كقوة عمل في مزارع قصب السكر فيما سمي بالعالم الجديد ،منوها فوكس بالقول: "إن كل باون (سكر) يجب ان ينظر اليه على انه جاء من اقتطاع اونسين من لحم البشر!!"
ومع تطور الزمن وتصاعد الطلب العالمي على السكر وتحوله من صنف التوابل لندرته في القرون الماضية الى مادة خام غذائية تستهلكه الطبقات المتوسطة و الفقيرة ، تزايد انتاج السكر واستهلاكه عالميا وبشكل لافت، حيث غدا انتاج العالم السنوي من السكر في الوقت الحاضر يزيد على 160 مليون طن متري ، في حين لم يتعد انتاجه العالمي السنوي في العام 1900سوى 14 مليون طن متري ،وكانت حصة المواطن البريطاني اوالاميركي منه لا تتعدى 21 كيلوغراماً سنوياً في مطلع القرن العشرين. ارتفعت حصة ( المواطن الاميركي) اليوم على سبيل المثال الى 35 كيلو غراماًَ سنوياً او مايعادل 22 ملعقة شاي ممتلئة بالسكر يومياً . وتعد البرازيل في طليعة البلدان المنتجة للسكر في العالم ،حيث تستحوذ على انتاج اكثر من 20بالمئة من الانتاج العالمي منه وتصدر قرابة 42بالمئة من حاجة العالم اليه.وان 72بالمئة من السكر ينتج من القصب لا سيما في المناطق المدارية وشبه المدارية من العالم وان البنجر السكري الذي يوفراكثر من 12بالمئة من انتاج العالم للسكر يزرع في المناطق الباردة المطرية.
وتعد الهند ثاني اكبر منتج للسكر في العالم وتستحوذ على 14بالمئة من انتاجه العالمي ،يليها الاتحاد الاوروبي وتايلند وبواقع انتاج بلغت نسبته 11بالمئة لكل منهما على التوالي واستراليا بواقع 8بالمئة سنوياً.
ختاما، كان العالم ، وحتى نهاية القرن التاسع عشر، ينظر الى السكر نظرة ستراتيجية وعلى غرار ما ينظر الى النفط ودوره الآن في السوق العالمية. وان البرازيل التي اضحت المنتج الاول في العالم للسكر هي من يقود العالم في الوقت الحاضر في تحويل السكر الى وقود اخضر (أثنول) والذي يباع في محطات الوقود في تلك البلاد، وان غالبية محركات السيارات المستخدمة في البرازيل تعمل حالياً بالوقود المزدوج (الاثنول او البنزين) واذا ما قام الاتحاد الاوروبي واميركا برفع التعرفة الكمركية عن (الاثنول) البرازيلي المنتج من قصب السكر، فأن السكر سيعود الى سابق عهده وتصبح اهميته كأهمية الوقود اليوم في اسواق الطاقة شريطة: ان يتبدل لون السكر من الابيض الى الاسودّ!! وان تعوض افريقيا السوداء التي نكبت بشبابها ،وافرغت من قوة عملها المنتجة في القرون الماضية، تعويضاً عادلاً لها ثمنه قيمة (الاثنول) المنتج من السكر لتنهض في ثروتها البشرية!!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غرقُ مطارِ -دبي- بمياهِ الأمطارِ يتصدرُ الترند • فرانس 24 /


.. واقعة تفوق الخيال.. برازيلية تصطحب جثة عمها المتوفى إلى مصرف




.. حكايات ناجين من -مقبرة المتوسط-


.. نتنياهو يرفض الدعوات الغربية للتهدئة مع إيران.. وواشنطن مستع




.. مصادر يمنية: الحوثيون يستحدثون 20 معسكرا لتجنيد مقاتلين جدد