الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حد السرقة بين القطع والبتر

أسامة فاخوري

2018 / 5 / 25
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


قطع يد السارق وبترها :



{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (المائدة 38-39).

يؤمن البعض بأن عقوبة السارق هي بتر يده بألة حادة، وحسب الرؤية والفهم التراثي يجب فصل وبتر يد واحدة للسارق بدون تحديد موضع البتر، وهذا مخالف لنص الآية التي تقول {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} وليس كما تراها العين التراثية (ابتروا يديهما)، فكلمة "اقطعوا" ليست هي "ابتروا" وكلمة "أيديهما" تعني كلتا اليدين وليس يد واحدة.
فهل يجب بتر كلتا يدي السارق ؟ أم قطع يدي السارق لا تعني بترهما ؟.

إن القرآن حجة بصيغته اللسانية بذاته واستنادا للقاعدة التي تقول (إذا اختلف المبنى، اختلف المعنى) فإن كلمة "قطع" غير كلمة "قطّع" وغير كلمة "بتر" ولو كان القطع يعني البتر في آية سورة المائدة فعلينا أن نبتر أربع أيادي - كما ذكرنا سابقا - ﻷن الآية تقول {فاقطعوا أيديهما} لذلك فالقطع ليس هو البتر، القطع يعني قطع الأيدي عن المجتمع لمنع السرقة (كالسجن أو النفي ...) والسارق والسارقة تعني أن مهنتهما السرقة لذلك جاءت على وزن فاعل ليدل على تكرار الفعل وامتهانه، والسرقة جاءت مغايرة للقتل لقوله تعالى {ومن يقتل} أي يكفي أن يقتل لمرة واحدة كي يقام عليه الحد.
ومن الممكن أن تكون السرقة دراهم معدودة وقد تصل إلى سرقة ملايين الدراهم، ولا يمكن أن تكون عقوبة الاثنان متساوية، وبالتالي ففي حالة الدراهم القليلة يمكن أن يعفى عن الذي سرق، أما الذي نهب الكثير والكثير فيجب سجنه وقد تصل عقوبته للمؤبد، وفي الآية {فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} إن مجال تخفيض العقوبة موجود بنص الآية، ولو كان القطع هو البتر كما يدعي البعض، فما علاقة التوبة بعد بتر اليد وبماذا تفيد، فإذا بترت يد الشخص فلا تقدم توبته شيئا ولا تؤخر ولا يصبح لها معنى ولا فائدة.

ولتوضيح معنى الفعلين والفرق بينهما :

قَطَعَ يَقْطَعُ اقْطَع قاطِع مَقْطوع .
قَطَّعَ يُقَطِّعُ قَطِّع مُقَطِّع مُقَطَّع .

إن استخدام فعل "قَطَعَ" في القرآن جاء دائما بمعنى المنع وعدم الوصل، ولم يأتي هذا الفعل أبدا بمعنى البتر. ولنأخذ الآيات التي تذكر فعل "قَطَعَ" لا "قَطَّعَ" :

{الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}.

{قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ}.

{فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا ۚ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.

{فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۖ وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ}.

{لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُوا خَائِبِينَ}.

{وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَن يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ}.

{أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ ۖ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ}.

{وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ۙ أُولَٰئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ}.

وقبلها بآيات قليلة جاء ضد كلمة {وَيَقْطَعُونَ} وهي {يَصِلُونَ} في قوله عز وجل :

{وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ}.

إن فعل "قَطَعَ" ومشتقاته لم يأتي ولا مرة واحدة - في القرآن - بمعنى قطع حسي أو عمل فزيائي يعني البتر أو الفصل أو التقطيع، بل جاء كصفة منع ونهي ولا وجود لآلة حادة إطلاقا في هذا الفعل.

لقد تم استعمال فعل "قطّع" بتشديد الطاء للمبالغة، وهذا ما نجده في الآيات :

{وآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ}.

{إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ}.

{وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ}.

{وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا ۖ مِّنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَٰلِكَ ۖ وَبَلَوْنَاهُم بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}.

{هَٰذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ ۖ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ}.

{كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ}.

{لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ}.

{قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ ۖ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ۚ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ}.

{فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ}.

استخدام فعل "قطّع" في الآيات الأخيرة - فرعون والمؤمنون - يعني ضرب المسامير في اﻷيدي واﻷرجل للصلب، ولو كان التقطيع هنا يعني البتر فكيف يكون الصلب بعد ذلك ؟ ومن أي أعضاء سيصلب؟.

إن فعل "قَطَّعَ" ومشتقاته يدل على عمل فزيائي (لكن "قَطَّعَ" لا تعني دائما استخدام آلة حادة) وقطع حسي بآلة حادة ينتج عنه جرح أو تمزيق أو بتر أو فصل.


{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (المائدة 38-39).

إن عقوبة السارق هي قطع يديه ومنعها - أو نهيها - عن السرقة سواء بالسجن أو النفي أو العزل ... وهذه العقوبة تجعل الفاعل - السارق - يراجع أموره ويتوب ويصلح ما يمكن إصلاحه (اعتزال السرقة، إرجاع المسروقات ...) {فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}، أما إذا بترت يداه فما الدافع لتوبته وإصلاحه وهو مبتور الأيدي.

في عصرنا الحالي تطورت السرقة بدرجة كبيرة، فالإنسان اليوم يستطيع أن يسرق - حتى ولو كان مبتورا - بدون استخدام يديه، فالسرقة التكنولوجية قد تتم بالعين (بصمة العين) أو باللسان ... فهل هؤلاء سنقطّع ألسنتهم ونفقأ أعينهم ؟! وإذا كان السارق أبتر، فماذا سنبتر منه ؟!.

وإذا ما بحثنا عن قصص السرقة في التنزيل الحكيم فإننا نجد قصة يوسف عليه الصلاة والسلام وإخوته، إذ يقول رب العالمين {فَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ}.

{قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِن كُنتُمْ كَاذِبِينَ قَالُوا جَزَاؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ ۚ كَذَٰلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ}.

{قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ ۖ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}.

كانت عقوبة من وجد في رحله - أخ يوسف - الحجز ومنعه من المغادرة مع إخوته، ولو كانت العقوبة هي بتر اليد لبتروها وذهب مع إخوته، لكن العقوبة منذ القدم هي السجن والحجز.

أما من يقول أن البتر قد طبق قديما فهذا كلام لا صحة له ولا دليل متواتر عليه، فالمرويات التاريخية متناقضة مع بعضها البعض ومتناقضة مع الآية الكريمة في سورة المائدة، فالآية تقول الأيدي أما الروايات فإنها تقول - ببتر - اليد الواحدة فقط، ولو طبق البتر لما كان هناك اختلاف في موضع البتر.

أما فقهيا فإنه يصعب البتر إلى درجة الاستحالة إلا إذا توفر 16 شرطا يصعب تطبيقهم على أرض الواقع إلا ما ندر، وهناك اختلاف بينهم هل القطع بمعنى البتر الكلي أم بمعنى الجرح فقط، لأن هناك روايات تقول بتقطيع اليد وتعليقها في عنق السارق مما يدل على انه جرح وليس بتر ...

وبعيدا عن كل هذه التناقضات التاريخية، فإن دليلنا وحجتنا هو التنزيل الحكيم لأنه حجة بذاته.







أسامة فاخوري
باحث إسلامي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الاخ اسامة فاخوري
عبد الحكيم عثمان ( 2018 / 5 / 25 - 19:36 )
تحية طيبة
القطع في لغة العرب المنع وان حصل في زمن نزول الاية قطع ليد السارق فقد تكون الوسيلةالمنع من تكرار السرقة انذاك هي البتر
اما اليوم فهناك عدة وسائل لمنع السرقة ومنها السجن اوالغرامة اومايسمى بالتأهيل من خلال خلق فرص العمل للسارق تمنعه من السرقة والامر عائد لولي الامر اقصد القضاء لذا لانرى في كثير من البلاد الاسلامية عدم تنفيذ عقوبة البتر ليس استبدلا او خروجا عن نص الاية ولكن الفهم الصحيح لمعنى القطع وهو المنع وليس البتر
تحية لك


2 - سؤال بحاجة الى اجابة
صباح ابراهيم ( 2018 / 5 / 25 - 22:20 )
ومن يتحمل وزر من تم بتر ايديهم وارجلهم عبر التأريخ تطبيقا لحد غامض وغير مفهوم والغير
متفق على تفسيره بين القضاة والفقهاء والمشرعين كل يفسر على هواه ؟
ولازال البتر مطبقا في السعودية والسودان و افغانستان وربما في ايران ايضا ؟

انا اؤيد تفسير كاتب المقال، فالقطع ليس هو البتر ابدا . فهل قاطع الطريق يبتر الطريق الى جزئين منفصلين ام يقطع وصول المسافر الى هدفه و غايته بعد سلبه ما يمتلكه في سفره ؟


3 - القرار 242
صلاح البغدادي ( 2018 / 5 / 26 - 08:23 )
الاستاذ آسامه
في القرار 242 لمجلس الامن وفي نسخته الانكليزيه (على اسرائيل ان تنسحب من اراضي احتلتها في 67).
وفي الترجمات الفرنسيه والروسيه والعربيه (من الاراضي التي احتلتها في 67)
لاحظ ان اداة التعريف (ال) قد غيرت القرار بالكامل مما اعقبه مشكلات كثيره.
القصد ان المشرع يجب ان يكون واضحا ودقيقا ويختار الكلمات بعناية لاتحتمل التآويل وبعيدة عن الفهم المغلوط..هذا عن المشرع البشري.
فكيف اذا كان المشرع هو الله،والحكم يمس صميم حياتنا نحن البشر
نقطع اليد لو ما نقطع
نقطع اليمنه لو اليسره
نقطع كف اليد ام الاصابع
لا لا لايوجد قطع وانما حبس او عزل،وقد كتبت الاف الصفحات في ذلك
الا تعتقد معي ان المشرع البشري...قد تفوق على غيره من المشرعين
وشكرا

اخر الافلام

.. يهود أمريكا: نحن مرعوبون من إدارة بايدن في دعم إسرائيل


.. مجلس الشؤون الإسلامية في أمريكا: الرد القاسي على الاحتجاج ال




.. نحو 1400 مستوطن يقتحمون المسجد الأقصى ويقومون بجولات في أروق


.. تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون




.. الجزائر | الأقلية الشيعية.. تحديات كثيرة يفرضها المجتمع