الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
الدهليز والكنز
دلور ميقري
2018 / 5 / 26الادب والفن
رأيتني أمام دار الأوبرا، مساءً على ساعة الشفق. كنتُ قد سمعتُ بخبر إنشائها، قبل سنوات وأنا في غربتي. وجدتها بناءً عظيماً من دورَيْن، مدخلها مزين بالأعمدة على الطراز التدمريّ. المدخل، جُلل جانبٌ منه بصورة مغنية متوسطة العُمر، بدينة وقصيرة بعض الشيء ـ كما المعتاد في معظم مطربات اللون الأوبرالي.
سار أحدهم بمحاذاتي في الردهة المضاءة بمصابيح على شكل الشموع، وما لبث أن ألقى عليّ التحية: " إنها ستؤدي أغنية ‘ عوّدتِ عيني ‘؛ هل تذكر كم سهرنا من ليالٍ عليها، ثمة في حجرة جدّتك؟ "، قال لي الرجل بلهجة غامضة ومألوفة في آنٍ واحد. لم أتعرّف عليه في الوهلة الأولى، بسبب سنّه المتجاوزة الخمسين والباروكة المنفوشة، المنسدلة خصلاتها حتى ياقة عباءته الحريرية. كدتُ أكلمه كي أتأكّد من شخصيته، حينَ أفترق عني مع هروع بعضهم نحوه، ليمضوا به من ثمّ إلى الصالة الكبرى. كل من كانوا هنالك من الجمهور، بدوا في مثل هيئة ذلك الصديق المتنكّر. على الأثر، ظهرت المغنية البدينة على المسرح وانطلقت الموسيقى. كنتُ غارقاً في أنغام مقدمة الأغنية الأثيرة، لما سمعتُ أحدهم خلفي يقول همساً: " إنها تضعُ على فستانها بروشَ الماس، الخاص بأم كلثوم، ويقال أنه يساوي ثروة ".
بعد فترةٍ من الوقت، مبتسرة أو مديدة، وجدتني أتجه نحوَ الحمامات لحاجةٍ ألمّت بي. سرتُ مرهقاً في ظلمة دهليز طويل، وقد ارتجّت الجدران بدويّ الموسيقى مع أصواتٍ مبهمة. على حين فجأة، أنفتح مدخل الدهليز على حديقة مكتنفة بظلال أشجارها وتماثيلها. هنالك في صدر المكان، كانت هيئة بعض الأشخاص تلوحُ كالأشباح من خلال مدخل بناءٍ آخر. اقتربت من البناء، متمنياً أن يكون هوَ المحتوي على الحمامات، لما تناهى صوتُ ذلك الصديق القديم ذاته: " هنا، تحت هذا البلاط الرخاميّ، يكمن الكنز بحسَب خريطتي! ". لبثتُ في مكاني، تحتَ أحد التماثيل، أحسّ بخطرٍ داهم، محتمل. ولكن الحاجة اللعينة، جعلتني أختفي خلف التمثال وأشرع بالتبول. " الكنز، الكنز..! "، ردد أكثر من صوتٍ في تلك الناحية. وإذا شيءٌ بصلابة حجر، يضرب ظهري في اللحظة التالية. على ضوء القمر، رأيتُ حليةً على الأرض قدّام رجلي وكانت تلمعُ ببصيصٍ مبهر. انحنيت لألتقطها ثمّ رحتُ أدقق النظرَ فيها؛ لأعرف فيها البروش الماسيّ، الخاص بتلك المغنية الأوبرالية: " لأضعنّها في جيب الجينز بمكان حافظة نقودي "، فكّرتُ فيما كنت أخرج الحافظة لأدسها في جيب سترتي الداخليّ. شئتُ أن يكون مظهري طبيعياً، حينَ أخرج من الدار.
" من هناك..؟ لا بد أنه رآنا..! ألحقوا به..! لا يفوتنّكم الإمساك به..! "، اندلعَ صراخُ أولئك الأشخاص لحظة هممتُ بمغادرة المكان. شعور الرعب من الخطر، جعلني أركض لا ألوي على شيء عائداً باتجاه الدهليز. وإذا بطلقات نارية تنطلق من ورائي، مع أصداء صرخات الألم. خرجتُ من الدهليز، مطمئناً لعدم إصابتي، بينما أحدهم ينادي عليّ: " توقف، ولا تخشَ شيئاً! سنتقاسم الكنزَ، أنا وأنتَ حَسْب، لو أنك ساعدتني بنقل محتوياته ". كان ذلك صوت الصديق القديم. بيْدَ أنني تابعت الجري، إلى أن رأيتني في الشارع العام. هنالك بغتة، انطلق صوتٌ بلهجة أخرى، مشنوعة، جعلتني أرتجفُ مجدداً: " الكل يقف بالدور، لو أردتم أن ننهي التدقيق في الهويات بسرعة ". كان طابورٌ من الخلق يقف أمامي، فيما الأسلاك الشائكة تسوّر جانبيّ الشارع. لما وصل الدورُ إليّ، وضعت يدي في جيب الجينز الخلفيّ لأسحب حافظة النقود كي أخرج منها بطاقتي الشخصية. ولكن يدي سحبت بروشَ الماس!
بقيَ العسكريّ يحدق في الحلية الثمينة، للحظاتٍ أطول من عُمر.. يحدق فيها بعينين متألقتين، معاً، بالدهشة والريبة والوعيد والطمع.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. فودكاست الميادين| مع الممثل والكاتب والمخرج اللبناني رودني ح
.. كسرة أدهم الشاعر بعد ما فقد أعز أصحابه?? #مليحة
.. أدهم الشاعر يودع زمايله الشهداء في حادث هجوم معبر السلوم الب
.. بعد إيقافه قرر يتفرغ للتمثيل كزبرة يدخل عالم التمثيل بفيلم
.. حديث السوشال | الفنانة -نجوى كرم- تثير الجدل برؤيتها المسيح