الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حراس العقيدة

خالد صبيح

2018 / 5 / 27
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


العدو الصريح اقل خطرا وضررا من العدو الخفي.

ربما خطرت هذه الفكرة في ذهن كثيرين ممن عاشوا حياة حزبية في العراق، ولعلها تعني الشيوعيين العراقيين، لانهم حزب مبادئ وقيم، أكثر من غيرهم. لهذا اقول أن هناك شيوعيين لو أنهم كانوا بعثيين، يعني أعداء صرحاء، لكانوا أكثر فائدة للحزب، او قل أقل ضررا عليه، من ما وهم في صفوفه.

ولا أعني بهؤلاء المتملقين أو الإنتهازيين، مع أن خطر هؤلاء ليس بقليل، ولكني أعني اولئك المتعصبين الذين كانوا يرفعون سياط القمع في وجه أي معارض أو ناقد، اولئك الأكثر (حماسة) لممارسة دور (الشيوعي) المسؤول والحريص على التنظيم والمخلص للحزب، فيما الاخلاص للحزب عندهم هو في حقيقته اخلاص للمسؤول.

لقد آذى حراس العقيدة هؤلاء الحزب أكثر من اعدائه الصرحاء لانهم منعوا عنه الهواء النقي الذي تاتي به الأفكار الجديدة والنقد والنقاش الحر المفتوح.

ماينبغي ذكره هنا أن بعض هؤلاء كان ينطلق في سلوكه من فهم مشوه للمبدأية الحزبية وللضبط الحزبي، وبعضهم الآخر كان ينطلق من عقد نفسية مريضة ورداءة طباع وسوء أخلاق، من مثل (أبو تحسين)* آمر سرية مقر قاطع بهدينان).

كانت ظاهرة القمعيين هذه أكثر بروزا في حركة الانصار في كردستان منها في أي مكان آخر، ولخصوصية الواقع هناك وحساسيته كانت هذه الممارسات مؤذية لما تركته من آثار سيئة في الحياة الحزبية والعسكرية، وما يؤسف له ان هذا السلوك كان يحظى بتشجيع مباشر من قيادة الحزب لاستفادتها منه كأداة قمع تخفف عنها عبء النقاش والمواجهة التي فرضتها الظروف.

وقد منح هذا التشجيع هذه النماذج حضوة وحصانة لدى قيادات العمل الحزبي والعسكري حد أن سلوكهم صار غطاءً يتلحف به المندسون وخونة الحزب. فعلى سبيل المثال، كانت أحاديث (أ.ب) وهو كادر وسطي، ومندس برتبة عسكرية داخل مخابرات البعث،( اكتشفه الحزب لاحقا)، في الجلسات العادية بين الأنصار، تركز على زيادة الضبط الحزبي، ومكافحة الليبرالية والتسيب، وغير ذلك من مفردات ومفاهيم اسطوانة القمع التي كانت سائدة في تلك المرحلة، وكان عندما يتكلم يصمت الآخرون خوفا، بمن فيهم قيادات وكوادر أعلى منه موقعا ومكانة. ما عنيته بمثالي هذا ان هذا المندس قد لبس لبوس الاخلاص للـ(مبادئ) وللقيادة ولخطابها لكي يغطي على دوره التجسسي التخريبي، وقد نجح.

وعن ضلوع قيادات حزبية وعسكرية في مثل هذا السلوك والتشجيع عليه هناك واقعة عايشتها لها دلالة واضحة بهذا الخصوص.

ذات مرة عاد (الشهيد رعد) حزينا ومتضايقا من لقاء بقيادة الفوج في مقر نوكان، وكان اللقاء بطلب من قيادة الفوج، وحين استفهمت منه أخبرني أنهم طلبوا منه ان يعمل ضمن خلايا سرية يكون ارتباطها مباشرا بقيادة الفوج، يعني خارج اطر التنظيم الحزبي والعسكري وتسلسلهما، وتكون مهمتها رفع تقارير سرية عن سلوك ومواقف وأحاديث الانصار. طبعا هو رفض هذا الطلب، ولفت انتباهنا بملاحظة قالها وهو حزين:

( أنا رفضت، لكن من يدرينا كم واحد آخر قبل بالمهمة؟)

***

قال مرة أحد قياديي الحزب ان الحزب قد تخفف من زوائد كثيرة، تسببت بترهله، بعد الحملة القمعية التي شنها البعث عليه اواخر السبعينات. كان الكلام هذا اشارة الى الذين تخلوا عن التنظيم الحزبي نتيجة الحملة. ومعروف أن الحزب أيام الجبهة الوطنية كان قد ركز على الكم دون النوع في اختيار وقبول أعضائه، ولهذا التحق به حينذاك كثير ممن يفتقدون للوعي السياسي ولقوة الشخصية، ولهذا، ولغيره من الاسباب، لم يكمل هؤلاء الطريق معه بعد اشتداد الحملة القمعية عليه.

انا لا أعمم هنا ولا أطلق، فليس كل من التحق بالحزب وواصل العمل فيه في تلك الفترة هو بطل وشجاع أو أكثر وعيا، وليس كل من آثر التخلي هو قليل الوعي او غير شجاع، فقد تكون سياسة الحزب فترة الجبهة والطريقة المرتبكة التي واجه بها حملة القمع عليه قد سببتا احباطا لكثيرين دفعهم لفقدان الثقة بالحزب وعدم المواصلة معه، لكن بشكل عام كثيرين ممن تركوا العمل الحزبي حينها لم يكونوا قادرين على تحمل الظروف الصعبة ولا على دفع الثمن الباهظ الذي يمكن ان يدفعه المناضل السياسي في الظروف الخطرة، والذي قد يكلفه حياته أحيانا.

ولأن هؤلاء بقوا في الداخل يعيشون العزلة وضغوط البعث عليهم، فقد تخلف وعيهم السياسي والفكري، وبقوا أسرى مفاهيم حزبية ضيقة ومتخلفة، بالإضافة الى أن البعث قد أرغمهم طوال عقدين ونصف على الانخراط في ما أسماه (الصف الوطني) لإعادة تأهيلهم و (تربيتهم)، وبعضهم (تأهل) فعلا على الطريقة البعثية. فقد عبر بعض من هؤلاء، لاسيما اثناء الجدال حول تحالف سائرون، عن روحية تأهيل بعثي حقيقية بمهاجمتهم، وبلغة شرسة واستفزازية وغير مهذبة، أي رأي ينتقد الحزب، أو بالأحرى القيادة.

وقد شكل هؤلاء نواة جمهور الحزب وتنظيمه حين عودته الى الداخل بعد سقوط النظام عام 2003. وبسبب ماضيهم الذي شكل عقدة نقص لهم ازاء الحزبيين الآخرين الذين استطاعوا مواصلة العمل الحزبي في الظروف الصعبة، وعطفا على مفهومهم القديم للطاعة الحزبية، صاروا طيعين وسهلي الانقياد، ما جعل كثير منهم يؤدي دور (الحزبي ـ المؤمن) الذي لا يناقش ولا يعارض ولا ينافس، الأمر الذي شجع قيادة الحزب على أن تشكل منهم اغلبية حزبية (وجماهيرية) تضفي شرعية على كل قرار او خطوة تريد اتخاذها.

من ناحية أخرى نشأ من عودة الحزب الى الداخل وضعا جديدا، صار فيه مناضلو الحزب ونواته الصلبة، لاسيما الأنصار منهم، الذين يعيشون في الخارج، والذين استطاع الحزب ان يواصل حضوره ونشاطه بعد الحملة القمعية التي شنها البعث عليه بفضل جهودهم وتضحياتهم، يشكلون حالة سلبية بعدما صار العمل الحزبي الحقيقي يتطلب التواجد داخل العراق، وغدا دور هؤلاء في التاثير على عمل الحزب واتجاهاته محدودا. وقد استثمرت قيادة الحزب هذا الظرف ووظفته بنفس نفعي، حيث أخذت تنتقص من آراء هؤلاء وانتقاداتهم ولا توليها اهتماما او ترفضها بحجة غيابهم عن الساحة الحقيقية، وبهذا ارادت القيادة ان تحقق (اعجازا) بجمعها صمت اهل الداخل (البديهي) مع صمت اهل الخارج بعد اسكاتهم بتلك الحجة.

ومن الضروري التاكيد هنا أنه بدلا من هذا التلاعب والتوظيف النفعي لقدرات الحزب ينبغي على القيادة فتح حوار داخلي مع الجميع دون تحرج، واشراكهم بالقرار والنقاش لمعالجة الشأن الداخلي دون تحفظ أو تجاهل، فهذا، بظني، هو السبيل الوحيد الذي ينمي قدرات الحزب ويجعله محصنا ومتماسكا. فالنجاح الحقيقي في حياة الحزب لايقاس بمدى نجاحه بالحصول على مقاعد برلمانية، ولا بعقده لتحالفات بقدر ما يكون بقدرته على رص صفوفه وبناء تنظيمه وتعزيز جماهيريته. فحزب صغير، لكن قوي ومتماسك، وإن كان محدود التاثير في الساحة السياسية (نعرف جميعا طبيعة الظروف التي صنعتها) هو أفضل بكثير من حزب مهلهل مفكك ولديه أعضاء في البرلمان والحكومة.

***
هامش

(أبو تحسين) شخص فظ، رديء الطبع والسلوك، وهذا جلب له نفور وكراهية الكثير من الأنصار إن لم يكن جميعهم، ولأنه نموذج رديء ذكرت اسمه كاملا. المشكلة أنه كان، وباصرار من القيادة، متبوأ لموقع عسكري (آمر سرية) مع أن لديه عَوق طبيعي يمنعه، كما يفترض، من تبوأ هكذا مركز.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ابوهم القائد طفل في حفاضات
طلال الربيعي ( 2018 / 5 / 27 - 23:25 )
الزميل العزيز خالد صبيح
كل الشكر على مقالك الممتاز, واشارتك الى الامراض الخطيرة التي عانى ويعاني منها الحزب الشيوعي العراقي.
واود ان اضيف ان تفاقم شمولية وسلطوية قيادة الحزب الآن هو احد نتائج شعور قيادته باليأس والاحباط القاتل بسبب فشل جبهتهم الفاشية مع البعث وكذلك بسبب انهيار الاتحاد السوفيتي, حيث ابدلوا الآن الاخ الاكبر, الاتحاد السوفيتي, بأخ اكبر أخر, العم سام. فهم لا يستطيعون العيش كاحرار وبدون عرابين دوليين او محليين, وذلك بسبب فقدان الثقة بالنفس واحباطات داخلية مريرة وبسبب عواقب ملازمة ستوكهولم. وان تحالف الحزب في سائرون هو اعادة نسخ الاصل تقريبا لجبهتهم مع البعث, فالعديد من افراد التحالف هم من خلع الزيتوني واعتمر العمامة وابدلوا سيدهم القائد ما قبل الاحتلال بالسيد القائد ما بعد الاحتلال. ويبدو ان ىشعور قيادة الحزب بالاحباط بسبب خطأها الفادح في جبهتها مع البعث ساهم ايضا في دفعها الى التحالف في سائرون لان الجمهور هو الجمهور والقائد تغير بالاسم فقط, آملةً, اي القيادة, ان تخلص نفسها من مشاعر اليأس والاحباط التي تلازمها كظلها,
يتبع


2 - ابوهم القائد طفل في حفاضات
طلال الربيعي ( 2018 / 5 / 27 - 23:33 )
لذلك تسلك القيادة كل الاساليب المبتذلة والرخيصة في محاربة من ينتقد تحالفها الصدامي باسم آخر وسمحت لحزب لا يتجاوز عمره الطفل الرضيع ان يترأس التحالف, ان يكون هو الاب القائد رغم انه لا زال في الحفاضات. ان القيادة تسعى الى تخليص نفسها من مشاعر الاحباط والدونية, لذلك فهي مستعدة للقضاء على كل من ينكأ جراحها.
كما انه في علم الجريمة
Criminalogy
يرجع المجرم الى مسرح الجريمة لمراجعة اخطاءه المحتملة ومحاولة معالجتها.
وكل هذا يدلل بشكل صارخ على عدم نضج القيادة عاطفيا واصابتها باضطرابات نفسية مثل اضطراب ما بعد الصدمة, اضافة الى عدم امتلاكها الادوات النفسية اللازمة لفهم صراعاتها النفسية, فتقوم بحل اضطراباتها وصراعاتها النفسية عن طريق اجراءات سياسية بعد تعبأتها باغلفة تشي بعكس ما يبطنه الواقع.
البعض يلجأ الى حل مشاكله وصراعاته النفسية عن طريق الادمان او الافراط في ممارسة الجنس كنوع من الادمان, وقياة الحزب تلجأ الى عقد تحالف سائرون. وكل هذه الخيارات هي خيارات مرضية
Pathological
يتبع


3 - ابوهم القائد طفل في حفاضات
طلال الربيعي ( 2018 / 5 / 27 - 23:35 )
ولكن في حالة الافراد فالعواقب فردية او لا تتعدى بضعة اشخاص الا انه في حالة تحالف سائرون فالكارثة وطنية.
لذلك فهم ليسوا حراس العقيدة, لانهم قبروا العقيدة وشاركوا في جنازتها بمشاركتهم في مجلس الاحتلال برئاسة الفاسد والارهابي الاكبر بول بريمر.
مع كل المودة والاحترام


4 - اساتذة في علم وفقه وفن صناعة الاصنام والطغاة
طلال الربيعي ( 2018 / 5 / 28 - 00:25 )
واهديك هذا الفيديو الذي يلخص جوهر الكارثة بانهم اساتذة في علم وفقه وفن صناعة الاصنام والطغاة.

من قادسية التكريتي إلى قادسية ابن الحنانة
مقتدى حامي البوابة .... مقهورة يا بغداد
#سائرون على خطى البعثية ...
https://www.facebook.com/UrukNewsAgency/videos/2106936076253362/UzpfSTczNjAyNzc2MjoxMDE1NTg2MzA5MTk0Nzc2Mw/





5 - تحياتي صديقي العزيز طلال
خالد صبيح ( 2018 / 5 / 28 - 16:48 )
تحياتي صديقي العزيزي طلال
انا معك في ان الياس هو وراء دخول الحزب في تحالف سائرن، بل في كل خطوة يخطوها، فهو لم يعد لديه مايخسره، لانه، وبسب ازمته الداخلية (الذاتية)، وبسبب مايعانيه من تناقض بين رغباته الناتجة عن تصوره عن نفسه وواقعه الفعلي وامكاناته ليس امامه سوى الهروب للامام والايغال اكثر في اي فعل يظن انه سيخلصه من ازمته.
والامر في حقيقته اكثر حساسية وخطورة، فالحزب الان يتحرك بدفع من مطامح شخصية لعناصر معينة في قيادته لاتكترث لشيء غير نجاحها الشخصي، وتدير العمل بعقلية التاجر المغامر والسمسار.
وهنا احد مكامن الخطر.
تحياتي وشكرا لمداخلتك القيمة

اخر الافلام

.. الضربات بين إيران وإسرائيل أعادت الود المفقود بين بايدن ونتن


.. الشرطة الفرنسية تعتقل شخصا اقتحم قنصلية إيران بباريس




.. جيش الاحتلال يقصف مربعا سكنيا في منطقة الدعوة شمال مخيم النص


.. مسعف يفاجأ باستشهاد طفله برصاص الاحتلال في طولكرم




.. قوات الاحتلال تعتقل شبانا من مخيم نور شمس شرق طولكرم