الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليبروإسلاميّات أُموميّة في رمضان

عماد عبد اللطيف سالم

2018 / 5 / 27
كتابات ساخرة


ليبروإسلاميّات أُموميّة في رمضان



الأحداث والشخوص السياسيّة في بلدي هي عبارة عن "أفلام" قصيرة بائسة ، سيّئة الإخراج والإنتاج والسيناريو والإعداد ، كثيرة الكومبارس ، وهابطة المحتوى.
لهذا فأنا انشغلُ عنها في أوقات الفراغ الخانقة بمشاهدة أفلام أجنبيّة رصينة ، أحرِصُ على اختيارها بدقّة ، بحيث تكون ثريّة المحتوى، راقية الحوار، عذبة الوجوه ، وتكادُ روحي تلامِسُ السماء مع الموسيقى التصويريّةِ المُصاحِبةِ لكلِّ مشهدٍ فيها.
و بطبيعة الحال لا تخلو هذه الأفلام من لقطات و مشاهد خادِشة للحياء العراقي العظيم ، ومنها (على سبيل المثال لا الحصر) تلكَ القُبلات السريعة الخاطفة المُدهِشة ، وتلك القبلات السحريّة الطويلة.
ما يُعَكّرُ صَفْوَ مشاهدتي لهذه الأفلام .. هو أُمّي .
فبعدَ ساعاتٍ من احتكارِها الراسمالي المُنفَلِت من كلِّ قيود رقابيّة على رغباتها الاحتجاجيّة ، وارادتها السياسية المُستقِلّة ، والسماح لها بحريّة الحوار مع كلّ وجهٍ وحدَثٍ تواجههُ على شاشة التلفزيون .. أطلبُ منها بخشوعٍ تامٍّ لا تشوبهُ شائبة ، أنْ تسمَحَ لي برؤيةِ فلمٍ واحدٍ من أفلامي المُفضّلة ، في اليوم الرمضانيّ الطويل .
تُرَحّبُ أُمّي بمشروعِ القرارِ قائلةً : - إي يابه ، تعال اتفرَّج . إنته امبيّنْ عليك تعبان ومهموم ، وآني هَمْ ضِجِتْ ومَلّيتْ ، و هاي الخِلَفْ الزَفْرة فتّتْ كَلبي .
تتمَتْرَسُ أُمّي أمام الشاشةِ معي ، فورَ أنْ يبدأ عرض الفلم .
و هناك .. وإذا بلقطةٍ فيها قُبْلة .. وإذا بأمّي تصيح : - أويْ يابه شنو هذا "لِعبانْ النَفِس". ديرَه ابني ، ديرَه.
أجيبها قائلاً: - وين اديره يُمّه ؟ . هذه القُبْلَة هي جزءٌ من ثيمة الفلم . وهي قُبلَة بريئة على أيّة حال ، ولا تخدِش "الحَياء" العائلي الخاص ، بدليل انّها قُبْلَة قصيرة جدّاً.
تُجيبُ أُمّي: - يا بريئة هاي؟ ذولة كُفّار يابه . ما عدهُم حلال وحرام . إيْ متْكَلّي إحنه شجابنه عليهم.
أقومُ بتقديم الشريط قليلاً ، فتختفي القُبلة . و ماهي إلاّ بضعة دقائق ، واذا بقُبلةٍ أخرى ، طويلةٌ جدّاً هذه المرّة.
تعيطُ أُمّي: - الله يلَعِبّ نفِسْكُمْ .شنو إنتو متشبعون "بوس" . وإنته أشو ولا دايِر بال . هِسّه على الأقلّ ديره لخاطِر مَرْتَكْ وبناتك .. لو تريدهُمْ يسوّون مثلهم ؟!.
هُنا ضاعًتْ عليّ ماهيّةُ المحتوى ، وانزياح الثيمة ، وسرديّة النصّ ، و تراتبيّة التَناصّ ، وطَفَحَ الكَيْلُ ، فصرختُ بدوري:
- يعني يُمّة ، إنتي عِفْتي كل هذا "لِعْبانْ النَفِسْ" العايشين بي ، و مَلِعْبَتْ نَفْسِجْ غير من هاي "البوسات" ، اللي الله حارُمْنا منها دنيا وآخرة ؟!.
في هذه اللحظة المفصليّة من الحوار ، أرادَتْ أُمّي أنْ تستأنفَ هجومها الوَعْظيّ عليّ (وهي لا تعرِفُ أباها عند استئناف هجومها على أيّة جبهةٍ مهما كانت منيعة ومُحَصَنّة) .. فقطعتُ عليها الطريقَ "عائِطاً" بشدّة :
- وبعدين تعالي أكَلّجْ . إنتِ خَلّفْتي اثنَعَشْ واحد . سِتْ وِلِدْ ، و سِتْ بنات . يعني معقولة إحنه كُلنا جينا لهاي الدِنيا ، وماكو "بوسَة" وِحْدَة بيها "لِعْبانْ نَفِسْ" ، بينج وبين أبويه ؟؟.
هنا وقفت أمّي بكاملِ جسدها المُهيب "الرُكُن" امامَ وجهي ، ورَكَلَتْ "القَنَفَةَ" التي أجلسُ عليها ركلةَ فَرَسٍ جامِحةٍ ، وصاحَتْ :
- وِلَكْ إنْجَبْ أدب سِز . ولاتجيب طاري أبوك على لسانك . أبوك جان رجّال من صُدُك ، مو مثلكُم رجال قشامر "عارات" ، و يا "زعطوط" يجي يضحكْ عليكُم. سَوّد الله وجهك ، و لَعّبْ نفسَكْ مثل ما لَعّبِتْ نَفسي ، بجاه هذا رمضان .
و واصلت أُمي هجومها الأموميّ – البطريركيّ - الكرِخيِّ الكثيف : - و شوف يَوّل .آني هاي الدكتوراه مالتك مال آخر وِكِتْ ، ما اشتريها بفلسين .. لأن إنته وِكَعِتْ من عيني ، وطِلَعِتْ فد واحد ما يستحي ، ويبيّن آني ما عِرَفِتْ أربّيك زين.
و أردفَتْ أُمّي قائلةً (وهي لا تعرفُ أباها عندما تستردِف) :
- تفو عليك يا كافر .. يا علماني .. يا مَدَني .. يا فاسِق .. يا ليبرو اسلامي .. يا زنديق .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا