الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
إلِكْترا: الفصل السادس 4
دلور ميقري
2018 / 5 / 28الادب والفن
" ولِمَ سيمتنع عن الشراب في حضورك؟ إنّ شهرَ رمضان ما زال بعيداً "
كان على الأميرة أن تذكّره ضاحكةً بتلك الكلمات، التي قالها لها في باريس قبل بضعة أشهر. لقد التقيا إذاً في مراكش، على توقيت صلاة التراويح عند أعتاب مسجد " الكتبية " الكبير. قبل قليل، كان " غوستاف " يقف بمكان بارز أمام المئات من المصلين، الغارقين في لجّة عَرَقهم وذهولهم. في ذلك المساء، الملتهب بحرارةٍ أشبه بالنار الموعودة للمشركين، طغى صوتُ خطيب المسجد على همهمة الناس المحتشدين هنالك، من مصلين ومتفرجين وعابرين وفضوليين. قدّمَ باعتزاز رجلين من النصارى ( الكَاوري )، قال أنهما تحوّلا إلى الدين القويم، طالباً منهما نطقَ الشهادتين الواحد باثر الآخر. كلاهما كان مكتسٍ بجلابة تقليدية بيضاء، وعلى رأسه قبعة من نفس اللون جعلته على شكل القبّة. بعد النطق بالشهادتين، أنطلقَ بغتةً هتافُ " الله أكبر " من حناجر الحشد، أهتزّ له الهواءُ الساكن، المتحجّر كمنارة المسجد العظمى، المهيمنة من علٍ على المشهد المهيب. وإذا النخيل يحركُ رؤوسه، موعزاً لبقية الأشجار بالتمايل طرباً على تراتيل الصلاة. كانت تلك لحظاتٍ قدسية نادرة، حتى أنّ نسمة عليلة هبّت مع حركة الأشجار، لتنشرَ الرطوبة في أبدان الخلق.
في الأثناء، كان داخل " غوستاف " يتلو مقطعاً من شعر شقيقته، بينما أنغام التراتيل تصدحُ في سمعه بلغةٍ لا يفقه منها شيئاً.. لغة، هيَ بالطبع الغذاءُ اليوميّ لملايين المسلمين، الذين انتمى إليهم منذ اليوم. بيْدَ أنّ المال، كان يتغذى أيضاً من هذا الانتماء. إنه ألقى عن جسده ثيابه القديمة، ليكتسي بجلابة المؤمنين البيضاء. أما داخله، فبقيَ عارياً. وإنما في تلك الحالة، المتناقضة أشدّ التناقض، ضبطته صديقة " لويس "، المغربية. كان منتحياً بفكره، وقد قرفصَ بمقابل المنارة سانداً ظهره إلى جدار مجمع المطاعم. على حين فجأة، أطلّ عليه من علٍ قمرٌ صغير أسمر من خلال العتمة المتكاثفة. لم يميّز للوهلة الأولى شكلَ الفتاة، ولا صوتها الضائع في الصخب المعقّب انتهاء الصلاة، المتصاعد خصوصاً من جهة ساحة جامع الفنا بصدى طبولها وضجيج روّادها.
" هذا مسيو جاك، وقد شاءَ أن يُشاركني في طقس العمادة! "، قال لها بالفرنسية مقدّماً صديقه الرسامَ. ثم أضافَ ببساطة: " إنه رسامٌ مبدع، وقد أخذ حقه من المجد الماديّ والمعنويّ. وهوَ فوق ذلك زوجٌ نادر، حتى أنه أسلمَ كرمى لرغبة امرأته.. وهيَ أمريكية يهودية، على فكرة! أما أنا، فتاجرٌ كما تعلمين. والإسلام، هوَ دين التجار! ". الرسام، ابتسمَ متسامحاً مع دعابة صديقه. فيما تطلعت الأميرة إليهما، واحداً بأثر الآخر، بنظراتٍ تعبّر عن الدهشة. لعلها استاءت من تشكيك صديقها بإسلام الرجل الرسام، وليسَ بإسلامه هوَ؛ كونها معتادة على تجديفه بأمور الدين. على الأثر، ساروا معاً باتجاه الساحة، تجذبهم موسيقى شعبية تنهلُ جذورها من معينٍ وثنيّ، أمازيغيّ وأفريقيّ. الأميرة، كانت أكثرهم سعادة ولا غرو بأجواء الكرنفال الرمضانيّ، التي افتقدتها لأعوام عدّة. بصرها، لاحَ وكأنه يبتلعُ بنهم كلّ ما يحيطه من مشاهد الكرنفال: عربات الكوتشي، المزيّنة أفراسهم برياش الطاووس المقدّسة؛ أولاد صغار السنّ، يعرضون مهاراتٍ رياضية؛ نساء مسنّات، يفرشنَ على الأرض فوانيسَ زاهية اللون، تومض فيها الشموع؛ باعة آخرون، من مختلف الأعمار، يتنافسون في جذب الزبائن من سيّاح ومواطنين؛ فرق موسيقية، تضفي على المشهد رونقاً بديعاً ـ كما هلال العيد، الذي سيختتم الكرنفالَ بسهام فضية من قوسه المستند إلى رؤوس المنائر والنخيل.
*
هكذا كان على " الرانج روفر " أن تتشمم مجدداً آثارَ طريقها إلى الضاحية، كأنها كلبٌ من الفولاذ، بينما السيّدة السورية تراقبُ عبرَ نافذتها مناظرَ الطريق وهيَ تضمحل رويداً في سحنة الشفق، المحمرّة المتجهّمة. عُرْف الريف، كان ينساب على مهل ليملأ أنفها، فيما ذهنها قد آبَ إلى فكرةٍ شغلته مذ لحظة تلقيها اتصال العجوز الفرنسيّ، التي تسعى الآنَ نحوَ مسكنه الأوروبيّ، السابح في لجّة العزلة ـ كما السفينة الفخمة، التي ركبها الرجلُ في طريقه لأول مرة إلى مدينة الحلم: " هوَ ذا أحدُ فرسان سيرتنا، المراكشية، يترجلُ عن فرسه مُجهَداً مُحبَطاً، مخلّفاً وراءه خيطاً من الدم، المتسرب من جراح جسده وروحه. ولكن، إلى أينَ سيمضي الرجل بعدما رسَخَت جذوره في هذه التربة؟ ". ما لم تكن لتتوقعه قط، أنها رحلة الأبدية؛ تلك التي دَعَتْ الرجلَ، وحثّته على الاسراع في كتابة وصيّته.
ثم قُطعَ مجرى فكرها، حينَ لاحَ عن بُعد هيكلُ امرأة ذو عجزٍ جسيم، ملفوف بعباءة قاتمة وغبار الطريق والظلال المتكاثفة. هتفَ داخلها مع اقتراب السيارة من المرأة، منقبضاً بشدّة: " الشريفة..! ". وإذا بصاحبة العجز العظيم، تستديرُ لتُشير للسيارة كي تقف. فعلت ذلك في حركة يدها، شبيهة بخفق جناح طائر. عندئذٍ انغرست عيناها بقوّة في عينيّ السيّدة الأجنبية، الجالسة عند نافذة السيارة خلفَ سائقها مباشرةً. وكان على قلب " سوسن خانم "، هذه المرة، أن يرتعشَ مع ما بدا أنها ظاهرة تنتمي للمعجزة أكثر منها المصادفة. وكانت قد أمرت خادمتها " عيّوش " بالتوقف، ثم ما لبثت أن فتحت بابَ السيارة الأماميّ للمرأة، عابرة السبيل.
" ركبتُ سيارة أجرة إلى مفرق الضاحية، وكنتُ آمل بمرور دراجة نارية توصلني إلى منزل الكَاوري "، خاطبت الخانمَ بنبرةٍ حاولت الإيحاء بالفرحة لمقدمها مع حفيدتها. على الرغم من هيئة " للّا نفيسة "، الأشبه بالغجريات، إلا أنها كانت ما تنفكّ متمتعة بالهمّة والحيوية علاوة على بريق المكر المنبعث من عينيها. ولكنها بالكاد ألقت نظرة عابرة على " خَجيْ "، قائلة في اشفاق: " أوه، حبيبتي الصغيرة غافية.. "
" وماذا عن ميمو؛ كيفَ حاله ومع من تركتِهِ؟ "، بادرت الخانمُ تسألها على عجلة. أجابت المرأةُ بلهجة مرحة، تنمّ عن الخبرة في التملّص من هكذا أسئلة: " إنه بخير، وقد أعتاد أن يبقى في البيت لوحده أثناء غيابي في الشغل. مع أنه لا يكف عن الشكوى من الوحدة، فضلاً عن اشتياقه لمنزلنا الأول "
" ألا يسأل عن أخته خجي..؟ أقصدُ، أخته الشريفة وابنتها خجي! "
" بلى، بطبيعة الحال. بل إنه في الأشهر الأولى، المعقّبة غيابهما عن ناظريه، كان ممتنعاً تقريباً عن الطعام. غيرَ أنه ما يفتأ صغيراً؛ ينسى بسهولة ويعتاد على سير الحياة "، قالتها مثبتة نظرتها بعينيّ مُخاطبتها وكأنما تسبرُ غورَها. ربما لم يفتها، ما فاهت به السيّدة بشأن " خجي "، ولو أنها استدركته باعتباره خلطاً غير مقصودٍ. الخانم، في المقابل، كان ذهنها قد ذهبَ إلى ذلك الصبيّ شبه المعاق، الذي ما يزالُ صغيراً بنظر جدّته: " يا للولد التعس! ليسَ له مَن يسأل عنه، مثلما حال أخته المحظوظة ". فلما وصلت إلى هذه الفكرة، فإنها ابتدهت الأخرى بسؤال كانت تودّ طرحه عليها مذ لحظة إركابها في السيارة: " ولكن، إلى أينَ أنتِ متجهة؟ ". نقّلت هذه عينيها بين " للّا عيّوش " ومعلمتها، قبل أن ترد بشيءٍ من الخبث: " إلى مسيو جاك، بالطبع! وأظنّ أنكن مدعوات، بدَوركن، إلى مائدته الكريمة؟ ".
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. بعد إيقافه قرر يتفرغ للتمثيل كزبرة يدخل عالم التمثيل بفيلم
.. حديث السوشال | الفنانة -نجوى كرم- تثير الجدل برؤيتها المسيح
.. هذا ما قالته الممثلة مي سحاب عن سبب عدم لعبها أدواراً رئيسية
.. -مساء العربية- يفتح صندوق أسرار النجم سعيد العويران.. وقصة ح
.. بيع -الباب الطافي- الذي حدد نهاية فيلم تيتانيك بسعر خيالي