الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما مكانة مكيافيللي في سياسة الدولة المغربية؟

محمد الهلالي
(Mohamed El Hilali)

2018 / 5 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


يستندُ الحكامُ على تصورات سياسية في حُكمهم. وقد يَضطلعون بهذه المهمّة وحدَهم أو يستعينون بخدام لهم في حاشيتهم. وقد يختارون هذه المَرجعية أو تلك طبقا لمصالحهم وأمزجتهم. ويبدو أن المرجعيَة المُفضلة للحكام في البلدان التي لا تنعمُ بالديمقراطية كما تبلورتْ وطُبِقَتْ في الغرب هي مرجعية مكيافيللي. ولما نتأملُ كيف تتعاملُ الدولة المغربية، من خلال أجهزتها المختلفة، مع قضايا ومِلفات معينة لا بد من التساؤل عن مكانة مكيافيللي (1469-1527) في ممارسات هذه الدولة وتعاملها مع المواطنين.
كتب مكيافيللي كتابَه "الأمير" كدليلٍ للحاكم يَستعمله في حكمه للشعب. وكان ينوي تقديمه للأمير لورانزو الثاني "لأن المرءَ إذا أراد مَعرفة طبيعة الشعب معرفة جيدة فينبغي أن يكون أميرا، وإذا أراد معرفة طبيعة الأمراء معرفة جيدة فينبغي أن يكون من الشعب". ويشترط مكيافيللي في الأمير أن يكون قادرا على التمييز بين الخير والشر حتى لا يخدعه الوزراء. كما ينصحُه بتجنب المدّاحين ومحترفي الإطراء، لأنهم لن يقولوا له الحقيقة، وأن يختار أشخاصا حكماء يحتكرون قول الحقيقة له حول القضايا التي يَسأل عنها فقط. لذلك عليه أن يُتقنَ فنّ السؤال وفنّ الإصغاء وأن يتمتّع بالصبر على الإنصات للحقيقة.
إن أشهر جملة تُنسبُ لمكيافيللي، وهي "الغاية تبرر الوسيلة"، لا أثر لها في مؤلفاته. لم يكن مكيافيللي مُنظرا للجريمة السياسية ولم يؤيدْ استعمال العنف بدون شروط، وركز على العكس من ذلك على تنويع الوسائل في مجال الحكم أي: استعمال القوانين والإقناع والقوة والحيلة والمظاهر.
وبالرغم من ربط اسمه بالحيَل والخداع فلم يذكر في كتابه الأمير إلا حيلتين هما: الحيلة الأولى هي تَخلصُ الحاكم (سيزار بورجيا) من نائبه الأول على أحد الأقاليم لوحشية تعامله مع السكان. وكان هذا الأخير يظنّ أنه لنْ يجرؤ أحد على تقديم شكاية ضده، وأن الحاكم لنْ يجرِؤ على محاكمته، فلما أعدمه الحاكم "شعر الشعبُ بالرضا وأصابه الذهول مما فعله الحاكم". وبدا للناس أنه عادل، وتخلص في نفس الوقت من شخص خطير يهددُ مُلكه. والحيلة الثانية تتعلق بإمبراطور روما الذي كان يواجه منافسين له على الإمبراطورية، فاقنع أحدهما باقتسام الإمبراطورية معه إذا ساعده على التخلص من المنافس الثاني، ولما تحقق الهدف تخلص من المنافس الأول.
وقبل تمجيدهِ استعمالَ الحاكم للحيلة، اشترط أن يتحلّى بخصال ضرورية هي: الحزم، والحذر، والتبصر، والقوة. ونصح بعدم إساءة معاملة أيّ شخص، وعند الضرورة ينبغي تجريده من القدرة على الانتقام. وبخصوص الإقناع أكد على أن طبيعة الشعب متغيرة، وإذا كان من السهل إقناعه بفكرة ما، فإنه من الصعب ضمان استمرارية اقتناعه بها مدة طويلة، والحلّ حسب مكيافيللي هو العمل بالوسائل الضرورية لإقناع الرعايا بالقوة بما يرغب الحاكم أن يقتنعوا به. فالرعايا يشعرون بأنهم أحرار في ظل حكم الأمير بقدر ما يخدمونه، لكن بمجرد ما يكفون عن خدمته فلن يتردد في صب كل غضبه وعنفه عليهم.
يتضح أن الحيلة لا تستعمل إلا للتخلص من وضعية التبعية، لكن التبصر والحذر يُستعملان لتجنب المشاكل من الأصل. والمسألتان الأساسيتان الحاسمتان في فكر مكيافيللي هما: كيف يتم الوصول للسلطة؟ وكيف يتم الحفاظ عليها؟ وكلما كانت طريقة الوصول للسلطة سهلة كلما كان الحفاظ عليها صعبا، ما عدا في حالة الحكم الوراثي، شريطة عدم تجاهل الأمير لمؤسسات الأجداد والتكيف مع الإحداث المستجدة.
أما المهمة الضرورية التي على الأمير إتقان القيام بها فهي: التحكم في المظاهر. عليه أن يكون سيد المظاهر، أن يمتلك فن الظهور أمام الرعايا ليضمن التأثير عليهم. عليه أن يتقن التظاهر والادعاء والإخفاء والتصنع. فالناس بسطاء وينخدعون بسهولة، والخداع من خلال المظاهر وسيلة دقيقة للإخضاع. والخداع أكثر فعالية من العنف. فالتحكم في المظاهر أداة من أدوات السلطة. وهذه الأخيرة تُمارَس إما عن طريق القوانين، وإما عن طريق القوة، وقد يضطر الأمير لعدم احترام ما يراه الناسُ صائبا، والتصرف ضد ما وعدَ به الناس وضد الإحسان والإنسانية والدين، لأنه يكون مضطرا للحفاظ على حكمه. فعلى الحاكم "أن لا يحيدَ على الخير ما استطاع، وأن يعرف كيف يكونُ شريرا عند الضرورة"، كما عليه أن يتمكن من تجنّب "احتقار وحقد رعاياه له"، فمن أهم المشاكل التي تواجهه "إرضاء الشعب وإسعاده"، ومن الضروري "أن يكون صديقا للشعب"، لذلك عليه أن يتحلى بفضائل أخلاقية مثل الكرم والوفاء والأمانة. لكن "ليس من الضروري أن يتحلى بكل الصفات المطلوبة في الحكم، لكن من الضروري أن يتظاهر بالتحلي بها". وإذا كان جميعُ الناس يملكون عيونا يبصرون بها، فإن الأقلية منهم فقط هي التي تملك القدرة على الفهم، وهذه الأقلية لا تستطيع معارضة الأغلبية المؤيدة للأمير.لذلك يخطبُ الأميرُ ودّ الشعب ودعمَه ولا يعبأ بدعم أو بمعارضة المثقفين الذين يعتبرون أقلية. فالأمير يعتمدُ على الأغبياء الذين لا يستطيعون التعرف على الجانب الشرير للأمير الموجود وراء مظهره الخيّر.
إن الأساس الوحيد الذي تقوم عليه السياسة بالنسبة لمكيافيللي هو الفعّالية التي تمكنُ الأمير من الاحتفاظ بالحكم. ألا يبدو من خلال ما سبق أن مكيافيللي حاضر بيننا يتجول في شوارعنا؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تصعيد إسرائيل في شمال قطاع غزة هو الأعنف منذ إعلان خفض القوا


.. طفل فلسطيني برفح يعبر عن سعادته بعد تناوله -ساندويتش شاورما-




.. السيناتور ساندرز: نحن متواطئون فيما يحدث في غزة والحرب ليست


.. البنتاغون: لدينا بعض المخاوف بشأن مختلف مسارات الخطط الإسرائ




.. تظاهرة مؤيدة لفلسطين في بروكلين للمطالبة بوقف تسليح إسرائيل