الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصوم بمنظور علم النفس الغربي..أصدق تحليلا

قاسم حسين صالح
(Qassim Hussein Salih)

2018 / 5 / 29
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية



الصوم بمنظور علم النفس الغربي..أصدق تحليلا!
أ.د.قاسم حسين صالح
مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية

هنالك موقفان متضادان من الصوم،الأول يتبناه عدد من الكتّاب والأطباء النفسانيين العرب يرى ان الصوم يؤدي الى اضطراب عمل الدماغ بانخفاض مستوى الجلوكوز في المخ،واختلال في الهرمونات وعمل الساعة البيولوجية للأنسان.فالمعتاد ان جسم الأنسان ينشط في النهار ويستهلك طاقة،وان النوم في الليل يعمل على ترميم ما اهترأ في الجسم،وان الصوم،وفقا لهذا الرأي،مضر بجسم الانسان،لأنه يضطره الى ان يسهر في الليل وينام كثيرا في النهار، ويسبب السمنة،وله انعكاسات نفسية سلبية يكفيك منها التوتر العصبي وتعكر المزاج والنرفزة والصداع والدوخة الناجمة عن انخفاض نسبة السكر في الدم.
والموقف الثاني يتبناه عدد من علماء النفس والأطباء النفسانيين في اميركا وانجلترا واوربا،يرى ان بقاء الانسان على نفس الروتين والايقاع في عمل الجسم، يؤدي الى الكسل والخدر والموت قبل الآوان،فيما التغيير يؤدي الى تنشيط البدن ويمنحه حيوية تطيل من عمره.

نبدأ بما قاله الحائز على جائزة نوبل في الطب الدكتور ألكسيس كاريك بكتابه ( الإنسان ذلك المجهول ) ما نصه: (إن كثرة وجبات الطعام وانتظامها ووفرتها تعطّل وظيفة أدت دورا عظيما في بقاء الأجناس البشرية،وهي وظيفة التكيف على قلّة الطعام).بمعنى ان الصوم يدرّب جسم الانسان على التكيّف في الأزمات الأقتصادية.وعلى وفق ما يراه هذا الطبيب فان خلف الشعور بالجوع تحدث ظاهرة اهم هي ان سكر الكبد سيتحرك، وتتحرك معه أيضا الدهون المخزونة تحت الجلد، وبروتينات العضل والغدد وخلايا الكبد..لتحقق في النهاية الوصول الى كمال الوسيط الوظيفي للاعضاء.ويخلص الى القول بأن الصوم ينظّف ويبدل أنسجتنا ويضمن سلامة القلب.
وفي السياق ذاته توصل آخرون الى ان الصوم ينمّي قدرة الانسان على التحكّم في الذات،ويدرّبه على ترك عادات سيئة، ويمنحه الفرصة على اكتساب ضوابط جديدة في السلوك تنعكس ايجابيا على شخصيته هو كانسان وعلى المجتمع الذي ينتمي اليه.مثال ذلك ،ان الصائم يمتنع عن التدخين في نهار كان يدخّن فيه علبة كاملة،وأن تدرّبه على هذا الامتناع قد يدفع به الى تركه..وقل الشيء ذاته عن آخر اعتاد على ان يغتاب او يكذب ودرّبه صيامه على الامتناع عنهما شهرا لا يوما او اسبوعا..وهذا ينطبق عليه قانون نفسي،هو: ان كثرة التدريب على سلوك جديد يؤدي الى ثباته.

ولقد كشفت دراسات الأطباء النفسانيين في السنوات الأخيرة أن حرمان المريض المصاب بالاكتئاب النفسي من النوم ليلة كاملة،وعدم السماح له بالنوم حتى مساء اليوم التالي، له فعل عجيب في تخفيف اكتئابه النفسي وتحسين مزاجه حتى لو كان من الحالات التي لم تنفع فيها الأدوية المضادة للاكتئاب. ثم أجريت دراسات أخرى ـ في باكستان تحديدا ـ فوجدوا أنه لا داعي لحرمان المريض من النوم ليلة كاملة كي يتحسن مزاجه، إنما يكفي حرمانه من نوم النصف الثاني من الليل، ليحصل على القدر نفسه من التحسن في حالته النفسية.وهنالك من يرى ان الصيام له تأثيره المخفف لحدة المعاناة والآلام في كثير من الحالات النفسية والعقلية.

وفي مراجعتنا للأدبيات والدراسات العربية والاجنبية وجدنا ان الصوم يدرّب الانسان على التقليل من النزعة الاستهلاكية التي اصبحت هي السائدة في نمط العيش الحديث.فلقد اشارت كتابات ايريك فروم وهربرت ماركيوز الى سلبية خطيرة تنخر نفسية الانسان تتمثل في طغيان رغبات التملك والاستهلاك المصحوبة بالقلق النفسي. ومن منظور سيكولوجي أكدت أبحاث الدكتور (كانمان) الأستاذ في جامعة برنستون الأميركية أن ارتفاع معدلات الاكتئاب يتناسب مع ارتفاع وتعدد الاختيارات الاستهلاكية،وعدم قدرة الناس على ضبط رغباتهم وكبحها.وهذا عكس الظن الشائع الذي يحسب أن تعدد الاختيارات والانسياق نحو الاستهلاك يسعد الإنسان. وفي السياق ذاته تخلص دراسة الدكتور (باري شوارتز) إلى ذات النتيجة، وهي أن نفسية الاكتئاب والإحباط قرينة للإفراط في الانسياق مع تيار الاستهلاك الجارف.ولهذا نصحت الكثير من الأبحاث بالتدريب على كبح الشهوات الغريزية والسيطرة على الرغبات عن طريق الصوم.

وتشير مجلة (سيكولوجست) الى ظهور عشرات المراكز الطبية في دول العالم المتخصصة في العلاج بالصوم مثل:الجمعية العالمية للصحة،وجمعية الطبيعة والصحة بكندا،والجمعية الأميركية للصحة الطبيعية،واخرى في اليابان والهند والصين،تنطلق من فكرة ضرورة اثارة الانتباه الى فائدة ضبط الشهوات والتحكم بها عن طريق الصوم.

وفضلا عن المراكز والمؤسسات الطبية التي تلجأ إلى الصوم كطريقة علاجية، توجد مئات الكتب والأبحاث التي تناولت الصوم من مختلف الجوانب والأبعاد. ومن بين الأدبيات الكلاسيكية في الموضوع نذكر كتاب هربرت شيلتون "الصوم"، وكتاب نيكولايف بيلوي "الجوع من أجل الصحة"، و"الصوم" لجيسبير بولينغ،". مستندين في ذلك الى ما أكدته أبحاث أنثربولوجيا الأديان أن فعل الصوم يكاد يكون سلوكا مشتركا بين جميع الملل الدينية،وأنه كان وسيلة لفهم الآخر.
وبإمعان النظر في عبادة الصوم والتأمل في كيفيتها الصحيحة يتضح ،من منظور علم النفس المعرفي والسلوكي،أنها بالفعل تدريب فاعل على التغيير النفسي والسلوكي،لكونها ليست فقط ضبطا لرغبة الاستهلاك،بل تتجاوزه إلى ضبط الأنفعالات ايضا.ويرى علماء النفس المعرفيون ان الصوم برنامج ارتقائي بالإنسان يأخذ بمختلف أبعاده وملكاته،بتحليلهم لما أوصى بها النبي بأن يَتَمَثَّلَ المسلم في صومه مجموعةً من الصفات الخُلقية،ويتدرب على ضبط نوازع الشر بداخله: "ليس الصيام من الأكل والشرب إنما الصيام من اللغو والرفث،فإن سابّك أحد أو جهل عليك فقل: "إني صائم إني صائم"؛ و"رُب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع، ورُب قائم ليس له من قيامه إلا السهر".

وينبه علم النفس المعرفي إلى ان الصوم البيولوجي يعمل على تعديل التفكير في كيفية العيش،ومن ثم يصح القول إن الصوم بمدلوله الإسلامي يجمع البعد النفسي المعرفي بالبعد الجسدي،وهذا هو جوهر أية مقاربة سلوكية فاعلة. بل حتى في الشق المادي للصوم فإن تعديل السلوك الاستهلاكي لا يتأتى فقط بالامتناع البيولوجي، بل لا بد من تعديل رؤية الشخص إلى معنى الحياة ذاتها. ولعلنا لا نحتاج إلى التأكيد على قوة البعد النفسي وعمق تأثيره في كيان الإنسان،فمعلوم أن كثيرا من الأمراض يكون باعثها نفسيا ومعرفيا؛ وهذا ما جعل حقل الطب السيكوسوماتي (النفسي/الجسمي) يأخذ مرتبة معتبرة في مجال السيكولوجيا المعاصرة،وأساس المنهجية السيكوسوماتية هي أن النشاط المعرفي يؤثر جسديا، فالاعتقاد ولو الواهم بالمرض يؤدي إلى الوقوع في المرض،وهذا يؤكد صحة الأثر "لا تتمارضوا فتمرضوا".
المفارقة، ان علماء الغرب اكتشفوا ما اكتشفه الاسلام قبل الف واربعمئة سنة ولم ينصفوه علميا ،لكنهم انصفوا النبي محمد بأن جعلوه يحتل المرتبة الأولى بقائمة المبدعين في التاريخ!
19/5/2018
*
==








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - العلم والعقيده متوازيان لايلتقيان
صلاح البغدادي ( 2018 / 5 / 29 - 18:20 )
الاستاذ الدكتور قاسم
مع الاسف لقد جمعت بين العلم والعقيدة في مقالكم هذا
وهما لايجتمعان
بدآت المقال بفوائد واضرار الصيام.وهذا جيد
ثم انتهيت الى ان للصيام فوائد وربطتها بالدين
من قال لك ان للصيام فوائد
انظر الى مجتمعاتنا الاسلاميه في رمضان
انتاجيه صفر
تثاؤب ونعاس طول النهار
تغير حاد في المزاج والعصبيه والنرفزه وزياده في حوادث المرور
كلام طول النهار عن ماذا نآكل في الافطار،وفوقها كارثة السحور
زيادة في النزعه الاستهلاكية والشراء قبل وخلال الشهر،عكس ما اشرت اليه
باختصار ان السنه عندنا 11 شهرا وليس 12 شهرا مثل بقية العالم
فكيف يكون للصيام فوائد
تقول ان علماء الغرب اكتشفوا مااكتشفه الاسلام قبل 1400 سنه
حسنا لماذا لايطبقون ذلك على مجتمعاتهم؟
طبعا الاعتدال بالطعام والشراب والصوم المدروس بالتآكيد قد نادى به المتصوفه والفلاسفه والعلماء وله فوائد لاتحصى..ولكن ليس الصيام الذي تمارسه مجتمعاتنا في رمضان ونتائجه السلبيه
ملاحظه اخيره الكتاب الذي اشرت اليه عن المبدعين لاوجود له اللهم الا اذا كنت تشير الى كتاب مايكل هارت ،وهو عن اكثر 100 شخصية مؤثره وبضمنهم هتلر
رجاءا ابعدوا العلم عن العقائد وشكرا


2 - ليس من المبدعين
طاهر المصرى ( 2018 / 5 / 29 - 18:34 )
الدكتور/قاسم صالح
تعريف الإبداع أعتقد أنك تعرفه جيداً وفى حديث : لا تتمارضوا فتمرضوا، ولا تحفروا قبوركم فتموتوا، قد أتفق الجميع على أنه حديث ضعيف مجهول ومنكر ولا يجوز نسبته إلى النبى.
الثقافة ترتقى بمستوى التفكير الإنسانى حتى أن الإنسان الغربى الكفر كما يعتقد المسلم، قد انفق فى أبحاثه الكثير ولم يقل فى بلادهم أى إنسان أن هذا العالم قد أبدع لمجرد أنه قال بضعة كلمات بل يقولون العالم فلان أكتشف علاجاً للمرض الفلانى، لكن لم يقل أحد فى جميع أقطار العالم أن علماء الغرب أكتشفوا الآن ما قاله الإسلام ورسوله منذ ألف وأربعمائة سنة إلا المسلمين أنفسهم، وهذ شئ مغاير للواقع والحقيقة، وهى عملية كلها أفتراضات وتكهنات ولا علاقة لها بالتمارض ولا بنوم المريض بالإكتئاب حتى يشفى ولا بالصوم الذى هو عادة بشرية نشأت مع الأساطير البشرية وفرضت الأديان الصوم كفريضة لا علاقة لها بالصحة ولا بالمرض.
ومن المستحيل أن كل شئ نأكله أو نشربه أو نراه يلمع فى السماء وغيره من الأشياء تقع فى عالمنا اليومى هى من إختراع أو أكتشاف الله!!


3 - سادية وتعذيب للجسم والنفس
YASAMIN ( 2018 / 5 / 29 - 19:55 )
الصوم لمدة 15 ساعة في درجة حرارة 40 ومافوق لمدة شهر ,لاتحتاج الى دراسات لمعرفة فوائها او مضارها...لانها مضرة وخطرة على جسم الانسان.. ومايفعلوه في الغرب من صوم من اجل الصحة يختلف تماما عن صوم رمضان.. وحتى صوم المسيحيين فيه رفق بجسم الانسان
واعتدال لا باس به قياسا بالتعذيب والسادية التي يفرضها صوم رمضان.


4 - الصيام المتقطع
د.قاسم الجلبي ( 2018 / 5 / 30 - 11:49 )
بينت النتائج الطبية على ان الصوم المتقطع له فوائد كبيرة على الحد من مرض السرطان , حيث الاطعمة الموزودة بالكاربوهايدرات او السكريات قد تساعد على انتشار هذا المرض , وفي حالة الجوع النسبي وعدم وصولهذه الاطعمة قد تحد من انتشاره, , اما اصوم العادي وعند المسلميين هو كارئة كبيرى , حيث اكدت وزيرة الداخلية الدنماركية عل الصائميين في الدنمارك ان اي يستمتعوا بأجارة لآن صيامهم بها كارثة للمجتمع , حيث السائق الصائم اوالطبيب او من يقود شاحنه لا يتمكنوا ان يعملوا وبكفاة تامة وذلك للآنخفاظ السكر في الدم وهذا ما يحول عدم التركيز , ان المجتمع الآسلامي لا يمكنه من الآدخار في هذا الشهر بل العكس هو الصحيح حيث تزيد من استهلاكم المادي لهذا الشهر ,من حيث انتهيىء العائلة له من شراء الكثير من الآحتياجيات , والعديد من الصائمييم يزيدون من استهلاكهم الشره للآكل والشرب بعد الافطار وحتى الى وقت السحور , فالعديد يصابون بالسمنةوحتى بمرض السكري ,فعليه الصوم غير محبب به في الدول الاوربية لما يلحقه من كوارث صحية , مع التقدير


5 - مقال مغازلة أم رياء
محمد البدري ( 2018 / 5 / 30 - 12:17 )
الفاضل د. . قاسم
تحياتي
تابعت بعضا من كتاباتك وحواراتك علي الفضائيات لكني اجد هذا المقال به كثير من الخلط وعدم الاهتمام بالرصد الموضوعي والسلوكي للصائمين في رمضان وهو امر لا يجوز لباحث في علم النفس السلوكي. فالجوع شئ والصيام شئ آخر. احساسات الجهاز الهضمي تحت تأثير كلاهما واحد لكن في السلوكيات الانفعالية تختلف تماما. لكن لماذا لا نكتب عن الحالة الصبيانية والطفولية المنتمي اليها صائمي رمضان من البالغين وكذلك انجرار السلطة الحاكمة للاحتفال به واستقباله بحفاوة وتوديعه بامنيات العودة وكانها تقول ربنا يستر والناس تظل في غيبوبة حتي عودة الشهر الفضيل في العام القادم
تحياتي مرة اخري


6 - الصوم الاقتصادي افضل
كنعان شــــماس ( 2018 / 5 / 30 - 13:18 )
تحية للاساتذة المعلقين ... يحتمل بعد سنوات وبسبب التكاثر البشري اللا محدود ان تفرض الحكومات الصوم المسيحي على شعوبها . الامتناع عن اكل اي منتوح حيواني لخمسين يوم وليلة او اكثر في السنة . توفير هائل في الثروة الحيوانية وبقية الفوائد التي اشـــــير اليها . ان تبديل عادة الاكل في النهار الى عادة الاكل في الليل وتسمية ذلك صوما لافائدة اقتصادية له اطلاقــــا ولاشك ان الاقتصاد ثم الاقتصاد هو عصب الحياة ... تحية للاخوة المعلقين صلاح البغدادي وطاهر المصري وياســـمين

اخر الافلام

.. بلينكن في الصين يحمل تحذيرات لبكين؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. زيارة سابعة مرتقبة لوزير الخارجية الأميركي إلى الشرق الأوسط




.. حرب حزب الله وإسرائيل.. اغتيالات وتوسيع جبهات | #ملف_اليوم


.. الاستخبارات الأوكرانية تعلن استهداف حقلي نفط روسيين بطائرات




.. تزايد المؤشرات السياسية والعسكرية على اقتراب عملية عسكرية إس