الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حنين جاهلي

أياد الزهيري

2018 / 5 / 30
المجتمع المدني


حنين جاهلي
يبدو أن الجاهليه لا تريد أن تفارقنا, وتكاد تكون حريصه على البقاء فينا ,ولا أدري أن كانت هي قدرنا, كما فلا أدري أن كان بيننا غرام أبدي يجعلنا لا نفارق بعضنا البعض , أن منطقتنا أصبحت منطقة جذب سياحي لكل جهلت العالم , ويبدو هناك ما يسعد هؤلاء الجهله بالأقامه في أراضينا , فهي مرتع خصب , ومأوى ممتاز , ومشرب يروي عطش اللاهثين في دهاليز الجاهليه.
يقول أحد الباحثين في التراث العربي أن كلمة الجهل في لغة ما قبل الأسلام ( تعني الخضوع لسطوة الأنفعال والأستسلام لقوة العاطفه) . فالجاهليه هو السلوك المنافي للعقل والمنطق. فالسلوك الأجتماعي في ظل الجاهليه هو سلوك قائم على الظلم المستند الى القوه والقهر في العلاقات بين أبناء المجتمع الواحد, حتى أن ما يتبوءه المرء من موقع في سلم الهرم الأجتمائعي يتناسب طرديآ مع ما يسدده من ظلم لمحيطه الأجتماعي, وهذا ما يؤكده الشاعر الجاهلي زهير بن أبي سلمى في بيته الشعري:
ومن لم يذد عن حوضه بسلاحه يهدم, ومن لا يظلم الناس يظلم
يتضح من هذا أن الظلم والأعتداء على الآخر هو سمة البقاء والديمومه للعيش عزيزآ ومكرمآ في المجتمع الجاهلي.
فالجهل قد لا يعني أن المجتمع لا يقرأ ولا يكتب ,بل الجاهليه هي عندما لا يحتكم المجتمع الى العقل والمنطق في شؤون حياته, أي أن الأنفعال والتعصب هو سيد الموقف ,فيمكن لأي سبب تافه يشعل حربآ ضروس كما سبب سباق خيل بين قبيلتين عربيتين حرب دامت أربعين عام وهي حرب داحس والغبراء , ومن الغريب أن يحدث اليوم بعد أكثر من الف وخمسمئة عام أن يختلف جيران في مدينة الديوانيه على طيور فيذهب ضحيته أثنان من الشباب , وشبيه هذا الحدث يتكرر بين عشائر شمال البصره , حيث تستخدم بها كل الأسلحه الخفيفه والمتوسطه , وعندما تبحث عن السبب تراه كلب أم بقره . بالرغم من هذا الفارق الزمني ترى ما يحدث بين داحس والغبراء وما يحدث من معارك بين عشائرنا اليوم يتطابق تمامآ وكأن الزمن قد توقف.
أن الأسلام عندما جاء , جاء على أعقاب جاهليه أراد أجتثاثها من الواقع , وهذا الأجتثاث ليس للوجود الأنساني بل أجتثاث لعادات ومبادئ المجتمع الجاهلي , وها هي مبادئ الجاهليه تعود الينا وكأنها على موعد معنا , وكأن محمد (ص) لم يرسل لهذه الأمه ,فغياب القانون ضارب أطنابه , والأعراف العشائريه هي من تحكم , والتعاملات التجاريه يسودها الغش والأحتيال , والمظالم منتشره أنتشار النار بالهشيم , أما عمليات السلب والنهب فهي سمة عصرنا يمارسها معظم القوم , وهي ذات طبائع أجدادنا البدو الذين لا عمل لهم الا الفرهود , وهي عندهم علامة شجاعه , كما هي اليوم سمة الشطاره ,أنه منظر غابوي بأمتياز.
أن العصبيه من أهم مظاهر العصر الجاهلي , هو عين ما نعيشه , فالتعصب ضارب أطنابه , ومظاهره لا تعد ولا تحصى في مجتمعنا فأنت لا تكاد تختلف مع متحدث في رأي , فسرعان ما تتهم بأبشع الأتهامات , وقد تتحول الى مشكله شخصيه يطول الزمن فيها الى ماشاء الله , وحتى تتجنبه ما عليك الا أن أن تتسلح بسلاح النفاق حتى تكون في مأمن من شرور القوم.
لقد رقمت جاهلية ما قبل الأسلام بالجاهليه الأولى , وكأن هذا الترقيم ينبأك بأرقام تأتي تباعآ , وهذا ما يحدث عندنا بين الفينه والأخرى, حيث الجاهليه زائر متردد الزياره , حتى أكتسب عليها الأقامه الدائمه أذا جاز لنا أستخدام لغة اللجوءكما هو معمول في نظام اللجوء العالمي , وقد نقترب بعد طول أقامتها بين ظهرانينا من أكتسابها الجنسيه فتحل بيننا في الفصول والعهود , وحينها يأتي حكم التاريخ فيزيحنا الى مقبرته الى الأبد . أن جاهليتنا الحاضره أخطر من جاهلية أبي لهب لأنها جاهلية تجمع فيها سوءة التاريخ وميراثه الهزيل مع حداثه مزيفه, أي نحن مضغوطين من جاهليتين خطرتين , أن تمكنت منا , وتناولنا منها جرعات عاليه ,فسنسقط في أدمانها صرعى تنتهي بالأنتحار الحضاري.
أياد الزهيري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قيس سعيّد يرفض التدخلات الخارجية ومحاولات توطين المهاجرين في


.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة – برنامج الأغذية العالمي يحذر من مجا




.. نشرة إيجاز – برنامج الأغذية العالمي يحذر من مجاعة محتومة في


.. العراق يرجئ مشروع قانون يفرض عقوبة الإعدام أو المؤبد على الع




.. رئيسة -أطباء السودان لحقوق الإنسان-: 80% من مشافي السودان دم