الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شعر الشكوى ..عند الشاعر عبدالسادة البصري ..!!

وجدان عبدالعزيز

2018 / 5 / 30
الادب والفن


لماذا قارن الشاعر العراقي عبدالسادة البصري نفسه بالشاعر الاميركي والت ويتمان الذي لابد ان نتطرق لحياة ويتمان قليلا: فهو ولد في بروكلين بين عامي 1832 - 1833، حيث تلقى تعليمه الأولي فيها، لكنه لم يكمل تعليمه واشتغل صبيا في مطبعة. كان يقرأ كل ما تصل إليه يداه:الإنجيل، شكسبير،أوسيان،سكوت، هوميروس، شعراء الهند وألمانيا القدماء، كذلك قرا دانتي كله، اثرت هذه القراءات على شعره في الإيقاع والمضمون، خاصة في مراحلة المتاخرة.عمل بالتدريس، ثم اشتغل بالسياسة وكان من الرواد الأوائل الذين أرسوا دعائم الديمقراطية الأمريكية. وفي عام 1846 أصبح رئيساً لمجلة بروكلين إيجل الناطقة بلسان حال الحزب الديموقراطي، والتي هاجم فيها كل أنواع التعصب والفاشية والديكتاتورية مؤكداً انه لا ازدهار أمة إلا بترسيخ الديموقراطية فيها.لم يتأثر بالحرب الاهلية الاميركية إلا في عام 1862 عندما سافر إلى فرجينيا لزيارة أخيه جورج الذي جُرح في إحدى المعارك،عاد والت ويتمان إلى واشنطن لكي يتطوع للعمل كممرض في مستشفيات الجيش لخدمة الجنود الشماليين أو الجنوبيين على حد سواء.سجل ذكرياته في الحرب في كتاب وصفي بعنوان مذكرات الحرب 1875.تأثر شعره بهذه التجربة الإنسانية فكتب ديوان دقات الطبل عام 1865،ثم أعاد طبعه عام 1866 مضيفاً القصائد التي يرثي فيها أبراهام لينكون مثل قصيدة أزهار البنفسج على عتبة الازدهار وقصيدة أيها القائد..يا قائدي...
من هنا ظل الشاعر البصري يضع صورة متحركة موجعة الى حد البكاء والشكوى لنفسه، واخرى مختفية توحي بانها الافضل للشاعر والت ويتمان، والظاهر صراع الصور، يعكس حالات وقعت بتواريخ مختلفة منها تعانق وجع الشاعر البصري ومنها تعانق وجع ويتمان .. يقول بودلير : (الشعر تجاوز للواقع العيني، فهو ليس حقيقة كاملة، سوى ضمن عالم مغاير وأخروي)، فهل البصري يبحث عن العالم المغاير ويتمنى ان يكون ويتمان، وهو صاحب التجربة الانسانية والابداعية الطويلة، قد تتوالد اسئلة كثيرة، حين التمعن في قصيدة البصري (لن أختلف معك بشيء يا (والت ويتمن))، من العنونة توحي التشابه بين الشاعرين، لكن في المتن هناك وجع وشكوى، يدلقها البصري على بياض ورقته، قد يفترق عن ويتمان الى الامكنة وصراع الغرب مع الشرق في صناعة الحروب وويلاتها المؤلمة وحيرة تفسير الوجود، (والشعر في إحدى إمكاناته واختياراته الكبرى مساءلة حيوية للوجود. فكيف تتحدد هذه المساءلة؟ أو بالأحرى كيف يثير الشعر أسئلة الوجود التي يعيد من خلالها كشف التوتر الحيوي للوجود الناطق؟ وكيف يعبر نحو الاستنارة المبددة للعتمة؟)، البصري لاشك يعيش عتمة بتفاصيل مقارنة مع ويتمان، لكن ويتمان لايقل عنه في عتمته وتقلبات حياته وقلقه تجاه الكون .. اذن نحن امام قصيدة تحاول ان تجمع بين المشتركات والمفترقات، وقطعا ان هذه المتضادات لاتظهر جلية واضحة ممكن التقاطها بسهولة، لابد من اجتراح اجراءات للوصول الى لبة الموضوع .. اعتقد الشاعران اكتويا في لهب الحرب، وعاشا ضنك الحياة، قد يكون البصري في قرارة نفسه اراد ان يشكو معاناته للاخرين من خلال ويتمان ...اذن ويتمان واوجاع البصري اجتمعا معا، محاولة من الشاعر البصري اعطاء وهج الفكرة دفقا رمزيا، فويتمان ليس بالانسان العادي ومن خلال اشعارهم نجد هناك تشابه .. بقول البصري :

(لن أختلف معك بشيء يا والت ويتمن
لحيتكَ مليئةٌ بالفراشات
ولحيتي مشعثة بغبار الحروب)

وقول ويتمان:

(أنا أيضاً- أيها الشَّبَحُ السَّامي أُغنِّي الحرب، حرباً أطول وأعظم مِن أيِّ حرب،
تدورُ في كتابي مع مصيرٍ مُختَلِفٍ، مع الانطلاق، والتَّقدم والتقَهقُر، والنصر المؤجَّلِ)

من حيث الواقع هما عاشا الحرب في ازمان مختلفة، هذه الازمان فيها اختلافات لاتسعها مساحات الشعر المقتصرة على الايحاءات والرمزية، لذا عمد البصري الى الايحاء بأن شاعر الغرب، قد يعيش في خلوة مع نفسه اكثر من شاعر الشرق، وقد ينتج شاعر الغرب شعرا تأمليا، وشاعر الشرق يقض مضجعه الواقع المحاصر له من كل جانب وصوب، وقد تعكس الصورة، فتكون مفردات البصري اكثر تماس مع الذات الانسانية، حاملة في طياتها تأملات اخرى، وقد يكون هو صراع من نوع اخر حاول البصري الدلالة عليه من خلال المقارنة المغمسة بالشكوى ...(وإذا توافق الإنسان مع نفسه اولاً.. فإن البقية أهون.. ينبغي قبول الذات بعيوبها ثم السعي لإصلاحها بمحبة وجهاد، يكافح الرجل الكريم وهو يبتسم، ويحسن به أن يعرف طبائع الناس والحياة حتى لا تهزه المفاجآت، والإنسان نفسه حالات وعجائب.. ومواقف.. وشعر الشكوى من أصدق الشعر، فهو يصدر من النفس، ومن النفس حين تفيض، فهو جيشان عاطفة، وفيضان ومشاعر..انه يتدفق كالسيل الهادر في مجراه، ليس فيه عَلُّق المديح، ولا تكلف الصناعة، انه بوح.. والبوح من القلب، ويخرج غصبا..)، لذا جاءت قصيدة البصري منسابة، كماء عذب بارد في ايام تموز جنوب العراق، حينما يندلق في جوف ظمآن .. يقول البصري :

(حريقكَ كلمات
وحريقي الآه...آه...آه
صراخكَ يعلو كثيراً
وصراخي بحارٌ مظلمة
عيونكَ التهام الحكايات
وعيوني البكاء ‼
مدائنكَ انفتاح المسرّات
ومدائني مراثٍ لن تنتهي
تحيا بالموسيقى
وأحيا بالنحيب
أطفالكَ الشعراءُ الحديثون جدا˝
وأطفالي خطاياي
التي أضافت الى قلقي قلقا˝ أكبر
بيتكَ امتداد الفرح
وبيتي ارثٌ من التأريخ
أثقل كاهلي وأحملهُ أنىّ حللت
فلا بيتَ لي ....
سوى الورق ‼
ـــ ومازال ...

إذاً :-ــ لن نختلفَ بشيءٍ
ــــ يا...والت ...ويتمن ....
اليس كذلك؟؟؟!!!)

وهكذا شكى البصري حاله لويتمان، والحقيقة كما ارى هي شكوى شعر البصري لشعر ويتمان .. يقول ويتمان في مقطاع من اوراق العشب :

(هَيَّا، قالت روحي،
فَلنَكتُب هذه القصائد لجسدي، فنحن واحد،
لأني بعدها عليَّ أن أعود،
أو، بعيداً، بعيداً من هنا، في كواكب أخرى،
ستتواصل الأناشيدُ إلى جماعةٍ ما مِن الرِّفَاق،
مُفعمةً تماماً بتُربَةِ الأرضِ، والأشجارِ، والرِّياح، والأمواج الهائجة،
بابتسامة سعيدة دائماً على شفتيَّ،)

وحين المقارنة بين اشعارهما، نجد نفس القلق ونفس البحث عن الحقيقة ونفس الهموم الوجودية، وقد تكون الاجابة على لماذا المقارنة بالشاعر ويتمان المغموسة بالشكوى .. فقد تكون هي مساءلة حيوية للوجود وللكون ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شراكة أميركية جزائرية في اللغة الانكليزية


.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر




.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة


.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي




.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة