الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشاعرة اسماء الرومي، بين التيه وبين نسبية القيم المتحققة ..!!

وجدان عبدالعزيز

2018 / 5 / 31
الادب والفن


كان من ضمن اهتمامي، واهتمام صديقي الناقد امجد نجم الزيدي، ان نتبادل مقتنياتنا من الكتب الجديدة، فقدم لي ديوان (ما لا يشبهني) للشاعرة اسماء الرومي، الصادر من امل للنشر والتوزيع بطبعته الاولى2017م/دمشق، حيث ضم اكثر من خمسين قصيدة نثرية، ذات انفلات ومغامرة في عوالم فضاءات مفتوحة الافاق، هي احلام في تيه يغذ السير ببطء، غير انه ينحاز للضوء والجمال، وفي الديوان غربة، هذه الغربة بحث لذيذ عن ملاذات الاخر .. ذلك الذي يحاول في الجانب الثاني من تلك الافاق، ان يجد ضالته .. ومن دلالات ديوان (ما لا يشبهني) ايضا تحولات القصيدة العربية على صعيد الكتابة شكلا ومضمونا، حتى وصولها الى مرسى قصيدة النثر وقصيدة الومضة ذات التكثيف الشعري العالي الا ان ديوان الرومي التزم النثر شكلا له، وكأني بالشاعرة الرومي تؤسس لفلسفة وجود المعنى، وتجاوز الثابت والمستقر، وهذا التأسيس ادى ويؤدي بلا ادنى شك الى توالد الاجيال الفنية عبر التاريخ .. واراني اتفق مع الكاتب نيجار عطا الله وقوله : (إن البحث عن المعنى هو رحلة عبر الزمان في جميع أنحاء العالم، لكنها تنتهي بنا دوما عند أنفسنا. فكل الطرق تعود بنا مرة أخرى إلى أنفسنا. وفي مقدمة ابن خلدون، الذي جال فيها عبر الزمن، يصل هذا الفيلسوف الصوفي إلى نتيجة مفادها أن تطور الحضارات واندثارها هو ظاهرة دورية. فإن البشر، سواء كانوا مؤمنين أو ملحدين، مثاليين أو عقلانيين، فلاسفة أو علماء، كلهم على الطريق الذي أسماه ابن القيم مدارج السالكين، وهو طريق يعود بنا في نهاية المطاف إلى أنفسنا.)، وبالتالي فان الحلم عند الشاعرة الرومي يغدق على الشعر ماء الحياة، والسير بلا نهاية في ذلك التيه، أي البحث عن المعنى المتمثل في الاخر .. والاخر هو الرؤية التي تتحرك في عوالمها الشاعرة الرومي ايثارا لنفسها اولا واخيرا، مؤكدة للاخر انها واياه محصنين بالغرق، ومعناه التيه باعتبار الشعر تيه، ومشروع مفتوح النهايات، لذا تقول :

(لولا التيه
ما تجسد للوجود معنى
ولولاك
ما اقترفت كل هذا الضياع)

اذن الاسطر الاولى للديوان رسمت خريطة البحث الجمالي في كل قصائده ومن ثم انها تؤكد بقولها :

(ما رأيك لو
منحنا هاتين الشجرتين اسمينا
وصرنا قريبين الى الابد)

فاستعملت "لو" وهي حرف امتناع لامتناع، أي هناك رخاوة في التحقيق، لانها تبحث عن الخلود بشرط وجود الاخر، حتى تتحقق نبوءتها في تحقيق سعادة طفل وعاشق وعصفور بحماية عشه لماذا؟، كون المساحة المفترضة، قد يحدث فيها لقاء الاخر، لذا كررت الفعل "دعيه" وبتكرار فعل الامر هذا اقتربت بعض الشيء من حالات الوجود التي تروم الوصول اليها...

(دعيه يجيء كما يشاء
يمشط اوجاعك الكامنة
دعيه
بفطرته يحتويك
دعيه يغني
دعيه
دعيه)

بمعنى وفرت نوع من الحرية، كون عوالم الشعر فضاءات مفتوحة، واسست رؤيتها شعريا، هذا اولا، اما ثانيا تركت له الباب مفتوحا للمجيء(دعيه يجيء كما يشاء)، بعدها تناغمت مع الفطرة (بفطرته يحتويك)، وهذا جدل نزوع الانسان للبحث عن الحرية، وبما ان قصيدة النثر تكتب وفقاً للفكر الخاص بالشاعر، نجد الشاعرة الرومي دخلت في جدل الحداثة وفشلها في تحرير الانسان ولم يحقق التقدم المنتظر، كما تحدث فوكو ودريدا وغيرهم، فما هو : " معنى الحياة؟" قيمة الجواب تتعلق بالغرض من الحياة، وقد تتعلق مع التقييم للواقع في نهاية المطاف، أو تقييم الشعور بالفرادة، أو حتى الشعور بالقداسة، أي متى نشعر بفرادتنا وقيمتنا ضمن منظومة الزمكانية في تحقيق نسبية السعادة .. تقول الشاعرة :

(لااملك شجاعة الماء
لاشق طريقي بعيدا عن النهر
حين تخونني الضفاف
حبيسة بقيت
ازرع المناديل في حدائق العمر
اسقيها الدمع بسخاء
واحلم
ان تنبت حمائم ذات صحو)

وتبقى في دوائر النسبية، فليس مثل الماء الواقعي السائل، انما هي تعيش الحلم عسى ان تنبت الحمائم، وهي تحمل الصحوة وتبدأ الحياة في نسبية ذهنية محددة .. ففي عام 1916 نشر اينشتاين بحثه عن نظرية النسبية العامة وكان يمثل هذا البحث عشر سنوات قضاها في التفكير الشديد وكان الدافع لهذه النظرية، هو أن نظريتة الخاصة ، التي تركت المكان والزمان مبتورين، ولان اينشتاين يرى أن الطريق إلى الوصول لتوحيد القوى الفيزيائية، كان يجب أن تكون نظرية صامدة نسبيا، ولان النظرية الخاصة لم تكن كذلك، حاول أن يتمها بالعامة لان الخاصة لاتنطبق إلا على المراقبين الذي تحرك أحدهم بالنسبة للأخر بسرعة ثابتة، فهل عالم الشعر يقبل الثبوت؟، فـ(لا تنحصر الأسئلة الفلسفية التي تثيرها فينا أعمال أدونيس في تلك التي تتناول ذاتية الوجود الإنساني ومكوناته وشروطه بصفته وجوداً فردياً؛ بل تثير فينا أيضاً شتى الأسئلة الفلسفية حول ما يشكل في النظرة السائدة في ثقافتنا إلى المعرفة، والحقيقة، والقيم والوجود، موضوعاً لنقد جذريّ.
فضلاً عن ذلك، سنجد أنه يعيدنا إلى الكثير من الهواجس الفلسفية التي تتعلق بالمغزى الفلسفي للتشخيص، وعلاقة الذات بذاتها وبالآخر، والاغتراب، وإعادة تقويم كل القيم، وغير ذلك مما يتصل باستقصائه أبعاد ذاتية الوجود الإنساني) ...
يقول عبدالعزيز بومسهولي : (الشعر والوجود، يشكلان بؤرة رؤيوية تأويلية تعددية تدرك الكينونة بوصفها انفتاحا للموجود، ولذا فما فتئ هيدغر باعتباره باحثا أصيلا في العلاقة التواشجية بين الشعر والوجود، يؤكد "على أن الإنسان لا يستطيع معرفة ما لا يمكن حسابه، أي أن يصونه في حقيقته، إلا انطلاقا من مساءلة خلاقة وقوية تستمد من فضيلة تأمل أصيل، فهذا الأخير يحمل إنسان المستقبل إلى مكانه بين الإثنين: الوجود والموجود، حيث يكون من طبيعة الوجود، والحالة هذه، أن يظل غريبا في قلب الموجود، وهذا المكان هو الكينونة هنا أو الوجود في العالم، باعتباره مجالا لدنيا لانفتاح الوجود ولانسجامه واحتجابه في آن معا).. وتقول الشاعرة الرومي :

(كيف لمن ولد وسط الضباب
ان يتخلى عن لحظة توهانه الاولى
عن خطاه العارية من الملامح
ملثم خوفنا
ورفيق قديم
لاخلاص منه
لطالما خفنا
من السقوط
من الوصول
الآخر
المجهول
الحب
ومن ذواتنا
يا الله ..
هل لي ان احتج ..؟
لا اريد ان اولد وسط الضباب)

هذه التساؤلات تثبت ما ذهبنا اليه في حيرة وقلق البحث عن الذات وعن الاخر الذي بدأته الشاعرة أسماء الرومي،كمشروع رؤيوي في ديوانها (مالايشبهني).. اذن الشعر مشروع بحثي عن عوالم جمالية نسبية، وهنا ليس من محصلة حقيقية ونهائية له ...

ـ ديوان (ما لا يشبهني) للشاعرة أسماء الرومي/امل للطباعة والنشر والتوزيع سوريةـ دمشق الطبعة الاولى 2017م








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا