الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إلِكْترا: الفصل السابع 4

دلور ميقري

2018 / 6 / 4
الادب والفن


طفقَ يفكّرُ بهذه العائلة العجيبة، المتسم أفرادها بالخبث علاوة على قلة ثقافتهم وندرة معارفهم. تديّنهم، في المقابل، لم يكن خارجَ الإطار المعروف لمواطنيهم بشكل عام. الأب، إنسان عالة بكل معنى الكلمة. إلا أنّ هذا لا يمنعه من الفخر بانتساب عشيرته العربية، " الشياظمة "، للشجرة العلوية الشريفة. " نفيسة " الساذجة، والماكرة في آنٍ واحد ( كما نوّهنا مراراً! )، لم تكن تعلم بوجود أميرة في ظهرانيهم. كانت تظنها مجرد فتاة من أسرة غنية، تعرّفَ " غوستاف " عليها أثناء دراستها في باريس. فكم دُهشت هذه، لما راحت " نفيسة " تتباهى بانتماء زوجها، المزعوم. كان ذلك في سهرة الأمس، ثمة على الشرفة، والتي امتدت إلى ما بعد منتصف الليل.
" إنها تَصِمُهُ بكونه عنّيناً عريقاً، ذلك الزوج المنتهية صلاحية رجولته. ولا يُستبعد أن يكونَ أولادها من منابت مختلفة، اختلافَ الشياظمة عن آل بوربون! "، كذلك قالها فيما بعد معلّقاً على كلام عشيقته حينَ أنفردَ بالأميرة على الشرفة. وإنه هوَ مَن كان قد أمدّها ببعض المعلومات عن " نفيسة "، في أوان لقائهما الأول، الذي جرى مصادفةً في ساحة جامع الفنا. فعل ذلك دفعاً للضجر والسأم، بلا ريب. مع أنه ساءل نفسه على الأثر، عن جدوى إثارة فضيحة.
قبلة الليلة الفائتة، تمّ التكتّم عليها بطبيعة الحال. بيْدَ أنها فضيحة أخرى، في آخر المطاف. كان قد تناول القهوة بالحليب في المحترف، وحظيَ أيضاً بالسيجارة المشتهاة. " جاك "، بررَ إفطاره بعمله الفنيّ الشاق. بينما الأميرة شاركتهما متعة القهوة والسيجارة، قائلةً ببساطة " أنا مريضة "؛ أي أنها في مرحلة العادة الشهرية. ثم التفتت إلى ناحية صديقها، لتسأله بنبرة ساخرة خِلَل فمها المطلي بأحمر الشفاه: " وأنتَ؛ هل تشكو من علّة ما ؟ "
" نعم، إنني ما زلتُ أعالج نفسي بذلك الدواء، الذي وصفه صديقنا الدكتور لويس! "، ردّ عليها بلهجة جدّية فيما كان يفتح رجليه ويغلقهما مثلما هيَ عادته أثناء الجلوس على كرسيّ غير مريح. وكانت ردّة فعل الأميرة على مزحته، إطلاقَ صفيرٍ خفيف من فمها يُعبّر عن التأفف من ذكر اسم صديقها السابق. في الأثناء، دأبَ الرسامُ على مراقبة ربيبته بشيءٍ من القلق. كان قد منحَ " الشريفة " منذ وهلةٍ استراحة، بوصفها نموذجاً للوحته الجديدة. ولعله وجدَ أنّ بقاءها في المحترف أضحى غير مناسبٍ، طالما أنّ الحديثَ بدأ يشتط بغير تكلّف بين صديقيه. بدا أنه كان يهمّ بمخاطبة البنت، لما بادرت الأميرة إلى سؤالها بالمحكية الدارجة ذات الجرس الظريف: " هل بدأتِ الصيام في فترة مبكرة من عٌمرك، حال الكثير من الأولاد؟ "
" لا، صرتُ أصوم منذ رمضان المنصرم. ماما هيلين، سبقَ أن تكلمت مع والدتي عن مضار الصوم على الأطفال. ولكنني الآن لستُ طفلة، وسأبلغ سن الرابعة عشر في نهاية شهر غشت. مدام هيلين، هيَ بنفسها مريضة ولا تستمع لنصيحة مسيو جاك بضرورة الامتناع عن الصوم "، أجابت بطريقة عاطفية خليقة بطفلة بريئة. ندّ عن مخاطبتها مفردة مقتضبة: " برافو..! ". ثم ما لبثت أن أردفت بالفرنسية، قائلةً بنفس اللهجة المرحة: " نعم، إنك لم تعودي طفلة. أمهاتنا، تزوجوا في مثل سنّك وربما أصغر قليلاً. عدا عن أنك محظوظة بذكاء لامع، مع قدرة جيدة على التعبير عما في نفسك. سأكون سعيدةً لو أنّ مسيو جاك اصطحبك معه في زيارة قريبة لمنزلي، كوننا جيرانَ في مراكش، وسأهديك كتباً فرنسية ملائمة لذكائك وفطنتك ".
" أرى أن تذهبي إلى ماما هيلين، لأنها تفرح برؤيتك. وقد تحتاج أيضاً لمساعدة ما "، خاطبَ الرسامُ الفتاة فيما كان يصب لنفسه مزيداً من القهوة. ثم استدرك القول، متوجّهاً إلى الأميرة: " بكل سرور، بكل سرور! إنني بالفعل كنتُ أفكّر بزيارتك، وأعتقد أن ذلك ممكنٌ أن يكون مناسباً بعد العيد؟ ". نطق المفردة الأخيرة بالعربية، وكما لو أنه يلفظ اسمَ الديكتاتور الأوغندي؛ " عيدي ". بمجرد أن غادرت الفتاة المحترفَ، بادرَ " غوستاف " إلى كوّة البار، المخفية ضمن خزانة الكتب، ليُخرجَ زجاجة ويسكي مع قدحٍ من الكريستال. نقّل عينيه في الآخرين مُستفهماً، فلوّحَ له كلاهما يدَهُ بإشارة نفيٍ. كالكثير من الأوروبيين، كان الكحول يُساعده على تركيز الذهن في أمر يشغله بإلحاح: " الشريفة "، المخلّفة طيفها الرقيق اللطيف في المحترف، جنباً لجنب مع صدى صوتها ذي الرنّة الموسيقية، المفصح عن مقدار براءة عُمرها وحرارة عاطفتها. في طيّات ذاكرته، كان ثمة شقيقٌ لهذا الطيف سبقَ أن عرفه عبرَ قراءاته السابقة لسيرة ملهمه؛ الشاعر الفرنسيّ " آرثور رامبو ".. طيفٌ/ قرينٌ، انتمى أيضاً للواقع بدماء أفريقية جرت في عروقه فضلاً عن وضع صاحبته ـ كجارية أكثرَ منها عشيقة، وكذا في سنّها الأقربَ إلى الطفولة.
أدهشته تلك المقاربة ( المفاجئة له بنفسه )، مع تجربة شاعرٍ لم يكد يشبهه سوى في هجر الأدب أبداً في سبيل التفرغ لأعمال تجارية بحتة، وضعته في تعارض مع الذات روحاً وجسداً. الأكثر إيلاماً لرجلٍ يشعر باقتراب الشيخوخة، أنّ معبوده الأدبيّ ذاك، كان يصغره بقرابة عقدين من الأعوام آنَ نسجه لعلاقة عاطفية جنسية مع فتاته الحبشية. وهوَ ذا يخطط في هدوءٍ ورويّة، دونما إحساس بالخجل والعار، بسبيلٍ مناسب يحظى من خلاله بالبنت الفاتنة، السالبة لبّه كما لو أنها مَحظيّة شرقية خارجة تواً من إحدى حكايات ألف ليلة وليلة، التي طالما أعاد قراءتها بشغف في فترة صباه وشبابه.
" في نهاية الأمر، فإنني أنقذ هذه الطفلة البريئة من براثن ذلك الوحش العربيّ، المهووس بفكرة ثابتة؛ وهيَ أنها ابنة حرام "، خاطبَ نفسه من خلال دخان السيجارة فيما كان يحاول استعادة رشده.














التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأسود والنمور بيكلموها!! .. عجايب عالم السيرك في مصر


.. فتاة السيرك تروى لحظات الرعـــب أثناء سقوطها و هى تؤدى فقرته




.. بشرى من مهرجان مالمو للسينما العربية بعد تكريم خيري بشارة: ع


.. عوام في بحر الكلام | الشاعر جمال بخيت - الإثنين 22 أبريل 202




.. عوام في بحر الكلام - لقاء مع ليالي ابنة الشاعر الغنائي محمد