الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العين -المغمضة- لمراكز الابحاث الغربية ؟! مركز كارنيجى للسلام، نموذجاً.

سعيد علام
اعلامى مصرى وكاتب مستقل.

(Saeid Allam)

2018 / 6 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


"لعل جزءاً من الاسباب التى تدفع بالنخبة السياسية والشركاتية الى التصرف بهذه الدموية، هو ثقتهم بانهم قادرون على الهرب بافعالهم. وقد يفسر هذا انتماء عدد كبير من مناصري بوش الي المسيحيين المؤمنين بنهاية الازمنة. فهم في حاجه اولاً الي الايمان بأنه هناك منفذاً من العالم الذي خلقوه. الا ان هذا الانخطاف شبيه بما يبنونه في العالم الدنيوي, أي نظام يدعو الي الدمار والكوارث, ثم يفر في مروحيات وطائرات خاصة نحو الأمن الالهي.
"عقيدة الصدمة" صعود رأسمالية الكوارث.
نعومى كلاين.


سعيد علام
القاهرة، الاثنين 4/6/2018م

تتلخص فلسفة النظرية النيوليبرالية الاقتصادية، فى انها تعتمد رفع يد الدولة عن التدخل بأى شكل فى السوق، وترك السوق حراً، يضبط نفسه بنفسه، الا ان النقد البديهى لهذه النظرية يأتى من كون ان عدم تدخل الدولة وترك السوق حراً، هو فى حقيقته ترك السوق للقوى القادرة اقتصادياً لتتدخل فى السوق وفقاً لمصالحها، وهو ما يؤكده واقع تزايد تركز الثروة وتضخمها لدى قلة، نتيجة لنزح الارباح الى اعلى، وتزايد حدة الفقر فى القاعدة التى تزداد اتساعاً، نتيجة لنزح الفقر الى اسفل. بالرغم من بديهية هذا النقد الذى ينسف النظرية النيولبرالية من اساسها، الا ان معظم المحللين يتجاهل عن عمد هذه الحقيقة البسيطة.


على الرغم من ان الحفاظ على التوازن البيئى، واحترام قوانين الطبيعة، من القيم الانسانية العالمية النبيلة، التى تهدف لحماية الحياة على الارض، ورفاهية الانسان وصحته البدنية والنفسية، تأتى "مدرسة شيكاغو" الاقتصادية، النيوليبرالية، لتدعى انها تتمثل هذه القيم الانسانية فى الاقتصاد، اى احترام قوانين السوق وعدم تدخل الدولة فيها، وفقاً للمبادئ الثلاث (الخصخصة – ازالة الحواجز الحمائية – الحد من الانفاق الاجتماعى "الدعم")، وجعل قوانين السوق الحر تأخذ مسارها "الطبيعى" دون اى تدخل من الدولة.

انها الوصفة التى يجرى تنفيذها على قدم وساق منذ منتصف القرن الماضى، فى الشرق والغرب، تحت اشراف "صندوق النقد والبنك الدوليان"، وبحماية المؤسسة العسكرية الامريكية، والاستخباراتية، ومؤسسات صناعة المال، وتعاون كل الحلفاء الدوليين او المحليين، الا ان صبيان مدرسة شيكاغو قد تجاهلوا عن عمد ان هذه النظرية لا تعنى سوى التدخل السافر من قبل القوى النافذة فى المجتمعات فى هذه القوانين "الطبيعية" للسوق الحر، هذا التدخل الذى عن طريقه فقط يمكن لهذه القوى النافذة من الاستمرار فى مراكمة مزيد من الثورة والسلطة، على حساب تعاسة ملايين البشر الذين لا يحتلون مواقع نافذة فى المجتمع.

ان احترام قوانين السوق الحر وفقاً لمدرسة شيكاغو، هو بالضبط عكس ما تدعو اليه القيم الانسانية العالمية النبيلة التى تدعو الى الحفاظ على التوازن البيئى واحترام قوانين الطبيعة، ان ما تدعو اليه مدرسة شيكاغو النيوليبرالية الاقتصادية، هى قيم عالمية وضيعة وضاعة الجشع، الذى جعل عدد الذين يقتلون بـ"الاقتصاد" اضعاف الذين يقتلون بالرصاص.


عين مفتوحه وعين "مغمضة"!
هذا حال معظم باحثى مراكز الابحاث الغربية، عين مفتوحة "احياناً" على بعض الاهداف السياسية للسياسة الغربية عموماً، والامريكية خصوصاً، فى منطقة الشرق الاوسط، فى حين ان العين الاخرى "مغمضة" "دائماً" عن الاهداف الاقتصادية لهذه السياسات فى منطقة الشرق الاوسط، والتى بدونها "الاقتصادية" لا يكون لاى تحليل سياسى من معنى!.

من المفهوم طبعاً، ان من يملك يحكم، ولان مراكز الابحاث لا يمكن لها ان تعمل دون تمويل، يصبح من المفهوم ايضاً، ان مراكز الابحاث التى يتم تمويها من قبل مؤسسات غنية ضالعة كلياً فى سياسات النهب الحالية، لن تسمح لهذه المراكز البحثية التى تمولها، ان تقترب من قريب او بعيد من نقد جوهر فلسفة نظرية النهب الممنهج، النيوليبرالية الاقتصادية، ومن الامثلة الشهيرة فى هذا السياق، تمويل فورد للسياسات الاقتصادية لمدرسة شيكاغو ثم تمويلها لحركة حقوق الانسان، ولكن بدون سياسة!، كما ان تجربتى الخاصة مع معهد واشنطن لسياسات الشرق الادنى، ليست سوى نموذج موثق عن هذا النهج.(1)


ميشيل دن، و"لا تقربوا الصلاة" !
تحت عنوان: "لماذا يبدو السيسي قلقاً"،(2) كتبت الكاتبة الشهيرة ميشيل دن مقالاً فى "ديوان" وهى مطالعة دورية لخبراء حول قضايا تتعلق بسياسات الشرق الاوسط وشمال افريقيا ومسائل الامن، صادرة عن مركز كارنيجى للشرق الاوسط


فى سياق استعراض دن للصعوبات التى ستواجه السيسى فى ولايته الثانية، ذكرت، وعن حق، ان السيسى "ستنتظره صعوبات كثيرة. إذ أنه لم يتمكّن من تحقيق البحبوحة والأمان عملاً بالوعود التي قطعها، ولاتلوح أي مؤشرات في الأفق بأنه سينجح في ذلك. وتتسبّب إجراءات التقشّف التي تساهم في إبقاء الحكومة واقفةً على قدمَيها، في مشقّات شديدة للطبقة الوسطى والمصريين الفقراء، ولاتزال البلاد تشهد، حتى الآن، ارتفاعاً في معدلات البطالة والتضخّم."، وكل ما ذكرته دن صحيح، ولكن المشكلة ليست فيما ذكرته دن، ولكن فيما لم تذكره. ان ترك الامور "التحليل" عند هذا الحد، يجعل الامر مجهلاً، بل ويؤدى الى فهم مغلوط، على طريقة "ولا تقربوا الصلاة" دون ان يستكمل "وانتم سكارى"!.


ما لم تقل ولو كلمة او حتى حرف واحد عنه، هو ان " إجراءات التقشّف التي تساهم في إبقاء الحكومة واقفةً على قدمَيها"، و"مشقّات شديدة للطبقة الوسطى والمصريين الفقراء"، و"ارتفاعاً في معدلات البطالة والتضخّم."، هى بالضبط نتاج شروط المؤسسات الدولية الحاكمة دولياً، وهى فى نفس الوقت شروط مدى رضائها عن حكم السيسى واستمراره، بل والتغاضى عن كل مثالبه التى ذكرت دن بعضاً منها، عن حق، اى انها لم تشر من قريب او بعيد الى الفاعل الاصلى، والذى لا يعدو السيسى سوى المنفذ المباشر، كما كل الانظمة المحلية الخاضعة لشروط حكام عالم اليوم، من اجل ضمان الاستمرار فى الحكم والتمتع بكل مزايا السلطة.


لم تذكر دن الصعوبات الرئيسية التى تواجة السيسى فى ولايته الثانية، ولم يكن اهمال دن للصعوبات الرئيسية مجرد سهو منها، صعوبات تجعل الرضى الدولى عن حكم السيسى واستمراره على المحك، صعوبات رئيسية سياسية واقتصادية تمثلان وجهان لعملة واحدة، عملة "الخضوع التام او الموت الزؤام"، "الشئ لزوم الشئ": سياسياً، تنفيذ موجبات صفقة القرن، اقتصادياً، رفع يد الدولة عن ممتلكاتها الاقتصادية، المدنية والعسكرية. ولا كلمة ولا اشارة من دن!، مفهوم طبعاً السبب، ليس بالطبع السهو ولا النسيان لباحثة بخبرة وقدر دن، "انه الاقتصاد – التمويل - ياغبى".


الغموض المستهدف، ودور الاقتصادى التائه !
كالعادة، معظم الباحثين الاكاديميين الاقتصاديين الغربيين، جنساً او فكراً اومصالح، عندما يتناولون قضية اقتصادية، يصرون عن قصد، فى الاغلب، على تجاهل الاسباب الحقيقة التى تقف وراء هذه الازمة الاقتصادية او تلك، مكتفين او مجبرين، - حيث ان كل ابحاثهم تنشر فى مؤسسات مرتبطة عضوياً بدوائر المال الحاكمة -، يصرون على تعميق الغموض المستهدف، باغراق تحليلاتهم فى الجوانب الاقتصادية الفنية، وكأن كل مشكلة الحكومات، فى عدم معرفة متخذى القرار الاقتصادى بهذة "التفصيلات" الفنية "الصائبة"، فى محاولة بائسة من هولاء المحللين لاخفاء الاسباب الحقيقية وراء كل ازمات عصر العولمة؛ الا وهى الجشع، جشع دوائر المال الحاكمة، الملتهمة للثروات من خلال الشركات العملاقة العابرة للحدود، الحاكم الفعلى لعالم اليوم، بما فيه الحكومات الكبرى، وبالطبع الصغرى، الجشع الشئ الوحيد الذى شك غاندى فى امكانية الانتصار عليه.


كتب الباحث الاقتصادى فى مركز كارنيجى عمرو عادلى دراسة مستفيضة تحت عنوان: "أكبر من أن تسقط: الشركات الكُبرى المصرية بعد ثورة 2011"،(3) وطبعاً لا حرف ايضاً عن السياق العام الذى تجرى فيه عمليات الخصخصة المرتبطة بالفلسفة النيوليبرالية، ولا المحددات الرئيسية لاى اصلاح اقتصادى, لصالح من؟، وعلى حساب من؟. مرة اخرى انه التمويل، اى الاقتصاد، الذى هو، بالصدفة، تخصص الباحث نفسه!.

المصادر:
(1) اعلام "الصدمة"، وتجربتى مع معهد واشنطن!، الحوار المتمدن، سعيد علام.
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=584269
(2) "لماذا يبدو السيسي قلقاً"، مركز كارنيجى، ميشيل دن.
http://carnegie-mec.org/diwan/75522
(3) "أكبر من أن تسقط: الشركات الكُبرى المصرية بعد ثورة 2011"، مركز كارنيجى، عمرو عادلى.

http://carnegie-mec.org/2017/03/09/ar-pub-68228








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احمد النشيط يصرح عن ا?ول راتب حصل عليه ????


.. تطور لافت.. الجيش الأوكراني يعلن إسقاط قاذفة استراتيجية روسي




.. أهم ردود الفعل الدولية حول -الرد الإسرائيلي- على الهجوم الإي


.. -حسبنا الله في كل من خذلنا-.. نازح فلسطين يقول إن الاحتلال ت




.. بالخريطة التفاعلية.. كل ما تريد معرفته عن قصف أصفهان وما حدث