الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دور الصهيونيين الماركسيين في إقامة إسرائيل ونكبة الشعب الفلسطيني

نبيل عودة
كاتب وباحث

(Nabeel Oudeh)

2018 / 6 / 5
القضية الفلسطينية


كتبت قبل سنتين أو أكثر مقالا عن كتاب "إسرائيل ـــــ مستقبل مشكوك فيه" (ישראל – עתיד מוטל בספק) الذي صدر عن منشورات "راسلينج" 2011 – باللغة العبرية مترجماً عن الفرنسية، وهو من تأليف باحثان يهوديان هما "ريشار لأوف"، باحث نشط في جامعتي "الحرة" في بريسيل (بلجيكا) ومعهد "كارنجي ميلون" في الولايات المتحدة، و"أوليفيه بوروكوفيتش" باحث من جامعة "لوفن" البلجيكية، وكان خلال عقد كامل محرراً للمجلة الشهرية البلجيكية "ريغاردز" المتخصصة بالحوار الإسرائيلي ـــــ الفلسطيني. وقد وعدت القراء ان اعود لاستعراض بعض المواضيع الهامة التي يطرحها هذا الكتاب.
كما ذكرت في مقالي آنذاك، لفت انتباهي واهتمامي المقدمة التي كتبها بروفسور ايلي بارــ نفي، المحاضر بقسم التاريخ في جامعة تل ابيب، ومدير اللجنة العلمية لمتحف أوروبا في بريسل لما يكشفه من حقائق عن دور الحزب الشيوعي الفلسطيني اليهودي، وكانت أوامر من الكومنترن الشيوعي (وهو منظمة تضم كل الأحزاب الشيوعية في العالم ـ طبعا تحت سيطرة مطلقة لستالين) بتعريب الحزب الشيوعي الفلسطيني اليهودي، وخاصة تعريب القيادة، وعليه جرى انتخاب امين عام عربي، هو السيد رضوان الحلو الذي كان أول سكرتير عام عربي للحزب الشيوعي الفلسطيني بين سنوات (1934 -1943).
أوفد رضوان الحلو في عام 1928، في بعثة حزبية الى موسكو حيث دخل المعهد الشيوعي لمدة ثلاث سنوات، عاد بعدها ليشارك في أعمال المؤتمر السابع للحزب الشيوعي اليهودي، عمليا انتخب عضوا في اللجنة المركزية، وعضوا في المكتب السياسي ليصبح في عام 1934 أمينا عاما للحزب وذلك بموجب قرار تعريب الحزب الشيوعي الفلسطيني الذي قرره الكومنترن الشيوعي ، وفرضه على القيادة اليهودية للحزب، وبقي في منصبه حتى عام 1943-عام الانشقاق.
بعد إقامة إسرائيل توحد الحزبان الشيوعيان، عصبة التحرر الوطني الفلسطيني والشيوعي الفلسطيني في أوائل الستينات (ربما في عام 1952) تحت اسم "الحزب الشيوعي الإسرائيلي"، أي ان فلسطين أصبحت في خبر كان، طبعا انتخبت سكرتير عام يهودي هو صموئيل ميكونس، العرب أصبحوا أقلية في وطنهم ولم تعد ضرورة ليفرض الكومنترن قيادة عربية، التاريخ والباحثين يكشفون مشاركة الحزب الشيوعي اليهودي في النشاط الصهيوني المباشر لإقامة دولة يهودية، عمليا على حساب أرض الشعب الفلسطيني، وهدم بلداته (هدمت 540 بلدة) وتشريده وارتكبت مجازر عديدة ضده أبرزها مجزرة دير ياسين. لم تقع بيدي أي وثيقة شيوعية تستنكر تشريد الشعب الفلسطيني او رفض هدم بلداته او شجب المذابح التي ارتكبت بحقه. من يملك مثل تلك الوثائق آمل ان يكشفها، على الأقل حتى لا نظلم رفاقنا الشيوعيين العرب.
كتب بروفسور ايلي بار-نفي في مقدمته لكتاب "إسرائيل مستقبل مشكوك فيه"، أن الجميع يعرف أن الصهيونيـة السـياسـيـة انقسـمت منذ بدايتها إلى تيارات متنافسـة، تُمثل تيار المركز وتيار اليمين وبالأسـاس تيار اليسـار. كل تيار انقسـم إلى روافد أيديولوجية مختلفـة، ويُضيف أن كل تيار وجد لنفسـه أسـباب ارتباطـه بالصهيونيـة، التي يصفها أنها أيديولوجية أوروبيـة وأنها "هديـة أوروبا لليهود" حسـب قول كورت بلومنفلد أحد قادة الحركة الصهيونيـة.
يُصنف بروفسور ايلي بار-نفي التيارات الصهيونية التي برزت في ذلك الوقت ـــــ عملياً الأحزاب الإسرائيلية اليوم هي استمرار لها ـــــ، لكنه يبدو استمرار أقرب لصورة المسخ. يكتب: "الصهيونيون الماركسيون وصفوا الضرورة العاجلة لإيقاف الهرم الاجتماعي اليهودي على قدميه (أي بناء الدولة ــ نبيل) من أجل إفساح المجال لنشوء حرب الطبقات (الفكرة الماركسية للثورة الاشتراكية ــ نبيل)، هذا النشوء لا يمكن أن يتطور إلا بدولة قومية (في حالتنا إقامة دولة يهودية ــ نبيل)، تيار الاشتراكيين غير الماركسيين رأوا أمراً عظيماً في العودة إلى العمل في الأرض والعمل اليدوي. اليمين القومي أراد التوحد من جديد مع الشرف المفقود للشعب المقاتل، الصهاينة الروحانيين أرادوا أن يُنقذوا اليهود من الذوبان داخل الشعوب بأن يؤمنوا لهم مركزاً روحانياً في وطن الآباء".
لا أرى استمراراً صهيونياً في (إسرائيل) لهذه التيارات حسب منشأها. الماركسيون الصهيونيون اليهود اتحدوا بحزب شيوعي إسرائيلي مع الشيوعيين العرب. ثم انشق الجناح اليهودي في الحزب الشيوعي بدوافع قومية (صهيونية) في بداية سنوات السبعين وكان بقيادة السكرتير العام صموئيل ميكونس وعضو المكتب السياسي موشيه سنيه وقسم كبير من قيادة الحزب اليهود، من الواضح تماما ان الحزب الشيوعي الفلسطيني الذي اقيم عام 1919، من ماركسيين يهود، كان حزبا صهيونيا عمل ونشط بشكل واسع ومؤثر لإقامة دولة إسرائيل، وساهم قادته بتوفير صفقات السلاح الكبيرة من المعسكر الاشتراكي اثناء ما يسمى "حرب الاستقلال"، وجند الدعم السوفييتي واليساري الدولي لإقامة دولة إسرائيل. في الجانب الفلسطيني العربي أقيمت عصبة التحرر الوطني الفلسطيني التي تعتبر الحزب الشيوعي العربي، ويجب عدم الخلط بين الحزبين، ولا اعرف ما هي علاقاتها مع الحزب الشيوعي اليهودي، وهل اعلان الوحدة بين التنظيم الشيوعي العربي والتنظيم اليهودي بعد إقامة اسرائيل، كان على معرفة من الشيوعيين العرب بدوره الصهيوني في إقامة إسرائيل ونكبة الشعب الفلسطيني، خاصة وان قادة الحزب الشيوعي اليهودي نشطوا بجلب السلاح من الاتحاد السوفييتي والدول الاشتراكية الدائرة في فلكه، الذي شكل دعما عسكريا هاما في إقامة دولة إسرائيل وتشريد الشعب الفلسطيني ، عدا ما ارتكب من مجازر وهدم 540 بلدة فلسطينية؟ او هي أوامر الكومنتيرن الشيوعي في موسكو، عمليا أوامر ستالين بأن يتحدوا؟
رغم إني لا اعرف اذا كان هناك تعاون وثيق بينهما قبل الوحدة، كل هذه أحزاب اختفت عن الساحة السياسية، الحزب الشيوعي الإسرائيلي الحالي يُعتبر رسمياً حزباً يهودياً عربياً رافضاً للصهيونية، لكنه لا يوفر مناسبة استقلال إسرائيل دون تهنئة وكلام فارغ من نوع رفع العتب عن حق الشعب الفلسطيني بدولة مستقلة. لا اعرف مدى رفض ما تبقى من رفاق يهود للصهيونية، ومجرد قدومهم الى إسرائيل هو تنفيذ للمشروع الصهيوني، اذ تبين لي من حوار مع رفيق شيوعي قديم، كان قائدا للشبيبة الشيوعية وعضو قيادة الحزب الشيوعي، بانه يرفض توجيه نقد لزعيم الاتحاد السوفييتي الأسبق ستالين، حول تشويهه للماركسية، وتنفيذه سياسة استبدادية لا تمت بصلة لفكر ماركس، بقوله "انه لولا ستالين لما قامت دولة إسرائيل" فهل كان شيوعيا لهذا السبب ؟.
يقول المؤرخ الفلسطيني ابن حيفا بولس فرح (كان شيوعيا واختلف مع قيادة الحزب الشيوعي وفصل او استقال) في كتابه "من العثمانية إلى الدولة العبرية" عن رفاق الحزب الشيوعي "كانوا اشتراكيين لا أشك في اشتراكيتهم ولكنهم صهاينة قبل كل شيء وكانوا مثلهم مثل الشيوعيين الصهاينة لم أشك في شيوعيتهم". ويضيف: "أن الشيوعيين الصهاينة لم يقبلوا بالصهيونية كأيديولوجية وممارسة، لكنهم رغبوا في النظام الشيوعي في دولة اليهود التي كانوا يترقبون ولادتها ليتخلصوا من تناقضاتهم التي كانت تتصارع في نفوسهم".
في كتاب "فؤاد نصار نضال ومواقف" للمناضل الشيوعي نعيم الأشهب (فؤاد نصار من قادة عصبة التحرر الوطني الفلسطيني ، وهو ابن مدينة الناصرة، ومؤسس الحزب الشيوعي الأردني بعد النكبة) كتب: " حاول السوفييت بعد العدوان الثلاثي على مصر خريف 1956 الذي لعبت فيه إسرائيل سنن الرمح وقد أدركوا خطورة الدور العدواني لإسرائيل في المنطقة، وخطره على سلام العالم، حاولوا اعتراض هذا الدور بتشجيع آفاق مقبولة لتسوية القضية الفلسطينية، باعتبارها جوهر النزاع العربي ـ الإسرائيلي، فقاموا بترتيب لقاء في موسكو عام 1958، ضم "أبو خالد" فؤاد نصار، أمين أول الحزب الشيوعي الأردني (الذي كان حزب الشيوعيين والأردنيين) وصموئيل ميكونس، سكرتير عام الحزب الشيوعي الإسرائيلي، لكن هذا الاجتماع فشل وانهار بسبب الخلاف على أساس التسوية للقضية الفلسطينية. فيما أصر فؤاد نصار آنذاك على ضرورة تنفيذ قرار التقسيم لعام 1947، فإن ميكونس اعتبر أن الأراضي الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل تجاوزا على قرار التقسيم انتهى أمرها، حيث غدت مأهولة بمهاجرين يهود جدد، وبالتالي، لم يعد ممكنا تغيير هذا الواقع القائم". أي إصرار شيوعي على الاحتلال والتوسع وعدم الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني بدولة مستقلة حسب قرارات الشرعية الدولية. المستهجن ان أخبار وتفاصيل ذلك الاجتماع لم تنشر، هذا ما قاله فؤاد نصار على مسمعي ومسمع رفاق آخرين حيت التقيناه في موسكو بالمدرسة الحزبية، لكنه لم يضف أي انتقاد، بل شعرنا بمرارته ولم نستوعب وقتها الموضوع برمته، حتى قرأته في كتاب نعيم الأشهب بالتفصيل. لماذا تجاهلته الأدبيات الشيوعية عندنا، واذا نشرت تفاصيله اين نشرت؟
بعد انشقاق التيار الصهيوني بقيادة ميكونس وسنيه، عمليا جرى القضاء على مكانة الحزب الشيوعي في الوسط اليهودي، بدأ يتحول الحزب الشيوعي بتسارع إلى حزب عربي بنسبة (99%) وهو سياسيا يُمثل أفضل تمثيل الجماهير العربية في إسرائيل، رغم ما يُعانيه من أزمة قيادة وأزمة فكرية وتنظيمية لأسباب عديدة ليست موضوعنا الآن!!
من الواضح أن كل النظريات الصهيونية تطورت في فترة سيادة مبدأ الفكر القومي الذي أوجدته الثورة الفرنسية، وأصبح نموذجاً لكل المتعلمين، وكان التعريف السائد أن مميزات القومية هي اللغة، الأرض، الثقافة والذاكرة المشتركة، بفضل هذه المميزات يُصبح كل شعب جديراً "بحق تقرير المصير" في إطار دولة قومية هي التعبير القانوني الأعلى لوجوده.
بما أن اليهود كانت لهم عدة صفات مشـتركـة، أهمها لغـة مشـتركـة هي لغـة "الإيديـش" ـــــ منتشـرة في أوروبا والولايات المتحدة، و(إسـرائيل) طبعاً ـــــ، الدين الذي يعتمد على أسـاطير منقولـة معظمها عن أسـاطير بلاد ما بين النهرين وتُشـكل جوهر التوراة اليهوديـة وعلى أسـاسـها نشـأت الذاكرة الجماعيـة حول فكرة "أرض الميعاد"، التي هي قصص خرافيـة، بينما نجد أن المجتمع اليهودي في (إسـرائيل) متناقض في تركيبتـه بمجالات أسـاسـيـة عديدة؛ الثقافـة تختلف حسـب اختلاف بلاد الهجرة، التقاليد تختلف، المسـتوى التعليمي يختلف، لا شـيء مشـترك مثلاً بين يهود الشـرق ويهود الغرب، لا لغـة، لا ثقافـة لا فنون لا مسـتوى تعليم ولا مسـتوى حياة ولا نهج اجتماعي. السـؤال: هل يمكن أن تُصبح الأسـطورة الدينيـة قاعدة لشـرعيـة طرد شـعب من أرضـه وإحضار شـعب آخر بدلاً منـه!؟
نجحت الصهيونية بدعم الدول الإمبريالية ودول المعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفييتي بإقامة دولة (إسرائيل)، لننتبه أن اليسار أيضاً بكل أحزابه بما فيها الأحزاب الشيوعية، الخاضعة للاتحاد السوفييتي دعموا وأيدوا بحماس إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، بظنهم أنها ستكون دولة اشتراكية، فالـ (كيبوتسات) التي انتشرت في فلسطين ساد انطباع عام عنها أنها خلايا إشتراكية شبيهة بالـ (كولوخوزات) السوفياتية، قسم كبير منها كان تابعاً لحزب (مبام) الذي أعلن أنه حزب ماركسي لينيني ونافس الحزب الشيوعي في فلسطين على مقعد الـكومنترن.
لا بد أن أُشير إلى أن تطوير اقتصاد مشترك وعلوم إلى جانب بناء جيش قوي، والتربية العنصرية بامتياز، كان وراء النجاح بتطوير قومية إسرائيلية ـــــ يهودية من يهود الشتات.
المقارنة مع البدايات الصهيونية تُظهر أن الحياة الحزبية في (إسرائيل) تفقد حيويتها، الأحزاب تفقد ما يُميزها، إن ظاهرة الوقوف الشامل لكل التيارات السياسية تقريباً، مع الحكومة بدون تردد، في أي أزمة ناشئة، وخاصة بموضوع الأمن والحرب، أو من النزاع الإسرائيلي ـــــ الفلسطيني، بحيث تصبح جميع الأحزاب في "خُرج" واحد، من اليمين الفاشي والديني المتطرف وصولاً إلى من يدعي اليسار ـــــ ما عدا حزب (ميرتس) الصغير ـــــ هي حالة لا تُشرف الأحزاب الإسرائيلية، وتُظهر عبث التمييز بين حزب صهيوني يميني متطرف أو ديني متطرف وحزب يدعي الاشتراكية الديمقراطية أو أنه يُمثل خط وسطي أو يسار وسط.
مجتمع يفتقد للتعددية والحوار حول قضايا مصيرية بين أحزابه، وكل معارض يوصم بالخيانة القومية، حتى لو كان رئيساً للحكومة مثل (رابين)، هو مجتمع مندفع في منحدر بدون فرامل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ضربة إسرائيلية ضد إيران في أصفهان.. جيمس كلابر: سلم التصعيد


.. واشنطن تسقط بالفيتو مشروع قرار بمجلس الأمن لمنح فلسطين صفة ا




.. قصف أصفهان بمثابة رسالة إسرائيلية على قدرة الجيش على ضرب منا


.. وزير الأمن القومي الإسرائيلي بن غفير تعليقا على ما تعرضت له




.. فلسطيني: إسرائيل لم تترك بشرا أو حيوانا أو طيرا في غزة