الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أسس بناء الدولة المدنية الديمقراطية في وثيقة الحوار الوطني في اليمن

عيبان محمد السامعي

2018 / 6 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


تتناول هذه الورقة أسس بناء الدولة المدنية الديمقراطية في اليمن كما رسمتها الوثيقة التي خرج بها مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي عُقد في الفترة (مارس 2013م – يناير 2014م) وشاركت فيه مختلف الأحزاب السياسية والفعاليات الاجتماعية في البلاد. وقبل الدخول في صلب الموضوع يجدر بنا أن نعطي إلماحة سريعة عن مفهوم الدولة وتطوره التاريخي.

مفهوم الدولة (State) وتطوره:
ظهرت الدولة لأول مرة في التاريخ البشري قبل حوالي 6 آلاف سنة, وقد ارتبط نشوء الدولة ارتباطاً تلازمياً بظهور الزراعة وتحقيق فائض في الانتاج ونشوء الملكية الخاصة, أي التحول من نمط الانتاج المشاعي البدائي الذي يقوم على أساس الإدارة الذاتية للإنتاج إلى نمط مغاير يتسم بسيطرة الأقلية على وسائل الإنتاج والثروة.
وقد عرف المجتمع البشري أشكالاً مختلفة للدولة, بدءاً من (الدولة ــ المدينة) (Stat – city) كما في أثينا, إلى الدولة الإمبراطورية مترامية الأطراف والتي تضم عدة مدن كما هو الحال في الإمبراطورية الرومانية, إلى الدولة الخراجية أو السلطانية القائمة على أساس الخراج والغنيمة ومثال ذلك دولة الخلافة الاسلامية التي سادت التاريخ الوسيط, وانتهاءً بالدولة الحديثة التي بدأت بالنشوء في أوروبا منذ أواسط القرن السابع عشر الميلادي.
ويتضمن المفهوم الرائج للدولة وجود ثلاثة عناصر أساسية: اقليم جغرافي محدد المعالم, شعب يقطن في الإقليم, وحكومة ذات سيادة, وهناك من يضيف إلى الثلاثة العناصر عنصر رابع وهو الاعتراف القانوني بالدولة.
أما مفهوم الدولة المدنية (Civil State) فيعود جذوره إلى حقبة التحولات التكنيكية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية التي شهدتها أوروبا منذ القرن الرابع عشر الميلادي والمتمثلة بتحلل العلاقات الاقطاعية وظهور بدايات أسلوب الانتاج الرأسمالي (المانيفاكتورات* Manifactures), وصعود الطبقة البورجوازية وتشييد المدن والأسواق الحرة والقيام بالتجارة العابرة للحدود والكشوفات الجغرافية, واختراع الآلة الطابعة عام 1447م, وحركة الإصلاح الديني (Reformation) على يد مارتن لوثر (1483- 1546م) وجون كالفن (1509 – 1564م), ثم تلى ذلك اندلاع ثورات سياسية, أهمها: الثورة الانجليزية عام 1688م, والثورة الفرنسية عام 1798م, وانبثاق الثورة الصناعية (The Industrial Revolation) مطلع القرن التاسع عشر.
لقد أفضت هذه التحولات التاريخية الكبرى إلى ظهور فكر تنويري حداثي, شرع في التأسيس لعلاقة مغايرة بين الدولة والمجتمع, والانتقال من حالة الطبيعة التي تتسم بسيادة الفوضى وقانون الغاب إلى حالة التمدن القائمة على أساس التعاقد الاجتماعي الطوعي الحر, أو الانتقال من حالة الدولة الدينية التي تضفي القداسة على الحاكم واعتبار شرعية السلطة مستمدة من التفويض الإلهي إلى الدولة الحديثة المستمدة شرعيتها من التفويض الشعبي.
إن نظرية العقد الاجتماعي (Social Contract), التي أصّلها ونظّر لها فلاسفة الأنوار, وأبرزهم: توماس هوبز (1588 – 1679م ), وجون لوك (1632 – 1704م ), وباروخ سبينوزا (1632 – 1677م), وفولتير (1694 – 1778م), وجان جاك روسو(1712 – 1787م), ومونتيسيكو (1755 – 1789م) وغيرهم, تفترض توافقاً طوعياً تكافؤياً بين أفراد المجتمع, حيث ينشئون حكومة تستمد شرعيتها من التفويض الشعبي. ويخضع الجميع جماعات وأفراد للدستور ومنظومة القوانين المنبثقة منه. حيث يلعب الدستور (The Constitution) والقانون (Law) مرجعية الفصل في المنازعات وطريقة إدارة وتنظيم العلاقات بين المواطنين والحكومة من جهة, وبين المواطنين فيما بينهم البين من جهة أخرى.
وتعد الدولة الديمقراطية (Democratic State) مستوى تطوري عن الدولة المدنية, لأن الدولة المدنية قد تكون دولة غير ديمقراطية, بينما الدولة الديمقراطية هي دولة مدنية بالضرورة.
لقد انبثقت الدولة الديمقراطية من الإضافات المهمة للمفكرين: كارل ماركس (1818 – 1883م), ودو توكفيل (1805 – 1859م) وغيرهما, حيث أكدوا على قيم الحرية والعمل والإنتاج والعدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة كمقومات أساسية للدولة الحديثة.

مسار بناء الدولة المدنية الديمقراطية في اليمن:
ما من شك أن جذر أزمتنا الوطنية في اليمن يكمن في إشكالية بناء الدولة العصرية وأسلوب توزيع الثروة والسلطة.
فالدولة في اليمن لم تحضر سوى في تعبيرها المادي الجزئي بما هي أداة قهر وجباية, ولم تحضر بوصفها كيان سياسي مؤسساتي قانوني قوي, يحتكر السلاح وأدوات القوة, ويستند إلى شرعية شعبية وحالة من الرضا العام, ناهيك عن ضرورة ممارسة هذا الكيان للسيادة الوطنية, وخالقاً لأسباب النهوض الشامل بما يفضي إلى آفاق رحبة من التطور والنمو المتوازن والمتكامل والمستدام.
إن الدولة المدنية الديمقراطية بما تتضمنه من أسس ومبادئ وآليات هي المخرج الواقعي من دوامة الحروب والأزمات التي تعصف بوطننا اليمني. ولقد تضمنت وثيقة الحوار الوطني الكثير من هذه الأسس, وهي خطوة تاريخية مهمة, غير أنها الخطوة الأولى في مشوار الألف ميل. فالدولة المدنية الديمقراطية لا تتحقق بالأماني أو بمجرد وجود أدبيات معينة, بل هي مسار نضالي اجتماعي شاق وطويل, وهي نتاج عملية تاريخية مشروطة بظروف موضوعية.
فلا يمكن ــ بادئ ذي بدء ــ بناء دولة مدنية ديمقراطية دون توفر القاعدة الاقتصادية ــ الاجتماعية الضرورية لها. فالدولة ــ كما هو معروف ــ هي الشكل الفوقي الذي يتأسس على البناء التحتي (الاقتصاد الانتاجي تحديداً).


أسس بناء الدولة المدنية الديمقراطية في وثيقة الحوار الوطني:

 الأساس الأول:
الحقوق والحريات العامة (Public Rights & Freedoms):
وتضم طائفة من الحقوق والحريات الشخصية والحقوق الحريات الاجتماعية والفكرية والسياسية, والتي تعكس في مجملها شكلين من وجود الإنسان, الإنسان بوصفه كائناً مستقلاً (فرداً), والإنسان بوصفه مواطناً يعيش في مجتمع, ومن هذه الحقوق والحريات, الآتي:
الحق في الحياة, والحق في الكرامة, والحق في العمل, وحرية الضمير والمعتقد, والحق في الخصوصية, والحق في الجنسية, والحق في التنقل والإقامة, وحرية التجمع والتظاهر, والحق في الإضراب, وحرية النشاط السياسي, وحرية الرأي والتعبير, وحرية الصحافة... إلخ.
وقد استوعبت وثيقة الحوار الوطني هذه الحقوق والحريات في مواضع مختلفة.

 الأساس الثاني:
الشرعية الشعبية (Popular Legitimacy):
إن مصدر شرعية السلطة في الدولة المدنية الديمقراطية هو الشرعية الشعبية أو الإرادة العامة (General Will) بلغة (جان جاك روسو) وليس التفويض الإلهي كما في الدولة الدينية أو الحق الشخصي كما في الدولة الملكية الميراثية.
فالسلطة في الدولة المدنية الديمقراطية إنما هي ملك للشعب ويمارسها من خلال انتخاب ممثليه ليتولوا إدارة الدولة والمصالح العامة وفقاً للدستور.
وقد ورد في وثيقة الحوار الوطني النص التالي:
الشعب مالك السلطة ومصدرها ويمارسها بشكل مباشر عن طريق الاستفتاء والانتخابات العامة كما يزاولها بطريقة غير مباشرة عن طريق الهيئات التشريعية والتنفيذية والقضائية.

 الأساس الثالث:
مبدأ الفصل بين السلطات (Separation Of Powers):
يعود الفضل في إرساء هذا المبدأ للفيلسوف مونتيسيكو في كتابه (روح الشرائع), ويعد من الأعمدة الأساسية للدولة المدنية الديمقراطية.
ويعني الفصل الواضح والبيّن بين السلطات الثلاث (التنفيذية والتشريعية والقضائية). إن غياب هذا المبدأ أو التلاعب به كما هو سائد في النظم المستبدة يؤدي إلى سيطرة السلطة التنفيذية على بقية السلطات, في الوقت الذي تكون السلطة التنفيذية ذاتها مُحتكرة بيد الحاكم الفرد, وبالتالي فإننا أمام نظام حكم فردي مستبد.
ومن أجل ذلك عالجت وثيقة الحوار الوطني هذه المسألة وتضمنت النص التالي كأساس دستوري حاكم:
يقوم النظام السياسي للدولة على أساس مبدأ الفصل بين السلطات.
كما تضمنت الوثيقة نصوصاً تفصيلية تتعلق بصلاحيات السلطات الثلاث, مجسدةً في هذه النصوص الفصل بينها واستقلالية كل سلطة منها عن الأخرى.

 الأساس الرابع:
المواطنة المتساوية (Citizenship):
وتتضمن عنصرين, هما:
‌أ. المواطنة:
وهي رابطة قانونية وعلاقة اجتماعية مباشرة بين المواطن (الفرد) والدولة, حيث لا وجود لوسيط يتوسط هذه العلاقة.
على خلاف الدولة الرعوية, تلك التي تقوم على وجود أشكال وبُنى توسطية (وجاهات اجتماعية أو زعامات دينية...إلخ) تتوسط علاقة الفرد بالدولة, ويصبح معها الولاء للجماعة مُقدَّم على الولاء للدولة.
لقد جاءت وثيقة الحوار الوطني مؤكدة على المواطنة, من خلال عدة نصوص وفي مواضع مختلفة من الوثيقة.
‌ب. المساواة الكاملة لجميع المواطنين والمواطنات أمام القانون بدون تمييز:
حيث نصت الوثيقة على التالي: "المواطنون والمواطنات متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات دونما تمييز بسبب الجنس أو العرق أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي."

 الأساس الخامس:
الديمقراطية (Democracy):
تعني الديمقراطية ممارسة الشعب لحقه في الحكم والسيادة عبر انتخاب من يمثله في مؤسسات الدولة بكل حرية ونزاهة.
وآلية الديمقراطية هي التداول السلمي للسلطة, وإطارها التعددية السياسية والحزبية, وقد أكدت وثيقة الحوار الوطني على هذه المبادئ في عدة نصوص, ومنها:
1. الشعب مالك السلطة ومصدرها ويمارسها بشكل مباشر عن طريق الاستفتاء والانتخابات العامة كما يزاولها بطريقة غير مباشرة عن طريق الهيئات التشريعية والتنفيذية والقضائية.
2. يقوم النظام السياسي للدولة على أساس التعددية السياسية والحزبية بهدف التداول السلمي للسلطة ...إلخ.
3. النص على النظام الانتخابي ذي القائمة النسبية المغلقة, وإنشاء هيئة مستقلة للانتخابات والاستفتاء وتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلالية المالية والادارية, ويشترط في أعضائها: الحياد, والنزاهة, والشفافية, والكفاءة, والمهنية وغيرها من النصوص.

 الأساس السادس:
العدالة الاجتماعية ((Social Justice:
وهي قضية أساسية تتصل بالمضمون الاجتماعي للدولة, وتتجسد من خلال التوزيع العادل للثروة وتكافؤ الفرص بين كافة المواطنين, وتوفير الدولة الخدمات الاجتماعية الأساسية لمواطنيها, وقد عالجت مخرجات الحوار الوطني هذه القضية من خلال الآتي:
1. اعتماد الشكل الاتحادي للدولة لإنهاء احتكار المركز للسلطة والثروة, ومنح الإقليم والولاية الحق في إدارة موارده الذاتية مع تخصيص نسبة للمستوى الاتحادي, وإعطاء الدور القيادي للإقليم والولاية في إحداث تنمية اقتصادية تلبي احتياجات السكان, مع ضمان المستوى الاتحادي تحقيق توزيع عادل للثروة لجميع أبناء الشعب.
2. التأكيد على مجانية الخدمات الاجتماعية: كالتعليم, والخدمات الصحية, والحق في الحصول على عمل مناسب, وكفالة الأجر العادل لسائر العاملين في القطاعات الثلاث (العام, والخاص, والمختلط), والحق في التأمين الاجتماعي للقوى العاملة, والحق في الرعاية الاجتماعية للفئات الضعيفة في المجتمع, والحق في الإسكان, واعتماد مبدأ الضريبة التصاعدية, ووضع ضوابط للإنفاق التناسبي مع حاجات التنمية, ومكافحة الفقر والبطالة, وتخفيض نسب الضرائب المباشرة وغير المباشرة المفروضة على السلع الغذائية والمواد الاستهلاكية الأساسية, وغير ذلك.

 الأساس السابع:
بناء اقتصاد وطني انتاجي (National Productive Economy):
من ضمن الأوهام الكثيرة السائدة: الحديث عن إمكانية بناء دولة مدنية ديمقراطية في ظل سيادة نمط الاقتصاد الريعي التابع.
إن الدولة المدنية الديمقراطية تأسست تاريخياً على التصنيع والانتاج, وبذلك انفصل الاقتصاد عن السياسة والثروة عن السلطة, وتحللت العلاقات القديمة وانهارت البُنى التقليدية.
أما في ظل سيطرة الاقتصاد الريعي, فالثروة مدمجة بالسلطة, فمن يملك السلطة يملك الثروة. وفي وضع كهذا تصبح السلطة مجالاً حيوياً لتكوين شبكات مصالح انتفاعية طفيلية فاسدة, وبالتالي تتكرس البُنى التقليدية وتترسخ العلاقات الرعوية, وتُزدرى قيم العمل والإنتاج والحداثة, وتسود التبعية والارتهان للمتروبولات الرأسمالية الاحتكارية ومنظماتها كصندوق النقد والبنك الدوليين وسياساتها القائمة على نهب البلدان الضعيفة وتعويق نهوضها الذاتي.
إن أسّ وأساس بناء الدولة المدنية الديمقراطية هو وجود اقتصاد وطني انتاجي, يبني خياراته الوطنية على فك الارتباط بالمركز الرأسمالي الاحتكاري, والاعتماد على النفس, وتحقيق التنمية المستقلة, والسعي إلى بناء تحالفات اقتصادية اقليمية ودولية مناهضة للاحتكارات الرأسمالية المعولمة.
ومما يؤخذ على وثيقة الحوار الوطني إغفال هذه المسألة على أهميتها وحساسيتها.

 الأساس الثامن:
الحكم الرشيد (Good governance):
يشير مفهوم الحكم الرشيد إلى طريقة اتخاذ وصنع القرارات ووضع هذه القرارات موضع التنفيذ.
وهو مفهوم حديث وضع لغرض مواجهة ظاهرة الفساد المنتشرة في مختلف دول العالم.
ومعلوم أن ظاهرة الفساد في اليمن ظاهرة بنيوية وهيكلية في ظل سيطرة نظام كليبتوقراطي (أو حكم اللصوص) على الدولة والمجتمع.
ولهذا سعت وثيقة الحوار الوطني إلى تضمين معايير الحكم الرشيد, والتي منها:

‌أ. الشفافية والمساءلة:
الشفافية تعني توفر المعلومات والإفصاح عنها وحرية الاطلاع عليها.
أما المساءلة فتشير إلى تحمل مسئولية اتخاذ القرار وتبعاته, ومثول المسؤول الحكومي أمام الجهات الرسمية والمدنية للاستجواب عن ممارساته وأدائه لمهامه.
وقد تضمنت وثيقة الحوار الوطني العديد من النصوص التي تؤكد على هذه المبادئ, ومنها:
1. إعمال مبدأ المساءلة والمحاسبة على كل من يتولى وظيفة عامة (...) وتقديم إقرار بالذمة المالية والتأكيد على مدونة قواعد السلوك الوظيفي وأخلاقيات الوظيفة العامة.
2. لا حصانة لشاغلي وظائف السلطات العليا، وإخضاع الجميع للمسائلة والمحاسبة، ولا حصانة في جرائم الفساد مطلقاً، وجرائم الحق العام لا تسقط بالتقادم.
3. النص في الدستور على محاسبة رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء في حال ارتكاب أي منهما أعمالاً مخالفة للدستور أو تعطيل أحكامه أو لأحكام القوانين النافذة أو الحنث باليمين وذلك أمام الجهات المخولة دستورياً.
4. الحصول على المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق، والإفصاح عنها، وتداولها، حق تكفله الدولة لكل مواطن؛ (...).
5. حظر الجمع بين السلطة والتجارة، فلا يجوز لرئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ونوابهما ولا لأي من الوزراء ونوابهم والمحافظين ونوابهم والقادة العسكريين والأمنيين والسفراء ورؤساء الهيئات والمؤسسات الحكومية أثناء توليهم مناصبهم أن يتولوا أي وظيفة أخرى, كما لا يجوز لهم أن يزاولوا ولو بطريقة غير مباشرة مهنة حرة أو عملاً تجارياً أو مالياً أو صناعياً، كما لا يجوز لهم أن يسهموا في إلتزامات تعقدها الحكومة أو المؤسسات العامة، وأن يجمعوا بين الوزارة والعضوية في مجلس إدارة أي شركة ولا يجوز خلال تلك المدة أن يشتروا أموالاً من أموال الدولة أو يقايضوا عليها ولو بطريقة المزاد العلني أو أن يؤجروها ويبيعوها شيئاً من أموالهم أو يقايضوها عليه.
6. تجريم استغلال المال العام, والإعلام الحكومي, وأجهزة الدولة المدنية والعسكرية لصالح حزب أو فئة بعينها, ويحظر على الحزب أو الائتلاف الحاكم تقاسم الوظيفة العامة فيما دون المناصب السياسية العليا.

‌ب. سيادة القانون واحتكار السلاح لدى الدولة:
عندما يغيب القانون تحضر الأعراف وتصبح نافذة وحاكمة, وبالتالي يسود قانون القوة لا قوة القانون. وإزاء هذه المعضلة فقد نصت وثيقة الحوار على جملة من النصوص التي تكفل سيادة القانون, واحتكار السلاح لدى الدولة, ومن تلك النصوص:
1- الشرعية الدستورية, وسيادة القانون, أساس نظام الحكم في الدولة, ولا يجوز تغيير النظام بأي وسيلة أخرى مخالفة لأحكام الدستور, وتلتزم الدولة بضمان نفاذ سيادة القانون على الجميع بدون استثناء.
2- حظر وتجريم كل المليشيات المسلحة، وإلغاء شرعية أي حزب أو تكتل يُشكِل مليشيات أو تكوينات مسلحة، وتنظيم حمل السلاح الشخصي وحيازته. وإخلاء المدن الرئيسية ومناطق التجمعات السكنية من معسكرات الجيش ومخازن الاسلحة.
3- ونصوص أخرى تؤكد على حيادية المؤسسة العسكرية والأمنية, وحصر وظيفتها في الدفاع عن سيادة الوطن والحفاظ على أمنه واستقراره, وتجريم تسخير هذه المؤسسة لصالح فرد أو طرف سياسي أو جماعة.
‌ج. المشاركة:
من خلال تأكيد وثيقة الحوار على الشراكة بين الدولة ومنظمات المجتمع المدني في المجالات السياسية والاجتماعية والتنموية, وبين قطاعات الملكية الثلاث في رسم السياسات الاقتصادية والنهوض الاقتصادي في ظل اقتصاد تنافسي قائم على مبدأ المسؤولية الاجتماعي.

‌د. استقلالية الهيئات ذات الخصوصية:
وقد شملت وثيقة الحوار الوطني الهيئات المستقلة التالية:
- هيئة أو مجلس أعلى للإعلام.
- الهيئة الوطنية العليا لحقوق الإنسان.
- اللجنة العليا للانتخابات والاستفتاء.
- الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة.
- البنك المركزي اليمني.
- الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد.
- الهيئة الوطنية للوجبات الزكوية
- هيئة الأوقاف.
- هيئة دار الإفتاء.
- الهيئة الوطنية للمرأة.
- المجلس الأعلى للشباب.
- الهيئة الوطنية لشؤون الأمومة والطفولة.
- المجلس الأعلى لذوي الاحتياجات الخاصة.
بحيث تتمتع هذه الهيئات بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري والفني وتمارس سلطاتها بحيادية تامة.

 الأساس التاسع:
الاندماج الوطني (National Integration):
يتصف النظام الاجتماعي السائد في اليمن بأنه نظام عصبوي, حيث تحضر بقوة الولاءات القبلية والهويات ما قبل الوطنية: الطائفية والمناطقية على حساب الانتماء الوطني والهوية الوطنية الجامعة.
وقد عالجت وثيقة الحوار الوطني هذه الإشكالية من خلال التأكيد على تنفيذ سياسات تنموية شاملة, تسهم في إعادة صياغة الهوية الوطنية كهوية جامعة ومعبّرة عن آمال وطموحات كل المواطنين.

 الأساس العاشر:
تعزيز الثقافة المدنية من خلال:
1- انتهاج خطاب وطني ديمقراطي يعلي من قيم المواطنة, والعدالة الاجتماعية, والتسامح, والتعايش, وحق الاختلاف, والتعددية الثقافية, وإقرار حقوق الأقليات واحترام خصوصياتها, ونبذ التمييز الاجتماعي, والتطرف, والعنف, وثقافة الكراهية, والحروب.
2- واستحداث مادة التربية المدنية في المناهج التربوية والتعليمية واعتمادها كمادة أساسية مقررة في مراحل التعليم الإبتدائية والمتوسطة والثانوية في مدارس التعليم الرسمي والأهلي بهدف تربية النشء والأجيال الصاعدة على ثقافة المدنية والحداثة واحترام النظام العام وتقدير العمل والإنجاز.

ختاماً: إن وثيقة مخرجات مؤتمر الحوار الوطني قد رسمت الأسس الدستورية والتشريعية للدولة المدنية الديمقراطية الاتحادية التي يتطلع إليها اليمنيون, ولبّت مطالب الثورة السلمية. وصار بحوزة اليمنيين دليلاً (نظرياً) للظفر بالمستقبل المنشود.
غير أن بعض القوى التي رأت في وثيقة الحوار الوطني تهديداً جدياً لمصالحها الطفيلية, فأعدت العدة للانقضاض على المسار السلمي والتخطيط للانقلاب وشن حرب شعواء على شعبنا وتطلعاته المشروعة في محاولة بائسة لإعادة البلاد إلى الوراء, غير أنّ شعبنا قاوم هذا الانقلاب بروح مؤمنة بمشروعية التغيير وحتميته.
والمطلوب اليوم هو التمسك بهذه الوثيقة التاريخية, والاستمرار في النضال من أجل تطبيقها على أرض الواقع, ومواجهة كل المساعي الرامية للالتفاف عليها من أي طرفٍ كان.



هوامش:
* المانيفاكتوراه: هي منشأة صناعية تضم عدد من العمال الذي يقومون بإنتاج السلع اعتماداً على العمل اليدوي وتقسيم المهام فيما بينهم, ومثلت المانيفاكتوراه أسلوب متطور في تقسيم العمل عن الأسلوب الذي ساد في الصناعات الحرفية حيث كان العامل الحرفي يقوم بكل مهام ومراحل إنتاج السلعة منذ البداية وحتى النهاية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رداً على روسيا: بولندا تعلن استعدادها لاستضافة نووي الناتو |


.. طهران تهدد بمحو إسرائيل إذا هاجمت الأراضي الإيرانية، فهل يتج




.. «حزب الله» يشن أعمق هجوم داخل إسرائيل بعد مقتل اثنين من عناص


.. 200 يوم على حرب غزة.. ومئات الجثث في اكتشاف مقابر جماعية | #




.. إسرائيل تخسر وحماس تفشل.. 200 يوم من الدمار والموت والجوع في