الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تجديد بيت أبو رمانة _ فصل من روايتي (النرجس والرمان).

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2018 / 6 / 6
الادب والفن


تجديد بيت أبو رمانة

بعد أن بدأ التغيير في كل شيء المدينة حاضرها واقعها الوجوه التي كانت تتحكم في مصائر الناس، لم يكن التغييركحركة ضرورية غريبا عن هذا الواقع أو جاء خلافا للسياق الأجتماعي، بيت أبو رمانة في حلته الجديدة لا صلة له بالشكل القديم إلا في جوهر ما فيه وما يعنيه لساكنيه، البناء واسع ومنسق ووفق تنظيم هندسي راعى في الأصل صورة المستقبل الذي يريده أبو عبد الله له.
جناح الضيوف مستقلا تماما بكل ما فيه من خدمات تتيح للزائر والضيف أن يتحرك بحرية، الداخل أو (الخلاني) الذي يخص العائلة ومعيشتها متكامل تتوسطه صالة كبيرة لتجمع العائلة اليومي، شبابيكها تطل على فسحة خارجية حافظت فيه على الرمز (شجرة الرمان) مع حديقة صغيرة محيطة بها مزروعة بالورود، كل شيء هنا يدل على ذوق كامل وإحساس مرهف في الحياة، مكان الزايرة مريم تحول إلى مجلس نسائي مخصص للمناسبات الدينية إحياءً وتكريما لذكراها الطيبة.
لم يعد للناس أن تتذكر ابو الياس فقد أضحى جزء من ماضي المدينة وتاريخها ما عدا المقهى التي تحمل أسمه وذاكرة بعيدة خطها ببساطته وطيبة خلقه، الحاج خضر أبو عبد الله الأشهب عنوان جديد لشخص أخر ولد مع التغيير وعنوانا له يسعى بكل ما فيه أن يترك بصمة في واقع مدينة، ولد وعاش فيها وضمته دون أن تشعره يوما بالغربة، كانت كربلاء برمزيتها بالنسبة له أنتماء حقيقي لا يمكن أن يفارقها أو يبتعد عنها ولو ليوم واحد أو ليلة واحدة ولأشد الأسباب.
عندما تهب نسائم التغيير فأنها بالغالب ما تظهر أشياء للعلن وتخفي أشياء غير معتادة، في الوقت الذي تصور لنا أن المشهد الظاهر لنا يبدو من بعيد قي أطار جميل، أحيانا يكون التغيير يحمل معه ما لا نعرفه أو لا نتوقعه على أقل تقدير، بعد أن صار الهاتف الأرضي والتلفزيون جزء مهم من مستلزمات البيت الجديد، ليحمل لهم الخبر طازجا كما يقصر أيضا من المسافات بين الناس، التواصل مستمر والتزاور قائم بين جناحي العائلة في كركوك وبغداد وكأن العالم جميل ينحصر في هذا المثلث الي يحيط بوجود العائلة ويحدد عالمها الكلي.
السياسة والشأن العام هو أخر ما تفكر به عقلية الحاج أبو عبد الله ومن الطبيعي أن ينسحب ذلك على أفراد عائلته الصغيرة، غير أن الأقدار دائما تضعك في مسارات خارج ما تفكر به وبعيد عما تريد، سامي الذي تركته نرجس كما فعلت شقيقاتها للزمن كي يقتص منه غدره وخيانته للدم المشترك والمسؤولية الأخلاقية، صار فجأة مصدر قلق وإزعاج لا يمكن أن تحتمله، فبرغم ما فعل يبقى أيضا شقيقها الذي ليس لها غيره، ويبقى الدم والحليب هما الرابطان اللذان لا يمكن لأحد أن يتخلى عنهما.
رن هاتف البيت في وقت متأخر من أحد الليالي وكان على الطرف الأخر أستاذ أحمد في حالة لا تسر، من الخوف والقلق وحدث الحاج بكلام أنزل على البيت جوا من الكأبة والحيرة، لقد تم أعتقال سامي من قبل جهات أمنية والوضع في غاية الخطورة، كان وقع الخبر مدويا على نرجس ونست أن شقيقها كان جزءأ من أسباب غربتها وجزءأ من الألم الطويل، الصباح كما يقال في المثل الشعبي رباح صار بطيئا وكأنه يرفض الحضور أبدا، لم تنقطع الأتصالات بين نرجس وبين شقيقاتها ولم يهدأ لها بال حتى جاءت السيارة مع أول خيوط الفجر لتنقلها والحاج إلى بغداد لتكون قريبة مما يجري.
كل ما تعرفه نرجس عن شقيقها سامي أنه ورث عن أبيه التجارة وعلاقاته مع الناس الذين لا تعرف عنهم سوى أنهم من الطبقة الراقية أجتماعيا، فيهم من كان من رجال العهد الملكي ومنهم من كان في مناصب ووظائف عالية في الدولة، ليس أكثر من معلومات عامة لا تعرف بالتحديد أنه كان من أهل السياسة أو من لاعبيها، وصلت صباحا إلى بيت أهلها لتصطدم بما عرفت من معلومات ساقها الأستاذ أحمد من أن شقيقها متهم بقضية كبرى وهناك أخرون معه وقد يتطور الأمر إلى ما يتوقعه أحد.
أتصل الحاج خضر بأبن عمه الحاج عمر هاتفيا يسأل عن أي مساعدة ممكنة قد يستطيع أن يقدمها له، لا سيما أن أحد أشقائه يعمل ضابطا في وزارة الداخلية في بغداد وفي مركز حساس، تكلم كثيرا عن أن صهره في ورطة وهو لا يعرف من يمكنه أن يصل إلى معلومة حقيقية ومفصلة، كما كان دوما الحاج عمر سريعا في خطواته وطلب منه الأنتظار ريثما يتصل بشقيقه وطلب منه أن يعطيه أسم الرجل كاملا، دقائق ورن هاتف المنزل مرة أخرى وكان الحاج عمر على الخط ليبلغه أن الأمر أخطر مما كان يظن والرجل متهم بقضية أمنية كبرى.
زاد الخبر من قلق الحاضرين وزرع في قلوبهم رعب من أن خلاص سامي أشبه بالمستحيل، الأشعات التي تتزايد في الشارع أن الموقوفين والمحتجزين كانوا يخططون لمؤامرة، هذه الكلمة ليست غريبة عن أسماعهم فقد صارت واحدة من مفردات حياتهم بعد سلسلة الأحداث التي جرت من بعد إسقاط الحكم الملكي في بغداد، وظهور قوي لنشاط سياسي وحزبي سمته العامة الصراع والمؤمرات وتقاذف التهم بين السياسيين ومنافسيهم والأحتراب الداخلي بين أحزاب وقوى تتنافس على السلطة ومقدراتها.
قد يكون الأستاذ أحمد يعرف جيدا ما معنى كلمة مؤامرة أو أتهام أحد بالمشاركة فيها، إنها تعني الموت وما تحمله هذه التهمة من جريرة على أخرين لا ذنب لهم، وقد لا يكون لهم معرفة بأي تفاصيل أو حقائق عنها، طلب الأخير من عديله الحاج خضر أن يلتقيا بأبن عمه طالما أنه هنا وفي بغداد ليفهموا أكثر ويتصرفوا وفقا لما سيعلمون منه، أتصل الحاج بأبن عمه على الرقم الذي تسلمه من الحاج عمر ودار حديث قصير أنتهى بموعد على عصر اليوم في مكان عام بمنطقة السعدون، سجل الأستاذ أحمد العنوان بتفاصيله ولو أنه يعرف المكان جيدا.
تجدد الحزن في بيت أبو سامي وكأنه لا يريد أن يغادره بأي سبب، كل الإساءات التي عملها سامي تلاشت وبقى إحساس الأخوة هو من سيطرة على مشاعر الموجدين فيه، ليس هناك من أمل في أن يلتقي به أحد أو يفهم بالتحديد كامل الحقيقة، فقد أقتحم رجال الأمن مساء الأمس دارهم يبحثون عن شيء أو دليل أو أي هدف وبدون أن يسمحوا لأحد بالكلام أو حتى على أعتراضهم، لم يجدوا شيئا هنا ولم يعثروا على ما جاءوا من أجله.
جلسة قصيرة كانت بين النقيب فراس وابن عمه الحاج خضر والأستاذ أحمد وضحت كل الأمور وأنتهت إلى قرار بعدم أقحام أحد نفسه في هذه القضية كي لا تترتب أي مسئولية تضر ولا تنفع ولا تقدم شيئا مفيدا، الأمر لا يحتمل وهناك أعترافات ومحاضر ضبط ولا يمكن لأي كان أن يتدخل، الموضوع أكبر من أن تتصوروا، اليوم أو غدا ستتضح الصورة تماما وقد يعلن عن شيء ما بخصوصها، تفرقوا كلا لوجهته وقد تحطمت أخر مراسي الأمل بأن يكون هناك حل ما أو أنفراج قد يعيد بعض الأمال الضعيفة.
الأستاذ أحمد متوترا فوق ما يحتمل لأنه يعرف أن تداعيات قضية سامي ستلاحقه إن لم يكن اليوم فغدا، ويخشى على وضعه الوظيفي والأجتماعي مما ستجره هذه الكارثة الغير متوقعة، الحاج خضر هو الآخر في حيرة من أمره كيف سيواجه الحاجة نرجس بهذه المعلومات، وكيف له أن يفسر للناس غدا ما حصل من صهره، الجميع ضائع بين حزنهم على نهاية سامي وقلقهم من ما تلقيه عليهم من تبعات أجتماعية أو على علاقاتهم وموقفهم أمام من يعرف أو لا يعرف الحقيقة.
الأقوال التي تتناقل بين الناس متضاربة وتثير الفزع أحيانا ومع الأجراءات الأمنية والوضع السياسي الذي دفع بالحاج خضر لأول مرة أن يتابع الأخبار عبر محطات الراديو وهو الذي كانت أخر ما يبحث عنها، صار العلم بما يدور والأمر أشبه بالمؤكد، بعد أن أذاع التلفزيون الرسمي أن هناك مؤامرة على نظام الحكم مرتبطة بدول معادية وعدد المذيع أسماء المتهمين فيها، وكان منهم سامي طه محمد المختار، وقد أحيل الجميع إلى محكمة الثورة لينالوا القصاص العادل.
لم يعد هناك مجال للتأويل أو أنتظار معجزة فمحكمة الثورة تعني النهاية الحتمية بأي صورة جرت فيها الأمور، وما على الجميع إلا الأنتظار أنه القدر المحتم، أقترح الحاج خضر على شقيقات زوجته وعديله الذهاب معهم إلى كربلاء لتفادي ما يسببه هذا الإعلان الرسمي من حرج أمام الناس والمجاورين خاصة، وأيضا للتخلص من مضايقات رجال الأمن الذين لا يتوقع أحد حضورهم أو أتقاء أذاهم، وافق الجميع ما عد الأستاذ أحمد الذي عليه أن يبقى لأجل أرتباطه الوظيفي وإن كان بعيدا عن هذه الدار.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان الجزائري محمد بورويسة يعرض أعماله في قصر طوكيو بباريس


.. الاخوة الغيلان في ضيافة برنامج كافيه شو بمناسبة جولتهم الفني




.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء


.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في




.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/