الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-لوم الذات- ظاهرة نفسية تنتشر في الشعر العامي العراقي

وعد عباس
كاتب وباحث

(Waad Abbas)

2018 / 6 / 7
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


بداية لا بد من التعريف بمصطلح لوم الذات : الذي يعني أحد الأساليب المضطربة في التفكير والمرتبط بالعديد من الاضطرابات النفسية من أهمها الشعور بالذنب ، وتتمثل في إلقاء اللوم بشكل دائم على الذات في كل شيء سواءً كان الفرد مخطئاً في حق ذاته أم لا ؛ حيث يلاحظ على هؤلاء الأفراد اعتقادهم الراسخ والمتأصل : بالنقص ، الفشل ، العجز ، الكسل ، القبح... مما يتأثر به حديثهم الذاتي الداخلي بحيث يعمل على زيادة وتقوية وتدعيم هذا اللوم.
وتُعَدُ أفكار هذا الفرد تجاه ذاته هي الأساس الفعلي لتقدير الذات لديه ، حيث تملي على الفرد بشكل شعوري أو لاشعوري ما يمكن وما لا يمكن أن يفعل أو يشعر به، أي ما يتجسد في قواعده الذهنية من تفسيرات للأحداث . (مقال في اكاديمية علم النفس ، 26/7/2009) .
يشير المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي إلى عشر استراتيجيات للسيطرة على الشعوب ، كانت الاستراتيجية التاسعة هي (تحويل التمرد إلى شعور بالذنب) والتي تعني : " جعل كل فرد يشعر بأنه السبب في تعاسته وسوء حظه ، وذلك بسبب قصور تفكيره وذكائه وضعف قدراته، وقلة الجهود المبذولة من جانبه، وهكذا بدلا من أن يتمرد ضد النظام ، ينغمس في الشعور بالتدني الذاتي الذي يؤدي لحالة من الاكتئاب تحبط أية محاولة للفعل لديه ، وبدون القيام بأي فعل ، لا يمكن أبدا للثورة أن تتحقق .
إن هذه الاستراتيجية اشتغلت عليها تقريبا كل الحكومات التي حكمت العراق ، بقصد ، أو دون قصد ، ما ولد شعورا عاليا بالذنب والدونية ، فترى العراقي دائما ما يلوم نفسه ، ويجلدها ، فمثلا نسمع من الناس خلال هذه الأيام عبارات كثيرة مثل (صوجنه احنه الانتخبنه ، يمعود احنه الهوسنه الهم ، احنه ياهو اليجي نهوسله ، احنه يرادلنه مجرم ، احنه مو مال ديمقراطية ... الخ) ولأن هذه الاستراتيجية مورست كثيرا فقد أنعكست على كل نواحي الحياة ، فنسمع على الصعيد الاجتماعي : (الخلل بي دللته واعتنيت بي ، كله صوجي انا العلمته ، يمعود هو منيله الحظ بس غير اني السويت بي خير وخانني ، ... الخ)
والسمة الأغرب في الشخصية العراقية ، أنه يلوم نفسه إذا أخطأ الآخرون بحقه ، فهو من دللهم ، وجعلهم يتعدون عليه ، لكنه يلوم الآخرين إذا أخطأ هو .
والشعر العامي العراقي يكشف لنا هذا اللوم الذي تغلغل في الجهاز النفسي للفرد ، وأصبح سمة للشعر العراقي ، ولشعبه ، فمثلا نجد الشاعر "نهاد الخيكاني" يسرد همومه وهموم شعبه بقصيدة سياسية القاها على جمهور عظيم ، ثم يتنصل من لومهم ، ويتوجه إلى نفسه وشعبه فيلومهم :
كول براحتك كلشي التريده يصير مالومك شفتني خير ما بيه لو عندي شعـــــــــــــــب خلاكم تقرون إلي خدمة قلق عشرة البعثية
ويعيد الكرة في قصيدة أخرى :
شعب إس ، بالك تمتعض وتلوم اذا تريد تلوم اعليك واعليه انه وانت الرفــــــــــــــــــــــعنه الفاسد من الكاع وكتــــــــله تفضل اصعد للعرش بيه
كما نجده في شعر الغزل ايضا ، يقول الشاعر عطا السعيدي:
وتوهمت بعشرتك ما حسبت احساب وشنفع الندامة وعظة ابهامي ودفعت الثمن غالي وياك ثلث اضعاف شبابي وطيش عمري وثورة احلامي أذمك واذم روحي واذم حظي عليك لا تهواك روحي ولا انت اولامي
ونلاحظ في البيت الأخير لوما للمجهول ، وهو الحظ ، الذي يبرر فيه العراقيون سوء ما يمرون به ، محاولة منهم لخفض التوتر ، وهو متكرر في قصائد كثيرة ، منها ما سمعته في قصيدة للشاعر رائد ابو فتيان :
امسح الغثك واقتنع زين انت بس صوج الحظ
وابحث يا سيدي القارئ لتجد العراقيين يكثرون من لوم أنفسهم ولوم الحظ :
غلطة عمر بس كلفتني هواي مثل الدفع دية وهو مو رامي
فكم اتمنى على شعرائنا العاميين الذين هم اقرب إلى الجمهور وأكثر تأثيرا فيه ، أن يتفكروا بقصائدهم ، ويتدبروا فيها ، ويحاولوا توجيهها بشكل افضل .
أما الشعر الفصيح فقد ابتعد كثيرا عن لوم الذات ، إذ لم تصادفني خلال بحثي أية قصيدة تكشف عن وجود هذا الاضطراب ، ولربما وجدت في بعض القصائد التي لم يسعفني الوقت لقراءتها ، ولو افترضنا وجودها فهي قليلة لا تعبر عن انتشار الاضطراب ، ولعل السبب يرجع إلى المستوى الثقافي الذي يتمتع به شاعر القصيدة الفصحى ، إذ يبدو عقله الناقد ليس معطلا تماماً .











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهاجمة وزير الأمن القومي الإسرائيلي بن غفير وانقاذه بأعجوبة


.. باريس سان جيرمان على بعد خطوة من إحرازه لقب الدوري الفرنسي ل




.. الدوري الإنكليزي: آمال ليفربول باللقب تصاب بنكسة بعد خسارته


.. شاهد رد مايك جونسون رئيس مجلس النواب الأمريكي عن مقتل أطفال




.. مظاهرة أمام شركة أسلحة في السويد تصدر معدات لإسرائيل