الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اميركا تتدحرج نحو الاختناق في العزلة الدولية

جورج حداد

2018 / 6 / 7
العولمة وتطورات العالم المعاصر


إعداد: جورج حداد*

عندما انتخب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة الاميركية قامت موجة احتجاجات واسعة ضده، واعتبر كثيرون انه مختل عقليا ومكانه الطبيعي هو في مصحة للامراض العقلية وليس في البيت الابيض.
ولكن ترامب صمد في موقعه. وجاءت المعطيات لتؤكد اكثر فأكثر ان انتخابه لم يكن "صدفة غير مرغوبة" او "فلتة شوط" كما يقول مراهنو سباقات الخيل، بل هو تعبير ذاتي او شخصاني عن الواقع الموضوعي الذي تعيشه الولايات المتحدة في المرحلة التاريخية الراهنة، يتمثل في التحول من الطموح الى التوسع الخارجي ومحاولة الهيمنة على العالم وانتزاع الاعتراف العالمي بالزعامة الاميركية، الى الانكفاء الذاتي تحت شعار "اميركا اولا" ومعاداة جميع دول العالم. والنتيجة المنطقية لهذا التحول هي احتمال من اثنين:
الاحتمال الاول ـ اندلاع حرب عالمية ثالثة تقف فيها اميركا (ومذنبها الاسرائيلي) في جانب، والعالم كله في الجانب الاخر.
والاحتمال الثاني ـ تقطيع اوصال العلاقات الدولية لاميركا، حتى مع اقرب حلفائها الناتويين، والعودة الى سياسة "العزلة الجزيرية" التي سترتد فيها الدولارات الورقية (بدون تغطية ذهبية) التي سبق لاميركا ان اغرقت بها الاسواق العالمية طوال اكثر من نصف قرن، ـ ترتد الى اميركا وتغرقها ماليا واقتصاديا وتفجرها من الداخل بالتضخم والبطالة والكساد.
وبوجود القنابل النووية والصواريخ الباليستية والمجنحة ـ الشبحية التي يصل مداها الى البيت الابيض بالذات، حتى في قبضة كوريا الشمالية الحاقدة والغاضبة، فإن كل العنتريات التهريجية لدونالد ترامب لن تخرج عن اطار "العرض السيركوي"، واميركا لن تجرؤ على التوجه نحو اشعال الحرب النووية التي ستكون هي ضحيتها الاولى والاخيرة.
ويبقى الاحتمال الثاني هو المرجح واقعيا. ويستطيع اي مراقب ومحلل موضوعي، حتى في اوساط "اصدقاء اميركا" التقليديين، ان يرى بالعين المجردة كيف تتحطم العلاقات الدولية لاميركا وتهبط الى الحضيض سمعتها وهيبتها كدولة عظمى. ويكفي ان نشير الى المعطيات التالية:
ـ1ـ بالرغم من انهيار الاتحاد السوفياتي السابق، فإن روسيا الجديدة "القومية ـ السلافية ـ الارثوذكسية" بزعامة فلاديمير بوتين، استعادت بسرعة وشدة دورها كقوة دولية عظمى تقف كالطود الشامخ في وجه سياسة التوسع والهيمنة الاميركية. وقد تمكنت روسيا خلال العقدين الماضيين من ان تقيم شبكة علاقات دولية واسعة وناجحة مع دول كبيرة وفاعلة كالصين والهند وايران، ومع دول تدخل تقليديا ضمن دائرة النفوذ الاميركية كدول الاتحاد الاوروبي وتركيا. وانعكس ذلك على القطاع الاقتصادي العالمي وبالاخص قطاع الطاقة. ولاسباب اقتصادية بالدرجة الاولى، عمدت القيادة الترامبية لاميركا الى استعادة اجواء الحرب الباردة وشن حملة شعواء ضد روسيا لعزلها واضعافها، تمثلت بالاخص في فرض العقوبات على روسيا والدول التي تتعامل معها. ولكن هذه السياسة فشلت فشلا ذريعا واضرت باميركا وحلفائها بالذات اكثر مما اضرت بروسيا، التي اصبحت اكثر قوة وحضورا على الساحة الدولية، واكثر قدرة على تقليص النفوذ العالمي لاميركا.
ـ2ـ مع الاعلان عن اكتشاف النفط والغاز في شرقي المتوسط، والمستقبل الكبير لهذا الاقليم في قطاع انتاج وتوليد الطاقة، راهنت اميركا على مشروع اعادة رسم خريطة المنطقة (عبر ما سمّته "الشرق الاوسط الكبير الجديد") بركوب موجة "الربيع العربي" المشؤوم واقامة دولة "داعشية" كبرى تسيطر عليها اميركا وتركيا والسعودية وزعانفها. ولكن هذا المخطط فشل فشلا ذريعا، بفضل صمود محور المقاومة وتعاونه الحاسم مع روسيا. ونرى الان كيف تتخبط السياسة الاميركية في المنطقة ولا تعرف كيف ستنسحب منها بأقل الخسائر الممكنة.
ـ3ـ من اجل تشديد الخناق على الصين ومحاصرتها عسكريا والتضييق عليها اقتصاديا، عن طريق دعم حلفائها التقليديين في المنطقة (اليابان وتايوان وكوريا الجنوبية) شنت اميركا حملة شعواء ضد كوريا الشمالية (خط الدفاع - الهجوم الاول للصين) لخنقها وتجويعها، بالمعنى الحرفي للكلمة، من اجل اسقاطها من الداخل والقضاء على استقلالها وقوتها العسكرية، تحت شعار "نشر الدمقراطية". ولكن كوريا الشمالية صمدت امام جميع الضغوطات والعقوبات التجويعية والابادية، واستطاعت تطوير جيشها الشعبي الباسل وتطوير ترسانتها الصاروخية الباليستية وقنابلها النووية، ووضعت الوجود العسكري الاميركي في المنطقة وكوريا الجنوبية واليابان وتايوان واميركا ذاتها تحت رحمتها. وانعكست الآية تماما. واصبحت كوريا الجنوبية واليابان واميركا ذاتها تستجدي رضا الزعيم الكوري الشمالي الشاب كيم يونغ اون. واصبحت ادارة ترامب مضطرة لان تكسر هي نفسها قراراتها العقوباتية ضد كوريا الشمالية وتدفع فاتورة اقامة كيم يونغ اون والوفد المرافق له لدى لقائه المرتقب مع دونالد ترامب في سنغافورة او غيرها.

ـ4ـ بعد مفاوضات طويلة وصعبة تم سنة 2015 التوقيع على الاتفاق النووي مع ايران، الذي يقتضي رفع العقوبات الاميركية والغربية عن ايران مقابل التأكد من سلمية البرنامج النووي الايراني. وكانت ادارة اوباما قد اعتبرت هذا الاتفاق "انتصارا". ولكن ادارة ترامب، وخلافا لكل الاعراف والقوانين الدولية، عمدت الى الخروج من الاتفاق من طرف واحد، وهددت بفرض عقوبات جديدة على ايران اشد من سابقتها. ولكن الدول الاوروبية الموقعة على الاتفاق (المانيا وفرنسا وبريطانيا)، ناهيك عن روسيا والصين، امتنعت عن ان تحذو حذو اميركا، حفاظا على مصالحها الخاصة وليس اكراما للجمهورية الاسلامية الايرانية. وهذا برهان على زعزعة هيبة اميركا وزعامتها للكتلة الغربية ذاتها.
ـ5ـ بالرغم من استئثار اميركا لسنوات طويلة بدور راعي مفاوضات "السلام" بين اسرائيل والسلطة الاوسلوية الفلسطينية، عمدت اميركا الى نقل السفارة الاميركية في اسرائيل الى القدس والاعتراف بضم القدس الشرقية الى اسرائيل، مما يتنافى مع جميع القرارات الدولية حول الاراضي المحتلة وبالاخص حول القدس. وقد ادى ذلك الى هبة عارمة لجماهير الشعب الفلسطيني ضد اسرائيل واميركا، والى حشر جميع التطبيعيين العرب في زاوية ضيقة، والى زعزعة هيبة ونفوذ اميركا لدى جميع الدول التي كانت تنظر اليها كراع لتحقيق السلام بين اسرائيل والفلسطينيين.
في هذه الاوضاع الدولية غير الملائمة للزعامة الاميركية ومع استمرار الازمة الاقتصادية المزمنة فيها، اصبحت اميركا عاجزة عن حل مشكلاتها عن طريق طباعة مليارات الدولارات الورقية لان الاسواق المالية العالمية اصبحت متخمة بالدولار وصارت كل طبعة جديدة للدولارات تهدد الاقتصاد الاميركي والغربي بأوخم العواقب. ولذا اخذت اميركا تتحول الى بلطجي دولي يبتز شركاءه وحلفاءه بالتحديد. وقد رأينا كيف ذهب ترامب بصحبة ميلانيا وايفانكا وصهره المدلل اليهودي كوشنر الى السعودية، وبلطج عليها بحوالي 500 مليار دولار دفعة واحدة. ويبدو ان حلفاء اميركا العرب هم الوحيدون الذين يمكن البلطجة عليهم بهذه الطريقة الفجة والمباشرة. ولكن اميركا لم تتخل عن سياسة البلطجة. ولهذه الغاية اتجهت للانتقال من سياسة "الاجواء المفتوحة" الى سياسة "العزلة" و"االحماية الجمركية" وفرض الرسوم والضرائب الاضافية على السلع الاجنبية التي تدخل اميركا، دون التشاور مع حلفائها وبدون اي اعتبار لمصالحهم. وقد بدأت بفرض الضرائب الجمركية على استيراد الصلب والالومنيوم من البلدان الاوروبية وكندا والمكسيك. ولكن هذه البلدان ردت بأنها ستتخذ اجراءات مضادة وستتقدم بالشكوى لدى منظمة التجارة الدولية. والان تلوح في الافق نذر حرب تجارية دولية. فهل ستصمد اميركا في هذه الحرب ضد جميع دول العالم؟ والى متى؟!
ــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تظاهرات في جامعات أميركية على وقع الحرب في غزة | #مراسلو_سكا


.. طلبوا منه ماء فأحضر لهم طعاما.. غزي يقدم الطعام لصحفيين




.. اختتام اليوم الثاني من محاكمة ترمب بشأن قضية تزوير مستندات م


.. مجلس الشيوخ الأميركي يقر مساعدات بـ95 مليار دولار لإسرائيل و




.. شقيقة زعيم كوريا الشمالية: سنبني قوة عسكرية ساحقة