الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إلِكْترا: الفصل الثامن 2

دلور ميقري

2018 / 6 / 8
الادب والفن


من المفترض أن الحادثة تلك، وكانت على جانبٍ من الخطورة مثلما سيأتي معنا، هيَ التي وثقت الصلة بين العشيقين والضابط المرتشي. لقد اتفقَ حينذاك أن دخلَ شخصٌ رابع على الخط، وعلينا أن نتعرض لوضعه ببضع كلمات. لعلنا ألمحنا فيما مضى إلى غاليري، يملكه " مسيو جاك " في مدينة الصويرة؟ كان صالوناً كبيراً من دورَيْن، يقع في أول الشارع المتصل مع مدخل السور من جهة المِشْوَر. ثمة، كان الرسام يعرض لوحاته علاوة على أعمال آخرين من زملائه، أوربيين ومغاربة. ذلك الشخص، وكان من فئة الرسامين الأخيرة، كلّف بإدارة الغاليري. اسمه " زكرياء "، من يهود حيّ الملّاح في المدينة. وهوَ شابٌ حنطيّ اللون، على شيءٍ من ضآلة القوام، متجهّم الوجه كمواطنيه؛ مع أنه يغدو مرحاً حينَ يشرب المسكر.
" غوستاف "، شكّ منذ بداية تعارفه مع الشاب، أنه كان واحداً ممن مروا على جسد عشيقته، السهل المنال. وإنها هيَ من عرّفته به على أيّ حال، لما تعهّدت إيصاله بسيارة مخدومها إلى الغاليري. منذئذٍ، صارَ يمّر على الصالون مرتين في يوم الخدمة، صباحاً ومساءً، بغرض استلام وتسليم اللوحات المخصصة للبيع على رصيف السقالة الجوانية. في الأثناء، وقد مرّ نحو العام على هذا المنوال من العمل، كان " غوستاف " يجني بعضَ المال من أعمال تجارية صغيرة وذلك بمساعدة عشيقته وشريكهما الضابط. كأن يبيعوا للسيّاح أشياء قديمة، تخصّ اليهود المغادرين إلى أرض الميعاد. كانوا يحصلون عليها مجاناً غالباً، أو لقاء ثمن زهيد. ففي تلك الآونة، بلغَ التعدي على أملاك اليهود الغائبين حداً دفعَ الرابي الأكبر لمناشدة ابن دينه، مستشار الملك، كي يتدخل لإيقافها. ولكن الوقت كان متأخراً، تقريباً. إذ سبقَ ونقّبت جدران تلك البيوت، لحمل ما خفّ وزنه وغلا ثمنه؛ بحَسَب القول العربيّ المعروف. الذخائر الدينية، بما فيها الكتب النادرة، كان اللصوص يرمونها باحتقار: وإنها هيَ تلك الأشياء، التي كان بعضُ السيّاح ( وغالبيتهم من أمريكان ) على استعدادٍ لدفع مبلغٍ كبير من المال، لقاء الحصول على نماذج معينة منها.
كان " غوستاف " قد دعا صديقه اليهوديّ، أكثر من مرة، على مائدة الشراب في هذا البار أو ذاك. ذات مساء، شاء الصديقُ ردّ الدعوة مرةً على الأقل. وقد اتفق يومئذٍ أن كانت " نفيسة " في الغاليري، فاصطحبوها معهما إلى البار. لم يبتعدوا عن الصالون سوى بنحو ثلاث دقائق مشياً، حينَ وجدوا أنفسهم أمام مدخلٍ شبه عتم، كأنه قنطرة، يرتاده جيئةً وذهاباً أشخاصٌ تلوح علامات الشبهة والريبة على ملامح وهيئة بعضهم. بابٌ خشبيّ، مقوّس ومزخرف، أفضى بهم إلى فناء ضيّق خافت الأضواء، وفي آنٍ واحد، ضاجٍ بصخب الموسيقى المحلية. من الفناء، فتحت عدة حجرات على الضيق نفسه؛ رُصفَ على أرضيتها الحجرية طاولات وكراسي، مشغولة من الخشب والقش. كان الفناء يفضي إلى صالة أكبر حجماً، أحتلت ركنها الأيسر سدّة البار. وكان الصخبُ صادراً من تلك الجهة، خصوصاً من لدُن الزبائن المحيطين بالسدّة في مقابل البارمان العجوز.
الوقتُ كان صيفاً، أعقبَ شهرَ رمضان، ولم يكن هنالك غير البيرة علاجاً لظمأ المرء. الزجاجات الثلاث الكبيرة من البيرة الوطنية، سرعانَ ما أبدلت بأخواتٍ لها. في عمق الحجرة الضيقة، أين جلسوا حول منضدة مربعة رثة، كان بمقدورهم ملاحظة شابين ثملين، احتلا زاوية بإزاء المدخل. بدا أنّ ثرثرتهما كادت تتحوّل إلى عراك، بما تناهى من شتائمهما المتبادلة. فجأة صاحَ أحدهما بالآخر، موبّخاً بصوتٍ عال: " ما أشبهك بيهوديّ، خسيس وقذر..! ". عند ذلك، تبادل " غوستاف " وعشيقته نظرة تعبّر عن الاستياء. وإذا صديقهما، " زكرياء "، يتوجّه بالكلام إلى ذلك الشاب: " أيجوزُ لمسلم، مؤمن حقاً، شتمَ موسى نبيّ الله؟ ". بُهتَ الشابُ الثمل، وكما لو أنه تلقى ضربة غير متوقعة. ثم ما لبث أن اتفق مع رفيقه على رسم تكشيرةٍ على وجهه، أعقبها قهقهة مستهترة ووقحة.
" إنه ما ينفكّ متمسكاً بالإقامة في الملّاح، مع أنّ أخوانه هاجروا إلى إسرائيل كي يقتلوا المسلمين. وها هوَ يحدثنا، فوق ذلك، عن نبيّ الله! "، خاطبَ أحدهما الروادَ الآخرين مشيراً بيده إلى المقصود بالكلام. تعالت الضحكات في الرواق كله، مصحوبة بتعليقاتٍ منطوقة من أفواهٍ تعتعَ السكرُ أصحابها. خلال اقتراب مُسبب الإشكال من طاولة الأصدقاء، وهوَ يترنّح مهدداً بقبضته، انتبهَ إلى الحلية المعلقة بسلسلة ذهبية في رقبة " نفيسة " والمصوّرة شكلَ القرآن. إذاك، كان الأصدقاء قد همّوا بمغادرة المكان بعدما تفاهمت نظراتهم على الأمر. بيْدَ أنّ جمعاً ساخطاً ما عتمَ أن سدّ عليهم مدخل الحجرة، على أثر سماع أفراده صياح الشابّ السكّير: " ماذا تفعل امرأة مسلمة مع رجلين يهوديين في هذا المكان، لو لم تكن زانية فاسقة؟ "
" ويمكن أنها مرتدّة عن دين الرسول المصطفى، أيضاً! "، عقّبَ أكثر من صوت على كلامه. النادل، وكان أشبه بعملاق قاتم البشرة، تدخّل كي يُبعد الغاضبين عن المرأة، بعدما بدأت أيدي بعضهم تربت على أماكن حساسة في بدنها وسط الشغب والفوضى. قال لهم العملاق بحزم: " البارمان أتصل تواً مع الشرطة، وهيَ وحدها من يحق لها محاسبة الناس على أفعالهم ". فلما أجاز أولئك السكيرين لأنفسهم التمادي في مسلكهم الشائن، فإن النادل قام بدفعهم في حركة مباغتة جعلتهم يتقهقرون إلى خارج الحجرة متساقطين فوق بعضهم البعض. ثم بادرَ إلى سدّ الباب بجسده المتين، معاوداً التهديد بالشرطة. وبينما آبَ أولئك السكيرين إلى الهجوم، كان صديقا المرأة المتّهمة قد اندفعا لمساعدة النادل في سدّ الباب. وإنما في تلك اللحظات المفعمة بالخطر الجسيم، دوّى في الأجواء صدى بوق سيارة بوليس.
" إذا كانت هذه المرأة ساقطة، فإنكم لا تقلون عنها إفكاً بتعاطي ما حرّمه الله وفي مكانٍ غير مرخص أيضاً! "، صاحَ الضابط منتهراً الجمعَ المجنون. وأعقبَ بحركة مسرحية، ملتفتاً إلى صديقيّ المرأة مخاطباً إياهما بالفرنسية: " أما أنتما، أيها المحترمان، فإنني سأضطر لحجزكما في المخفر ريثما يتم التحقيق معكما بشأن علاقتكما مع امرأة مسلمة! ". قال ذلك، فيما كان يغمزُ بشكلٍ موارب لشريكه " الكَاوري ".










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شراكة أميركية جزائرية في اللغة الانكليزية


.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر




.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة


.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي




.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة