الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل كرسي أورشليم رسولي، وهل البطرك ساكو وريثهُ؟

موفق نيسكو
(Mowafak Nisko)

2018 / 6 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


هل كرسي أورشليم رسولي، وهل البطرك ساكو وريثهُ؟

بعد أن قامت روما والانكليز بتسمية بعض السريان (آشوريين وكلدان حديثاً) لأغراض سياسية عبرية، لأن الآشوريين والكلدان الحاليين ينحدرون من الأسباط الإسرائيليين الذين سباهم الآشوريون والكلدان العراقيون القدماء، ولشهرة الاسمين في التاريخ والكتاب المقدس برزت سنة 1912م من قبل المطران الكلداني- الآشوري أدي شير، اسطوانة نحن سليلي الآشورين والكلدان القدماء، لعل العالم يفهم أكثر ويلبي طلباتهم بهذين الاسمين، وتحدثنا عن هذا الأمر كثيراً، ثم برزت أسطوانة أخرى وهي الأعتزاز بانتمائهم الإسرائيلي ونحن وريثي كرسي أورشليم، والعراق هو بلد اليهود الثاني، وخرائط ووثائق..إلخ، ولم تبرز هذه الاسطوانة بقوة إلاَّ على يد البطريرك الكلداني الحالي لويس ساكو في مقالاته الكثيرة منذ أن كان كاهناً ومطراناً وبعدها عندما أصبح بطريرك، أمَّا السبب فهو بدون شك سياسي، لا تاريخي ولا علمي، ولا ديني، وهو لعل العالم يفهم مطالبهم أقوى وأسرع.

إن عقدة الكلدان الحاليين، (ومعهم الآشوريين النساطرة الغير تابعين لروما)، وهي أن كرسي ساليق أو قطسيفون (المدائن) أو كما يُسمونه بابل، وبطريرك الكلدان الحالي غير معترف به من قِبل روما والفاتيكان أنه كرسي رسولي، أسوةً ببطاركة الأقباط الكاثوليك، الموارنة السريان، السريان الكاثوليك، الروم الكاثوليك (السريان الملكيين)، الذين يستمدون رسوليتهم من أنطاكية، ولذلك إذ استطاع الكلدان والآشوريين الحاليين أن يثبتوا أنهم وريثي أورشليم، ربما سيعزز ذلك مطالبهم السياسية، ففي كل تاريخ كنيسة روما وإلى اليوم، لا مكان لجلوس بطريرك الكلدان في المجمع الشرقي، وقد نص الباب 4، قانون 59، بند 2، من مجموعة قوانين الكنائس الشرقية، الكنائس البطريركية، التي صدرت في عهد البابا يوحنا بولس الثاني في 18/ 10/ 1990م: إن ترتيب التقدّم بين كراسي الكنائس الشرقية البطريركية القديمة هو كما يلي: في المقام الأول الكرسي القسطنطيني ويليه الإسكندري، فالأنطاكي فالأورشليمي، والقانون 59 من الباب الرابع استند إلى القانون 55: إن النظام البطريركي قائم في الكنيسة، وَفقًا للتقليد الكنسي العريق في القدم الذي اعترفت به المجامع المسكونية.

وكرسي ساليق أو قطسيفون أو المدائن للكلدان والآشوريين الحاليين قطعاً يستمد رسوليته من كرسي أنطاكية السرياني أيضاً، ولن نستشهد بوثائق كثيرة من كنيسة الكلدان والآشوريين، قبل وبعد هذه الوثيقة لكوركيس مطران أربيل 945م، التي نكتفي بها والتي يؤكد أنهم كانوا تابعين لأنطاكية ويذكروا اسم بطريرك أنطاكية قبل جاثليقهم قبل أن يعتنقوا النسطرة وينفصلوا عن أنطاكية. (الجاثليق رتبة أقل من بطريرك أنطاكية، ولقب البطريرك لكنيسة المشرق تاريخيا هو جاثليق وليس بطريرك).
https://a.top4top.net/p_888qp6s71.png

الكراسي الرسولية في المسيحية
من الحقائق الثابتة في كل التاريخ أن الكراسي الرسولية في المسيحية هي ثلاثة فقط، محصورة في العواصم القديمة، أنطاكية، روما، والإسكندرية، وروما لا تعترف تاريخياً، إلاَّ بثلاثة، وهذا ما أقره المجمع المسكوني الأول سنة 325م في قانونه السادس والذي يعتبر المجمع الأساسي وحجر الزواية لكل الكنائس المسيحية إلى اليوم، وعندما نقل الإمبراطور قسطنطين الكبير +337م عاصمته من روما إلى القسطنطينية، اعتُبرت القسطنطينية كرسياً رابعاً، وقد أغاض روما هذا الأمر، لكن قوة الإمبراطور قسطنطين الذي رعى وحضر مجمع نيقة من جهة، ومن جهة أخرى أقنعوا أسقف روما أن القسطنطينية هي نظير روما واسمها هو "روما الجديدة"، وكرسي روما هي المقر الديني الأصلي، القسطنطينية هو مقر الكرسي الملكي أو المدني، فوافقت روما ظاهرياً على مضض، وأقرَّ ذلك مجمع القسطنطينية المسكوني 381م حسب القانون الثالث: (يكون لأسقف القسطنطينية مكان الإكرام بعد أسقف روما لأن القسطنطينية هي روما الجديدة)، وثُبِّتَ ذلك في الجلسة الخامسة عشر وفي القانون الثامن والعشرون من مجمع خلقيدونية المنعقد في 31 تشرين أول سنة 451م، وفي الجلسة السابعة منه وتقديراً لمكانة القدس المسيحية، مُنح أسقف القدس الذي كان يخضع لمطران قيصرية فلسطين الخاضع لبطريرك أنطاكية السرياني لقباً شرفياً بعد القسطنطينية والإسكندرية وأنطاكية، عُرف بعدئذٍ بالبطريرك الخامس، أمَّا روما فكانت تُسميه متعمدة أحياناً البطريرك الرابع، لأنها تعتبر القسطنطينية هي نظير روما.

ولم تعترف روما في البداية برسولية كرسي القسطنطينية واعترضت زمناً طويلاً، ومع أن روما لم تحضرمجمع القسطنطينية 381م لكنها اعترفت به، ولكنها اعتبرت القانون الثالث من المجمع "أن لأسقف القسطنطينية مكان الاحترام والشرف فقط"، وكانت روما دائماً تعتبر نفسها لها الأولية على القسطنطينية التي تأسست بقوة الإمبراطور وتعتبرها ظلِّها (روما الجديدة)، ومكانتها مدنية فقط لأنها مقر الملك وتُسميها مركز كنيسة القسطنطينية الملكي، وكان نواب لاون أسقف روما (لقب البابا متأخر، وكان سابقاً يُسمَّى أسقف روما، وثبت لقب البابا نهائياً سنة 1073م) غائبين عن جلسة 31 تشرين أول في مجمع خلقيدونية، وفي جلسة 20 تشرين الثاني اعترض نواب لاون على القانون الثامن والعشرون، وقد اعترض لاون نفسهُ على القانونين الثالث من مجمع القسطنطينية والثامن والعشرون من مجمع خلقيدونية في رسالته إلى الملك مرقيان وأناطاليوس أسقف القسطنطينية قائلاً: إن الامتيازات التي حصلت عليها كراسي روما، الإسكندرية، وأنطاكية في مجمع نقية 325م يجب أن تبقى ثابتة غير متزعزعة لأنها مُرتَّبة بروح الله، وقد اعترف آباء روما أن القانونين نُفذا رغم اعتراض لاون عليهما. (مكسيموس مظلوم +1855م، بطريرك الروم الكاثوليك، الكنز الثمين، ج3 ص289).

والبابا غريغوريوس الأول +604م في رسالته إلى فليجيوس بطريرك الإسكندرية الخلقيدوني يعتبر أن الكراسي الرسولية هي ثلاثة فقط في ثلاث أماكن، لمؤسس واحد هو بطرس مؤسس كرس أنطاكية الأول، الذي هو معلم مرقس، قائلاً: إن بطرس الرسول ثبَّت كرسي أنطاكية وجلس عليه، ونحن روما والإسكندرية وأنطاكية ثلاثة أساقفة وهم واحد لواحد مع بطرس لأنه استراح واستحق إن يتمم الحياة الوقتية في روما، وهو الذي زيَّن كرسي الإسكندرية بإرساله تلميذه الإنجيلي (مرقس) إلى الإسكندرية، وسنة 866م قال البابا نيقولاس الأول إلى مجلس شورى بلغاريا في منشوره رقم 92: لا يوجد في المسيحية سوى ثلاث كنائس رسولية هي روما، الإسكندرية، أنطاكية، ولهذا السبب هذه الكنائس الثلاثة فقط، أمَّا القسطنطينية وأورشليم فهما بطاركة أسماء فقط، لأن القسطنطينية لم تذكر في مجمع نيقية ولم يؤسسها رسول، إنما دُعيت روما الجديدة بمنحة ملوكية أكثر منها عدالة (الأرشمندرينت جراسيموس اللاذقي، تاريخ الانشقاق، 1891م، ج1 ص310-311، ج2 ص454. وايسذورس، الخريدة النفيسة في تاريخ الكنيسة، ج1 ص39، ج 2 ص 49-50، وأنظر قول العلّامة ايرونيمس في مشاهير الرجال ف1، ورسالة لاون الروماني إلى أنطاليوس القسطنيطيني سنة 451م. وميخائيل تاميزيه اليسوعي، الرتبة البطريركية، أصلها وتاريخها وحقوقها، مجلة المشرق، 1902م، ص435، 589 وبعدهما، معززة بمصادر تاريخية، وأن روما والإسكندرية وأنطاكية فقط كراسي رسولية، ويسُمِّيها الانتصار المثلث). ولم تعترف روما باستقلالية كرسي القسطنطينية بوضوح إلى بعد الانفصال الكبير لكنيستي روما والقسطنطينية سنة 1054م إلى كاثوليكية وأرثوذكسية، ففي القرن الثالث عشر عندما أصبح اللاتين أسياد القسطنطينية بواسطة الفرنجة "الصليبين"، أعلن البابا اينوسنشيوس الثالث +1216م في المجمع اللاتراني الرابع أن كرسي القسطنطينية له التقدم على الإسكندرية وأنطاكية وأورشليم، ومع ذلك جعل لذلك الاعتراف سبباً استقاه من سفر حزقيال 1: 10، فقال: فلترتفع كرسي القسطنطينية لأن الحيونات الأربعة الموصوفة حول العرش، تجعل حزقيال وجه النسر فوق الحيوانات الأخرى، أي البطريركيات الأربعة، القسطنطينية، الإسكندرية، أنطاكية، وأورشليم، هي المرموز لها بهذه الحيوانات التي هي في دائرة الكرسي المقدس (روما). (كيرلس مقار، بطريرك الأقباط الكاثوليك، الوضع الإلهي في تأسيس الكنيسة، 1917م، ج 2 ص171-173).

هل كرسي أورشليم (القدس) رسولي؟
إن كرسي أورشليم القدس لم يكن في يوم من الأيام وإلى اليوم كرسياً رسولياً (بمعنى كان له سلطة وسلطان على الكنائس الأممية الأخرى)، فكنيسة أورشليم القدس تُعبر الكنيسة الأم، وكان كرسيها خاص باليهود المتنصرين، وأحدث هؤلاء مشاكل كثيرة يطول شرحها، وأول أسقف لهم هو قريب السيد المسيح مار يعقوب الذي يُسمَّى أخو الرب، ورجمه اليهود سنة 62م، ثم تم خراب أورشليم سنة 70 م، فتشتت المؤمنين ولم تعد هناك كنيسة في القدس، ومنذ سنة 135م بدأت تنمو كنيسة صغيرة تابعة لمطران قيصرية فلسطين الخاضع لبطريرك أنطاكية السرياني، وكان مطران أورشليم دائم التذمر بحجة أنه أسقف كرسي أورشليم الأم، وفي مجمع نيقية سنة 325م وتقديراً لمكانة أورشليم، قرر القانون السابع منح أسقف أورشليم المقام الثاني في الكرامة بعد مطران قيصرية فلسطين: "ليكرَّم أسقف القدس وليكن له المقام الثاني في الكرامة دون أن تُمس حقوق المطرانية "، ومنذ تولي يوبيناليوس أسقفية أورشليم سنة 422م، كان كثير التذمر، وفي مجمع إفسس 431م حاول يوبيناليوس استغلال القانون السابع من مجمع نيقية والتمرد على مطران قيصرية وعلى بطريرك أنطاكية مطالباً اعتبار نفسه الثاني بعد بطريرك روما وبسلطته على ولايتي فينيقية والعربية، فوبَّخهُ جميع الآباء، وتصف المصادر الكاثوليكية التي ينتمي لها البطرك ساكو، يوبيناليوس: المتعجرف، المحتال، المراوغ، المستغل للقانون، ومزوِّر التاريخ والتقليد..الخ، وكان يوبيناليوس مدافعاً قوياً ضد النسطورية والأوطاخية فأحبه الشماس لاون (أسقف روما فيما بعد)، وفي مجمع خلقيدونية 451م لعب يوبيناليوس دوراً مهماً وساند بقوة صديقه القديم لاون الذي أصبح أسقف روما، فتمتع بمكانة محترمة أكبر لدى لاون، وطلب المجمع من بطريرك أنطاكية مكسيموس حل الخلاف مع يوبيناليوس، وفي الجلسة السابعة تم الاتفاق بين مكسيموس ويوبيناليوس فسُلخت ولايات اليهودية والسامرة والجليل من بطريرك أنطاكية وأعطيت ليوبيناليوس، مقابل إسقاط إدِّعائه بخصوص السلطة البطريركية ومقارنة نفسه ببطريرك أنطاكية، وكذلك إسقاط مطالبته بالسلطة على مقاطعتي فينيقة والعربية، ومُنح يوبيناليوس لقب شرف فقط، بعد القسطنطينية والإسكندرية وأنطاكية، وليس لقب أسقف كرسي رسولي، وسُميَّ بعدئذٍ البطريرك الخامس (أو الرابع أحياناً من روما)، وبعدها تندَّم بطريرك أنطاكية مكسيموس بالتسرع بتلبية مطالب يوبيناليوس، فكتب إلى لاون بذلك، فوجَّه لاون رسالة جوابية برقم 119: 92 في 11 حزيران 453م، يصف مطامح يوبيناليوس بأقسى العبارات، وأنه سيقوم بكل ما في وسعه لحفظ مقام وكرامة بطريرك أنطاكية حسب التقليد، ثم حكم ببطلان هذا العمل، لكن يوبيناليوس أصم أذنه عن أوامر لاون، هو ومن بعدهُ أساقفة أورشليم وتصرفوا كبطاركة، وأن أحبار روما لم يقروا بقانونية هذا العمل واعتبروه احتيالاً ومرواغة لأن كرسي أورشليم هو شرفي وليس رسولي، وليس له سلطان على أحدٍ سواه، ولم يتم معالجة الأمر إلى المجمع اللاتراني الرابع سنة 1215م. (مجموعة الشرع الكنسي "الكاثوليكي"، ص59-63. تاميزيه، ص589 وبعدها. وأنظر تاريخ زكريا الفصيح +537م، ج1 ص156 (سرياني)، وأنظر البطريرك السرياني يعقوب الثالث، تاريخ الكنيسة الأنطاكية، ج2 ص173-174، 192، 198).

فهل كرس أورشليم رسولي؟، وهل هناك رعية واحدة في العالم إلى اليوم تتبع كرسي أورشليم خارج فلسطين، فكيف ولماذا يدعي البطريرك ساكو أنه وريث أورشليم، وهل سيستطيع إقناع العالم وحتى روما، وهل ستضحي وتغير روما كل تاريخها وعلاقتها مع الكنائس الرسولية من أجل 500 ألف شخص، شخص يسمَّون كلدان، ومعهم حوالي 300 ألف شخص يُسمَّون آشوريين، لاغراض سياسية؟، ربما والله أعلم.
وشكراً/ موفق نيسكو








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأمريكية تعتقل عشرات اليهود الداعمين لغزة في نيويورك


.. عقيل عباس: حماس والإخوان يريدون إنهاء اتفاقات السلام بين إسر




.. 90-Al-Baqarah


.. مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وسلطات الاحتلال تغلق ا




.. المقاومة الإسلامية في لبنان تكثف من عملياتهاعلى جبهة الإسناد