الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فقاعة اقتصادية.. أم هوس الورد!

مظهر محمد صالح

2018 / 6 / 9
الادارة و الاقتصاد


فقاعة اقتصادية.. أم هوس الورد!
مظهر محمد صالح
في ضواحي أمستردام لن تجد مشهداً يفارق مخيلتك مثل اصطفاف باقات الورد ولمعان ألوانه التي مرت خطفاً عبر جدران عينّي وهي تلامس سعادتي بلا تخبط وبانعكاسات زاهية كانت أسرع من الخيال، قلت في سري إن جمال الورد يشعل ناراً مقدسة في قلبي. تقدمت من فوري الى بائعة الزهور لتحدثني عن تلك الوردة البيضاء، قالت إنها من فصيلة الخزامي أو التوليب وعيناها الزرقاوان تبعثان ألقاً ناطقاً يناسب تحفظها الفطري الذي يشوبه الكبرياء وهي تقول إن الورد كان ولا يزال وسيلة التقرب الى مملكة الحياة والتعلق بها والسبيل الى معانقة راحة النفس في تعاقب الفصول دون أن تتلاشى بهجة المستقبل طالما ان الأيام لا تريد أن تستريح!. أخذت وردتي البيضاء وقلبت زوايا ذاكرتي وهي تموج بالأفكار المتضاربة، لكنها توقفت على ذكرى أول فقاعة اقتصادية في العالم حدثت هنا في هولندا، في بورصة الورد في امستردام، ذلك في الاعوام 1635-1637. حيث انهارت الأسعار في سوق المضاربة جراء انهيار أسعار أبصال زهرة التوليب او الخزامي وحصل الركود الاقتصادي الاول في التاريخ الأوروبي الذي سمي بجنون التوليب.
فالفقاعة الاقتصادية او فقاعة السوق كما تسمى احياناً هي تجسيد للمبالغة السعرية للأسهم أو أي فقرة من فقرات القيم الاقتصادية خارج السعر العادل او التوازني. وان وجود هذه الفقاعات قد لازم وجود الأسواق عبر التاريخ. وعندما نستعرض التاريخ الاقتصادي، تأتي هولندا في مقدمة البلدان التي تعرضت الفقاعة المذكورة فيها الى الانفجار وهي في عصرها الذهبي في القرن السابع عشر الميلادي. وازاء فقاعة اسهم المعلوماتية dot com bubble في آواخر تسعينيات القرن الماضي او حتى الازمة المالية العالمية في العام 1929 ازمة الكساد العظيم التي جاءت نتيجة فقاعة سعرية لبعض الاسهم، فإن العالم مازال يكابد أزمته المالية الراهنة التي سببتها فقاعة الرهن العقاري الثانوي في العام 2008 في الولايات المتحدة.
اللافت، ان ابصال هذه الوردة التي جلبها الهولنديون من اقاصي تركيا قد شكلت رمزاً لتطور ثروة الأمة الهولندية وسميت بوردة الأغنياء. فمتوسط دخل الفرد الهولندي السنوي في العام 1637 كان بنحو 150 فلورينا وهي عملة البلاد وقت ذاك، في حين ان سعر البصلة الواحدة من وردة التوليب او الخزامي كانت بنحو 1000 فلورين.
لقد قام البعض ببيع أبصال التوليب التي ينوون زراعتها فيما يشبه تداول العقود الآجلة في يومنا هذا، إذ وصفت هذه الظاهرة بأنها (قبض الربح) او (تداول الهواء). إذ اندفع الناس جميعهم الى بيع الأراضي والخيول وما عندهم لشراء عقود بصلة الخزامي الآجلة، إلا أنه في شباط من العام 1637، لم يعد متداولو الخزامي يحصلون على عروض شراء أعلى مقابل تلك الابصال.. وبدؤوا البيع.. وانفجرت الفقاعة، ما ولد ذعراً هائلاً، أصبح حملة العقود الآجلة يومها يحملون ابصالاً لا تساوي قيمتها سوى جزء يسير من السعر ودخلت البلاد بأزمة اقتصادية عارمة جعلت القضاء الهولندي يقر بأن عقود الشراء الآجلة هي مجرد عقود مقامرةً.
تطلعت على وردتي البيضاء وقلت في سري إن ثروة الأغنياء والمضاربة على بصلة الخزامي قد هربت من جيوب الأغنياء في القرن السابع عشر لتستقر بين يديّ وبثمن بسيط في القرن الحادي والعشرين.
ختاماً، تأملت من نافذة غرفتي تساقط المطر ولمع الطريق المؤدية الى الفندق بأضواء المصابيح ودوي الرعد، مستدركاً ان كل ما يقع ضمن الطبيعة فهو طبيعي إلا المقامرة في سوق المال التي ألبست وردة التوليب تاجاً سعرياً مزيّفاً ضد منطق الطبيعة ومن صنع البشر... إنها فقاعات السوق التي تغلف الورد بخرسانة مسلحة من أكاذيب المضاربين!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بركان ثائر في القطب الجنوبي ينفث 80 غراما من الذهب يوميا


.. كل يوم - د. مدحت العدل: مصر مصنع لاينتهي إنتاجه من المواهب و




.. موجز أخبار السابعة مساءً- اقتصادية قناة السويس تشهد مراسم اف


.. موازنة 2024/25.. تمهد لانطلاقة قوية للاقتصاد المصرى




.. أسعار الذهب اليوم تعاود الانخفاض وعيار 21 يسجل 3110