الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رسائل ساحلية: أورانوس / غايا (4 ) - التشظي-

عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .

2018 / 6 / 10
الادب والفن


عزيزتي غايا

لا أدري كيف أستطيع حبك هذه الرسالة ؟ لقد مرت أيام طويلة دون أن نتحدث و الكلمات تأبى التعبير ! إنها صامتة وخرساء. لا أخفي عليك . أنا أعشق المرح والدعابة على الرغم من لحظات الفتور . لم يبق لي في هذا العالم سوى أن أضحك بتهكم كبير على تفاهة الحياة . لكن لا أظن أنك ستسايرين نهجي في الوجود ...تبدين منفعلة حيال كل ما يصدر عني . ميالة إلى الغضب، مندفعة نحو سوء الظن كأنني شيطان، مع العلم أن الشيطان يعد من الرموز النزيهة والمتمردة في الميثولوجيا الإسلامية، إذ رفض السجود لآدم وواجه مصيره بلا خوف ولا وجل، ماذا لو أعلن الشيطان توبته الآن، ألا يعتبر هذا إحراجا للإله وبالتالي نهاية اللعبة الإلهية ؟

عزيزتي غايا:

إن المرأة التي تفتقد لروح المغامرة لا معنى لها . المرأة شيطان بالمعنى النبيل لمفهوم الشيطان . إذ أن هذا الأخير مغامر وثائر من خلال تصديه للإله وعدم خوفه منه . كذلك المرأة، فحواء في الميثولوجيا اليهودية أكلت من شجرة المعرفة وتمردت على الإله، إنها ذات مرجعية شيطانية . لكن مع الأسف يا غايا لا أراك سوى ملاك انتهازي يريد إطعام إلهه بقرابين الزواج المبارك .

عزيزتي غايا:

لست قربانا، والشيطان رفض أن يكون قربانا ينحني ويركع للبشر، أنا أمثل روح المغامرة الباخوسية العاشقة للحياة، المتمردة على التقاليد، و التي تأبى التنميط. لا أرتكن إلى نقطة محددة، مترحل في فكري وفي جسدي .

عزيزتي غايا :

لقد آلمني ما قلت، إنك تبحثين عن الأمان!! إن الأمان يولد من حضن المغامرة، من رحم التجارب، أنا اقترحت عليك المجيء إلى البيضاء واقتراحي لم يكن أمرا. أنا أرفض الأمر كليا . الأمر ارتبط بالاله، لذلك أرفض كل ما هو سلطوي إلهي، أنت حرة، لديك الحق في الاختيار . لذلك أريد أن أقول لك أن الأمان يبنى ولا يعطى . الأمان وليد التجارب والتضحيات . ولن أعشق يوما امرأة ساكنة سكون القبور وتتوسل إلهها لكي ينقذها من موتها السرمدي . الأمان حركة ومغامرة وشق للمستحيل. لا ادعاء البراءة والطهرية والسكون .
الدار البيضاء/ 8 يونيو 2018/ المغرب
------------------
عزيزي أورانوس ( أ) :

أردت هذه المرة أن أخاطبك باسمك دون حاجز الرموز، أحيانا أحس أنها تباعد المسافات بيننا. نعم كانت هذه الأيام التي لم نتحدث فيها طويلة أكثر مما تتصور. وطوال هذه الأيام وأنا أفكر فيما حدث وما سيحدث، وما سيؤول إليه مصير علاقتنا. كلما أمعنت النظر أجد أشياء تجمعنا وأشياء تفرقنا، أظن أن هذه العلاقة شبه مستحيلة، رغم أني أعشق المستحيل. ليتك تعلم كم يؤلمني قول هذا. لقد ألفتك كثيرا، وما كان قصدي بالأمان سوى الحب. كنت أود أن تصارحني بمشاعرك كيفما كانت. فاهتمامك يشبه تقلبات أمواج البحار مرة مرتفعة، ومرة غير عابئة. لا أعرف... ! هكذا هي العلاقات العاطفية؟... آلمتني كثيرا عبارتك تلك" سيري قلبي على الأمان".

عزيزي أورانوس:

أنا آسفة، حاليا لا أستطيع أن أفعل ذلك. لا أستطيع أن أعيش معك الحب كما تريده أنت وكما يريده قلبي، ليس لأنني لا أحب المرح والمغامرة. فأنا عاشقة للحياة والحرية ولا أخفي عليك مكنونات قلبي، إذ لا يمكنني أن أنافق رغباتي. بل لأنني فتاة تربت في أسرة محافظة نوعا ما، الحب فيها خارج مؤسسة الزواج حرام. رغم تعليمي فإني لم أقوى بعد على التحرر من قيود الأسرة والمجتمع. أخاف أن نفترق في نصف الطريق ، سواء كان ذلك بإرادتنا، أو بإرادة أحد الطرفين فأصبح منبوذة في مجتمع لا يرحم الأنثى. هل ترضى لي أن أصبح منبوذة؟ أنا فتاة تربت على التوحيد في كل شيء حتى في الحب.

عزيزي أورانوس:

أنا آسفة لا أستطيع أن أسافر إلى البيضاء، فأسرتي لن تسمح لي. رغم أني أود ذلك. و أريد أن أراك و أكتشف الحياة بعيونك. كنت أنتظر الصيف بشوق لأراك لأنك قلت لي أنك ستأتي إلى الشمال في عطلة الصيف. سافرت مرة واحدة بمفردي إلى الرباط. كان ذلك من أجل أن أجتاز مباراة. ركبت الحافلة من تطوان، على أن يستقبلني قريبي في محطة الرباط، طبعا بتوصية من الأسرة وكأنني رسالة مضمونة أو غرض من الأغراض أرسل إلى الرباط ليجد المرسل إليه في انتظاره. أعرف أن أسرتي تفعل ذلك خوفا علي، لكنها لا تعرف أنها بذلك تحرمني من تجارب الحياة.

عزيزي أورانوس :
لم أسئ الظن فيك أبدا ، ولم أعتبرك شيطانا يوما، أحزنني قولك هذا. يتضح من كلامك أنك تراني متعصبة.. لا أبدا أنا لست كذلك، أحترم الإنسان في كل اختلافاته. لم أحكم يوما على أحد حتى أحكم عليك. ربما أنت تظن ذلك بسبب اختلافنا. أعرف أنك تختلف معي في العقيدة. حقا الأمر فاجأني أول الأمر، لكن هذا لن يغير شيئا من إحترامي وتقديري لك. فأنا أرى فيك إنسانا خلوقا، يحمل هم الإنسانية جمعاء، يحمل جزءا مني، لكن بصورة مختلفة. أتمنى لك التوفيق في بحثك هذا وأن تجد اليقين وتخرج من دوامة الشك والحيرة.
كانت معرفتي بك حدثا جميلا. لقد أعجبت بفضولك للمعرفة والبحث. وتعلمت منك الكثير..

عزيزي أورانوس :

كنت أخدع نفسي وأقنعها بأنني أستطيع أن أعيش معك الحب. إلا أن تحقيق المعادلة يستوجب تضحية وتنازل أحدنا على كوكبه الخاص، وهذا الأمر يبدو بعيد المنال. أنا أعيش في صراع مع واقعي وأحلامي، رسمت أحلامي الموعودة بألواني لا بألوان المجتمع، لكن ها أنا أقف عاجزة عن تحقيقها. يبدو أنني أغفلت شيئا أثناء رسمي للوحة أحلامي. وعندما عرفتك رسمتك على هذه اللوحة بقلم الحرية والحياة والمغامرة. فكم كانت تستهويني هذه الكلمة منذ صغري وأنا أقوم بقراءتها على كتبي. أنا أيضا في حيرة من أمري، مازلت أبحث عن ذاتي في الكون، كمن ينقب عن أسرار الحياة الغامضة.
لا أعرف إن كنت أستطيع أن أقبلك كما وعدتك، رغم أني أتوق إلى تجربة القبلة، ولطالما تخيلت هذه التجربة معك فتسألت مع نفسي 《بماذا سأحس..؟ وكيف سيكون طعمها؟》 . أعذرني.. لم أمتلك بعد هذه الجرأة في الحب. رغم أنني من مناشدي الحب والسلام. أنتصر للحب ولا أعيشه، أكتب للحب ولا أبوح به، وكأنه محرم علي طوال حياتي. أحببت كلماتك ونظرتك المغايرة للحياة. يوما بعد يوم أصبح صدري يخفق لكلماتك، فكان خوفي من أن أنغمس فيك حتى الثمالة يوقظني بين الفينة والأخرى. اعتدت على محادثتك، تركت بصمة في صدري.
لا يا عزيزي لن أقيد حريتك أبدا، عش أحلامك كما تريد. فالحب والحرية من متلازمات الحياة، إذا غابت الحرية مات الحب وإذا غاب الحب أصبحت الحرية معتقلا. أردت أن أعيش مغامرة، فكيف تقول أني أريد أن أجعلك قربانا. لن أقبل أبدا أن تفعل شيئاً من أجلي، أنت لا تريده، كما لا أحب أن يجبرني أحد على فعل شيء لا أريده. فالحب قناعة واختيار. وكبريائي يمنعني من ذلك.
عزيزي أورانوس :

ما كان انفعالي في الآونة الأخيرة سوى تعبير عن إحساس كان ينتابني من طريقة كلامك. بدا لي كلامك  متهكما، وفيه القليل من السخرية.  أغضبني تماما كما تغضب أنت من مزاحي أحيانا. فعفويتي بارزة أكثر من اللزوم، أعبر عن كل انفعالاتي بصراحة. لكنني أنسى بسرعة. هذه هي طبيعتي.

عزيزي أورانوس:

يبدو أن بعد المسافة كان حاجزا بيننا، إذ لم يتمكن بعد كل منا من معرفة طبائع الآخر.

عزيزي أورانوس

 جذبتني شخصيتك كثيرا، وكتاباتك التي كنت ترسلها إلي كان لها وقع على قلبي، جعلتني أغوص فيك وفي إحساسك. فهذه الكتابات جعلتني أعيش معك جزءا من حياتك، زرت معك فيها تلك الأماكن التي كنت ترتادها. وعشت شعورك وكأنني كنت معك، وجدت حياتك تشبه كثيرا حياتي.. تلاقت في الوادي والمزارع والغربة.. فأحيانا كنت أخلط بين إحساسك وإحساسي. فأحسب أنك تخط بكلماتك هذه أحاسيسي على أوراقك. إلا أنني وقعت آسيرة غارقة بين كتاباتك وحديثك. فزهرة واحدة لا تكفي لقيام الربيع.
 تابع نهجك وطريقك حتى تصل إلى اليقين. متأكدة أنك ستجد الطريق.

تطوان / 9 يونيو 2018 ./ المغرب .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - الناقد الفني طارق الشناوي يحلل مسلسلات ونجوم رمضان


.. كل يوم - طارق الشناوي: أحمد مكي من أكثر الممثلين ثقافة ونجاح




.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي لـ خالد أبو بكر: مسلسل إمبراطور


.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي: أحمد العوضي كان داخل تحدي وأثب




.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي : جودر مسلسل عجبني جدًا وكنت بق