الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سورية فوق الأسدية والإسلام السياسي

فاضل الخطيب

2018 / 6 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


بعد أكثر من سبع سنوات من الحرب، بعد أكثر من سبعة وأربعين عاماً من حكم عائلة الأسد، أين تقف سورية؟
لم يحقق حكم الأسد أيّ من الأهداف التي تذرّع بها حافظ الأسد في انقلابه على رفاقه واستئثاره بالسلطة في عائلته قرابة نصف قرن، بل تراجعت سورية في مجالات عديدة، وتحولت سورية إلى إحدى أكثر دول الفساد في العالم، إحدى أكثر دول القمع وغياب الحريات في العالم، إلى إحدى أكثر الدول الفاشلة في العالم..
لم تحقق الثورة أيّ من الأهداف التي انطلقت من أجلها، بل تحوّلت الثورة إلى مجموعات إمارات جهادية إرهابية تكفيرية، تحولت إلى عدوة لمشروع الحرية والتعددية، تحوّلت إلى خندق معادٍ للديمقراطية وللعالم كله، تحوّلت الثورة إلى طاعون قروسطي يشبه الأسدية في جوهره، ويختلف عنها في خطابه التسويقي..
لا يستطيع عاقل نكران أن الأسدية انهزمت للأبد، أن حكم عائلة الأسد انتهى للأبد، أنه لا يمكن تكرار تلك الكارثة المتمددة على قلوب السوريين منذ نصف قرن على الأقل، لا يمكن استمرار أو تكرار ذلك الفساد الممنهج، ذلك القمع الممنهج، ذلك الابتذال الممنهج، ذلك التشويه الممنهج..
لا يستطيع عاقل نكران أن مشروع الجهادية التي اغتصبت الثورة وحرفتها عن مسارها انهزمت للأبد، أن ثقافة العداء للديمقراطية انهزمت/بل لابد لها من الهزيمة، أن همجية التكفير انهزمت للأبد، ليس فقط في سورية، بل في طريقها للهزيمة التاريخية في المنطقة والعالم، وللأبد..
أثبت مشروع الأسدية بطلانه بالكامل، وأثبت مشروع الجهادية التكفيرية بطلانه بالكامل، رغم ذلك، هناك ملايين من السوريين مازالت تؤيد أو تناصر الأسدية، وملايين أخرى تتعاطف مع الجهادية، وإن كنا نستطيع/ويجب، الوقوف ضد فكر وفقه كلا وجهي الطاعون القاتل لسورية وللسوريين، لكننا لا نستطيع/ ولا يجوز تجاهل هذا الانقسام في المجتمع السوري..
طالما صار واضحاً إفلاس المشروعين/الأسدي والجهادي، وطالما صار واضحاً أنه لا يمكن لسورية أن تلحق العالم وأن تؤسس لدولة عصرية، إلا بالقطيعة مع هذين المشروعين، ولكون المجتمع السوري يعيش حالة انقسام شديدة، لذا لابد من تيار أو جماعة أو كتلة تتبنى مشروعاً وطنياً عابراً للطوائف والقوميات، ولا يتجاهل أية طائفة أو قومية على قاعدة دستور عصري مؤقت يحمل من روح أوربا أكثر مما يحمل من غيرها، لأن طموحنا النهائي، هو الاقتراب من أوربا، تقليد الجيد في أوربا، الاستفادة من تجارب أوربا في البناء الإنساني والتعليمي والتكنولوجي والثقافي والتعايش مع الآخرين ومع البيئة أيضاً.. ونحن نعتقد أن ذلك التيار، يمكن أن يكون بديلاً وطنياً، وجسراً يربط السوريين من أجل سورية جديدة، سورية تشبه العالم المتحضر، سورية تشبه أحلام وطموحات أبنائنا/أبنائها، وتكون جزء فعالاً من العالم، أن تعود سورية كما كانت في غابر الأزمان قطعة تعايش وتلاقح لثقافات العالم..
هناك آثار فظيعة خلفتها الحرب، آثار مادية ونفسية، آثار ضحايا/قتلى، مفقودين ومخطوفين، معتقلين، مهجرين قسراً من ديارهم، ملايين الأطفال بلا مدارس، ملايين السوريين بلا أمل، وهناك شريحة من السوريين التي لا تريد للحرب أن تتوقف، لا تريد للمصالحة أن تحدث، لا تريد للأسدية/وبكل ما تحمله وتمثله من فساد وقمع وتبعية للخارج أن تسقط، ولا تريد هذه الشريحة للجماعات الإرهابية أن تنتهي، لكن غالبية الشعب السوري متضررة من استمرار الحرب، من بقاء الأسدية، من ظهور الجهادية..
هناك قضايا لا يمكن تجاهلها أو القفز فوقها تحت أية حجج كانت، ومهمة المرحلة الانتقالية وضع الأسس التي يمكن عليها لاحقاً، بل يجب البناء عليها، لا يمكن الاستمرار بمصالحة وطنية والبدء بمرحلة انتقالية تؤسس لدولة القانون والتعددية والعلمانية الديمقراطية، دون وضع جدول زمني دقيق وتحت إشراف دولي إلزامي، يتضمن كل المسائل الرئيسية غير القابلة للتأجيل والمماطلة، وفي مقدمتها تحديد مصير بشار الأسد وكبار مساعديه، ومن غير المنطق والأخلاق ألا يتم إقصاء الأسد وكبار مساعديه وإعادة هيكلة أجهزة الأمن بشكل جذري، بحيث تتحول لأداء مهمتها الوطنية المتعلقة بأمن الوطن وليس قمع المواطنين، ويجب أن يتم ذلك بأسرع وقت ممكن/وهذا يجب تحديده بشهور وليس سنوات، كما أنه من أولويات مهام المرحلة الانتقالية، هو عودة اللاجئين والتعويض عليهم ومساعدتهم مادياً في البدء من جديد، ولا يمكن لمصالحة وطنية حقيقية تؤسس لمجتمع سوري عصري، دون محاسبة كل الذين كان لهم دوراً في هدر الدماء وتدمير البلد، أما الإجراءات الفورية التي لا يمكن تأجيلها أو التراخي في تنفيذها، فهي الإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين وكشف مصير المفقودين والمخطوفين، وإخراج كل الجماعات المسلحة من غير السوريين من جميع الأراضي السورية، وتكون المهمة الرئيسية الأخيرة للمرحلة الانتقالية، هي إصدار قانون للانتخابات وإجراء الانتخابات بإشراف دولي شفاف، ووضع الأرضية النهائية لحكم لامركزي فيدرالي، يضع نقطة النهاية على حقبة مأساوية كارثية عاشتها سورية منذ ستين عاماً، ويضع نقطة البداية لحقبة عصرية جديدة للعلاقة الطبيعية مع كافة دول المنطقة بلا استثناء، ولابد أن تكون مهمة الحكومات اللاحقة، إعادة النظر بطبيعة العلاقة مع إسرائيل أيضاً، والانتهاء من حالة الميوعة الثورية التي يمارسها النظام منذ نصف قرن وأكثر..
هناك مسألة قادمة قريباً على ما يبدو، وقد تخلق تبايناً حاداً في مقاربتها، وهي ما يتردد عن رغبة روسية لصياغة دستور سوري، وبالتأكيد سيقف النظام وحلفائه وبعض "المعارضة" المتموضعة قريباً من موسكو وكذلك قسم من الإئتلاف وربما أيضاً بعض الجماعات المسلحة والإسلام السياسي إلى جانب الاقتراح الروسي مع بعض التحفظات من البعض، وبغض النظر عن كل ما قيل ويقال من تسويق للفكرة، علينا الاعتراف أن السوريين بكل تموضعاتهم، لا قرار جدي لهم في تقرير مصير سورية، وتبقى الرغبات اليوم أبعد ما تكون عن الواقع، وهذا يعني أن رغبتنا في أن تقوم مجموعة من السوريين المتخصصين المستقلة عن النظام وعن الإئتلاف ولجنة مفاوضاته ومن خلفه الإسلام السياسي/الجهادي، تقوم بصياغة دستور عصري يتجاوب مع متطلبات وحاجات استقرار ونهضة البلد، هذه الرغبة واستناداً لموازين القوى، هي أقرب للخيال من الواقع، يبقى السؤال الصعب، هل محاولة التأثير في صياغة الدستور الذي سيفرضه علينا الآخرون، أفضل أم مقاطعته، رغم أنه سيكون مفروضاً علينا شئنا أم أبينا؟ أي هل المشاركة في تلك الصياغة، سواء مشاركة مباشرة أو غير مباشرة، أفضل لسورية في هذا الظرف، ريثما تصبح سورية ملك السوريين، وعندها سيضعون دستورهم السوري 100% والدائم، أم المقاطعة؟ بالتأكيد كلا الجوابين سيء، لكن أيهما أقل سوءً؟ تبقى مواد الدستور، كأهم وثيقة تحدد كيفية تعامل مؤسسات الدولة مع بعضها ومع المواطن، هي الأساس، وليس نوعية الورق أو مكان الصياغة، رغم أهمية الشكليات. يعني لو أتينا بدستور السويد وسويسرا واليابان وغالبية الدول المتطورة السعيدة شعوبها، ونعمل منهم دستوراً أكثر جودة وفي العاصمة السورية ومن قبل أنقى الحقوقيين السوريين وأكثرهم كفاءة، إن لم يتم تطبيقه بدقة، تصبح قيمته الفعلية مثل أي قانون أسدي أو داعشي..
هناك قضايا جيوسياسية قد تكون عوناً لنا، وليست عبئاً علينا، وهي العلاقة مع أوربا، وإذا أخذنا بعين الاعتبار، أن علاقة أوربا بأمريكا هي علاقة استراتيجية متينة، حتى إن تخللتها بعض التباينات أو التشنجات، وأن الخلافات الجوهرية هي بين روسيا وأمريكا، بل بين روسيا وأوربا، وهي خلافات طويلة وستطول، وبالنسبة لنا، يمكن الاستفادة من تلك الخلافات، يمكن أن تساعد تلك الخلافات إلى رفع مكانة سورية ودورها، ونحن أشد الحاجة للاقتراب من أوربا والاستفادة منها والبناء عليها..
الرغبات لا تكفي لتحديد موقفاً سياسياً، موازين القوى أقوى من الرغبات، والسياسي من يجد تقاطعات بين الهدف أو الرغبة وبين موازين القوى، وأكرر أنه في هذه المرحلة، لا قرار للسوريين في تقرير مصير بلدهم كما يليق، والمنطق أن نبحث عن أقل الخيارات سوءً، أقل الخيارات ضرراً، وأعتقد أنه ومن خلال قراءة موازين القوى وتشرذم القوى السورية نتيجة الأسدية والإسلام السياسي والتدخلالت الإقليمية والدولية، لم يبق من طريق لضمان وجود سورية، إلا الوصاية الدولية، وهي الحل لدفن الحل الإسلامي والحل الأسدي، الوصاية الدولية هي الحل المتبقي للخروج من هذا المستنقع، للدخول إلى العالم. ستدخل سورية من بوابات العالم، كما يدخل المسافرين ضمن بوابات الكشف عن الممنوعات في المطارات، ولن تستطيع الدخول قبل أن تتطهر من وجهي الاستبداء والتخلف والهمجية والعداء للحرية وحقوق الإنسان...
فاضل الخطيب، 10 حزيران، 2018...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الاعتراف باسرائيل ضرورة ملحّة
معلق قديم ( 2018 / 6 / 11 - 17:35 )
بدون لف ودوران

1) دكتاتورية الأسدين جائت بحجة ألا صوت يعلو على صوت المعركة ثم لم نرى منها سوى الهزائم النكراء ولم يستفد لا الفلسطينيون ولا السوريون بل كانت محض تبرير للظلم وللتوريث

2) يجب الاعتراف بأن مصائب كثيرة جرت على سوريا وعلى أهلها دبّرتها اسرائيل مع أعوانها ومع معظم القوى العالمية التي من مصلحتها منع حرب في الشرق الأوسط أي كل دول الغرب مع الصين مع روسيا...كل هؤلاء مع الاستقرار والسلام لتنمية التجارة والرخاء
أنا أرى أن اسرائيل كان لها كل الحق في ذلك ما دامت وجدت نظاما أخرقا على حدودها يرفض الاعتراف بها ويمكنه الاعتداء عليها في أي لحظة شعر فيها بثورة الشعب عليه كما فعل صدام الذي أضاف الله أكبر على علم العراق ثم بدأ يطلق صواريخه على اسرائيل في محاولة يائسة لاستجداء التعاطف الاسلامي والعربي
فحكومة اسرائيل أيضا لديها واجب تجاه شعبها واسقاط الأسد ضرورة حتى يأتي متعقل يعترف بالأمر الواقع وتبدأ علاقة تفاهم وحسن جوار بين الجيران

يوم تعترف سوريا ولبنان باسرائيل وتبدأ العلاقات الطبيعية بينهم كجيران سيتغير وجه الشرق الأوسط

هذا يمكن فقط لو اهملنا ايديولوجيات الخراب الاسلامية والعربجية

اخر الافلام

.. انفجارات أصفهان.. قلق وغموض وتساؤلات | المسائية


.. تركيا تحذر من خطر نشوب -نزاع دائم- وأردوغان يرفض تحميل المسؤ




.. ctإسرائيل لطهران .. لدينا القدرة على ضرب العمق الإيراني |#غر


.. المفاوضات بين حماس وإسرائيل بشأن تبادل المحتجزين أمام طريق م




.. خيبة أمل فلسطينية من الفيتو الأميركي على مشروع عضويتها | #مر