الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراقيون .. هل هم شعب لا يستحي ؟

جعفر المظفر

2018 / 6 / 11
مواضيع وابحاث سياسية



تكثر الأحاديث التي تُحَمِّل الشعب العراقي المسؤولية الرئيسة في هذا التفكك والتخلف والضياع واللامعقولية التي يعاني منها العراق حتى وصل الأمر بأحدهم إلى القول (نحن شعب لا يستحي) وصار هناك من يردد هذا القول وكأنه قد وضع يده أخيرا على سبب التدهور والتخلف والإنحطاط.
ولا أجد في هذا التفكير والتفسير المنحرف غير أن أقول عنه أنه إمتداد أو إنعكاس لذات الثقافة التي تنطلق من حالة اليأس أو التي تستهدف التيئيس وتَنْحى بالأصل إلى تعميق الإحساس بالذنب والشعور بالدونية, والتي تنطلق من أو تتفق مع الثقافة التي تتهم العراقيين بقتل الحسين الشهيد.
ولست مهتما هنا لو إتهمني البعض بأنني من أصحاب نظرية المؤامرة إذ أني سأواصل القول أن هناك جهات معادية متعددة, منها إيران ومنها إسرائيل, يهمها تماما زعزعة ثقة العراقيين بانفسهم وتحويلهم إلى مجاميع مريضة بعقد الذات وبالنقائص الأخلاقية التي تخرجهم من التاريخ وتجعل كل دورهم في الحياة هو التكفير عن مشاركتهم في مقتل حفيد نبيهم, فتلغى بذلك كل شهور السنة لتبقي على عاشوراء وحده, وتسقط كل الأمكنة لتبقي على كربلاء لوحدها.
بإعتقادي.. الشعب, بالمعنى النظري تحديدا, هو "حالة مرحلية" تتشكل تمظهراتها بظروف ومعطيات المرحلة ذاتها, فهو ليس حالة مطلقة وقائمة بحالها ولحالها, إذ قد يكون رائعا وعظيما في مرحلة لكنه قد يكون مخدرا ونائما في أخرى.
الشعب الصيني هو في مقدمة الأمثلة التي قدر لبعض منا أن يعاصروا حالاته الثلاث ليقارنوا بين مرحلة كان فيها حشاشا تائها, وثانية كان فيها إمعة تابعا, وثالثة صار فيها عملاقا منتجا.
لقد رأيناه بالتالي ينتقل من حالة التردي إلى حالة النهضة العملاقة خلال مرحلة زمنية ممتدة على أقل من الثلاثة أرباع قرن. وأظن أن ما تغير في الصين هو قيادة الشعب أولا, أي التفيعلة السياسية التي إستطاعت أن تضع الشعب على ثلاثة تمظهرات مختلفة في مراحل ثلاثة مختلفة.
الفيتناميون أيضا كان من حظهم في مرحلة بذاتها أن يكون من بينهم رجل من أمثال هوشي مِنَة الذي إستطاع أن يحقق النصر على أعظم قوة عسكرية في التاريخ وفي العالم وهي أمريكا من خلال تقديم نفسه كقائد لا يملك غير حصيرة ونعال.
أما صاحبنا صدام فقد سلك سلوكا مستهجنا يوم راح يقدم نفسه وعائلته في مرحلة الحصار المدمر من خلال بناء المزيد من القصور والإحتفالات السخيفة بأعياد الميلاد التي ركب في واحدة منها عربة مذهبة وفي أخرى جلس فيها على عرش أبنوسي عجيب بينما راحت عائلته تمارس سلوكيات البرجزة والإستعلاء مما أدى إلى سقوط النماذج الإستثنائية في المرحلة الإستثنائية المتشكلة سلوكياتها بشروطها التي تحدد في النهاية شكل النتائج.
وبإمكانك أن تلاحظ كيف كان عليه الجيش العراقي مثلا في الحرب مع إيران وكيف صار عليه في حرب الكويت لكي تضع بنفسك عامل القيادة في المكان الذي تختاره من مساحة العلاقة بين الذاتي والموضوعي, ولنتذكر أن الشعب الفيتنامي نفسه كان تحول من شعب مخدر ونائم إلى شعبٍ بطلٍ وتاريخيٍ ذلك بفضل (نعال وحصيرة) وفكر وطليعة هوشي منه !.
ولو أن هذا الأخير كان إحتفل بعيد ميلاده وهو يركب عربة حتى ولو كانت خشبية لما قدر لدور (الشعب) أن يتفعل بتلك الطريقة فيتمظهر في حالة هي خلاف ما كان عليه في مرحلة سابقة. وحتى في أثناء ذلك فقد تمظهر الشعب في صورتين متضادين أحدهما تبع رجل النعال والحصيرة المنتصر والآخر كان مواليا لخصومه المنكسرين.
اليابانيون أنفسهم الذين يتعبوك الآن أدبا وكياسة ودبلوماسية كانوا قبلها في مرحلة ما قبل الحرب العالمية الثانية من أكلة لحوم البشر حيث كانت جرائمهم في الهند الصينية تفوق الوصف. أما الألمان فقد إنتقلوا من مرحلة النازية التي كانت قد قدمتهم في الصورة النقيضة لما صاروا عليها بعد هزيمتهم في الحرب, وشتان ما بين ألمانيا هتلر وبين ألمانيا أديناور يوم حول الأول ألمانيا إلى أنقاض ويوم قام الثاني بسحبها من تلك الأنقاض.
أما العراقيون ففي ذات مرحلة إستطاعوا أن يقيموا حضارات قديمة متعددة وان يحققوا عبر مراحل مختلفة الكثير من الإنجازات التي وضعت البشرية على بداية طريق النهضة, إذ كان لهم الفضل الأول في إختراع الكتابة والعجلة إضافة إلى إنجابهم أو إحتضانهم لعلماء وفلاسفة كبار كما وتأسست على أراضيهم أغلب مدارس الفقه الإسلامي وقامت على أراضيهم الإمبراطورية العباسية التي كانت حينها قد تناصفت العالم.
إن ثقافة نحن شعب لا يستحي هي ثقافة معيبة وجاهلة وغبية.
وحتى حينما تتوفر خلف إطلاقها النوايا الحسنة فهي سطحية ولا يملك صاحبها قدرة النظر إلى ابعد من أنفه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - فينا مَعاشِـرُ لـم يَبْنُـوا لقومِهـمُ وإنْ بَنى
حميد الواسطي ( 2018 / 6 / 11 - 18:40 )
قالَ الأفوه الأودي:
فينا مَعاشِـرُ لـم يَبْنُـوا لقومِهـمُ * وإنْ بَنى قومُهُمْ ما أَفْسَـدوا عـادُوا
لا يَرْشُدون ولن يَرْعَوا لِمُرْشِدِهمْ * فالغَي منهُمْ معـاً والجَهْـلُ ميعادُ
والبيـتُ لا يُبْتَنَـى إلاّ لـهُ عَمَـدٌ * ولاَ عِمـادَ إذا لـمْ تُـرْسَ أَوْتـادُ
فـإنْ تجمـعَ أَوتــادٌ وأَعـمـدَةٌ * وساكنُ بلغوا الأمرَ الـذي كـادوا
لا يَصْلُحُ الناسُ فَوضَى لا سَراةَ لَهُمْ * ولا سَـراةَ إذا جُهالُهُـمْ سادُوا

وقالَ عمرو بن العاص:إنَّ موت ألف مِن العُلِّيَّة أقل ضرراً مِن إرتفاع واحد مِن السَفلة..

ومِن خلالِ تجربتي، كنت واعياً على المجتمع العراقي منذ فترة الستينات، وأستطيع القول..بأنَّ شخصيَّة الشعب العراقي وبصورة عامة –ليست مطلقة-فكل عقد يتقدم بَيدَ أنَّ العراقيين يتأخرون ويتخلفون بعكس الأُمم الأخرى..!في عقد السبعينات هُم أسوء مِن عقد الستينات، وفي الثمانينات أسوء مِن السبعينات، والتسعينات أسوء مِن الثمانينات، وعقد الألفين أسوء مِن التسعينات، وبَعد 2010 إلى الآن في تنازل مستمر وأسوء مِن عقد الألفين..وهلُمَّ جرّا– وشُكراً للدكتور الكاتب جعفر المظفر - حميد الواسطي.


2 - برأيي الخاص، نعم العراقي لا يستحي!
جلال البحراني ( 2018 / 6 / 12 - 09:39 )
برأيي الخاص، نعم العراقي لا يستحي!
(لماذا لم ولا يمكن حل خلاف السنة والشيعة، لأنهم أي الطرفين بحث ويبحث عن الحل في الدين أي المنظومة الفكرية، بينما هذا الخلاف هو في الحقيقة و واقعة هو خلاف طبقي)؟
برأيي نعم العراقي يحول العقل لقلب و القلب لعقل و لا يستحي من هذا التحويل و المزج، فهو بين كل شعوب المنطقة لا يعاني الشيزوفرينيا بكل مكوناته عرب كرد مسيح مسلمين لا تنفصم شخصيته من الوجود الإنساني، لا يعيش حالات تناقض بين المادي و المثالي،، حالات التنافر بين الواقعي و الخيالي تخلقها له الطبقات المسيطرة،، و مع ذلك
لا يستطيعون بها السيطرة على العراقي، لذلك.. نجد أهل الكاظمية يؤلفون النكات عن الإمام الكاظم ثم يذهبون لطلب الدعاء بمشهده
وأهل الأعظمية يؤلفون النكات عن الإمام أبو حنيفة ثم يصلون بمسجده
العراقي مميز بين كل سكان الأرض، بقدرته على التعبير عن عقله بالعاطفة، و العكس، لذلك خرج منهم المتنبي و الكثير علماء و أدباء
ما يقوله الأستاذ سلمان (كشخص عاش بالعراق) صحيح و مؤسف لحد القذارة، و ينبغي التصدي له، و أعتقد أن مقال الدكتور جعفر يصب بهذا المنحى، التخلص تراث الإستعلاءات الطبقية


3 - يتبع
جلال البحراني ( 2018 / 6 / 12 - 09:40 )
أستاذ سلمان
نحن أيضا بالبحرين و شرق السعودية، يطلقون علينا (شيعة حلايل)! أي حلال عرضهم و مالهم و دمهم إلخ، فهم فلاحين و بحارة عمال أي كادحين كفرة ظلوا الدين!!، و هي تسمية تشيعها الطبقات المسيطرة لأجل الإستغلال و الربح، فنحن عمال و يصنعون من أخوتنا السنة جنود،، (كانوا حتى لا يشربون من ماء نقدمه نحن (تخيل))
لكن،، الآن وسائل الإنتاج المعاصرة، المصانع الشركات البنوك إلخ، تجمعنا في واحدات إنتاجية تحتاجها الطبقات الغنية رغما عن أنفها، لذلك يستحيل أن ينظر العامل السني للعامل الشيعي على أنه حلايلي!!


4 - أهدي الجميع
جلال البحراني ( 2018 / 6 / 12 - 15:24 )
أود أن أهدي الجميع و لمن يرتاد الموضوع هذا الفيديو
الذي يحكي عن العراقي و العراقية التي تمزج العقل و القلب
إلا سؤال (هاي لمعيدية ليش ما إنتخبتوها عضوة برلمان) هههههه دا أتقشمر
https://twitter.com/ColdenPower/status/1006477562279792640

اخر الافلام

.. عاجل.. شبكة -أي بي سي- عن مسؤول أميركي: إسرائيل أصابت موقعا


.. وزراءُ خارجية دول مجموعة السبع المجتمعون في إيطاليا يتفقون




.. النيران تستعر بين إسرائيل وحزب الله.. فهل يصبح لبنان ساحة ال


.. عاجل.. إغلاق المجال الجوي الإيراني أمام الجميع باستثناء القو




.. بينهم نساء ومسنون.. العثور جثامين نحو 30 شهيد مدفونين في مشف