الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بمناسبة الحراك الشعبي الأردني 2018: أهي إشارة أخرى إلى مخاض الربيع الاجتماعي العربي ؟؟

خالد عايد

2018 / 6 / 11
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


شهد الأردن مؤخرًا( 30/5- 6/6/ 2018) تحركات شعبية احتجاجية واسعة شملت 46 موقعًا على الأقل في مختلف أنحاء البلاد، وتقدمت بجملة مطالب اجتماعية- اقتصادية متدحرجة تصاعدًا على مدار أيام الحراك. وقد اختزل المشهد الإعلامي هذه التحركات بالاحتجاج عند " الدوار الرابع"(القريب من مقر الحكومة في العاصمة عمان) على مشروع جديد لقانون ضريبة الدخل ( والخدمة المدنية). وركّز هذا المشهد الإعلامي على دور "الطبقة الوسطى" في الحراك، كما ركّز على دور " الضغوط الخارجية" سببًا رئيسيًا في خلق "الأزمة" التي حرّكت الشارع الأردني.

*****

لم يكن هذا الحراك وحيدًا في الساحة الأردنية، ولا في الساحة العربية إجمالاً وفي جوارها. في الأردن، سبقت الحراك الأخير تحركات مطلبية بأشكال متعددة في المحافظات خارج العاصمة عمان. كما سبقته احتجاجات مطلبية/ اجتماعية، متفاوتة من حيث الحدّة والمطالب والشمولية، كما من حيث الدور المنسوب (إن في الحقيقة أم من باب المبالغة والغرض) إلى ما يسمى "الطبقة الوسطى" وإلى العوامل الخارجية.
في تونس مثلاً، استمرت المطالبات الاجتماعية كما قبل الربيع التونسي، وتركزت في الأطراف الريفية وفي الحوض المنجمي، ولم توصم بالأجندات الخارجية. وشهد الريف المغربي مطالبات مماثلة، تركزت في الحسيمة وسواها، لم تسلم من النقد لجهة "طابعها الفئوي". وشهد العراق، إلى جانب معركته ضد تنظيم داعش الإرهابي التكفيري، معركة احتجاجات شعبية واسعة شملت تيارات دينية وعلمانية وليبرالية وتركّزت في العاصمة بغداد وتمحورت حول "مكافحة الفساد". وفي السودان، تكررت الاحتجاجات الشعبية ضد السياسات الاقتصادية الاجتماعية التي تنتهجها الحكومة في السنوات 2013- 2016، وكان آخرها "مظاهرات الخبز" في كانون الثاني/ يناير الماضي.

ومن جهة أخرى، كانت ثورة يناير 2012 المصرية قد اشتملت على آلاف التحركات الاجتماعية، لا سيما التحركات المطلبية للعمال وصغار الموظفين بأجر، وهي تحركات لم تلقَ التغطية الإعلامية المتركّزة على ميدان التحرير في القاهرة العاصمة. بل إن دوائر دينية وعسكرية وإعلامية مهيمنة جهدت أن تلصق بها صفة التحركات "الفئوية" بما هو أقرب إلى التحقير والإدانة. وفي المقابل، جرى في لبنان ويجري خليط من تحركات شتى، نقابية معيشية وشعبية و"شبابية" احتجاجية، في فترات مختلفة وبتباينات من حيث الزخم والمطالب. وضمت الاحتجاجات في صفوفها طيفًا يتراوح بين مجموعات يسارية وعلمانية، وأخرى ليبرالية، أو متهمة بشبهة العلاقة مع "السفارة" (المقصود: السفارة الأميركية). ووصلت الاحتجاجات المطلبية إلى الجارة الإيرانية في أواخر سنة 2017 ومطلع السنة الجارية، تراوح الموقف منها بين اعتبارها تحركات مشروعة واعتبارها تحركات مدفوعة بأجندات خارجية.
وحتى في قطاع غزة، حامل لواء المقاومة الفلسطينية، والمحاصَر حصارًا مضاعَفًا، نجد من حين إلى آخر تحركات ترفع مطالب اجتماعية، تتصل بالظروف المعيشية أو برواتب الموظفين والطبابة وسواها.

*****

في هكذا سياق عربي وإقليمي، جاء الحراك الشعبي الأخير في الأردن. طبعًا، يمكن ويجب وضع هذا السياق في إطار سياق أوسع، عالمي وعربي وإقليمي:
- أزمة الرأسمالية العالمية في طور مرحلتها الإمبريالية المعولمة المتوحشة؛
- إفلاس النظام العربي الرأسمالي الريعي التابع، في وجه الأزمة الشاملة والمستفحلة والمستعصية منذ عقود؛
- تدهور الأحوال المعيشية للطبقات الشعبية، من عمال وفلاحين وموظفين عاملين بأجر وصغار حرفيين ومهنيين وفئات مهمشة، تشكل بمجموعها مع العاطلين عن العمل الأكثرية الساحقة من السكان. وفي المقابل، نشوء شريحة من رجال الأعمال الجدد
- أزمة الحركات والأحزاب السياسية اليسارية والقومية العربية، ومن ضمنها الفصائل الفلسطينية؛
- صعود ثم انحدار المشاريع التكفيرية الإرهابية التي اجتاحت المنطقة؛
- استشراس المعسكر الإمبريالي الصهيوني الرجعي العربي في السعي لتصفية القضية الفلسطينية.
... لكننا آثرنا أن نركّز في هذه المقالة على سياق الحراكات الشبيهة الأخرى في الوطن العربي. وسنتناول، بالتالي، العلامات اللافتة الخاصة بالحراك الأردني، وننتقل بعدها إلى ما يشكل قاسمًا مشتركًا بين التحركات الاجتماعية العربية حتى الآن.
*****
مؤشرات وعلامات لافتة:

من واقع الحراك الشعبي الذي شهده الأردن مؤخرًا، تبرز العلامات التالية التي تستجلب النظر والتفكير والتحليل:
- سِلميّة الاحتشاد شبه الكاملة عند "الدوار الرابع"، بل واشتماله على بعض مظاهر السهرات الرمضانية (من أكل ولعب ورق الطاولة...)، مقابل اختلاط التحركات في المحافظات بشيء من أعمال العنف ( كإحراق الإطارات المطاطية وقطع الطرق)، التي لم تصل إلى حالة "فوضى".
- التركيز الواضح على مقولة " المهم ليس الأشخاص، بل النهج"، مع تباين في مفهوم "النهج": نهج الحكومة أم نهج النظام؟ النهج الاقتصادي فقط أم مجمل نهج السياسيات العامة ؟
- تحقيق الحراك الشعبي هدفًا أوليًا، غير حاسم، باستقالة الحكومة- تحت سقف القيادات المهنية، وبدعم محدود ومتذبذب من الهيئات الرأسمالية.
- إبراز دور "التبعية" في الأزمة، لكن التبعية لصندوق النقد الدولي تحديدًا، لا التبعية للنظام الرأسمالي العالمي الذي يشكّل الصندوق مجرد أداة واحدة من بين أدواته.
- المبالغة أحيانًا، عن عمد وتضليل أو عن جهل، في دور "الضغوط الخارجية" في الأزمة، وذلك على حساب وزن العوامل "الداخلية".
- عجز الدعوة إلى "الإضراب العام" عن أن تكون إضرابًا عامًا بالفعل يلامس العصيان المدني. فقد اقتصر الإضراب على بعض القطاعات المهنية، وجرى في يومين فقط من أيام الحراك ولمدة خمس ساعات لا أكثر. كما أن الإضراب لم يشمل قطاعات واسعة من موظفي القطاعين العام والخاص، ولم يشمل النقل والمواصلات، ولم يشمل خصوصًا القطاعات التجارية والتعليمية.

- تركيز النقابات المهنية و"الفعاليات الاقتصادية" على مطلب سحب مشروع قانون الضريبة، في مقابل مروحة المطالب الشعبية المتراكمة منذ أعوام، والتي تناولت ضريبة المبيعات وإعادة دعم الخبز وغلاء المشتقات النفطية والكهرباء وسواها والبطالة وما إلى ذلك من المطالب الاقتصادية والاجتماعية.
- رفض الدعوة إلى الإضراب من جانب غرفة تجارة الأردن برئاسة عضو مجلس الأعيان نائل الكباريتي وغرفة تجارة عمان برئاسة العيْن عيسى حيدر مراد.
- انسحاب ما يسمى "التجمع الوطني للفعاليات الاقتصادية" من تحرك الإضراب، وهو يشتمل أساسًا على عدد من ممثلي الشركات التجارية، بالإضافة إلى بعض الشركات الأخرى.
- نشوء الخلافات، و"حالة الارتباك في صفوف مجلس النقباء" في سعيه كي "يبقى صمام الأمان للوطن"- على حدّ ما أشار أحد أعضاء المجلس.
- غياب دور ملموس للأحزاب السياسية بمختلف أطيافها الدينية والقومية واليسارية والمحلية.
- إحجام وسائل الإعلام المحلية، كرهًا أو طوعًا، ليس عن دعم الحراك فحسب، بل حتى عن تغطيته تغطية "مهنية".
- عدم انخراط سكان المخيمات الفلسطينية في الحراك، والاكتفاء بمشاركة ناشطين منها في التحركات خارج المخيمات، بحجة "رمزية" المخيم كمحطة للعودة إلى فلسطين. وكذلك عدم انخراط سكان مناطق الأغوار التي تُعَدّ من المناطق "الأقل حظًا" (أي الأشد فقرًا) في الأردن.

والحال، كان الحريّ بحراك شعبي جذري ألاّ يذهب إلى ما هو أبعد من "تجميد" التحركات إلى حين اتضاح معالم "نهج" الحكومة الجديدة، مع التلويح بالعودة إلى الشارع في حال جاء هذا "النهج" على نحو لا يلبي المطالب الشعبية الأساسية التي نادى بها الحراك.
****
العامّ والغائب في الحراكات الشعبية العربية

من الطبيعي أن يكون لكل حراك سمات خاصة به ناتجة عن الشروط العيانية الذاتية والموضوعية المحددة لكل حراك. وتتباين هذه الشروط وتتفاوت تبعًا لتباين وتفاوت مستوى التطور الاقتصادي- الاجتماعي والسياسي لكل بلد، ومستوى تطوّر الوعي والأدوات التنظيمية لدى الشعب من أحزاب ونقابات واتحادات شعبية.

في مقابل "الخصائص" التي تميّز بها الحراك الشعبي الأخير في الأردن، وهي تنسحب بمعظمها على التحركات الاجتماعية السابقة، نجد عددًا من المشتركات العامة بين مختلف الاحتجاجات الاجتماعية العربية، من بين أبرزها على سبيل المثال، لا الحصر:

- التباس مفهوم "الطبقة الوسطى" على نحو يتيح للشرائح العليا المنسوبة إلى هذا الكوكتيل من الفئات الاجتماعية ادعاء تمثيل الطبقات الشعبية وقيادة حراكها، ثم التوقف في منتصف الطريق (أو ربعه أو أقل) بما يخدم مصالحها الأنانية ويضحّي بالمطالب الشعبية. ( هذا في حين أن "الطبقة الوسطى" في الأردن كانت تشكل 29% فقط من مجموع السكان في الأردن سنة 2010، وأن 80% من الأردنيين كانت أجورهم تقل عن 300 دينار سنة 2007 مثلاً، بحسب أرقام رسمية تغيرت بالتأكيد منذ ذلك الحين، لكنها تظل تعطي مؤشرات أولية إلى التركيب الطبقي في الأردن- ممّا هو بحاجة إلى معالجة منفصلة).
- استمرار غياب قضايا"التحرر الوطني"المرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالتغيير الاجتماعي، وكان ما يسمى الربيع العربي قد أوغل في تجاهلها... وكأن قضايا المقاومة، وتحرير فلسطين، وإنهاء التبعية للإمبريالية، والاشتراكية، والوحدة العربية ( أقله بدءًا بالتكامل الاقتصادي) كأنها أصبحت قضايا تتصل ب "اللغة الخشبية"، وتقع خارج اهتمام المواطن العربي ولا تتصل عضويًا بقضايا " الحرية والكرامة ولقمة العيش".
- غياب البرامج الانتقالية الملموسة، والمدروسة علميًا، للتعاطي مع الأزمات الاجتماعية الراهنة، وربطها بقضايا المقاومة والتحرر، على طريق التحقيق الناجز لمهمات المقاومة الشاملة والتغيير الاجتماعي الشامل.
*****

... وبعد،
المقاومة باقية وتتمدّد؛
تونس، التي انطلقت منها شرارة بلدة سيدي بو زيد الريفية الفقيرة، لا تزال ماضية رغم العثرات في طريق الثورة؛
مصر، وإن غابت أو غُيّبت لبرهة من الزمن، تظل حبلى بالمفاجآت والطاقات الثورية الكامنة؛
وفي لبنان، يتجه "حزب الله"- وإن تدريجيًا- نحو ربط قضية المقاومة بمسألة التغيير الاجتماعي، من نافذة مكافحة الفساد؛
وتظل الطبقات الشعبية من المحيط إلى الخليج على موعد مع ربيع جديد حقيقي، تنقش على لوائه شعار المثلث الذهبي: " المقاومة والتحرير والتغيير".

11 حزيران/ يونيو 2018










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Read the Socialist issue 1271 - TUSC sixth biggest party in


.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو




.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا


.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي




.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا