الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إلِكْترا: الفصل الثامن 4

دلور ميقري

2018 / 6 / 13
الادب والفن


بين نحو مائتي مدعو، لم يكن ثمة شخص واحد في مقدوره تذكير صاحب الحفل بماضيه الأدبيّ، المنطفئ. وإنه على ثقة بأنّ " هيلين "، لو قدّر لها أن تكون حيّة وشهدت الحفلَ، لما تعرّفت عليه وسط هذه الجمهرة من رجال المال والجاه. زوجها الأرمل، من ناحيته، ما كان بوسعه تلبية الدعوة؛ كونه قد أغلق القوقعة على نفسه تماماً على أثر وفاتها. ولكن صديقيه، تركا كلاهما من يمثله في الحفل وإن كان على سبيل المَجاز: " الشريفة "، المكتملة الأنوثة بأعوامها السبعة عشر، شاءت إذهال المدعوين بحضورها المبهر، المتألق والفاتن. أيْ مثلما جرى معه، قبل سنواتٍ ثلاث، حينَ التقى معها في مزرعة صديقيه في ضاحية مدينة الصويرة.
مذاك الوقت، وإلى لحظة سطوع نجمها في هذا الحفل، تعاقبت أحداثٌ كثيرة ولا شك على حياة " الشريفة ". لنتذكّر أولاً أنّ الأميرة، وكانت أيضاً من أشدّ المعجبات بالبنت الفاتنة، دَعت آنذاك " مسيو جاك " لاصطحابها معه إلى قصرها في الضاحية المراكشية. إلا أنّ مَن فعل ذلك، لم يكن سوى والدتها. إنّ " نفيسة "، وبمجرّد ما علمت بطريقة ما حقيقةَ شخصية الضيفة عالية المقام، آثرت أن تحظى بنفسها بشرف مرافقة ابنتها إلى القصر. وعلى العادة المتبعة منذ قرون في هذه البلاد، قالت للأميرة وهيَ تدفع الفتاة إليها: " آمولاتي، إنني أقدم ابنتي هديةً كي تكون إحدى عبيد أسرتكم الشريفة! ". تبعاً لرواية الأم، حينما عادت إلى المزرعة خالية اليدين من الابنة، فإنّ صاحبة المقام العالي هيَ مَن أجبرتها على التخلي عن الفتاة. ولقد أُسقط في يد الرسام كذلك، ولم يدرِ كيفَ يتصرف في وقتٍ كان مشغولاً فيه بمرض امرأته العقليّ، المتفاقم بسبب النوبات المتكررة. بيْدَ أنه أحسنَ صنعاً، حينَ طلب معونة " غوستاف ". صديقه هذا، اتصلَ بدَوره مع الأميرة ليخبرها أنه عازمٌ على زيارتها تلبيةً لدعوة سابقة. ثمة وكما لو على سبيل الاتفاق، أخبرها أنّ امرأة صديقهما الرسام مشرفة على الموت، وأنّ آخر أمنية لها في الحياة هيَ رؤية ربيبتها: " يبدو أن هناك شيئاً آخرَ، مُلحّاً وغامضاً. لعله يتعلق بوصية المسكينة، المحتضرة؟ "، أختتمَ كلامه بنبرة توحي بالحزن والشفقة. عندما أطلقَ سراحُ " الشريفة " أخيراً، كانت قد أمضت شهوراً أربعة وراء أسوار القصر. على طريق العودة إلى مسقط رأسها في ضاحية الغزوة، حاولَ عبثاً استدراج الفتاة كي تبوح ببعض تفاصيل إقامتها في قصر الأميرة. عند ذلك، دهمته فكرة أخذ " الشريفة " إلى شقته في الصويرة، التي عرفنا أنها مخصصة لمغامراته مع نساءٍ رخصات. ثمة على الفراش، وفي ضوء شموع خافتة، تأكّد مما حدسه في خلال الطريق. لقد كانت امرأة مجرّبة، بل وعلى شيء مدهش في التهتك وهيَ بأعوام عُمرها الغضة. رداً على سؤاله، عمّن أخذ عذريتها، أشعلت سيجارة وعلى محياها ابتسامة فاترة: " الله..! ". الجوابُ أيضاً، كان فوق طاقة عُمرها. لقد فكّر به فيما بعد، وأنه يُحيل إلى اعتقادٍ دينيّ أتفق عليه النصارى والمسلمون؛ ألا وهوَ بقاءُ " مريم " عذراءً على الرغم من حبلها وولادتها بالسيّد المسيح.
" أعتقدُ أنها ستتعذب كثيراً في حياتها، ككل امرئ فقدَ القدرة على الحب "، هكذا قال في نفسه آنَ انتهت من الرقص وسط تهليل وصفير المدعوين. كان أحد المطربين الشعبيين يؤدي أغنية محلية معروفة، لما انحنت " نفيسة " على ابنتها لتكلمها ومن ثمّ لتدفعها إلى حلبة الرقص. لاحت الابنة مثل دمية " باربي "، بمظهرها المصطنع والطبيعيّ في آنٍ واحد؛ بشعرها شديد الصفرة، تبرّجها الفاقع بالطلاء الأخضر للعينين والأحمر للشفتين والأبيض للخدين، بلوزتها المكشوفة، تنورتها القصيرة وكعبيها العاليين. أما رقصها، فإنه كان من ذلك النوع الخليع، المعروف ب " الشطح " في اللهجة الدارجة. وهيَ طريقة فريدة في الرقص الشرقيّ، تجعل الفتاة مهتزة الصدر والوسط والردفين فيما هيَ متسمّرة في مكانها ـ كما لو أنها ساقُ زهرة، تتمايل على وقع النسيم العذب والعابث.
" الحورية الموعودة للمسلم، هيَ هذه! "
هتفَ صديقه المهندسُ المعماريّ في أذنه، مومئاً إلى الفتاة المقتحمة معمعة الغناء والموسيقى والرقص. كون لسان صاحب الحفل غير منضبطٍ، مثلما سبقَ وذكرنا أكثر من مرة، فإنه راحَ يتباهى بما كانَ من آية الفتح المبين. نفس المعلومة، نقلها سريعاً المهندسُ إلى حلقة من المعارف، كانت ما تنفكّ تعلّق مبهورةً على رقص البنت الفاتنة. بين أولئك المعارف، كان مساعدُهُ في العمل بالشركة، " السيّد الفيلالي ". بعد عدة أعوام، سيتذكّر الرجلُ الفتاةَ لما قدّمها له ابنه " سيمو "، مؤملاً رضاه عنها كزوجة. بقيَ الأبّ مصراً على موقفه الرافض للفتاة، خصوصاً بعدما أقسَم ابنه على المصحف بأنها عذراء. إذ أمسكه بالجرم المشهود، متسائلاً في نبرة خبيثة: " وكيفَ عرفتَ أنها كذلك، لو لم تسلّم نفسها لك؟ ". طفقَ الابنُ حائراً، لا يدري كيفَ يُصلح زلّة لسانه. إلى أن تدخلت أخيراً امرأة أبيه، الطيّبة القلب.
" الله يتقبّل توبةَ الخاطئ، كما يقبل تحوّل الكَاوري إلى الإسلام "، خاطبت زوجها مُشيرةً بأصبع الشاهدة إلى الأعلى. كانت كلمتها مُقنعة، بحيث انتقلت الحيرة من الابن إلى الأب. لقد ذكّرت هذا الأخيرَ بحقيقة مفاتحته لها بشأن خطبة ابنتهما لمعلّمه " إريك "؛ المهندس المعماريّ، الفرنسيّ. ثم عادت المرأة إلى تكرار قولها في عناد، حتى بعدما سمعت رجلها يقول لها على انفراد: " أتقبلين بها زوجة لابنك أنتِ، مع سيرتها المشنوعة؟ والأدهى، ما يُشاع عن أنها تآمرت على قتل أبيها بالتعاون مع أمها، وذلك برميه في بئر، ومن ثمّ الزعم أنه وقعَ عرَضاً بسبب تعاطيه الكيف طوال الوقت ".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا