الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول راهنية روزا لكسمبورغ

حسن الصعيب

2019 / 1 / 16
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


بالعودة إلى تصور روزا لكسمبورغ حول الإضراب العام والحزب والنقابة، نعثر على النواة العميقة لمشروع سياسي مترابط الأجزاء من خلال جدلية تنهض على أسس طبقية وسياسية تحكم وحدة هذه القضايا.
ولئن كانت أفكارها هاته قد تبلورت بين سنتي 1905 و 1914 في إطار معركة سياسية بين اتجاه يساري تمثله داخل الحزب الاشتراكي-الديمقراطي الألماني واتجاه يميني، ورغم مرور قرن على هذا الجدال السياسي، فما تزال مثل هذه الأفكار لروزا لكسمبورغ تحافظ على راهنيتها الآن، وأضحت محط اهتمام كبير من طرف جيل جديد من الماركسيين سواء في بلدان المركز أو بلدان المحيط لاعادة بناء مشروع إستراتيجية للهيمنة السياسية والإيديولوجية وسط الطبقة العاملة.
تميز روزا لكسمبورغ بين الإضراب العام الذي لا يتجاوز عتبة النضال الاقتصادي وبين الإضراب الجماهيري الذي يأخذ طابعا سياسيا حيث يشارك فيه إلى جانب الطبقة العاملة، جزء كبير من الجيش الاحتياطي للعمل الذي ترميه الرأسمالية خارج مجال الإنتاج، هذا الإضراب لا يستهدف فقط انتزاع حقوق اجتماعية بل أيضا حقوقا سياسية.
تقول روزا: “فالإضراب من هذا المنظور لا يستهدف انجاز أهداف الثورة البروليتاريا، وإنما إلى تحقيق “شروط النضال السياسي اليومي وعلى الخصوص النضال البرلماني”، وبالفعل ففي النظام القيصري، كان الاقتراع العام وانتخاب برلمان من بين مطالب الطبقة العاملة عام 1905، واعتبر الإضراب العام بمثابة السلاح الأكثر قوة في النضال السياسي. إن الإضراب الجماهيري هو في الحقيقة الشكل الذي تخوض في ظله الطبقة العاملة نضالها الذي يتمظهر في الثورة; إنه ليس فعلا معزولا، إنه خليط يربط بين السياسي والاقتصادي، فتاريخ الإضراب الجماهيري هو تاريخ الثورة وهذه الأخيرة هي التي تصنع الأول.
واذا كان الإضراب الجماهيري عفويا فلأن الثوريين ليسوا في مقدمته توجيهه. إن المبادرة والتوجيه يخضعان للتكيف بالشكل الأكثر إمكانية مع كل ظرف، ذلك أن المهمة الأساسية ل “القيادة” في مرحلة الإضراب الجماهيري تكمن في “الشعار الذي يؤطر المرحلة”.
هذه الدروس يجب قياسها على أوضاع مختلفة “فالشروط الاجتماعية والسياسية والتاريخية ووضعية الطبقة العاملة تختلف بين روسيا وألمانيا، ففي ألمانيا حصلت الطبقة العاملة على حقوق سياسية بينما في روسيا ما تزال تناضل ضد السلطة المطلقة.”
وبالمثل فالأوضاع الاجتماعية والسياسية للطبقة العاملة المغربية في ظل الحكم الفردي المطلق تعرف ليس انحدارا كبيرا في حقوقها الاجتماعية والسياسية فقط بل أيضا انحدارا خطيرا في وعيها السياسي، مما يفرض على القوى الثورية في شروط هذا الانحدار “التوجيه السياسي” لحركة الطبقة العاملة، وتدقيق تاكتيك وأهداف المرحلة القادمة والشعار الذي يؤطرها. واذا كان صحيحا أن شعار المرحلة هو إسقاط المخزن أو عزل المافيا المخزنية، فان برنامجه التاكتيكي مفكك وغير مترابط الأجزاء، بسبب التناقضات التي تعتمل داخل هذه القوى ولا تجد لها حلا في الأفق المنظور.
ولمزيد من التوضيح تشير روزا إلى أن “انبثاق الإضراب الجماهيري في روسيا ليس نتيجة مبادرة الحزب الاشتراكي الديمقراطي ولكن نتيجة تطور تاريخي من جهة الثورة الروسية، ضد السلطة المطلقة بفضل نضال الطبقة العاملة المحرك الأساسي للصراع الطبقي وللثورة، حيث عرفت الرأسمالية تطورا ملموسا، على خلاف ثورة 1789 و 1840 التي كانت فيه البرجوازية المحرك الأساسي. والخلاصة أن الثورة لها طابع مزدوج فالبروليتاريا إذ تناضل ضد السلطة المطلقة، بالمثل تناضل أيضا ضد الاستغلال الرأسمالي.
إن الإضراب الجماهيري هو الوسيلة المتوفرة لدى البروليتاريا من اجل استعادة وتنظيم وتهيئ شروط الثورة بالنسبة للشرائح الشعبية، وانطلاق من هذا المعطى فان نتائجها لا تسري فقط على روسيا”.
ففي أوضاعنا حيث لا تستطيع القوى الثورية الإعلان عن إضراب جماهيري، فدورها ينحصر في تدقيق الاتجاهات السياسية لنضالات الطبقة العاملة وعموم الجماهير الشعبية.
وطالما تنطلق المعركة يصبح مستحيلا البقاء في الدفاع. تقول روزا “إذا انفتحت مرحلة النضالات السياسية في ألمانيا فالهدف التاريخي المطروح هو ديكتاتورية البروليتاريا، لكن هذا الهدف لا يمكن بلوغه دفعة واحدة كما لا يمكن تحقيقه إلا بعد مرحلة طويلة من الصراعات الاجتماعية الحادة…”.
في علاقة الحزب بالنقابة
من شروط إنجاح المعارك النضالية للطبقة العاملة هو وحدة الحزب والنقابة، وفي هذا السياق فالإضراب الجماهيري هو الذي يوحد العمل السياسي والعمل النقابي، مادام جوهره محدد من جهة فيما هو سياسي ومن جهة أخرى فيما هو اقتصادي.
فقط في إطار الديمقراطية البرجوازية (البرلمانية) حيث يتميز وينفصل النضال السياسي عن النضال الاقتصادي، بينما في الحركة الثورية يحصل دمج الهدفين.
تنتقد روزا الجناح اليميني للحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي يدافع عن أطروحة “الحقوق المتساوية” بين النقابة والحزب لأنه يفضل اختزال النضال السياسي للطبقة العاملة في النضال البرلماني وتحويل الطابع الثوري للحزب إلى طابع برجوازي. وضد هذا التصور تعتبر روزا أن الحزب البروليتاري يجب أن يمثل الطبقة العاملة في مجموعها المنظمة منها وغير منظمة الذي يهدف إلى تقويض ركائز النظام الاجتماعي البرجوازي.
وفي هذا السياق تسوق روزا ثلاثة محددات لإبراز تاكتيك الحزب إزاء النقابة:
1– الحزب البروليتاري يساهم في خلق النقابات.
2– التصور الاشتراكي هو الذي يحكم الممارسة النقابية.
3– عدد المنخرطين في النقابة هو نتيجة الدعاية الاشتراكية.
في معضلة البيروقراطية
ترى روزا أن البيروقراطية تنتج عن التقسيم التقني بين النضال السياسي والنضال النقابي في قلب نضال طبقي واحد (هذا التقسيم بين المعركة الاقتصادية والمعركة السياسية يزول في ظرف الأزمة).
هذه الرؤية الضيقة للبيروقراطية ورفضها لنداء الجماهير، لتحليل حدود هذه الحركة، أدى في النهاية إلى نظرية ذاتوية لاستقلال النقابات والحياد السياسي. هذا الحياد السياسي كان في الأصل من صنع التشريع الرجعي للدولة البروسية، حولته البيروقراطية إلى حياد إداري مبرر ذاتيا بالوضع الخاص للعمل النقابي.
خلاصة
قبل وفاة ارنست مانديل احد قادة الأممية الرابعة، في إحدى كتاباته حول الإضراب العام، أثنى على الدور الطليعي لروزا في معركة النضال ضد التوجه اليميني في الحزب الاشتراكي الديمقراطي، واعتبر دورها كان اكبر من دور لينين وتروتسكي. لقد فهمت أن تقسيم الطبقة العاملة بين طليعتها الواعية وطليعتها المتخلفة وغير منظمة تعكس نظرة جد ضيقة. لاستيعاب هذا الواقع يجب إدخال العنصر الثالث: توجد طبقة عاملة غير منظمة في نضال جماهيري، يمكنها أن تتجاوز الشريحة الطليعية المنظمة بسبب ارتباطها ببيروقراطية المنظمات العمالية وبالتالي فلديها ميل تاريخي إلى متابعة النضال عن طريق شعارات البيروقراطية فتكف حينئذ أن تكون طليعة النضال العمالي.
لقد تم تفسير أطروحة روزا لوكسمبورغ كأطروحة عفوية مع العلم أن الأمر ليس صحيحا، في أية حركة يوجد عنصر عفوي لكنه ليس سوى عنصرا، بمعنى أن فهم واقعة “المنظمة” ليست بالضرورة مطابقة “للطليعة” وهي مسالة بديهية في شروط النضال العالمية.
لم يكن هناك تبرم من التنظيم من طرف روزا بل كانت مهتمة أكثر بالتنظيم وأساسا بالتنظيم الثوري. غير أنها فهمت بشكل طبيعي بأنه ليس هناك مطابقة مطلقة وفي كل الأحيان بين التنظيم وطليعة ضرورية وبالخصوص في لحظة الإضراب العام.
ابتداء من عام 1914 سيستوعب لينين أطروحة روزا عندما انتقد ما سماه بالارستقراطية العمالية كشكل تنظيمي بيروقراطي سيسود المنظمات العمالية الغربية تحت تأثير التيار اليميني في الاشتراكية الديمقراطية والتي عجلت بموت الأممية الثانية وميلاد الأممية الثالثة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلام ستات | أسس نجاح العلاقات بين الزوجين | الثلاثاء 16 أبري


.. عمران خان: زيادة الأغنياء ثراء لمساعدة الفقراء لا تجدي نفعا




.. Zionism - To Your Left: Palestine | الأيديولوجية الصهيونية.


.. القاهرة تتجاوز 30 درجة.. الا?رصاد الجوية تكشف حالة الطقس الي




.. صباح العربية | الثلاثاء 16 أبريل 2024