الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كنز -بولمان- وأسطورة -المنقذ-

أحمد عصيد

2018 / 6 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


ليست هذه أول مرة يخرج فيها الناس في بلدنا المغرب وراء شخص يدّعي الخوارق، فتاريخ المغرب حافل بأحداث من هذا النوع، ما يدلّ على أن الحادثة التي صدمت الكثيرين هي من "تقاليدنا العريقة".
تعكس واقعة "كنز بولمان" حاجة كبيرة إلى "منقذ"، في ظل أزمة خانقة، تصل حدّ اليأس والإحباط التام، بعد فشل تظاهرات الغضب في عدد من المناطق المهمّشة، والتي تمت مواجهتها بالقمع والاعتقال وسوء المعاملة.
هذا الانتظار المحموم لـ"المنقذ"، يجعل الناس مهيئين لتقبل أي شخص يتقدم بمشروع "خلاص" ولو كان متخيلا أو ضربا من الهذيان، وطبعا في ظل واقع التردي التام، والتخلف الكبير ـ كالعادة دائما ـ يلعب الشعور الديني دور وسيلة التخدير الأولى لقدرات العقل المنطقية لدى الأفراد ، فلكي يعتقد الناس في القدرات الخارقة لـ"المنقذ"، لابدّ أن تكون له صلة بالعالم الغيبي، عالم الرؤى والكرامات والما - فوق طبيعي، ويفسر هذا الخصائص الثلاثة التي ميزت كل الأحداث الشبيهة في تاريخ المغرب، والتي يمكن إجمالها اختصارا في العناصر التالية:
ـ ظهور شخص يزعم اتصاله بالغيب عبر الرؤى والكرامات، لإنقاذ الناس من وضعية المحنة والحصار وانسداد الآفاق.
ـ تصديق الناس له والتفافهم حوله، دون وجود أي دليل واقعي أو منطقي.
ـ انتظار الخلاص على يد "المنقذ" الذي يدعوهم إلى إقامة الشعائر الدينية التي تضمن خضوعهم وتبعيتهم.
لقد اعتقد الناس فعلا في "بولمان" بأن الشخص المتحدث إليهم وراءه كنز يمكنهم اقتسامه فيما بينهم، ما سيتيح لهم الخروج من الفقر والتهميش، ويرمز هذا السلوك لموقف درامي من الثروة وتدبيرها في بلادنا، وهو موقف ناتج عن شعور كبير بالحيف من أسلوب التصرف في الممتلكات المادية وتوزيعها، حيث تحتكر السلطة وحلفاؤها كل القنوات والموارد ومراكز النفوذ، ولعل الاعتقاد في وجود "كنز" في ضاحية المدينة يمكن اقتسامه بين الناس، وبشكل مباشر وملموس وخارج القنوات الرسمية المؤسساتية للدولة، هو تعبير عن المكبوت السياسي المتعلق بالحرمان من الثروات والموارد وانعدام الثقة في المؤسسات التي يعتبرها الجمهور عديمة المصداقية.
إن تدبير الثروة بدون أية شفافية، وتفاقم حالات الفساد غير المعاقب عليها، وعدم الإصغاء إلى أصوات الهوامش المنسية، التي يعاني فيها الناس شظف العيش وآفات الفقر والحاجة، كلها عوامل تساهم في صنع المشهد الكئيب الذي تابعه الناس باندهاش واستغراب.
إذا كان هذا تفسير سلوك المواطنين فما هو تفسير موقف السلطة، التي تفضلت باعتقال المعني بالأمر بعد أن تبين عدم وجود أي كنز بالمكان المشار إليه، حيث دعا الشخص المشعوذ ـ أو المضطرب نفسيا ـ الناسَ إلى "الصلاة" باعتبارها هي "الكنز" المأمول، وهو ما يذكرنا بدعوة رجال الدين المسيحيين الجمهور في العصور الوسطى إلى اللجوء إلى الكنائس في حالات القهر والمجاعة وسوء الحال، حيث هناك فقط يمكن الحفاظ على الناس في حالة الغيبوبة أو الغفلة من الأسباب الحقيقية للوضعية التي يشكون منها.
اعتقلت السلطة الشخص صاحب "الكنز" المزعوم لتظهر بمظهر الحرص على حماية الناس من النصب والاحتيال، والحقيقة أن سبب اعتقاله التفاف الناس حوله من جهة، حيث تخشى السلطة من كل تجمهر يخرج من إطار الضبط الرسمي، ومن جهة أخرى كون الواقعة تحمل من الدلالات ما يخلق لدى السلطة قدرا من التوجس من خطاب الناس بصدد الثروة وواقع الفقر والحرمان.
وما يجهله ربما أغلبية الذين تجمهروا حول "صاحب الكنز"، هو أنه حتى في حالة عثورهم على كنز حقيقي كانت السلطات ستبادر إلى اعتقالهم جميعا وسلبهم ما حصلوا عليه، وتذكيرهم بأن القانون المغربي المتعلق بالثروات ينصّ على أن ما تحت الأرض هو ملك للدولة وليس للسكان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أولم يصدقوا أن محمد الخامس تجلى لهم في القمر !!!
حميد فكري ( 2018 / 6 / 19 - 18:29 )
كيف لا يصدق المغاربة هذا الدجال ,وأغلبهم ـ حتى متعلميهم ـ مريض بخرافات الجن والشياطين والأولياء والسحرة والأنبياء والملائكة ..... ؟ أولم يصدقوا من قبل أن السلطان محمد الخامس تجلى لهم على سطح القمر !!!!!!
يبدو أن هناك علاقة ما دوما ,بين السياسة والدين والخرافات .فإذا ما ظهر أحدهما إختبأ الآخر حتى لاتنكشف الخدعة وتتعرى الحقيقة .
لكن من حسن الحظ ربما ,أن التكنولوجيا الحديثة , سرعان ما تعري كل هذا وتبدده في أسرع وقت ممكن ,فلو كان الأمر قبل عقود لترسخت في العقول ,خرافة هذا الكنز ,كما ترسخت خرافات قبلها .
تحية وتقدير للسيد أحمد عصيد


2 - الانظمه العربيه
على سالم ( 2018 / 6 / 21 - 02:58 )
الانظمه العربيه عموما انظمه مجرمه استبداديه وفاسده حتى النخاع , من المؤكد ايضا ان النظام الملكى نظام مجرم وفاجر ومتغطرس متعالى ويعتقد انه خليفه الله فى الارض , الملك عموما ديكتاتور خبيث وطاغيه وفاسد ولص وكاذب اثيم ولايسمح ابدا بأى نوع من المعارضه او حريه الفكر , هو نظام قمعى شرس ويستعبد الناس ويظلمهم ويفقرهم ويجعل حياتهم جحيم وهو على استعداد لرمى الاف الناس فى السجون بل وقتلهم بدون تهمه او جريره , لذلك لابد من تسليط الضوء الساطع على هذا الحكم الفاشى الدموى الفاسد والتخلص منه فى اقرب الاوقات

اخر الافلام

.. أهلا بكم في أسعد -أتعس دولة في العالم-!| الأخبار


.. الهند في عهد مودي.. قوة يستهان بها؟ | بتوقيت برلين




.. الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين تزداد في الجامعات الأمريكية..


.. فرنسا.. إعاقات لا تراها العين • فرانس 24 / FRANCE 24




.. أميركا تستفز روسيا بإرسال صورايخ سراً إلى أوكراينا.. فكيف ير