الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما فوق الخط الأحمر.

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2018 / 6 / 20
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


ما فوق الخط الأحمر.


الكلام والحديث عن المجتمع وكي يكون مقبولا ونافعا ولا تحاسب عليه شرطه الأساسي أن يكون ما تحت الخط الأحمر، ويمنع على الباحث والكاتب أن يتجاوز ما مرسوم أجتماعيا أو سياسيا أو حتى فكريا وذلك باسم الحفاظ على قيم المجتمع ومحاولة الحفاظ على ما لا يمكن نشره ليكون المفتاح إلى عالم الفضائح الأخلاقية لهذا المجتمع المريض، اليوم وبدون مناسبة وأنا أقرا بحثا في موقع عربي يشير فيه إلى أن هناك مئة وستة وثلاثون ألف صفحة على تويتر وحدها تخص نساء ومجموعات تدعو للممارسات الجنسية المنحرفة وبكل علانية بمختلف المسميات، تصور مئة وستة وثلاثون ألف صفحة في مجتمعين عربيين تقليديين محافظين كما نعلم، فما هو السر وراء هذا الأنتشار الرهيب لتلك الصفحات والتي تنشر غالبيتها صور أصحابها وأرقام هواتفهم وكيفية الأتصال بهن، هل هي ثورة الجنس أو إنكسار سطوة قيم الشرف والتدين وأختلال في توازن هذا المجتمع للدرجة التي أصبح فيها للرذيلة وجود علني مبطن.
في دولة عربية صغيرة وحديثة النشأة ربما يكون هذا سببا لما أوردته تحولت وبفعل رسمي وشعبي إلى مركز عالمي للأتجار بالنساء وممارسة أستثمارات عالية للجنس الرخيص، الإمارات الدولة التي أسسها الشيخ زايد (ر) لتكون مجتمع مسالم متعاون حضاري تحول على يد أبناءه إلى مجتمع قوادة وسمسرة وبغاء من كل أطراف المعمورة، ليعيد لنا حكايات سوق النخاسة وتجارة الإماء، وقد نجح أبناء زايد في أن تتحول دولة الإمارات العربية المتحدة إلى دولة دعارة وفساد ومركز عالمي لكل التجارات والمافيات التي تتجار في كل شيء وتحت رعاية علم الدولة وعلمها وإرادتها، لتتميز على جيرانها على أنها دولة حضارية، هذا ما أنتجه عقل الأعراب وما فهموه من معنى الحضارة وليثبتوا للعالم أنهم كحكام مجرد لعبة لا تعي ما يدور حولها ولكنها ماهرة جدا فيما صممت من أجله.
البحرين الكويت العراق سوريا الأردن لبنان مصر وصولا إلى المغرب العربي كلها تزدهر سرا وعلنا فيها مراكز الدعارة والأنحراف الأخلاقي مرة تحت علم سلطة المجتمع وبتبريرات وأعذار ، ومرة من تحت علم الناس وبأشكال مخفية ليس خوفا من الشعور بالعار ولكن خوفا من أن تستخدم هذه النشاطات ضدها ويتحول ثمن ممارستها لشيء أخر، ليس الجنس وحده بل حتى أصبحت عمليات النصب والاحتيال وسرقة أموال الناس بصورة قانونية ومباحة تحت شعار القانون لا يحمي المغفلين، الموظف يسرق من الوظيفة من خلال التفريط بساعات العمل وقلة الانجاز هذا الشريف فيهم، أما الأكثر قدرة على السرقة فهو المختلس والذي يبيع وقت الوظيفة مدفوع الأجر للناس مقابل رشوة، أو يستغل وجوده الوظيفي ليستثري ويثري منها وبها، البائع البسيط على الأرصفة لا يفكر دوما أن يرضي الله بعمله بل بمقدار ما يجنيه من مال بالغش بالسرقة بعدم النصيحة وفوق ذاك هو سارق حق المواطن الاخر حين جلس على رصيف الطريق بدون أذن .
رجل الدين والتاجر وخيرة القوم والنخب الأجتماعية والتي كانت على مدار الزمن عناصر أجتماعية فاعلة حين مارست دور المرشد والمعين والقيم الأخلاقي كما فهمنا وقص علينا القصاصون ذلك، نجد اليوم وحتى فيما مضى لو فتحنا سجلاتهم المغلقة هم أكثر الناس بعدا عن كل القيم النبيلة، وأقول غالبيتهم إلا ما رحم ربي، التاجر كان همه تجارته والمحافظة على سلامتها وسلامة ربحها فكان يدعو للأمانة والشرف التجاري ليس لأنه مؤمن بها أساسيات في بناء المجتمع ولكنها تؤمن له ما يخاف منه، رجل الدين يدعو للإيمان والصلاة وبناء بيوت الله وتعميرها ليضمن له وظيفته وبقاءه قريبا من موائد المنتفعين من وجوده، شيوخ القبائل والعشائر الذين كانوا يمارسون دور سادة الارض وأتباعهم عبيد كان يمثل دور الفقيه الاجتماعي بكرمه ومثالياته ولكنه لم يتعب يوما ما كي يجني تلك الأموال التي يتكرم بها ولا حتى شارك في بناء مضيفه العامر، كانت جهود الفلاحين والعبيد هي التي هيأت له هذه المكانة وأجلسته مجلس الحكماء.
لماذا لا يتناول الأعلام هذه الحالات والأنحرافات الأجتماعية مع تعاظم تأثيرها على الواقع الأجتماعي؟، لماذا يهرب الجميع من إدانة أنحرافات وأعوجاج القيم الأجتماعية المختلة عندنا ومحاولة أظهار صورة خادعة لمجتمع غارق في الخطيئة؟، في الوقت الذي يسارع إلى نشر وأعلان حالات أقل أهمية منها تحدث في مجتمعات أخرى قد لا تعد وفقا لقيمها الشخصية أخطاء، هل أن الفكر الجمعي والمجتمعي مصاب بداء الأنفصام ومشارك في التستر على الأنحراف والفساد؟، أم أننا وصلنا للمرحلة التي لا نفرق بها بين الفساد والتطور والحرية على أنها جميعا وجه واحد لمرحلة لا بد أن نمر فيها لنكون أكثر تحضرا وأقرب للمجتمعات التي تطورت وتحولت بفعل قوانين الحركة وأستحقاقات العمل والعلم لديها؟.
القمع الأجتماعي المتستر حول شعارات الدين والقبيلة والمجتمع ودعوات الفضيلة الزائفة هو المسؤول الاول عن كل أختلالات العلاقات الأجتماعية في واقعنا، نقدس رجل الدين ونضعه في المنزلة التي تقترب من منزلة المعصوم ونعلم أنه ليس أكثر من رجل يمتهن الدين ويتاجربه، فهو لا ينتمي للدين عضويا ولكن ينتمي لمجمع التجار وقيم السوق ومع ذلك لا نقبل أن نصفه بهذه الصفة، نهلم تماما أن الفساد الأخلاقي يسري في مجتمعنا كما يسري الماء تحت كومة من التبن ولكن لا أحد حاول أن يحمي المجتمع لأنه بظن أن بيته وأسرته محصنة منه لأنها تخافه وتخشاه فلا تقترب من الفساد، أي وهم يسيطر على عقولنا التي تقبل أن تنجز أشغالها بالرشوة على حساب الحق تحت مقولة (كل شيء ينجز بالمال هين)، ولكن لا أحد سأل نفسه ما ذنب من لا يملك المال وهو يتعذب للحصول على حقه أو أنجاز ما له وما عليه، أي مجتمع يقبل أن يرى عشرات الفقراء تستغل من مافيات التسول ولا يبادر إلى كشف هذه الحالة وفضحها من جهة ومساعدة الفقراء بالحصول على حقهم الطبيعي دون إراقة ماء وجوههم وكرامتهم عندما يتصدق بمبلغ يعلم جيدا أنه سيذهب لحفنة من المحتالين.
أي مجتمع هذا الذي يؤمن ببناء جامع مزكرش مزخرفتنفق عليه الملايين ويذهب ليصلي فيه وهو يعلم أن منطقة الجامع محرومة من مدرسة ومن مستوصف ومن دار أيتام أو دار عجزة، ومع ذلك يسرع ويتسارع ويتباهى للصلاة خلف عامل مجد لرب عمل يتخذ الإثنان صفة رجل دين وكلاهما بعيدا عن دين الله الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر والمنكر حول الجامع وفيه ومنه وفي كل حجر ستجد للشيطان بصمة، أي مجتمع هذا الذي يبرر للزاني فعلته ويحاول أن يظهرها كفعل طبيعي لإنسان مكون ومخلوق من عواطف ونزوات الله أرادها أن تكون كذلك، ولكن حينما تكون الزانية من ذويه أو من عائلته يجن جنونه وكأنها هي العذراء التقية التي خلقها الله لتكون قدوة لنساء الكون وأمرها بالستر والحجاب ومنحها حبوب مانع النزوة والعواطف لتتناول منها يوما خمس حبات مع كل وقت صلاة، أي خلل هذا أو أي مجتمع يرى الأنحرافات ويتستر لها ما دامت مستورة ولكنها حين تظهر للملأ سيتحول إلى منظومة قيم وأخلاق ومثاليات حتى الأنبياء والرسل لم يأتوا بمثلها، وفي أخر المطاف ينسى كل شيء ويعود ليمارس نفس النظام دون أن نتغير أو نغير أنفسنا لأننا لا نؤمن أصلا بشيء أسمه التغير (فمن شب على شيء شاب عليه) والسلام ختام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الكونغرس الأمريكي يقر مشروع قانون مساعدات لإسرائيل وأوكرانيا


.. لازاريني: آمل أن تحصل المجموعة الأخيرة من المانحين على الثقة




.. المبعوث الأمريكي للقضايا الإنسانية في الشرق الأوسط: على إسرا


.. آرسنال يطارد لقب الدوري الإنجليزي الممتاز الذي غاب عن خزائنه




.. استمرار أعمال الإنقاذ والإجلاء في -غوانغدونغ- الصينية