الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العودة المستحلية!

محمد ابداح

2018 / 6 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


طويلة هي أيام الجوع السياسي العربي، وممّا يزيد من قسوتها هي كل تلك النظريات العربية الماضية للحلول المستقبلية، والتي لازالت مقتطفاتها محفوظة في أوراق مذكّراتنا المدرسية، ورجّحت في الواقع كفة أثقال القومية العرقية والثقافية على سطح الوطن العربي، خصوصا في الدول التي كان يُؤمل منها إثبات صحة تلك النظريات من الناحية العملية، حتى وإن كانت حكمة ( القومية العربية) الممتلئة بالعواء الساخن، جديرة بأن تجعل أمثال ميشيل عفلق وصلاح البيطار وأكرم الحوراني ينتفخون على طول الجغرافيا السياسية العربية في مواجهة حكمة (الدين الواحد) الباردة، فإن كل تلك اللزوجات التاريخية تدل على مفارقة منطقية؛ فليس التباين السّياسي هو الذي يشكل المُعضلة، بل عدم ضمان استمرار حُسن إدارة ذلك التباين هو الذي يخلق الكارثة، فالإستمرار في إدارة التباين السّياسي هو الذي يمنح الحاضر فرصة التمتع بوافر العافية، وهذا ما تفعله الحكومات الأمريكية المتعاقبة، والأمر لايحتاج مرة أخرى لمراجعة رسائل الدكتوراة في التاريخ السياسي.
ربما قد تكون نظريات الفلسفة السّياسية العربية، قد طرحت من الأفكار المشوِّشة للعقل العربي والغربي على حد سواء، بالقدر الذي يجعل من نظرية الأكوان الموازية فكرة مُسلم بصحّتها، لولا أنها في الواقع لم تدشّن حتى زورقا مطّاطيا في بحر العلوم السياسية، كما لم تعبر عن أي ممارسة جدّية أومُجدية في الواقع العملي، وبالتأكيد فهي لم تبدل الممارسات الكلاسيكية القديمة للسطلة بأخرى جديدة، ومن الممكن أن تدور في أروقة هوامش الحرية الصورية مناقشات حادة بين فلاسفة التنظير السّياسي في الوطن العربي، فيما إذا كان قد حدث أولم يحدث أي تغيّر إيجابي في سياسات الأنظمة العربية الحاكمة، منذ سقوط الدولة العثمانية وحتى اليوم، لكن من المستحيل أن تحدث أي مشادة حتى ولو عابرة بين المؤرخين، حول ما إذا كان قد حدث أم لم يحدث تصدّع في طريقة حكم البشر في أوروبا الغربية والولايات المتحدة بعد الثورة الفرنسية.
ولنقل أنه لو كانت ثورة الشريف حسين ضد الدولة العثمانية عام 1916م، قد أدخلت السياسة العربية عالما جديدا ومعاصرا، لآل أمر ذلك إلى تجنب الإحتباس الحراري السّياسي بين كافة الدول العربية من المغرب إلى العراق، والآخذة في الإحتقان بمرور الوقت، وخصوصا بعد انفراط عقد دول مجلس التعاون الخليجي، وهذه الشقة الواسعة من الإختلالات الإدراكية الواقعية، قد باتت من الوضوح لدرجة لا تجعل أشد المؤمنين بسياسات الأنظمة العربية الحاكمة ( من النظرية إلى الممارسة العملية) مُتنصلا لآثارها الكارثية، من تخلف اجتماعي وتأخر إقتصادي وقائمة طويلة من الأخطاء والإنحرافات الحادة والمستمرة.
وفي المقابل فإن الأنظمة العربية المعاصرة وفشل التنمية؛ قد باتا متوافقان بشكل عجيب في صحة مسوّغاتهما الظرفية الزمانية والمكانية، ولطالما نجحا معا في التملّص (تاريخيا) من تفسير سرّ نجاح العلاقة المشبوهة بينهما، ونقول قد آن الأوان لامكانية التلويح بتحويل تلك الملاحظة الخطيرة لتساؤل يوجه إلى كاتب العدل الذي وثق تلك العلاقة (بريطانيا) أوائل القرن التاسع عشر؛ عن مضمون القواعد التي تم بها تأسيس الفكر النظري العربي في مقابل الفكر السياسي؟ ذلك على الأقل لسد الثغرات في التاريخ السياسي العربي المعاصر وفهمه على حقيقته؛ إبراءا للعقل العربي من السذاجة دون الحاجة للقفز فوق اكذوبة ( المصلحة العليا للدولة).
إن فشل التنمية في الدول العربية بات حق ملكية لايسقط بالتقادم، فلم تختف أيقوناته لقدرتها على إعادة تصنيع نفسها بعد كل ثورة وبعد كل انقلاب، ونتيجة للوعي الجاهل والمغلوط. وبالإجمال فإنه لم يعد مُستساغا الإستمتاع بسماع سيمفونية ( تاريخ الأمجاد العربية)، والمُرجّح ضمّها إلى قائمة أساطير الأنوكاني، كما لم تعد تصلح الترّهات الرسمية حول غلق كتاب الماضي بفشله وفساد حكوماته المتعاقبة، لكن لن يُغلق الكتاب دفعة واحدة، بل صفحة صفحة، انتظروا أكثر..، والمطلوب في المرحلة المقبلة هو المزيد من الصبر! ضاع الوطن ونفد الصبر، ولم يبق سوى الأمل، وهذا من حُسن حظ الحاكم والمحكوم. فشكرا جزيلا أيها المواطن العربي لطول صبرك وخيبة أملك؛ فالعودة مُستحيلة.
محمد ابداح
[email protected]









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أصفهان... موطن المنشآت النووية الإيرانية | الأخبار


.. الرئيس الإيراني يعتبر عملية الوعد الصادق ضد إسرائيل مصدر فخر




.. بعد سقوط آخر الخطوط الحمراءالأميركية .. ما حدود ومستقبل المو


.. هل انتهت الجولة الأولى من الضربات المباشرة بين إسرائيل وإيرا




.. قراءة عسكرية.. ما الاستراتيجية التي يحاول جيش الاحتلال أن يت