الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زمن التلاشي...

ياسين لمقدم

2018 / 6 / 23
الادب والفن


الجزء 2/1
******************

عند الغسق، عصفت الرياح بغطرسة منذرة باقتراب العاصفة من تخوم المدينة، فجعلت كل الناس يهرعون إلى مآويهم قبل حلول الكارثة. لكن "عمر" الذي يشتغل في مقلع الأحجار في سفح الجبل الشرقي، ولأول مرة في حياته العملية، يضل عن الطريق بسبب ضبابية الأجواء لشدة التهاطلات.
بعد مدة عسيرة وهو يتلمس طريقه عشوائيا تحت ضوء جواله، اهتدى "عمر" إلى فجوة في جذع شجرة بَطْمٍ عملاقة فأوى إليها إلى أن تنحسر السيول عن السبيل.
أقعى مسندا جانب ظهره إلى طرف مدخل التجويف، وأخذ يتأمل كل لحظات حياته التي تتزاحم صورها الآن أمام ناظريه وتتهاطل مسرعة مع قطرات المطر الملتمعة تحت ضوء جواله، أتعبه التأمل فأخذته سِنة إلى نوم عميق.
تجاوزت الليلة نصفها الثاني، وهدأت الريح و"عمر" لا يزال يغط في سباته إلى أن لاحت بواكير الفجر وتعالت تغريدات العصافير. خرج عمر من تجويف البطم وبصعوبة استوى واقفا، فجميع مفاصله أصابها التخشب بسبب المبيت على أرض صلدة عراء.
وهو يعود أدراجه إلى مقر عمله، استشعر "عمر" بشيء معدني يضغط على معصمه، فرفع يده إلى مستوى نظره فراعه وجود آلة تطوق معصمه وفي شكلها وحجمها تشبه ساعة اليد.
اختلطت عليه حبال التفكير، واهتدى في الأخير إلى تفاصيل حلم راوده خلال ليله الماضي.
إذ رأى في منامه ما يشبه رجل فضاء بتفاصيل وجهه التي كرستها السينما في عقول الناس. وقد حدثه الفضائي عن تيكنلوجيا عوالمه المتقدمة عن الحضارة الإنسانية بملايين القرون.
وعندما زالت الدهشة عن "عمر" سأل الفضائيَّ عن التقنية التي مكنته من اختراق الغلاف المغناطيسي للأرض دون أن يحترق كما تحترق وتتفتت النيازك المعدنية التي تحاول أن تخترقه. فأشار الفضائي إلى ساعة معصمه التي وبلمسة زر واحدة تُحول المتمنطق بها إلى مجرد ذرات هواء تتحرك بكل حرية وفي جميع الإتجاهات وبأحجام دقيقة جدا لا تتأثر بجاذبية ولا بشدة حر أو قر.
استمر الحديث طويلا وأبدى الفضائي معرفة عميقة بكل علوم ومعارف وآداب وأجناس أهل الأرض.
اندهش "عمر" من كلام الفضائي الذي استأذنه في العودة إلى فضائه الرحب، وقبل أن يودعه، منحه الساعة الإحتياطية التي تشبه تلك التي يتنقل بها. وأكد عليه أن هذه الساعة ولكي لا تستغل في المحضورات، وأن لا تستنسخ تيكنلوجيتها، وحسب قوانين وبرتوكولات حضارات العوالم الفضائية الأخرى ستشتغل ليوم واحد ثم تتبدد وتتلاشى. وعلى "عمر" أن يستمتع بقدراتها لمدة لا تتجاوز الأربع وعشرين ساعة وإلا سيتلاشى أيضا في إثرها...
نظر عمر إلى الساعة الغريبة وضغط على زر التلاشي فتحول إلى نسمة هواء تتطاير بحرية في أركان الفضاء.
وكان مقلع الأحجار هو أول ما عنَّ له بزيارته، فوجد فيه العمال منهمكين في تحطيم الأحجار. فقام بسحب بعض الدارات الكهرباية عن الآلة الضخمة التي تفتت الجلاميد، وحلق بعيدا ضاحكا تاركا زملاءه في حيرة من أمرهم بسبب التعطل الغريب الذي أصاب الآلة...
وصل المدينة واحتار عن أي الأماكن يتسلل إليها، أو بأسلوب أوضح، يتجسس عليها...
نظر يمينا فرأى حمام نساء وتلفت يسارا فلمح المسجد فتعوذ بالله واسترسل مع الرياح يطوف أركان المدينة التي ظهرت له من عليائه بصورة غريبة يختلط فيها الجمال بالقبح والرفعة بالقماءة...
*****************
يتبع...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شراكة أميركية جزائرية في اللغة الانكليزية


.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر




.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة


.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي




.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة