الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ارحل يا سيسى؟!

سليم صفي الدين

2018 / 6 / 24
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


السياسة فن الممكن، وهى متغيرة لا تعرف للثبات طريقا. أما الثورة فحالة استثنائية فى مسار السياسة، تأتى فى غفلة من الزمن، تستمر لحين من الوقت وتعود الأمور إلى ما كانت عليه، بتغير بسيط فى الوجوه والسياسات، أو تغير ضخم فى المؤسسات والقطاعات المختلفة للدولة، وفقا لمدى الإعداد والاستعداد الذى يسبق هذه الحالة الاستثنائية للمسار النمطى للسياسة.


يمكننا القول إن الثورة رغم أنها حالة استثنائية، فإنه يمكن الإعداد لها، وتحريكها، ولكن هل تعنى الثورة خروج الجماهير إلى الشوارع للمطالبة بإسقاط النظام، ورفع الشعارات واللافتات والاعتصام بالميادين العامة فقط؟ أم إعداد الكوادر والوصول إلى سدة الحكم، ومن ثم إحداث التغيير المأمول؟ بطريقة أخرى: هل الثورة مجموعة من الاعتصامات الرافضة لسياسات الأنظمة فقط؟ أم أنها مجموعة من الإجراءات الاستثنائية؟ فما حدث مثلا فى يوليو/تموز 1952 -وأختلف كثيرا مع بواطنه- هو التحول من المَلَكية إلى الجمهورية، والقضاء على الإقطاع، وقد تحول إلى ثورة نتيجة تلك الإجراءات، وليس نتيجة الفعل ذاته، وهو تنازل الملك عن العرش آنذاك.


ثورة يناير/ كانون الثانى 2011 رسخت مفهوما خاطئا عند المصريين، هو أن الثورة تعنى الخروج إلى الشوارع والسعى لتغيير النظام، غير أن ما يحدث هو تغيير وجوه ليس إلا، فبعد مبارك جاء المجلس العسكرى الذى أدار البلاد لفترة انتقالية، وساهمت التظاهراتُ التى حدثت فى شارع محمد محمود فى التعجيل بنهاية هذه الفترة، لندخل بعدها معركة انتخابية هى الأضخم فى تاريخ مصر الحديث، بنفس الطريقة ومن دون أى ابتكار ولا خبرة ولا معرفة بإدارة الحملات الانتخابية، فخرجت تظاهرات كثيرة تدعو الناس إلى انتخاب هذا المرشح دون ذاك! ومن بعدها جاء الإسلام السياسى مُمَثَّلا فى جماعة الإخوان، ولم يستمر أكثر من عام واحد فقط لنفس السبب الذى لم يستمر من أجله مبارك ومن بعده المجلس العسكرى، ورغم أن عدلى منصور، الرئيس الأسبق الذى أدار البلاد لفترة انتقالية أيضا، نُقلت السلطة منه بشكل من أشكال الديمقراطية (معلش مشيها كده عشان خاطرى) فإن تلك الفترة كانت مليئة بالمظاهرات والاحتجاجات، بل والدم، حتى جاء الرئيس عبد الفتاح السيسى (يجعل كلامنا خفيف عليهم) واستطاع بقوة غاشمة (بحسب تصريحه الشهير) أن يوقف التظاهرات تماما، بل وهزم الأحزاب وحده!


الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدنى كان لها دور هام وفعّال للغاية فى إبعاد الإسلام السياسى عن الحكم فى مصر، فى يونيو/حزيران 2013 وما بعد ذلك، وللأسف انتهى دور هذه الأحزاب والمنظمات عن طريق تهميش القصر لها من ناحية، ومن أخرى بسبب عدم معرفة الذين شاركوا فى ثورة يناير بأهميتها، رغم أنهم ما زالوا يطمحون إلى الوصول للعدالة الاجتماعية، والانتقال السلمى للسطة، ولكن كما قال أحمد شوقى: "وما نَيْلُ المَطالِب بالتمنِّى"، وكما قال جورج أورويل فى روايته الشهيرة "1984": "الحماسة وحدها لا تكفى". وأظن أن النتيجة التى وصلنا إليها الآن هى الطريق الصحيح للمسار الذى سلكناه!


الإشكالية ليست فى ذلك، إنما فى هؤلاء الذين ما زالوا ينظرون إلى المستقبل بصورة الماضى، فلا يرون العدالة الاجتماعية إلا من خلال الهتاف الشهير "عيش، حرية، عدالة اجتماعية" ولا يرون الانتقال السلمى للسطلة إلا من خلال هتاف "ارحل" و"الشعب يريد إسقاط النظام"!


أينشتاين عرَّف الغباء بأنه تكرار نفس التجربة مرتين وتوقع نتائج مختلفة فى كل مرة، ومع ذلك يُصر البعض حاليا على فكرة التظاهرات ونزول الناس إلى الشوراع لرفض سياسات الدولة! أو بالأحرى استجلاب ثورة يناير بكل أحداثها، وهنا سؤال مطروح: لو افترضنا خروج الجماهير وعودة حماسة يناير، ما هى النتيجة المتوقعة لذلك غير صعود تيار الإسلام السياسى إلى سدة الحكم مرة أخرى، لنطوف معا فى دائرة فرج فودة المغلقة، و"دوخينى يا لمونة"؟


من جهة أخرى، نجد أن التيار الليبرالى والعلمانى فى مصر ليس جاهزا على جميع الأصعدة، فلا يوجد حزب يمثله بشكل قوى وفعال، ويكون قادرا على التأثير والتغيير وتقديم مشاريع القوانين، فضلا عن غياب الكوادر الشابة التى من الطبيعى أن تتولى القيادة مستقبلا، كل هذا غير موجود، ومع ذلك لا يزال الرهان على خروج الناس إلى الشوارع!
يتمتع التياران الليبرالى والعلمانى -دون غيرهما- فى مصر بانتماء كوادر بشرية من أعمار سنية صغيرة إليهما، ومع ذلك فإن هناك عجزا لدى الأحزاب والنخبة عن مخاطبة هؤلاء الشباب الذين يمثلون العنصر الأكثر توافرا فى المجتمع (أتكلم هنا عن كل شباب مصر) والذين بات التواصل معهم سهلا عن طريق عالم السوشيال ميديا، فلا تُقدِّم هذه الأحزاب والنُخَب غير الكلام الحنجورى الذى تشعر وأنت تقرأه أن صاحبه يمسك فى عنقك ويزعق فيك، فضلا عن خُلُوّ الكلام من المنطق و"فن الممكن"، والأشد غرابة أن هؤلاء الأشخاص يتحدثون بشكل يُشعرك بأن كلامهم "وحى"، والحيد عنه كارثة، كأننا نعيش وسط الآباء المؤسسين.


الفرصة مواتية، ولن يرحل السيسى ولا غيره إلا من خلال الإعداد لذلك الرحيل، والعمل على تجهيز البدائل سياسيا واجتماعيا. الأحزاب السياسية المدنية (كما يحب أن يسميها البعض) خاوية على عروشها، وأصحاب الأصوات الزاعقة لا يصفونها إلا بـ"التعريص" ولا أعرف أين دورهم فى الحَدّ مما وصفوا به الأحزاب، وأين دورهم فى المجتمع من الأساس!


الثورة مرحلة استثنائية فى المسار الدوجمائى للسياسة المصرية، تعود من بعدها الأمور إلى نصابها، وإن لم تنتقل الثورة "الحدث الاستثنائى" إلى فن الممكن "العمل السياسى" لن تُبقى الدوجمائية السياسية للثورة أثرا، كما سبق وأشرت من قبل، فثورة بلا سياسة هى إلى زوال، وسياسة بلا تكتل هى قصر أجوف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تصريح عمر باعزيز و تقديم ربيعة مرباح عضوي المكتب السياسي لحز


.. طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز




.. يوم الأرض بين الاحتفال بالإنجازات ومخاوف تغير المناخ


.. في يوم الأرض.. ما المخاطر التي يشكلها الذكاء الاصطناعي على ا




.. الجزائر: هل ستنضمّ جبهة البوليساريو للتكتل المغاربي الجديد؟