الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ضوء على الدستور العثماني

زهراء مؤيد رمضان
كاتبة

(Zahraa M. Ramadan)

2018 / 6 / 24
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


(الدستور) هو مجموعة القوانين المنظمة لعلاقة الفرد داخل الدولة والتى توضح حقوق الفرد وواجباته تجاه الدولة ..
وتنظم العلاقات بين الافراد داخل المجتمع ..

يوضع الدستور عادة لتقييد سلطة الحاكم .. سواء أكانت ملكية أم جمهورية أم إتحادية ..

تعددت الدساتير على مر القرون منها ما اتلفه الزمن ومنها مازال بزوال أسبابه ومنها ماخلده التاريخ ..

ومن الأحداث التي وضعت في رحبة التاريخ والتي تعتبر من أهم ماحدث في المنتصف الثاني من القرن التاسع عشر في التاريخ العثماني هو دستور عام 1876 أو دستور مدحت باشا لإصلاح الدولة العثمانية وتقييد سلطة السلطان المطلقة ..

بدات بواكير الدستور حيث انشغلت الأذهان في ستينيات القرن التاسع عشر بعد السخط الجماهيري على ممارسات السلطان عبدالمجيد الإستبدادية وإزداد القلق بسبب سوء الأوضاع ..
تلا ذلك إعلان باي تونس محمد صادق في 1861 اول دستور في البلاد حيث كانت تونس تابعة للدولة العثمانية ..

في ذاك الوسط الشائك جداً حاول مدحت باشا (الذي كان محبوبا من قبل الأتراك والمتعلمين ومدعوما بقوة من الشعب) ان يضع إصلاحه .. فرأى أن الإصلاح الذي يجب أن يسود هو الإصلاح الديمقراطي ..
سانده في ذلك وقتئذٍ من احس إحساسه وشعر شعوره من عامة الشعب و رجال الدين وطلبة العلم الذين كانوا دوما الركيزة الأساسية للتغيير في كل الأنظمة ..

فقد عُزل السلطان عبدالعزيز لتطبيق هذا الدستور و(قُتِل أو إنتحر ) بعد عزله ..
وخلفه السلطان مراد فعُزل لإختلاله العقلي ونصب بدلاً عنه السلطان عبدالحميد الثاني للحكم ومنذ أول توليه الحكم أُعلِن القانون الأساسي أو الدستور بإتفاق مسبق مع مدحت باشا الصدر الأعظم (رئيس الوزراء) آنذاك ..
وأُسندت صياغة نصوص الدستور إلى لجنة من علماء الدين ورجال الدولة ..
والذي ضم 12 فصل و 119 مادة والذي حدد المساواة بين الأجناس والمعتقدات وخلع على الجميع لقب (العثمنة) دون تمييز
وحافظ على شرعية الدولة وخلافة السلطنة وبقاء الإسلام دينا رسميا .. وحدد حقوق السلطان وواجباته .. منها ان شخص السلطان مقدس وغير مسؤول فله وحده حق تعيين الوزراء واقالتهم .. وهو الذي يعقد المعاهدات ويعلن الحرب وهو القائد العام للقوات المسلحة .. ومن حقه إصدار القوانين في شتى المجالات دون الرجوع للبرلمان .. وحق نفي أي شخص يرى فيه خطرا على ذاته وعلى الدولة فكان أول من طبق عليه هذا القرار هو مدحت باشا نفسه !
وحدد حقوق الأفراد .. فقد كفل حرية العبادة لغير المسلمين شريطة أن لا يرتكب أحد في إقامة شعائره الدينية ما يخل بالنظام العام أو يتعارض مع الأخلاق الطيبة ..
ونص على انه التعيين في الوظائف الحكومية ميسور للجميع بشرط توفر الكفاءة المعتمدة وإجادة اللغة التركية ..
وتناول السلطات الثلاث ..
وحدد اللغة التركية العثمانية لغة الدولة الرسمية ..
وحدد سلطة البرلمان ..
وشد أخيرا على تحريم إنتهاك حرمة المساكن فلايسمح بإقتحامها إلا في الأحوال التي يحددها القانون ..
وعدم السماح بجمع الأموال في صورة ضرائب إلا طبقا للقانون ..
وهكذا خرجت للوجود مؤسسة عثمانية بكل ماتحمله الكلمة من معنى ..

يلاحظ أن هذا الدستور قد دمج الأجناس والطوائف في بوتقة واحدة ..

والذي كان له علاقة بالدساتير الأوربية الأخرى التي سافر لها مدحت باشا واعجب بدساتيرها كباريس ولندن وبروكسل ..
والذي وافق عليه في بادئ الامر السلطان عبد الحميدالثاني والذي امر بإجراء الإنتخابات كانت الأولى من نوعها في التاريخ العثماني وسرعان ما إنقلب عليه وأغلق البرلمان ليمسك بزمام الأمور بيده ويعلن بتعطيل الدستور بحجة الحرب الروسية العثمانية في 24 ابريل 1877 وهكذا هدم السلطان ما بناه الاحرار ..

ولعل اغرب ما حاوله مدحت هو محاولة إشراك الدول الأوربية في مسألة الدستور وجعلها طرفا ضامنا بينه وبين السلطان .. ومدحت وأعوانه كانوا على اتصال وولاء مطلق لبريطانيا وإن الدستور والبرلمان ماهما إلا غطاء لفرض القيم الغربية على المجتمع العثماني ..
وهكذ توقف العمل بالدستور حتى أعيد العمل به من جديد في عام 23 يوليوز 1908 ..
وفي نوفمبر 1922 تم إيقاف العمل بالدستور العثماني ليبدأ دستور جديد على النمط السويسري ..
وبعد إعلان الجمهورية التركية في اكتوبر 1923
وإنتخاب مصطفى كمال اتاتورك رئيسا لها في في 3 مارس 1924 وإعلان إلغاء نظام الخلافة وفصل الدين عن الدولة ليبدأ تحول في السياسة التركية وفي الدستور التركي لتأخذ تركيا العلمانية موقعا جديدا في العالم ..
وهكذا انتهى الدستور العثماني الذي كان ثمنه حياة مدحت باشا ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الكونغرس الأمريكي يقر مشروع قانون مساعدات لإسرائيل وأوكرانيا


.. لازاريني: آمل أن تحصل المجموعة الأخيرة من المانحين على الثقة




.. المبعوث الأمريكي للقضايا الإنسانية في الشرق الأوسط: على إسرا


.. آرسنال يطارد لقب الدوري الإنجليزي الممتاز الذي غاب عن خزائنه




.. استمرار أعمال الإنقاذ والإجلاء في -غوانغدونغ- الصينية