الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماذا بعد مقتل «الملا راديو» قاتل الأطفال

عبدالله المدني

2018 / 6 / 24
الارهاب, الحرب والسلام


وفرَّت واشنطون لخزينتها مبلغ خمسة ملايين دولار التي خصصتها لمن يدلي بمعلومات عن الإرهابي المتطرف «الملا فضل الله» قائد حركة طالبان باكستان. ففي منتصف يونيو الجاري شن الأمريكيون بالتنسيق مع حلفائهم الأفغان غارة جوية على معقل الحركة بولاية «كونار» بشرق أفغانستان على الحدود مع باكستان، كان من نتائجها مقتل الملا فضل الله الشهير باسم «الملا راديو» بسبب كثرة تصريحاته من إذاعة «صوت الوادي» في باكستان، وهيامه بالمذياع وسيلة لبث سمومه ولغوه وعنترياته. ومن صور تشدده وعنترياته تهديده بقطع رؤوس كل من يخالف تعاليم الشريعة الاسلامية وفقا لمفهومه الضيق، وتهديده باغتيال مسؤولي الدولة والجيش الباكستانيين وكل امرأة باكستانية تشارك في الانتخابات أو تقوم بتطعيم أطفالها.

وبموت هذا المجرم انطوت صفحة من صفحات الغدر والخسة وسفك الدماء البريئة التي كانت تحركها وتغذيها هواجس جنونية وأفكار طوباوية ونزعات تدميرية وفتاوٍ مثيرة للشفقة لدى هذا الأحمق وأتباعه. لكن من غير المتوقع أن يؤدي مقتله إلى جنوح أتباعه إلى السلام. فتاريخ هذه المنطقة البائسة من جنوب آسيا يفيد أن التطرف ولّد على الدوام تطرفًا أكبر وأقبح.

فحينما تسلم المجاهدون السلطة في كابول سنة 1989 على إثر انتصارهم على القوات السوفياتية الغازية، وُصف هؤلاء بالمتطرفين، وهم كانوا كذلك فعلا قياسا برموز الحقبة السابقة لهم. لكن سرعان ما برز على الساحة الأفغانية من هم أشرس وأكثر تطرفاً، مثل «الملا محمد عمر» واتباعه في حركة طالبان التي تولت المخابرات العسكرية الباكستانية رعايتها ودعمها وتمكينها من الوصول إلى السلطة في كابول سنة 1996 لتنفيذ أجندات إسلام آباد الإقليمية. فكان ذلك إيذانا ببدء حقبة سوداء مريرة في تاريخ أفغانستان والعالم الإسلامي بأكمله بسبب تشويه الطالبانيين للدين الإسلامي بحماقاتهم السياسية وفتاويهم الدينية السقيمة وخروقاتهم الفظيعة لأبسط حقوق الإنسان الأفغاني، ناهيك عن احتضانهم لكل من هو على شاكلتهم من متطرفين ومهووسين بالقتل والتدمير.

وكما هو معروف، استمرت طالبان في غيها إلى أن جاءت نهايتها على يد القوات الأمريكية التي أخرجتها من الحكم وشتت شمل قادتها في ضربات جوية عنيفة سنة 2001 على إثر هجمات 11 سبتمبر. ومنذ تلك اللحظة بدأت محاولات الطالبانيين للعودة إلى الحكم عبر عمليات القتل والتدمير والتفجير الوحشية ضد أتباع نظام كابول المدعوم من الغرب. وعلى هامش هذا التطور انقسمت حركة طالبان إلى حركتين (طالبان أفغانستان وطالبان باكستان) قاسمهما المشترك الهوية العرقية البشتونية، والتشدد والغلو، وسفك دماء الأبرياء.

وبدا المشهد أكثر شفقة في باكستان التي أسست الحركة كي تخدمها فإذا بها تعاني منها ومن حماقات رموزها وسط شماتة خصومها في كابول الذين راحوا يرددون «هذه بضاعتكم ردت إليكم»، ووسط ضغوط حلفائها الغربيين الذين اتهموها بالتراخي لجهة التعامل مع قادة وأنصار طالبان باكستان.

فمسلحو حركة طالبان باكستان هم من حاولوا اغتيال الطالبة «ملالا يوسف زاي» في باكسنان سنة 2012 بأمر من «الملا فضل الله» الذي تولى قيادة الحركة بعد عام من ذلك، لأنها فقط دافعت عن حق قريناتها في باكستان وأفغانستان في التعليم. وهم المسؤولون عن مذبحة مدرسة بيشاور في ديسمبر 2014 حينما هاجم ستة مسلحين تابعين للحركة مدرسة يديرها الجيش الباكستاني، ما أدى إلى مقتل 141 شخصا معظمهم من الأطفال وإصابة عشرات آخرين، وهم من قاموا على مدى السنوات القليلة الماضية بتنفيذ العديد من الهجمات الدموية ضد شيعة باكستان ومساجدهم.

والمعروف أن «الملا راديو» الذي لقي مصرعه بالطريقة نفسها التي قضى بها الأمريكيون على ثلاثة من كبار رفاقه، وهم مؤسس الحركة بيت الله محسود الذي قتل سنة 2009، وحكيم الله محسود ثاني قادة الحركة الذي قتل سنة 2014، وخالد محسود (أو خان سعيد ساجنا) الذي قتل في فبراير 2018 بشمال وزيرستان، له سجل أسود وسيرة لا تشرف.

تقول سيرته إنه ولد في عام 1947 في مقاطعة «خيبر بختونخوا» بوداي «سوات» في شمال غرب باكستان، لأسرة بشتونية، وقضى شطرًا من حياته يبيع الحطب قبل أن يلتحق بإحدى المدارس الدينية لدراسة ترجمة القرآن الكريم وعلوم الفقه والشريعة. وفي أثناء دراسته تعرف على عدد من الطلبة الذين تشكلت منهم فيما بعد حركة طالبان، فدخل معهم الأراضي الأفغانية وبقي هناك يعمل في صفوف إمارة الملا محمد عمر إلى أن استهدفها الأمريكيون سنة 2001، إذ قاتل ضد القوات الأمريكية. وما ان انهارت تلك الإمارة حتى فر الرجل عائدا إلى وطنه الأم ليقع في قبضة الأمن الباكستاني. وبعد فترة في المعتقل أطلق سراحه فانضم إلى «حركة تطبيق الشريعة المحمدية» (تحريك) وهي حركة مسلحة تأسست في باكستان سنة 1992 وارتبطت بحركة طالبان الأفغانية بعد عام 1996 وصنفتها إسلام آباد حركة إرهابية سنة 2002.

وفي يناير 2002 تمكن الأمن الباكستاني من اعتقال زعيم ومؤسس «تحريك» المدعو صوفي محمد، فخلفه في القيادة زوج ابنته الملا فضل الله الذي انتهز الفرصة وفرض سيطرته على نحو 60 قرية في مناطق القبائل البشتونية بوادي سوات، محاولا في الفترة 2007-2009 إقامة إمارة إسلامية مستقلة عن سلطة إسلام آباد.

وبعد الافراج عن صوفي محمد دخل الأخير وصهره «الملا راديو» في مفاوضات مع الجيش الباكستاني، فكانت النتيجة إبرام اتفاقية لوقف اطلاق النار والسماح لميليشيات تحريك بتطبيق الشريعة في مناطق محدودة. لكن الاتفاقية لم تمنع وقوع اشتباكات بين الطرفين في يوليو 2010 أدت إلى إصابة فضل الله ونجاحه في الهرب إلى أفغانستان، حيث أقام بها قبل أن يعاود منذ 2011 شن الهجمات ضد القوات الباكستانية في محاولة للعودة وبسط نفوذه على المناطق القبلية. وقد قيل في يونيو 2012 إنه نجح في السيطرة على مساحة 20 كلم مربع من إقليم نورستان على الحدود الأفغانية - الباكستانية.

وهكذا نجد أن اصطياد وقتل «الملا راديو» يُعد جائزة ثمينة لكل الأطراف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل شخص وجرح آخرين جراء قصف استهدف موقعا لقوات الحشد الشعبي


.. فايز الدويري: الهجوم رسالة إسرائيلية أنها تستطيع الوصول إلى




.. عبوة ناسفة تباغت آلية للاحتلال في مخيم نور شمس


.. صحيفة لوموند: نتيجة التصويت بمجلس الأمن تعكس حجم الدعم لإقام




.. جزر المالديف تمنع دخول الإسرائيليين احتجاجًا على العدوان على