الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المعوقون في أرض السواد والحداد

جواد كاظم غلوم

2018 / 6 / 24
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


المعوّقون في ارض السواد والحِداد

اذا كنا نغفر للدولة والمسؤولين القائمين على خدمة مواطنينا إهمال الناس نتيجة ضعف الخدمات وقلة الرعاية التي تقدم اليهم وانعدامها طوال سنوات غير اننا من الصعب ان نتقبل الاهمال الذي يعاني منه مواطنونا المعوّقون والذين فقدوا اجزاء من اعضائهم وأصيبوا بعاهات جسمية سببت لهم الاعاقة .
فالكثير منهم لايستطيع القيام بأيّ شيء وآخرون يعانون صعوبات جمة في ممارسة حياتهم على الوجه الطبيعي اذ لابدّ من الالتفات اليهم وتقديم مايمكن تقديمه للعناية بهم فهم أحوج الى العون والسند نتيجة اوضاعهم الصحيّة .
لايخفى ان بلادنا قد مرّت خلال اكثر من ثلاثة عقود بحروب مريرة كان من نتيجتها ظهور بضعة ملايين من معوّقي الحروب الكارثية ناهيك عن الاعاقات الطبيعية التي اصيب بها الكثير من الولادات وظهور التشوهات الخلقية واختلال في الجينات بسبب ماوقع على العراق من قذائف ذات دمار شامل واستخدام اسلحة غير تقليدية على ابناء بلدي خلال سنوات حرب الخليج الاولى والثانية وماتبعها من غزو همجي وحشي شنته الولايات المتحدة على بلادي عام /2003 ومالحقه من انهيار في هياكل الدولة ومنها الهيكل الصحي، ويقدّر المختصون ان في العراق مايربو على الاربعة ملايين معوّق بإعاقات مختلفة منها طبيعية ومنها بسبب الرعونة في استخدام السلاح الكيمياوي او البايالوجي غير التقليدي، ومهما كان نوع العوق ونسبة العجز فيه فلابد من ايلاء الرعاية القصوى لهؤلاء العاجزين لكي تمضي حياتهم بشكل اكثر يسرا واقل وطأة مما يعانوا ونركّز هنا على الخدمات والرعاية الصحية اول الامر للتخفيف عن كاهلهم وتوفير مستلزمات الحياة في حدها الادنى على الاقل، لست في حاجة الى التذكير على انّ العالم المتحضر يولي لهؤلاء المعوقين المتعبين عناية اكبر مما تقدّم الى الاصحاء والاسوياء من خلال توفير التأمين الصحي المجاني وتهيئة مستلزمات الطبابة التي تعينهم كالأدوات التي تعينهم على الوقوف او الجلوس والحركة من خلال توفير الاطراف الصناعية والكراسي المتحركة. والمعوقون في ابدانهم لم تكن يوما حائلا ومانعا لتحريك عقولهم وتنشيط مواهبهم بل بالعكس، فالله ان أخذ شيئا وأفقد حاسّة وحرم خلقه من عضو نافع لكنه يعوّضه عقلا وموهبة وتنويرا في النفس .
واذا كان قسم منهم من لايستطيع الحركة او يبقى قعيد البيت بسبب عجزه الكلي لكن نباهة فكره اثمرت للبشرية ابداعات والكثير ممن أصابهم العوَق اثْروا حياتنا علما وادبا وفنا راقيا وقدموا للانسانية خدمات ترقى كثيرا عما قدم الاسوياء من المبدعين وهم اكثر من ان يعدّوا لا لشيء إلاّ لان الخالق لانظير له في عدلهِ وكم يكون الامر مبهجا اكثر حينما تقوم الدولة برعاية معوقيها كما ترعى أصحّائها بل ان الاولين اكثر حظوة واهتماما في تقديم الخدمات الممكنة لهم،ولنضرب مثلا على من عاصرنا الذي مات مؤخرا ممن ابتليَ بالعوق وهو" ستيفن هوكينغ " الذي ظلّ قعيد كرسيّه المتحرك طوال اربعة قرون ولم ينعم بنومٍ هاديء على سريره طوال مديد حياته وقدم ابتكاراته في علوم الفيزياء وتقف البشرية اجلالا له على ابتكاراته الخلاّقة مثلما سبقَهُ الموسيقار الشامخ " بيتهوفن " الذي لايضارع في رقيّه وعبقريتهِ والذي امتع العالم بموسيقاه من خلال سيمفونياته وسوناتاته الساحرة فهذا العبقري المعوّق الذي كان جنينا في بطن امه وعزمت هذه الام على اسقاطه وإجهاضه لانها موقنة انه سيولد معاقا حتما لان ثلاثة من اخوته الثمانية الذين يفوقونه عمرا مصابون بالصمم التام واثنين مصابين بالعمى وواحد متخلّف عقليا، ووالدته ايضا كانت تعاني امراضا عديدة في احشائها واخذَ مرض الزهريّ يفعل فعله في جسدها ولكن في اللحظة الاخيرة قررت الابقاء عليه في احشائها ؛ فالربّ الكبير هو الراحم على عباده وهكذا كان، وفي تاريخنا العربي نرى العديد من مبدعينا المعاقين الذين اثروا الانسانية بعطائهم سواء من الاسلاف أومن الاخلاف امثال ابو العلاء المعري وبشار بن برد والخطاط الذي لايضاهيه أحد في عصرهِ ابن مقلة يوم قطعت يده المبدعة اليمنى فاستعان باليسرى ثمّ قطعوا لسانه لكنه مرّن يده اليسرى وأبدع اكثر مما كان من الاول، والامام الترمذي صاحب السنن الذي يعدّ مرجعا امينا للاحاديث النبوية وسيرة الرسول (ص )
ومن قادة الفتوحات الاسلامية موسى بن نصير الذي أوسع رقعة البلاد الاسلامية وهو المصاب بعرَجٍ شديد واعوجاج في ساقيه ومثله الاحنف بن قيس ومن المحدثين طه حسين الاعمى ومصطفى صادق الرافعي الاصمّ اللذان ابتكرا النهج السليم لكتابة النثر العربي المعاصر والمقالة الحديثة بالاسلوب والطريقة التي نقرأها الان .
هلاّ سعيتم وحثثتم الخطى لانتشال معوّقينا من الوضع المزري الذي يعيشونه اليوم ايها الساسة المسؤولون على هذا الشعب المقهور وخاصة شريحته المعاقة وليتكم تبدأون بالمعْوزين والفقراء منهم عسى ان تخففوا من الاعباء التي اثقلت كاهلهم، لانريد عطفا وانكسارا وجبرا للخواطر وتأسّيا فارغا لايسمن ولايشفي ولايغني عن حاجة، شـــــــــمّروا عن سواعدكم وأعطوهم مايحتاجونه من علاج ورعاية واهتمام ليشعروا انهم مازالوا في عداد الاحياء الفاعلين في المجتمع، وكم يحزّ في نفوسهم حينما يشعرون انهم منسيـــــــــــــون ويعيشون مهمشين وكأنهم ينتظرون موتهم بين لحظة واخرى فارحموا من في ارض السواد من معوقينا عسى ان يرحمكم الخالق الرؤوف الذي وسعت مغفرته كلّ الذنوب والآثام الكثر التي اقترفتموها








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قوات الاحتلال تقتحم بلدة شرقي نابلس وتحاصر أحياء في مدينة را


.. قيادي في حماس: الوساطة القطرية نجحت بالإفراج عن 115 أسير من




.. هل باتت الحرب المفتوحة بين إسرائيل وحزب الله أقرب من أي وقت


.. حزمة المساعدات الأميركية لأوكرانيا وإسرائيل وتايوان..إشعال ل




.. طلاب جامعة كولومبيا الأمريكية المؤيدون لغزة يواصلون الاعتصام