الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رسالة مفتوحة إلى والي محافظة تطاوين:البطالة مستفحلة..الإحباط يسكن نفوس شباب الجهة..التنمية متعثرة..والمثقف مهمّش..فأين أنتم من كل هذا..؟!

محمد المحسن
كاتب

2018 / 6 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


يشتكي أهالي تطاوين (محافظة تونسية تقع بأقصى الجنوب الشرقي التونسي) مما يعدّونه مفارقة صارخة؛ فمنطقتهم تحتوي على ثروات نفطية لكنها من المناطق المهمشة، ونسبة البطالة فيها عالية مقارنة بمناطق أخرى.
في هذا السياق نشير إلى أن المعهد الوطني للإحصاء أكّد مؤخرا إلى أن ولاية تطاوين تحتل المرتبة الأولى من حيث إرتفاع البطالة ب32 بالمائة، تليها قفصة ب28.2 بالمائة فقبلي ب25.8 بالمائة.
بينما احتلت ولاية المنستير المرتبة الأخيرة ب6.6 بالمائة.
وفي تحقيق صحفي أجريناه في الأيام القليلة الماضية بجهة تطاوين أكّدت لنا شريحة واسعة من شباب الجهة أن هذه الولاية الجاثمة على تخوم الصحراء تشهد ترجرجا وتخلفا على أصعدة كثيرة حيث البطالة مستفحلة ومنوال التنمية متعثر والبنية التحتية مهترئة ما دفع بعديد الشباب من متساكني هذه الربوع الشامخة (تطاوين ) إلى ركوب قوارب الموت والمجازفة بحياتهم خلال عبور الأبيض المتوسط هربا من جحيم الفقر والبؤس الإجتماعي-على حد تعبير أغلبية الشباب ممن حاورناهم-ولعل حادثة غرق مركب قرقنة الذي ذهب ضحيته عدد من شباب الجهة دليل على حالة اليأس والإحباط التي يعانيها بوجع شباب تونس هنا..أو هناك على حد تعبير-أحمد.ع-
في هذا السياق نشير إلى أن الخبير بالمرصد الاجتماعي التونسي التابع للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية،عبد الستار السحباني أفاد في إحدة الندوات الصحفية أنّه تم خلال شهر ماي2017 رصد 1533 تحركا احتجاجيا تتوزع الى 1462 احتجاجا جماعيا و71 احتجاجا فرديا، لافتا إلى ما وصفه ب"التغير الكبير في هندسة الاحتجاجات "وذلك في علاقة بالتحركات الاجتماعية التي شهدتها ولاية تطاوين العام الماضي سنة 2017)
وأضاف لدى استعراضه لتقرير المرصد حول الاحتجاجات المسجلة ،أنّ التحركات الاجتماعية المسجلة عبر مختلف الولايات خلال شهري مارس وماي 2017، توزعت بالخصوص على ولاية تطاوين التي تصدرت قائمة الجهات من حيث عدد الاحتجاجات (274 احتجاجا) تليها ولاية قبلي (211) ثم القيروان ( 119) وسيدي بوزيد (114) فتوزر (93) وقفصة (93).
في ذات السياق يقول منصف.ج (أصيل جهة تطاوين) :"القرار السياسي مازال خاضعا لحسابات قديمة ومستهدفا لإرضاء هذا وذاك اعتبارا لمنافع سياسية كان لها معناها فجاءت الثورة فألغتها...لكن ظل ارباب المال والأعمال مرتهنين الى رؤية بالية ومنوال عفا عليه الزمن.وما تشهده جهة تطاوين من بؤس إجتماعي يرخي بظلاله القاتمة على جميع القطاعات دليل قاطع على أن استحقاقات الثورة التونسسية المجيدة لم تأت أكلها وجاءت نتائجها على عكس ما كان يرجى منها-على حد تعبيره-
أما بخصوص المشهد الثقافي بجهة تطاوين فلا تسل عن حاله مادام المثقف-هنا-بتطاوين يعيش حالة من الإغتراب تدفعه-قسر الإرادة- إلى التصومع داخل محرابه كي يتصفح مواجعه ويدوّن معاناته للأتي في موكب الآتي الجليل..وهنا أقول:
كنت أظن أن الثورة التونسية المجيدة حررت الجميع من عقال الإستبداد وردت للمثقف العضوي بالأساس( مع الإعتذار لغرامشي) مكانته الرفيعة التي تليق به بعد أن كان ما فبل الثورة يكتب بحبر الروح ودم القصيد ولكن أمعاؤه خاوية.. من قبل ربما كان المسؤولون يتعللون بالتعليمات النازلة “من فوق”.غير أن ثورة التحرير التونسية و-كما أسلفت- كانت لها هذه المزية،بأن حررت الجميع،بمن فيهم الوزراء.
هذا الإعتقاد"الأحمق" ذهب زبدا وطواحين ريح حين اصطدم بالواقع المرير الذي سأريق من أجله في المدى المنظور الحبر الغزير كي تتجلى الحقائق تحت شعاع الشمس..
ولعل ما دفعني لإثارة هذا الموضوع هو ما تعرضت إليه من "إهانة"كنت أشرت إليها في مقالات سابقة من لدن السيد والي تطاوين..إهانة حزّت عميقا في وجداني وقربتني-من هوة الإحباط حيث غدوت منها على الشفير..
وإلى السادة القراء الكرام جزءا من -هذه المهزلة-التي مازلنا نرقص على إيقاعها ونحن -نيام-..
هذا الوالي الجالس على كرسي وثير داخل مكتب أنيق،ولا يعرف-كما يقول الشاعر العراقي مظفر النواب-في الشارع..ماذا في الشارع..؟! ولا يهتم بحملة الأقلام ولا بمبدعي الجهة،بل همه الوحيد الأناقة وإستقبال رجال الأعمال والوجهاء من القوم..وذوي الجيوب المنتفخة مالا من عرق جباه الكادحين،أو ما يحلو لي تسميتهم تيمنا بكارل ماركس-البرولياتريا-
هذا الوالي،حين أعلمه-الحاجب-بقدومي أغلق الباب في وجهي ورفض مجرد السماح لي بمقابلته..لسبب بسيط كوني كاتب أصوغ مقالاتي بحبر الروح ودم القصيدة ولا أملك مالا لإصدار كتاب أرثي فيه حالي أو أجمع فيه ما كتبته من قصائد شعرية في شكل مراثي دامعة لنجلي الذي رحل إلى الماوراء حيث نهر الأبدية ودموع بني البشر أجمعين..
عدت أدراجي إلى بيتي محبطا كي أتصفح من جديد دفتر مواجعي وأحزاني..وأتساءل : هل يعلم -السيد والي تطاوين- أنّ المثقف الذي يشكل عاملا إضافيا و رقما صعبا في معادلة التكامل الثقافي هوذلك المثقف العضوي(مع الإعتذار دوما لغرامشي) الذي يضحي من أجل أن تسود أفكاره و أفكار الآخرين،و ينطلق عقله من قاعدة التحاور مع عقول الآخرين لصناعة دولة ومجتمع الرفاهية للإنسان العربي الذي تخبط في تجارب فردية ساهمت في تراجع مشروع التنمية و النهضة..و الثقافة في مطلقها الحضاري هي التعددية وتشريك المثقف في بناء حضارة بلاده،و المثقف لا يمكن أن يكون أسير فكرته ومنطلقاته،فذاك سيؤدي إلى تحجيم العقل و تطويقه،و المثقف الحضاري هنا..أو هناك هو ذلك الذي يتشاور و يتحاور و يتجادل ويتبادل الأفكار،لكن في نهاية المطاف ينصاع للفكرة البناءة العملاقة التي تردف الدولة والمجتمع بأسباب القوة و المناعة و الحصانة من عوامل التعري و التآكل .
كما أن المثقف-أولا وأخيرا-هو ذاك الذي يكرس ثقافة الحوار كمبدأ و يجيد السماع والنقاش وإستخلاص المعادلات من الأفكار البناءة.و الحوار هنا:هو الحوار بين أبناء الشعب الواحد حول آليات تسيير الدولة أو النهج السياسي المتبع أو الثوابت و المتغيرات التي يجب إتباعها في مسرح دولي متعدد تهب رياحه العاتية من الجهات الأربع،كما أن الحوار قد يكون بين الشعوب والحضارات و التشاور والتفاعل الثقافي بين الشعوب منسمات الراهن البشري و مجالات الحوار الحضاري تشمل الحوار المتفتّح في المجال الديني و المجال السياسي و الاقتصادي وغير ذلك من مجالات الحوار ..
وتونس اليوم تتهودج في ثوب الديموقراطية الذي خاطته أنامل ضحّت بحياتها في سبيل أن ننعم بكلمة”لا” حين يقتضيها المقام-.. في زمن كانوا يريدونها بالأمس-دوما-“نعم”.
وهل يستسيغ أيضا (السيد الوالي) مقاصد ودلالات رسالتي الثقافية..؟!
الجواب قطعا..لا
ولكن ..تظل في الأخير-تونس التحرير-ولادة لرجال أفذاذ ما هادنوا الدهر يوما على غرار وزير الشؤون الثقافية بتونس التحرير الغني عن التعريف(الدكتور محمد زين العابدين)..وكذا وزير الشؤون الإجتماعية(الأستاذ محمد الطرابلسي)..هذان الوزيران اللذان ضمدا جزءا من جراحاتي وقدما لي في حدود صلاحياتهما الدعم المادي والمعنوي وأشعراني بالتالي أني كائن مثقف جدير بالإحتفاء والتقدير..لأنهما يجلان المثقف ويحتفيان به ويقدران أيضا إبداعاته في تجلياتها الخلاقة عكس ما كان عليه الوضع ما قبل الثورة التونسية المجيدة حيث كانت السلطة زمنئذ ترتعش أمام كلمة حرة وصادقة تخترق سجوف الصمت والرداءة..وتخاف المثقف الذي لا يملك سلاحا ولا بوارج..غير قلم رصاص..
هذان الوزيران يدركان جيدا أن المثقف هو مصباح نور، على ضوء ثقافته يتلمس المجتمع طريقه نحو االتحرر والعدالة والتطور.والثقافة ليست ثوبا يرتديه كل من هبً ودبً،او مساحيق يُراد أن يتزوق بها ،وليست بالمكاتب الفخمة والعربات الفارهة ، بل بالفكر المثقف والسلوك القويم الذي يرشده عقل مُشبع بالعلوم والآداب والفنون .
أهدي هذين الوزيرين باقة من التحايا المفعمة بعطر الجنوب..
أما السيد الوالي (والي محافظة تطاوين)..أرجو أن يستسيغ رسالتي جيدا..ويدرك كذلك أن دور المثقف الحقيقي يتجلى خارج أطر المناسبات، خصوصاً التي تضج بها دهاليز السياسة البراغماتية المتقلبة كأحوال الطقس في بداية الخريف..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دعوات في بريطانيا لبناء دفاع جوي يصُدُّ الصواريخ والمسيَّرات


.. جندي إسرائيلي يحطم كاميرا مراقبة خلال اقتحامه قلقيلية




.. ما تداعيات توسيع الاحتلال الإسرائيلي عملياته وسط قطاع غزة؟


.. ستعود غزة أفضل مما كانت-.. رسالة فلسطيني من وسط الدمار-




.. نجاة رجلين بأعجوبة من حادثة سقوط شجرة في فرجينيا