الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فكرة الموازنة العامة للدولة

جاسم محمد دايش
كاتب وباحث

(Jasem Mohammed Dayish)

2018 / 6 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


فكرة الـــمـــــــوازنـــــة الــعـــــــامــــــة للدولة
جاسم محمد دايش

مقدمة
تعد الموازنة العامة للدولة الأداة الرئيسية في تحقيق انجازات الأداء العام, والوسيلة التي تستخدمها السلطة التشريعية للاستدلال على كفاءة أجهزتها سواء التشريعية أو التنفيذية والرقابية, من خلال النظر إلى مدخلات ومخرجات هذه الموازنة في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
في المالية الحديثة قد اتسع دور الدولة وازدادت درجات تدخلها في مختلف أوجه الحياة الاقتصادية والاجتماعية على إقليمها, فلم يعد هناك مجال للحديث عن حياد الميزانية بل أصبحت الميزانية أداة من أدوات السياسة المالية تلجا إليها الدولة لتحقيق أهداف السياسة الاقتصادية التي تأخذ بها المعنى الواسع في الرأسماليات المتقدمة وفي ظل الوظيفة المالية, والأسباب والمبررات التي تكمن وراء ظاهرة الازدياد المستمر في النفقات العامة وهو الواقع الذي أصبح يقابله ويوازيه في اتجاه مسار تدخل الدولة المستمر في مختلف الأمور العامة والخاصة, وهكذا فلم يعد المهم الحفاظ على توازن جانبي الإيرادات والمصروفات في الميزانية السنوية بل أصبح ما يستأثر بالاهتمام هو التوازن العام الاقتصادي والاجتماعي للاقتصاد القومي ككل وليس التوازن المالي والحسابي للميزانية ومن ناحية أخرى فان التوازن السنوي لم يعد أمر تلتزم الدولة بتنفيذه.
وضيق تدخل الدولة واتساعه يتعلق بأنواع النشاط الاقتصادي الذي تقوم به فتغير هذا النطاق بين الضيق والاتساع يعني بالضرورة تغير حجم ميزانية الدولة بين الصغر والكبر, إذ أن هذا الأخير لا يتوقف فقط على مدى الدور الاقتصادي للدولة, فإن كبر حجم الاقتصاد القومي مع تطوره يؤدي إلى كبر حجم ميزانية الدولة إذ يزداد إنفاقها, وبالتالي إيرادها حتى مع بقاء عدد النشطات الاقتصادية التي تقوم بها على حاله.
أولاً : - مفهوم الموازنة العامة .
تُعرّف الموازنة العامة Public Budget، بأنها: “تقدير مفصل ومعتمد للنفقات العامة والإيرادات العامة، عن فترة مالية مستقبلة، غالباً ما تكون سنة” . ويتبيـن مـن هـذا التعـريف أن المـوازنة العامة للدولة، تستند إلى عنصرين أساسيين، هما التقدير والاعتماد. فبالنسبة إلى التقدير، فإنه يتمثل في تقدير أرقام تمثل الإيرادات العامة التي ينتظر أن تحصل عليها السلطة التنفيذية، وكذلك النفقات العامة التي يُنْتَظَر أن تنفقها لإشباع الحاجات العامة للشعب، وذلك خلال فترة مالية مستقبلة، غالباً ما تكون سنة.
أمّا بالنسبة إلى الاعتماد، فيقصد به حق السلطة التشريعية واختصاصها، في البلاد الديمقراطية، في الموافقة على توقعات السلطة التنفيذية، من إيرادات عامة ونفقات عامة. وعلى هذا الأساس، فإن الموازنة العامة تظل مجرد مشروع موازنة، حتى تُعتمد من السلطة التشريعية.
وتعتبر موازنة الدولة العامة البرنامج المالي الذي يعكس سياسات الحكومة المختلفة، والإطار الذي يتضمن القرارات المتعددة لاختيار السياسات والأهداف التي ترغب الحكومة في تحقيقها، وكذلك اختيار الوسائل، والبرامج التي تؤدي إلى إحراز هذه الأهداف؛ لذلك فإن وثيقة الموازنة توفر معلومات عن القرارات التي تتخذها الحكومة لتوزيع مواردها بين الاستخدامات المتنافسة لإشباع الحاجات العامة .
إن اصطلاح الموازنة يعني أصلاً حقيبة النقود أو الحقيبة العامة التي تستخدم كوعاء لإيرادات الدولة ونفقاتها، وقد أطلق اصطلاح الموازنة هذا في بريطانيا على "الحقيبة الجلدية" التي كان يحمل فيها وزير المالية (Exchequer) إلى البرلمان، الوثائق التي تتضمن احتياجات الحكومة إلى النفقات ومصادر تمويلها، ثم أصبح هذا الاصطلاح يطلق على الوثائق التي تحتويها الحقيبة أي الخطط التي تتضمن النفقات الحكومية، وتمويلها والتي تقدم إلى السلطة التشريعية لاعتمادها والموافقة عليها، لذا فإن أسس نظام الموازنة العامة ظهرت بداية في بريطانيا، وانبثقت بداية نم إضفاء الرقابة البرلمانية على سلطات الملك في جباية الضرائب، أما الرقابة على الإنفاق العام فقد جاءت متأخرة بعد ذلك نتيجة الاهتمام بحماية دافعي الضرائب.
ويرى لي وجونسون (Lee and Johnson) "أن الموازنة عبارة عن وثيقة أو مجموعة وثائق تبرز الوضع المالي للمؤسسة التي تعود لها وتتضمن معلومات عن إيراداتها، ونفقاتها، ونشاطاتها، والأهداف التي تسعى لتحقيقها، فالموازنة في نظرهم تتضمن اختيار الأهداف التي ترغب الحكومة في تحقيقاه واختيار وسائل تحقيق تلك الأهداف.أما وايلدافسكي (Wildavesky) فينظر إلى الموازنة بالمعنى العام على أنها تهتم بعملية تحويل المصادر المالية إلى أهداف إنسانية، فالموازنة حسب نظرية وايلدافسكي هي سلسلة من الأهداف تحدد الموازنة تكلفة أو أسعار تحقيقها.
وهكذا يمكن النظر إلى الموازنة العامة للدولة على أنها البرنامج، أو الخطة التي تقوم على تنبؤ مدروس لنفقات الدولة وإيراداتها، والتي تعكس سياسات الدولة المختلفة من حيث تحديد أولويات الإنفاق، واختيار البرامج، والمشاريع التي تحقق الأهداف العامة، وتتميز عملية التخصيص بالتعقيد من حيث مشاركة أجهزة حكومية عديدة، واهتمام فئات منوعة من المجتمع ضمن تصعيد قرارات الموازنة بين المستويات الإدارية المختلفة.
ويتم اعتماد الموازنة لفترة قادمة هي على الغالب سنة واحدة، فالموازنة العامة كخطة أو بيان تقديري مفصل ومعتمد من قبل السلطة التشريعية لإيرادات الدولة، ونفقاتها، تعتبر الأداة الرئيسية لإدارة السياسة المالية للدولة لتحقيق أهدافها الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية .

ثانياً :- خصائص الموازنة العامة .
1. إن الموازنة العامة عبارة عن برنامج تنفيذي قصير الأمد (سنة على الأغلب)، وهذا البرنامج يعكس القرارات المتعلقة باختيار الأهداف المراد تحقيقها، واختيار البرامج والسياسات التي ستؤمن تحقيق هذه الأهداف.فالموازنة تتضمن برنامجاً مالياً تفصيلياً مقترحاً لمشاريع الحكومة وبرامجها، ووسائل التمويل المتاحة على شكل أرقام تقديرية للإيرادات والنفقات.
2. إن الموازنة تنبني على فلسفة تحكم نشاط الإدارة العامة وهي المساءلة القانونية، فالموازنة أولاً توفر معايير رقابية على نشاطات السلطة التنفيذية بالإضافة إلى كونها وسيلة تنسيق بين هذه النشاطات، وتحقيقاً لمبدأ المساءلة القانونية، فلا بد من عرض الموازنة على السلطة التشريعية لاعتمادها والمصادقة عليها، لإلزام السلطة التنفيذية ببرامجها
3. يتم إعداد الموازنة العامة لفترة قادمة هي في الغالب سنة، وقد تتطابق سنة الدولة المالية مع السنة الميلادية.
4. وقد تتداخل السنة المالية للدولة مع سنتين زمنيتين مختلفتين كبريطانيا مثلاً، حيث تبدأ السنة المالية في الأول من الشهر الرابع وتنتهي بنهاية الشهر الثالث من السنة التالية، وتمثل هذه السنة الفترة المحاسبية التي يتم إعداد التقارير المحاسبية عنها .
5. إضافة إلى الصفتين التقديرية والتشريعية، فإن الموازنة العامة للدولة أداة لإدارة سياساتها المالية التي ستنتهجها خلال السنة المالية، فالضرائب، والقروض، والنفقات العامة هي الأدوات التي تستخدماه الحكومة لتشكيل سياساتها المالية لإدارة الاقتصاد الوطني، وتحقيق الاستقرار في الأسعار، وزيادة الدخل القومي.
6. إن موازنة الدولة هي إحدى وسائل الرقابة على أنشطة الدولة المختلفة، وبخاصة العمليات المالية المتعلقة بهذه الأنشطة بالإضافة إلى كونها وسيلة تنسيق بين مختلف هذه الأنشطة، فهي تيسر عملية الإشراف والرقابة على النشاط الحكومي على جميع المستويات، وتحقيقاً لهذا المطلب فلا بد من عرض الموازنة على السلطة التشريعية لاعتمادها، والمصادقة عليها، وإلا بقيت مجرد مشروع موازنة، ومن المفروض أن تتم عملية إعداد الموازنة من قبل السلطة التنفيذية والمصادقة عليها من قبل السلطة التشريعية قبل بداية السنة المالية التي تعود إليها كما يتطلب الدستور.
7. تعتبر الموازنة أداء لاتخاذ القرارات المتعلقة بتحديد الأهداف العامة، ووسائل تحقيقها (البرامج)، فهي الأداة التي تنفذ بواسطتها البرامج الحكومية خلال السنة المقبلة .

ثالثاً :- سمات الموازنة العامة .
للموازنة العامة مجموعة من السمات يمكن تتبعها من خلال الآتي :
- السمة السياسية للموازنة العامة .
- إن الموازنة العامة هي عمل سياسي كونها تحمل بين طياتها إمكانات الدولة واتجاهاتها العامة. ويظهر ذلك من خلا نشؤ فكرة الموازنة العامة وتطور مفهومها فهي في الأصل تقييد للسلطة الحاكمة وتدعيم للديمقراطية الشعبية حيث أن تطور حقوق الموازنة العامة كان ملازما لتطور المؤسسات الديمقراطية.
- وتعبر هذه السمة عن مبدأ الفصل بين السلطات وذلك من خلال منح السلطة التنفيذية حق إعداد وتنفيذ الموازنة العامة ومنح السلطة التشريعية حق إقرارها ومراقبتها.
- وتبدو الوجهة السياسية للموازنة العامة من خلال النفقات العامة الواردة فيها.
فكلما كانت الأنظمة السياسية ديمقراطية كلما انعكس ذلك على المواطنين ذلك أن الأنظمة السياسية لا بد لها من أموال لتنفيذ خطتها السياسية وبالتالي تبدو الموازنة العامة هي التعبير الأمثل عن ذلك.
مثال:
- الدول ذات الأنظمة الدكتاتورية تنفق مبالغ ضخمة وتوجه أموالا طائلة نحو التسلح والتدخل في شؤون الدول الأخرى ( عمليات الاحتلال المباشر - دعم المعارضة في الدول الأخرى ).
- الدول ذات الأنظمة الديمقراطية تكون الأولوية فيها للشعوب حيث تقوم بالاهتمام بالصحة والتعليم والمشاريع العمرانية وتأمين الخدمات الاجتماعية والعناية بالواقع الثقافي والرياضي ...... الخ.
- السمة الاقتصادية للموازنة العامة .
- إن الدولة تمارس سياساتها المالية من خلال الموازنة العامة بشكل رئيسي. فالموازنة العامة هي الخطة المالية الأساسية التي تستخدمها الدولة من أجل تسيير نشاط المرافق العامة وتوجيه الاقتصاد العام والبلوغ بالحالة الاقتصادية للدولة الوضع الأمثل.
- كما أن دور الموازنة العامة في الحياة الاقتصادية للدولة يختلف تبعا للسياسة الاقتصادية التي تنتهجها الدولة فيبدو أثر الموازنة العامة من خلال تخصيص الأموال لتشجيع المشاريع الاقتصادية ( كإنشاء المرافئ والترع وتنوير المدن ومدها بالكهرباء ). كل هذا من شأنه رفع اقتصاديات الأمة بحيث أن إهمالها يؤدي إلى تدهور اقتصاد الدولة تدهورا سريعا تظهر آثاره في الموازنات المقبلة.
- والموازنة العامة أداة لتنظيم التطور الاقتصادي واستقرار الحالة الاقتصادية. فهي برنامج مالي ثانوي يتبع في خطه البياني الشروط والظروف التي تتحكم في الحالة الاقتصادية وذلك من أجل تحقيق التوازن الاقتصادي.
- كما أن نمو الدخل العام يساعد الدولة على اقتطاع قسم كبير منه لخزينتها العامة ثم إنفاقه في وجوه النفع الذي يقره ممثلو الشعب.
- كما أن تعادل الموازنة العامة يتوقف إلى حد كبير على الحالة الاقتصادية للدولة فكلما كان اقتصاد الدولة نشيطا كلما أمكن سد النفقات العامة بيسر وسهولة.
- السمة الاجتماعية للموازنة العامة .
- تحتوي الموازنة العامة بين دفتيها على النفقات من جهة والإيرادات من جهة أخرى ولكل من هاتين الوسيلتين آثار وانعكاسات على الصعيد الاجتماعي تجمعها لتوجهها في سياسة اجتماعية محددة لها أهداف قد تختلف عن الآثار التي تظهر لكل منها بصورة منفردة.
- ويظهر ذلك من خلال سياسة إعادة توزيع الدخول بين طبقات المجتمع المختلفة والفعاليات المتعددة.
مثال:// إذا فرضت الدولة الضرائب المباشرة التصاعدية على ذوي الدخول المرتفعة ثم أعادت توزيع هذا الإيراد على الطبقات الاجتماعية المسحوقة على شكل منح ومساعدات فهذا يدل على سياسة اجتماعية تهدف إلى التخفيف من حدة الفوارق بين طبقات المجتمع.
- وتزداد أهمية الطابع الاجتماعي للموازنة بازدياد الدخول الناجمة عن العمل كما تزداد أهميتها في تشكيل الدخل القومي وخاصة بعد حركة التأميم الواسعة التي شهدتها الدول بعد الحرب العالمية الثانية.
- كما أن للموازنة العامة وجها اجتماعيا يشبه دور المصفاة وذلك من خلال مساهمتها في إقامة العدالة الاجتماعية عن طريق إعادة توزيع الدخول.
- السمة المالية للموازنة العامة .
- تظهر السمة المالية للموازنة العامة من خلال كونها بيانا يقدر إيرادات الدولة ويحدد أوجه الإنفاق خلال فترة محددة من الزمن.
وبالتالي فهي بهذه الصفة عبارة عن جدول مالي يقارن بين النفقات والإيرادات بغية إقامة التوازن بينهما.
- السمة القانونية للموازنة العامة .
- الموازنة العامة بوصفها خطة مالية لا تقتصر على كونها تقديرا حسابيا فقط بل لها طبيعة قانونية خاصة بها.
- وتبدو السمة القانونية للموازنة العامة من خلال إقرارها من قبل السلطة التشريعية وصدورها بصك له صفة القانون شكلا ولكنه لا يتضمن خصائص القانون موضوعا.
فصك الموازنة العامة يأخذ شكلا قانونيا لأن دراسته وإقراره يتمان وفق نفس الأصول المتبعة في دراسة وإقرار القوانين ولكن ليس له طبيعة القانون لأنه يتضمن اتخاذ قرارات مؤقتة أكثر من وضع قواعد قانونية دائمة.


رابعاً :- أهمية الموازنة العامة .
لموازنة العامة للدولة أهمية كبرى لأنها تعبر عن برنامج العمل السياسي والاقتصادي والاجتماعي للحكومة خلال الفترة المالية المقبلة.
وبعبارة أخرى فان الموازنة العامة للدولة لها دلالة سياسية واقتصادية واجتماعية، إذ يمكن الكشف عن مختلف أغراض الدولة عن طريق تحليل أرقام الإيرادات العامة والنفقات العامة التي تجمعها وثيقة واحدة هي الموازنة العامة للدولة.
لذلك تتمتع الموازنة العامة بأهمية كبيرة من خلال تحقيقها لأهداف الدولة المختلفة تبعًا لحاجات المجتمع المتغيرة عبر الزمن، فمنها أهداف اجتماعية حيث تتضمن الموازنة العامة سياسات لإقامة مشاريع تنموية، ورفع مستوى الخدمات الصحية والإسكانية، وتحفيز القطاع الخاص على الاستثمار، وزيادة تمويل الطبقة الغنية لخزينة الدولة العامة، وكذلك فهي تعمل على تحقيق أهداف علمية لتشجيع البحث العلمي، وتحسين عملية التخطيط، إضافة إلى أنها مصدر للمعلومات، أما على الجانب الاقتصادي فتحقق الموازنة العامة أهدافًا اقتصادية متعددة، كتوزيع موارد الدولة حسب أولوياتها، واستخدامها كأداة للرقابة على المال العام، وتوجيه الاقتصاد الوطني والاستثمارات حسب السياسات العامة للدولة، لتخفيض عجز الموازنة العامة ونسبة الدين العام وتوازن الميزان الجاري لميزان المدفوعات.
وفي ظل التطور الحادث في النظام المالي والاقتصادي في العصر الحديث أصبح مفهوم التوازن هو التوازن الاقتصادي الموضوعي دون الاهتمام بتوازن النفقات العامة مع الإيرادات العامة كما هو في الفكر التقليدي، حيث بدأ الأخذ بفكرة تدخل الدولة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي وقبول وجود عجز في الموازنة، والاتجاه نحو الاقتراض كأحد مصادر التمويل في الموازنة، ويأتي ذلك دفاعًا عن عدم التوازن في الموازنة وتقليلا من مخاطر الاقتراض والإصدار النقدي، فإنه يمكن القول أن ذلك لا يعتبر دعوة للتخلي عن قاعدة توازن الموازنة ولكن يتطلب العمل بهذه القاعدة وفق المفهوم الحديث لفكرة التوازن، لأن أي توازن كمي بين النفقات والإيرادات في الموازنة العامة لن يؤدي إلى أي نفع يذكر ما لم يكن هناك توازن اقتصادي واجتماعي يلبي متطلبات العامة.
باختصار يمكن القول أن الموازنة العامة للدولة ليست مجرد بيان يتضمن الإيرادات العامة والنفقات العامة فحسب، وإنما هي أيضا وثيقة الصلة بالاقتصاد القومي والأداة الرئيسية التي يمكن من طريقها تحقيق أهداف الدولة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

خامساً :- مراحل أعداد موازنة الدولة
أن عملية تحضير أو إعداد مشروع الموازنة العامة تعتبر أولى المراحل والعمليات التي تحكم دورة الموازنة ومن أدقها أيضاً، وذلك لأن نتائج هذا الإعداد ومدى فعاليته تؤثر في جميع مراحل الموازنة اللاحقة.
1. يصدر بلاغ رسمي عن رئاسة الوزراء لأعداد مشروع قانون الموازنة العامة ومشاريع موازنات المؤسسات العامة المستقلة، متضمنا الأسس والتعليمات الواجب إتباعها من قبل الوزارات والدوائر والمؤسسات الحكومية عند إعدادها لمشروع موازنتها للسنة المالية المقبلة ومواعيد تقديم كشوفات الإيرادات والنفقات (جارية ورأسمالية) وجداول تشكيلات الوظائف، إلى دائرة الموازنة العامة وكذلك موعد تقديم مشروع قانون الموازنة العامة إلى مجلس الوزراء.
2. تقوم الوزارات والدوائر والمؤسسات العامة بمراجعة دائرة الموازنة العامة للحصول على النماذج المعتمدة لإعداد مشاريع موازناتها عليها.
3. تقوم الوزارات والدوائر والمؤسسات الحكومية بالتعميم على إداراتها المختلفة ومطالبتها بتقديم توقعاتها عن نشاطاتها وأعمالها للسنة المالية المقبلة، وتقديم مقترحاتها بخصوص إعداد الموازنة الخاصة بها حسب الأسس الواردة في بلاغ إعداد الموازنة، وتتولى الإدارة العليا فيما يتعلق بمركز الوزارة أو الدائرة والمحافظين فيما يتعلق بالإدارات الحكومية في المحافظات والألوية القيام بدراسة المقترحات المقدمة ومناقشتها مع مديري الإدارات والوحدات والمجالس التنفيذية للمحافظات والعمل على إجراء أية تعديلات على المقترحات والمشروعات المقدمة منهم، ووضع مشروع نهائي للموازنة.
4. تتسلم دائرة الموازنة العامة مشاريع الموازنات المقدمة من الوزارات والدوائر الحكومية حيث يتم دراستها من قبل المختصين بالدائرة، ثم تبدأ المناقشة بين الوزارات والدوائر المعنية ودائرة الموازنة العامة حول المخصصات المطلوبة، ومن ثم يتم التوصل إلى أرقام يتفق عليها في ضوء الاحتياجات الفعلية، مع الأخذ بعين الاعتبار الأوضاع المالية والاقتصادية السائدة والموارد المالية المتاحة.
5. بعد الانتهاء من مرحلة مناقشة مشاريع الموازنات المقدمة من الوزارات والدوائر الحكومية يتم التوصل إلى صورة إجمالية أولية لحجم الإيرادات والنفقات المقدرة للسنة المالية المقبلة ومقدار العجز المقدر ويتم استعراض ذلك من قبل المجلس الاستشاري للموازنة، وفي ضوء تقييم الوضع المالي والاقتصادي للسنة الحالية والأبعاد المتوقعة للسنة المقبلة.
6. تتم مراجعة الإيرادات والنفقات في ضوء المحددات سالفة الذكر ليتم بعدها التوصل إلى الصورة النهائية لمشروع قانون الموازنة للعـام القادم.
7. يرفع بعدها مشروع قانون الموازنة العامة لمجلس الوزراء، حيث تتم دراسته ومناقشته بعناية ويقوم بإجراء أية تعديلات قد يراها مناسبة وتنسجم مع اتجاهات السياسة العامة ويتم وضع الموازنة في صورتها النهائية، حيث يتم رفع مشروع قانون الموازنة إلى مجلس الأمة للمناقشة النهائية وفق أحكام الدستور.





الخاتمة
أن الميزانية هي عبارة عن توقع وإجازة لنفقات الدولة العامة في فترة زمنية مقبلة سنة في المعتاد وتعبر عن أهدافها الاقتصادية والاجتماعية.والنظر للموازنة العامة على أنها مجرد صورة رقمية، يجافى الحقيقة، حيث أن تقديرات النفقات العامة تعبر عن سياسات الدولة المختلفة التي تنوى أن تنفذها خلال السنة المالية سواء أكانت سياسة العمال الحكومية أم السياسة التعليمية أم الصحية أم الزراعية أم الصناعية, وهكذا لباقي أنواع سياسات الدولة، التي يتطلب تنفيذها اعتمادات للإنفاق عليها كما أن تقديرات الإيرادات العامة، تعبر عن سياسة الدولة الضريبية وسائر الموارد التي ينتظر أن تتحقق خلال السنة المالية التي تظهر بالموازنة العامة كالرسوم وأثمان الخدمات التي تبيعها الدولة للغير والقطاع العام (الأعمال).
باعتبار أن فائض وحداته يؤول للدولة ويظهر ضمن إيراداتها العامة كما أن تنفيذ الموازنة العامة للدولة، يمس جميع مواطني الدولة، لأن كل مواطن يعود عليه من الخدمات العامة للدولة، أو يدفع ضرائب تظهر في موازنة الدولة أو يكون الاثنين.كما أن مناقشة مشروع الموازنة العامة سنويا يعتبر من أهم وظائف السلطة التشريعية، وقد يؤدى الاقتراع على الموازنة العامة إلى طرح الثقة بالحكومة وسحب هذه الثقة أحيانا، إذا لم تحظ سياسات الحكومة المبينة بالموازنة العامة بموافقة السلطة التشريعية.ويعتقد أن الموازنة العامة قانون، لأنها تمر بكافة إجراءات إصدار القوانين كما تعطى دساتير الدول أهمية كبيرة للموازنة، والموازنة لها جوانب عديدة مالية وقانونية وسياسية وإدارية وتمويليه واجتماعية ورقابية، وتقيم العدالة الاجتماعية بأدواتها المالية وتأدية الخدمات العامة المقررة بالخطة، وهناك من الباحثين من يطالب بتطوير الموازنة الرقمية إلى موازنة برامج وأهداف .
- اعتمدت الدراسة على المصادر التالية :-
ـــــــــــــــ
- يوسف كمال , أهمية الموازن العامة , من على الموقع الالكتروني . https://accdiscussion.com/acc6296.html
- احمد السيد كردي , خصائص الموازنة العامة للدولة , من على الموقع الالكتروني . http://kenanaonline.com/users/ahmedkordy/posts/852499
- صالح محمد سلمان , الموازنة العامة للدولة , من على الموقع الالكتروني . https://sqarra.wordpress.com/budjet3
- حامد عباس محمد المرزوك , الموازنة العامة , 2011 , من على الموقع الالكتروني , http://www.uobabylon.edu.iq/uobColeges/lecture.aspx?fid=7&lcid=24723








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القناة 12 الإسرائيلية: اجتماع أمني تشهده وزارة الدفاع حاليا


.. القسام تعلن تفجير فتحتي نفقين في قوات الهندسة الإسرائيلية




.. وكالة إيرانية: الدفاع الجوي أسقط ثلاث مسيرات صغيرة في أجواء


.. لقطات درون تظهر أدخنة متصادة من غابات موريلوس بعد اشتعال الن




.. موقع Flightradar24 يظهر تحويل الطائرات لمسارها بعيداً عن إير