الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البناء اللغوي وعلاقته بالمفهوم القصدي ح2

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2018 / 6 / 26
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


إن الأشكالية الجوهرية في أنتقال روحية النص من المبدع المفكر إلى المتلقي تكمن في الخلل في الأجتهاد الموصل إلى البحث عن روحية القصد وحقيقته التي أراده المفكر,وتمثل الحلقة الأولى في سلسلة من الأنحرافات التي تجر مفردات الفهم نحو الأبتعاد عن المنطلقات الفكرية الأساسية وبالتالي فأن الأجتهاد في فهم النص يتحمل وزر هذا الأبتعاد وألأفتراق عن حدود البناء الفكري وقصديته الأصلية.
نحن لا نعتقد بأن التطور والتحديث والتجديد الذي يرد في هيكلة الفكر له صلة بالأنحراف عن القصدية المطلوبة طالما راعت العملية التجديدية والتحديث خصوصية القصد الفكري وتقننت، به لا على أساس التزمت والتحجر ولكن على أساس وحدة الفكر ذاته وقدرته على التماثل مع التجربة العملية ونتائجها في بلوغ القصد الفكري ذاته,وهنا تكمن أهمية أن تكون الوسيلة الناقلة للفكر بشقيها قادرة على إيضاح ومتابعة المنطلقات الفكرية وأسس الفكر المبتدع نحو القصد دون خلل بنائي أو تفصيلي قادر على ذلك بمقتضى حتمية تحقيق القصد وإلا سوف نكون أمام العبث في الفكر ذاته وجره نحو الأبتعاد عن المدار الذي وضعت فيه النظرية الفكرية سيرها وصيرورتها.
إن أزمة النظام البنائي الخارجي للفكر في تعامله مع المنطلقات الفكرية يعتبر المشكل الأول في تناقض الفكر مع الممارسة على أرض الواقع,ومن خلال التجربة الإنسانية على مر الزمن التاريخي للوجود الكوني كانت الكثير من الأفكار والنظريات الفكرية تنحرف عن أتجاهها القصدي الخاص نتيجة للخلل في البناء التكويني للأطار الخارجي لها, بسبب من مطاطية هذا البناء فيستوعب بذلك القصد وخلافه المناقض دون معيار دقيق محدد ومانع من أن يتمايع ويتمدد الفهم على مساحة واسعة من الأحتمالية والتأويل المؤدي بدوره إلى أمكانية تصرف المتلقي بالمحتوى الفكري بموجب قواعد الفهم الخاصة به وعدم أهتداءه للقصد المحدد,أو أن يتجمد البناء الخارجي للفكر ويتحجر في قالب مادي غير قابل للأنصراف نحو الصورة الشاملة والأكيدة للنص فيعيش المنطلق الفكري والغائية القصدية في أطار حجري غير قادر للتكيف مع التجديد والتحديث اللازم لمواجهة متطلبات التجربة وضرورياته الحتمية فيموت الفكر بها ميتة جبرية,ومن كلا الصورتين المنحرفتين ينتج منها تناقض القصدية الفكرية مع هدف الفكر ومن بواعثه العامة والخاصة كطرف وبين النتائج العملية للتجربة المادية كحقيقة ملموسة من الطرف الأخر,فهنا يأتي دور المجتمع المتلقي للأنتقاء والتقرير بين خياراته على أساس من قابلية الفكر في الأستجابة لظوابطه ولكن ليس على أساس الضوابط الأصلية ومنها القصدية الذاتية للنظرية الفكرية,فنكون أمام مشكلتين كلاهما يتعلق بصدق الأجتهاد وأصالة النتيجة وفقا لقصدية الفكر ,الأولى في خلل الأجتهاد والثانية في أزمة النظام البنائي الخارجي المادي للنظرية الفكرية.
لقد شكلت الفلسفة والتأمل الفكري المجرد أول المحاولات الجادة للتغلب على الأشكالية المعرفية هذه وقد نجحت في حالات ولكن من المؤكد أنها فشلت في الكثير من الأختبارات في التغلب عليها,أما بسبب كون الفلسفة والفكر عطاء فكري إنساني ينطلق من ضمير العقل ذاته فهو يحتمل ذاتيا ميلا نحو الأنتقاء الأيجابي الموافق لضمير الإنسان وهذا الضابط ليس كافيا لوحده وليس ناجعا في التحري عن القصدية طالما هناك ميل وهوى يحرك الإنسان المتفلسف أو المتأمل للفكر ويتعامل معه خارجيا بأعتباره قادرا على أن يُكون قاعدة بنائية تتوافق مع ميله وهواه وما تمليه عليه مقدماته الفكرية والعلمية,فهو عنده نتاج الأخر المتساوي معه في القدرة والتكوين فهو يرى بعينه وبصيرة عقله فيصدق ما يقطع به علمه وما يستقر عليه ضميره الذهني فيسير مع هذا القطع ويمضي ببناءه القطعي نحو القصد الذي أنشأه هو لا مع القصد الذي كان أصلا هدف الفكر المتفلسف له أو الذي كان محل التأمل والتأويل.
أما السبب الثاني فيتعلق بموضوعية الفكر والبناء المادي الخارجي له وما يحمل عادة من أسباب لا يمكن إلا الجزم بأنها أسباب تؤدي إلى الميل والأنحراف وهذا ما لا يخلو منه أي فكر بشري ناتج عن عقل محكوم بحدود مادية وذاتية تقصر من أفق الكلية للأشياء الحولية فهو يتحرك ضمن نطاق الزمن والمكان والمادة البدنية من جهة ومن جهة لا محدودية الكون الوجودي وأتساع أفقه بالمقارنة مع الأفق المنظور له من قبل العقل,فينشأ عجز ذاتي عن الأحاطة المحكة بالكل الكوني مقابل رغبة عارمة بالمعرفة والفهم والأدراك,وهذه الأشكالية واجهتها الفلسفة الإنسانية وهي تحاول أن تحيط بالأفق الأوسع وتضع الضابط المحكم للأحاطة فأصطدمت بجدار العقل وفشل التجربة فراحت تبحث عن مقاربات وخطوط عامة بدل البحث عن الأحاطة المستحكمة للنشاط الفكري الإنساني ,وهذه تسمى بمأزق الفلسفة الذاتي للبحث عن الكمال الفكري المعرفي.
إن قيمة الفكر تنبع من قدرته على فهم الوجود كما هو ويتعامل مع قصدية الوجود وغائية الأيجاد كونه بناء مادي حقيقي وليس متوهم من قبل العقل وأدراكاته,وهذا الفهم هو الذي يقود إلى العلم المحض الذي لا يمكن لأي كان إنكاره فالمنكر للحقائق العلمية أما متجاهل لما هو حقيقي فيكون جاهلا جهلا مركبا,أو غير قادر على مجاراتها للعجز الذاتي فيه وليس في الوجود, ومن ثم يدعي ما يخالفها وهذا يقودنا إلى حقيقتين مؤكدتين تتعلق بنوعية الفكر واتجاهاته ((إن أشياء الحياة، وظواهرها، تدرك في شعور المؤمن في سياق مركب شامل يضم أطراف الوجود كله من حيث المبدأ والغاية،والسنن الجارية فيه وفي هذا المركب الشامل الذي يضع المؤمن فيه أشياء الحياة،وظواهرها سوف يعطي كل شيء منها،قيمته الحقيقية فلا (يحقر) ولا (يصمّ).وقد نشأ في أطوار الحضارة المادية،وحتى في الحضارة المادية المعاصرة اتجاهان مختلفان، يمثلان الانعكاس الطبيعي للنظرة المادية إلى العالم.
الأتجاه المادي العقلاني المستند على قواعد العلم المجرد من شموليته ووظيفته فيركن إلى الملموس المجسد المحسوس وينكر ما سواه وإن كان مقرا بوجوده ولكنه عاجز بأدواته العلمية أن يخضعه لقانونه العلمي المادي,وقد يكون يمارس هذا اللا محسوس ويتعايش معه حقيقةً فتراه يعيش الأزدواجيه بين أدعاه وبين ما يمارسه ويعتاش معه هذه هي حقيقة الأزمة التي عاشها نيتشه وغيره من الفلاسفة والمفكرين الوجوديين حتى أصبحت سمه ملازمة للفكر الوجودي العام,هي نفس الإشكالية عند الحداثين من أمثال ديفيد هيوم وما اكتشفه من عدم ملائمة العقل الكلية لإدراك الوعي وعدم قدرته الذاتية لذلك((فالفلسفة الشكية التي أرساها هيوم بينت أن العقل -الذي تم تأليهه مع ديكارت- لا يستحق هذا المقام، لكن هيوم لم يقدم بديلا للوعي الأوروبي، وإنما أيقظه من وثوقيته العقلانية فقط، فكان بشكيته مزعزعا للعقلانية ويقينها! ألم يقل كانت واصفاً تأثير كتب هيوم فيه: "أيقظني هيوم من سباتي ألاعتقادي"!! وهي كلمة وإن كان كانت يعبر بها عن صيرورة تطوره الفكري الذاتي،فهي عندنا حلقة معبرة عن صيرورة تطور المشروع الحداثي في لحظة حرجة من تاريخه،وهي لحظة بدء مراجعة أدواته ومعاييره المعرفية.كانت لحظة هيوم بداية التشكيك في المرجعية العقلانية،ولم يكن بإمكانه أن يرسي بديلا أفضل وأوثق من العقل،فالحس الذي تعلق به هيوم يؤول في النهاية إلى العقل الذي سيصوغ المعطيات الآتية من الحواس. ولذا كان من الطبيعي لهيوم الذي شك في العقل ألا يقدم أي بديل ينأى عن الشك.لكن لحظة كانط, كانت لحظة مشروع أعمق وأوسع من تشكيكات هيوم،فقد كانت لحظة مساءلة شاملة لأرضية الحداثة سواء في ثوبها العقلاني أو في ثوبها التجريبي. والخلاصة التي انتهى إليها كانت هي أن العقل محدود،وليس قدرة معرفية مطلقة،إنه محدود بحدود عالم التجربة والظاهر,إلا أن هذا الفكرة المنهجية التي فجرها كانت,كانت إرهاصًا بضربة ماحقة للوعي الفلسفي الحداثي))( الحداثة والوعي التاريخي الغائب, الطيب بوعزة,موقع الجزيرة) .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر: ضربة أصابت قاعدة عسكرية قرب أصفهان وسط إيران|#عاجل


.. القناة 12 الإسرائيلية: تقارير تفيد بأن إسرائيل أعلمت واشنطن




.. مشاهد تظهر اللحظات الأولى لقصف الاحتلال مخيم المغازي واستشها


.. ما دلالات الهجوم الذي استهدف أصفها وسط إيران؟




.. دراسة جديدة: اللحوم النباتية خطرة على الصحة