الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأسئلة الوزارية : عدالة في مهب الريح.

سمانا السامرائي

2018 / 6 / 27
التربية والتعليم والبحث العلمي


نظام الامتحانات الوزارية نظام وضع لضمان العدالة بين الطلاب لكن الأسئلة الوزارية تتسرب كل عام كما لو كانت عادة، ليس فقط أسئلة السادس إعدادي بل أسئلة المراحل الدراسية المنتهية جميعاً، فلماذا يحدث هذا؟ ما هي الأسباب التي تؤدي إلى حصول ذلك بشكل متكرر؟

قد يكون الجواب الذي ستنطق به ألسنتنا تلقائياً هو تراخي الوزارة في عملها وانتشار الفساد الإداري، وهو أمر صائب دون أي جدال، لكن دعنا نفكر قليلاً أكثر هل هذا هو السبب الوحيد؟ لماذا تنشر بهذه السرعة بين أوساط الطلاب مقارنة بالماضي؟ لماذا تسرب أسئلة السادس الابتدائي أيضاً؟

في نظرة فاحصة على المجتمع انطلاقاً من هذه الظاهرة، يمكننا ملاحظة عدة أمور

"الغش الدراسي" كلمة ودعت قواميس المجتمع العراقي لتحل محلها كلمات مثل "مساعدة" و "تعاون" و"ذكاء" و"شطارة" لتدل على نفس الأفعال التي تندرج تحت عنوان الغش الدراسي، مغيرة بذلك صورة هذا الفعل الدنيء إلى عمل صالح يعود بالخير على الآخرين، والقائم به ذو قدرات ومهارات تفوق رفاقه، وبهذا اختفى شعور بالخزي والعار وتأنيب الضمير الملازم للأفعال على هذه الشاكلة التي تمنح المرء ما لم يستحقه، مخلاً بذلك بالعدالة ومتسبباً بأضرار بالغة للآخرين.
التأكيد الشديد على تخصصات القمة من قبل الآباء على أولادهم في حالة المرحلة الإعدادية الأخيرة دون الأخذ في الاعتبار القدرات التي يتمتعون بها، مما يجعل الأولاد يتجهون باحثين عن طرق ملتوية لتحقيق الدرجة التي تمكنهم من التخلص الفوري والسريع من هذا الضغط النفسي المؤلم ونيل ثناء الآباء.
التأكيد الاجتماعي بشكل عام على تخصصات القمة، ونسب الصفات الجيدة لكل الدارسين فيها ومنحهم الاحترام والتقدير مقابل الانتقاص من التخصصات التي لا تعد من القمة يؤدي إلى جعل المجتمع برمته مجنون لتحصيل درجات عالية للدخول لتلك التخصصات كيفما كانت الطريقة، ومع ضعف القيم الأخلاقية وتقديم الخطأ بصور أخرى مخادعة كما ذكرنا أعلاه، يصبح كلاً من الآباء والأبناء لا يمتلكون أي حصانة ضد إغراء الأسئلة المسربة أو حتى شراء نسخ للأسئلة بأنفسهم.
الربط بين الدرجات العالية في الدراسة وبين ذكاء الطالب وتقديره وتمييزه على هذا الأساس وخصوصاً في المراحل المنتهية حيث يكون تحت أقصى درجات المراقبة من المجتمع يدفع بجميع العوائل والطلاب إلى اتخاذ طرق ملتوية المتوفرة بغض النظر عن عن الاعتبارات الأخلاقية أو الدينية.
كذلك السخرية الدائمة من الدراسة والدارسين المجتهدين، وتصوير التعليم هذه الرحلة السامية كعمل شاق كئيب ممل متعب مزعج في الطرف والأحاديث اليومية، وفي منشورات وسائل التواصل الاجتماعي، وكذلك حتى ببعض الخطب التنموية التي تشير إلى إن الدراسة غير مهمة وإن لا حاجة بك للدراسة لتحقيق نجاحات عظيمة، الأمر الذي ينعكس سلباً في عقل الطالب اليافع وينمو معه في بواطن عقله كحقيقة أكيدة، ويدفعه لاحقاً لرؤية الدراسة كحمل ثقيل يود الفرار منه بأبسط الطرق.




وهذا لا يعني بأي حال من الأحوال إعفاء الطالب المخطئ من مسؤوليته، فكل شخص له كيان منفصل عن محيطه وله عقلاً يمكنه من اتخاذ خيارات خاصة به.

كما لا يمكننا إعفاء الآباء والمجتمع بصورة عامة أيضاً من مشكلة تسريب الأسئلة، فالمجتمع لم ينكر الباطل بل رحب به وتقبل كلاً من المُسرِب كبطل معوان خيّر والطالب الذي حصل على الأسئلة كذكي شاطر تمكن من الفوز غاضاً النظر عن المبادئ الأخلاقية، كذلك فعل المجتمع كل ما يمكنه لينفر الطالب من الدراسة مع جعله جشعاً للدرجات العليا ولتخصصات قد لا تلائمه.
لا تنتشر الأشياء إن لم يكن لها سوق والمجتمع خلق سوقاً مرحبة بهذه الأسئلة المسربة الغير الأخلاقية والغير القانونية وبوسائل الغش على أنواعها، الأمر الذي أدى بها إلى توسع رقعة انتشارها وتطور هذه الوسائل وسهولة الحصول عليها.
أزمة تسريب الأسئلة هي صورة من صور أزمة أخلاقية حقيقة تجذرت في المجتمع العراقي خلال عشر سنوات منصرمة وما زالت تستمر دون أن يلتفت أحد لذلك أو يسمي الأمر بمسمياته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حلقة جديدة من برنامج السودان الآن


.. أطباق شعبية جزائرية ترتبط بقصص الثورة ومقاومة الاستعمار الفر




.. الخارجية الإيرانية: أي هجوم إسرائيلي جديد سيواجه برد إيراني


.. غارات إسرائيلية تستهدف بلدتي حانين وطير حرفا جنوبي لبنان




.. إسرائيل وإيران لم تنتهيا بعد. فماذا تحمل الجولة التالية؟