الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوار مع السفسطائي الروحي-3

أيمن عبد الخالق

2018 / 6 / 27
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


حوار مع السفسطائي الروحي-3
" نحن اليوم لا نفتقد الإيمان وقوة الإيمان، بل نفتقر الى المعرفة الصحيحة والمنطقية والعلمية بالقضايا التى نؤمن بها" – على شريعتى
o السفسطائي الروحي: لقد تأملت فيما ذكرتموه من قدرة العقل الإنساني على الخوض في الأمور الغيبية المعنوية، وأنّ صلاحيته العلمية في الكشف عن الواقع مأخوذة من مطابقة تحليلاته وأحكامه للقوانين المنطقية المبيّنة في علم المنطق، والتي تمثل مظهر الصحة العقلية، والسلامة الفكرية.
• الفيلسوف: نعم هذا تماما ماأردته بدقة
o السفسطائي الروحي: نعم...ولكن يبقى الكلام في حصر المعرفة الإنسانية فيه، ومصادرة مصادر المعرفة الأخرى، لاسيما القلب الإنساني، الذي هو من روح الله، وعالم الملكوت.
• الفيلسوف: من قال لك أننا نحصر المعرفة الإنسانية في العقل الإنساني، بل هناك أدوات معرفية أخرى معتبرة، كالحس والاستقراء والتجربة، والنقل الديني والتاريخي، ومنها القلب أيضا الذي تؤمن أنت به وتعتمد عليه، ولكن ينبغي أن تكون جميع هذه المصادر المعرفية تحت إشراف وحكومة العقل، لأنّ العقل هو الأداة المعرفية الوحيدة المبتنية على مبادئ بديهية موضوعية واضحة، وصادقة بذاتها، وسائر الأدوات والمصادر المعرفية بما فيها القلب تكتسب مشروعيتها المعرفية من العقل
o السفسطائي الروحي: تقصد أن تكون الحاكمية للعقل، وسائر المصادر المعرفية وزراء، وأدوات له تعمل تحت إشرافه.
• الفيلسوف: بالتأكيد...وهذا ماسأشرحه لك بعد ذلك، ولكن دعني أولا أجيب على سؤالك حول الصلاحية العلمية لما تسميه بالقلب.
o السفسطائي الروحي: نعم وهذا مايهمني الان بالفعل، واترقب جوابكم حوله.
• الفيلسوف: لاشك أنّ القلب كأداة معرفية يمثل جوهر النفس الإنسانية وهو مجرد عن المادة وهو - كما تقول – من سنخ عالم الملكوت، وبالتالي فله القابلية لأن يعكس بعض المعارف والصور الغيبية عند تصفيته بالرياضة الروحية(spiritual refinement)، وعند التركيز والتأمل الباطني (introspection)بعيدا عن ضوضاء عالم المادة، ومن ضمن مصاديق تلك المعارف هي المنامات التي يشاهدها الإنسان في نومه، أو مما يراه العارف من المكاشفات – كما تسمونها - بين اليقظة والمنام....وهذا أمر واقع، ولاينكره الحكماء.
o السفسطائي الروحي: إذن أنتم تقبلون بحمد الله مكاشفات العرفاء والروحانيين، وتؤيدونها، وهذا شيء جيد.
• الفيلسوف: ولكن ليس بالنحو الذي تظنونه، بحيث نجعلها دليلا مستقلا في نفسه، أو نقدّمه على سائر الأدلة، كما تفعلون، ويفعل مشايخ الطريق عندكم، حيث لاتتمتع هذه المكاشفات بالصلاحية الذاتية، أو المشروعية المعرفية المستقلة.
o السفسطائي الروحي: وماالمانع من ذلك، فالمشاهدة القلبية الباطنية، كالمشاهدة الحسية الظاهرية، لاتحتاج إلى دليل يدل عليها، فلماذا إذن تقبلون مشاهدات علماء الفيزياء وترفضون مشاهدات العرفاء الكبار الشامخين؟!
• الفيلسوف: نحن ياأخي لا نرفض أو نكذّب وقوع مشاهدات العرفاء والروحانيين، بل نرفض اعتبارها دليلا علميا مستقلا، كما نرفض تشبيهها بالمدركات الحسية كذلك.
o السفسطائي الروحي: وماالسبب في كل ذلك، فكلاهما مشاهدات للإنسان.
• الفيلسوف: لأنه بكل بساطة المشاهدات الحسية مشاهدات موضوعية يدركها أي إنسان مباشرة عن طريق حواسه الخمس، ولا مدخلية فيها للعواطف والميولات النفسية، والتوجهات الدينية والروحية القبلية، ويمكن إثباتها وبيانها لأي إنسان آخر، على خلاف المكاشفات الباطنية.
o السفسطائي الروحي: أرجوك ممكن توضح كلامك أكثر؛ لأنّ الموضوع حساس ومصيري بالنسبة لي.
• الفيلسوف: ماتسمونه بالمكاشفات والإلهامات الباطنية هي في الواقع مجهولة المنشأ، فلا نعلم هل مصدرها الواقع الغيبي في نفسه، أم مصدرها الإفاضات الباطنية للعقل الباطن، كأضغاث الأحلام، أو أحلام اليقظة، وهذه مسألة خطيرة للغاية، حيث كثيرا ماتتأثر أمثال هذه المكاشفات بالاعتقادات السابقة، الأمر الذي يفقدها موضوعيتها العلمية.
انظر على سبيل المثال مكاشفات البوذيين، والمسيحيين، والمسلمين بمختلف مذاهبهم، تجد أنها كلها متأثرة تماما بعقائدهم الخاصة، وتعكس ماهو مرتكز في باطنهم مسبقا، مما يؤكد على عدم كاشفيتها للواقع كما هو في الغالب، بل عادة ماتكون منصبغة بصبغة المعتقد نفسه، وميولاته المذهبية.
o السفسطائي الروحي: صحيح...ولكن هذه فائدة وجود الشيخ المرشد الخبير، فهو وحده القادر على تمييز الرؤية الصحيحة من الكاذبة، والقادر على تعبيرها وتأويلها.
• الفيلسوف: هذه مشكلة أخرى، وهي التقليد والتبعية العمياء... قل لي بالله عليك كيف اطمئننت إلى صحة تمييزه وتأويله، ونحن مع احترامنا له - إن كان من أهل الخبرة كما تقول - ولكنه ليس معصوما من الخطأ، وهو يحمل اعتقادات معينة، وميولات نفسية، تؤثر بدورها على نزاهة وموضوعية أحكامه، فتبقى المشكلة نفسها قائمة.
o السفسطائي الروحي: هذا معناه بكل بساطة بطلان طريق القلب، وتكذيب الشيوخ الكبار، وهذا أمر يصعب على نفسي قبوله وتسليمه، وهذا ماكنت أخشاه من البداية.
• الفيلسوف: أولا من شرط الحوار البنّاء هو الموضوعية والبحث عن الحقيقة، ولو كانت مُرة، وإلا فما فائدة الحوار الإنساني، والإنسان العاقل لاينبغي أن يخشى الحقيقة، وثانيا، أنا لم اقل ببطلان القلب كأداة معرفية، ولم أقل بتكذيب مشايخك، ولكن أقول ليس لهما الصلاحية الذاتية المستقلة، ولذلك ينبغي عليك أولا أن تعرض تلك المشاهدات الباطنية ، وكلام مشايخك على عقلك السليم، فإن وافقاه فخير وبركة، ونور على نور، وإن خالفاه فاجعلهما وراء ظهرك إن كنت عاقلا، وإلا فعليك أن تتوقف فيهما حتى يتبين لك واقعهما في النهاية، فأنت لست مجبورا على التسليم بشيء على أساس مجرد رؤية أو منام، أو مجرد التلقين من الاخرين.
o السفسطائي الروحي : واللهي لاأدري ماذا أقول لك، لقد أوقعتني في حيرة شديدة من أمري، وأنا في الواقع لايمكنني أن أجيبك عن كل ماقلتموه لي الان، واحتاج إلى فترة زمانية أتامل جيدا في كل كلامك، وأعدك أن أتحلى بالنزاهة والموضوعية في تفكيري وقراراتي، وإن كان هذا أمرا في غاية الصعوبة على قلبي، حيث إنني قد عشت سنوات طويلة في هذا الطريق.
• الفيلسوف: على أي حال خذ وقتك من التفكير، واطمئن تماما أنك لن تندم على معرفتك الحقيقة....وأن تتألم بعض الأيام أفضل بكثير من أن تعيش طول عمرك في الأوهام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيتزا المنسف-.. صيحة أردنية جديدة


.. تفاصيل حزمة المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل وأوكرانيا




.. سيلين ديون عن مرضها -لم أنتصر عليه بعد


.. معلومات عن الأسلحة التي ستقدمها واشنطن لكييف




.. غزة- إسرائيل: هل بات اجتياح رفح قريباً؟ • فرانس 24 / FRANCE