الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صفات الفكر الرسالي وخصائصه ح1

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2018 / 6 / 29
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


صفات الفكر الرسالي وخصائصه
الصفة في الفكر غير الخاصية له,فالصفة هو ما تظهره للأخر من ميزة تحدده كما هو يبدو له فمثلا يمكن أن نطلق صفة الإنسانية على مظهر الفكر الرسالي كونه يستهدف حفظ إنسانية الإنسان ومتلائم بالضرورة مع حاجاته,ولكننا أيضا نطلق صفة الإنسانية على النظريات الفكرية الوضعية ولكن من كونها منتج إنساني حقيقي,فأختلاف المعنى مع وحدة المحدد الوصفي ينبع من خصوصية الفكر ذاته فعندما نطلق الإنسانية كصفة للفكر الرسالي لأنه مختص به وله وبذلك أوجدنا صفة بناءً على خصوصية ذاتية,ومثله الوصف الثاني لخصوصية المصدر فهو من الإنسان وإليه,وهكذا تفترق الخصوصية الذاتية عن الصفة الموضوعية الشكلية.
فمعرفة الصفات الفكرية يستوجب حتما وبالضرورة أدراك ومعرفة الخصائص أولا لأن البناء على معرفة الخصائص يؤدي بالحتم إلى فهم الصفات ومن ثم تميزها عن غيرها بمحدد ضابط أصلي لا يمكن معه الأشتباه والتوهم بين ما هو صفة حقيقية وبين ما يدعى أو يزعم بأنه صفة,هذه الجدلية بين الصفات والخصائص هي التي أوجبت علينا بحثهما معا وبفصل بحثي واحد للحفاظ على روحية الفكر وفهمه ككيان متوحد واحد وعدم التفريق بينهما سيؤدي إلى أكتمال المشهد الصوري الذهني للذات والموضوع ومن ثم تكوين الوعي اللازم بهما معا وما يشكل ذلك من حتمية عضوية بين المؤديات.
ولأثبات كون الصفة لازمة للخصيصة وبالعكس لا بد لنا من سوق المثال التالي الذي يبين الربط بين الأثنين,فعندما نقول أن من صفات الله تعالى الرحمة وأنه يتصف بها على وجه اليقين من خلال الأيمان بمحتوى النصوص القدسية النقلية والتسليم بها لا بد أن تكون هذه الصفة تصدر من خاصية له خاصية متعلق بذات جلالته على وجه التخصيص المنفرد له عكس الرحمة التي يتصف بها العبد بأختلاف الخصيصة الذاتية له أيضا,فالصفة واحدة ولكن الخصيصة مختلفه وكما في النصوص التالية{وَإِذَا جَاءكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}الأنعام54,فالرحمة كصفة لذات الله لا تنفصل عن خصيصتها وهي الكتابة على النفس بها فالخصيصة أنها مكتوبة على نفس الله بما هو مختص بالكتابة فهو رحيم لأنه كتب على نفسه الرحمة{وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ}الأنعام133,فالرحمة عند الله ذاتية محضة وخصيصة الرحمة وإن كانت لكل عباده وخلقه فهي خصيصة عامة لا يستثنى منها إلا من تركها ورفضها{أَوْ تَقُولُواْ لَوْ أَنَّا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ اللّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ }الأنعام157.
أما الرحمة التي يتصف بها الأنسان فهي ليست كما هي عند الله لا من حيث الشكل والمضمون ولا من حيث الخصيصة والتكوين{وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً }الإسراء24,فالرحمة عند الإنسان ليست كتابا ذاتيا على نفس الإنسان بل هي من أصل رحمة الله وخصيصتها خاصة بما جاء في الأمر الرباني الذي هو رحمة من الله{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ }آل عمران159,فالرحمة تختلف في التكوين والمنشأ وهذه من خصائص الذات الشيئية وإن توافقت بالصفة,أي أن الأختلاف في مدلول الوصف متأتي من أختلاف الموصوف وأختلاف الخصيصة لذات الصفة ولذات المحل أما تكوينيا أو تكيفياً وهذا هو جوهر أختلاف الصفة عن الخصيصة,والتي سنتاولهما بالبحث كمفردتين منفصلتين ثم نجمع بينهما على نفس الأساس الذي قدمناه فيما سبق.

خصائص الفكر الرسالي
من أول الخصائص التي يمكن الأنطلاق منها والتي تعتبر أصل كل الخصائص هو مصدرية الفكر الرسالي,وهذه الخصيصة لا يمكن أن يدعي أي فكر في الكون أن يزعمها لنفسه لا بالأصالة ولا بالواسطة إلا بموجب مقتضيات الأرسال ووسائله وأساليبه,فكونه رساليا لابد أن يكون من خلال رسالة مكتوبة أو مقروءة ورسول ناقل ومرسل مبلغ ومنذر,وهاد يحمل عبء الرسالة بعد الرسل,فهذه الخصيصة لا تستقيم إلا في الرسالات السماوية التي يريدها الله وليس بالأدعاء بدون برهان وحجة تمهد لليقين وتصنع للفكر الرسالي وجوبية الأتباع.
• خصوصية المصدر.
هذه الخصوصية تستمد وجودها من ناحيتين ناحية أصلية بالتكوين والأخرى بالتجربة الحسية التي تمت على أرض الواقع وحين نقول أن المصداقية في هذه الخصوصية يكشف عنهامن لأصل التكويني الذي كون الفكر الرسالي وأوجده وبعث به للناس وكشفت عنه النصوص التالية{وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} البقرة99,هذه البينات نزلت بموجب بناء مادي حارجي هيكله نظام لغوي مكتوب {ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ }البقرة176,وقد يكون التنزيل بموجب أمر شفوي صوتي{قَالُواْ يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ }هود81, فكان التبليغ الرسالي لا يتم إلا من خلال وسائط محددة مهمة هذه الوسائط القدسية أن تكون الناقل الرسمي بين الذات الألهية وبين المرسول للناس فمنهم من حمل الكتاب جملة وتفصيلا{قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ } النحل102, وقد يحمله رسل ربك بمخصوص من الأمر كما في نص سابق فيما يخص نبي الله لوط عليه السلام ,أو قد يكون مما يكون وحيا وقذف بالقلوب أو وقرا بالأذان{ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ}آل عمران44, {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ }سبأ48, {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ }الشورى51,فهذه الوسائل جميعا مما أختار الله فيها طريقة نزول الفكر الرسالي وانفردت بها الرسالات,أما من يزعم أنه تلقى فكره ونظريته من الفوق المقدس بغي هذه الوسائل فهو زعم كاذب ومفضوح يكذبه النص الرسالي {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ اللّهُ }الأنعام93,وتكذبه الوقائع المادية التجريبية {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً }النساء82 ,بل أن الفكر لرسالي يتحدى من يثبت عكس ذلك{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }هود13,فالعجز من الأستجابة لهذا التحدي دليل على أصالة هذه الخاصية للفكر الرسالي وأنفراده بها على وجه اليقين.
• خصوصية الحق.
إن تفرد الفكر الرسالي بخصوصية التكوين الألهي تبتنى عليها كل الخصوصيات الأخرى له وبالتالي فكل ما تتفرد به تلك الخصوصيات متعلق بأصل هذه الخاصية وتنطبق عليها نفس القياسات الكشفية وتتسق معها,فكون المصدر المبدع للرسالة هو الله فأن كل ما يرد كخاصية للرسالة عليه سمة الألهية,ومن هذه الخاصيات وبدرجة تبعية كون الفكر الرسالي كله حق لا باطل فيه ومبني على لا ينتج الحق في فعله إلا ما هو حق فأصل الرسالة هو الحق{إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً }البقرة119,ومضمونها الحق {تِلْكَ آيَاتُ اللّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ }البقرة252,وسبيلها الحق{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ فَآمِنُواْ خَيْراً لَّكُمْ }النساء170,وهدف الرسالة أرساء الحق كقصد وهدف غائي{وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ }المائدة48,بل أن الله لا يعرف الباطل ولا يأمر به وجوبا وبمقام التكليف بالحق وعدم أتباع الباطل {وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ }البقرة42,لا على صعيد الأيمان بالرسالة {وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنذِرُوا هُزُواً }الكهف56, ولكن يتعدى التحذير إلى أبعد من ذلك كثير {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً }النساء29, هذه الخاصية للفكر الرسالي تغيب عن كل النظريات الفكرية الإنسانية ولم تستوعبها إلا من خلال هدفها البعيد وهو أحقاق الحق ولكن وفق معايير الأرض والأنسان وليس وفق معارية الله وقصديته{وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً }النجم28,هذه المعيارية التي تستهدف غاية قصدية من الرسالة تتسم بكون الحق لله واحده ومن أمره وحده ولقصده وحده {لَقَدْ جِئْنَاكُم بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ }الزخرف78,فالحق كخاصية قد لا تتلائم مع مفهوم الحق عند الناس بل أن من الناس من يرى الحق الألهي ويدركه بوعي ولكن يجحد به لسبب أو لأخر {وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ }غافر20, فالوهم المتخيل عن الناس على أنه حق سرعان ما ينكشف أمام قوة المنطق الحقي الألهي ويذوب أمام قدرة الله{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ }العنكبوت68.
• خصوصية الأستحكام و الأحاطة.
يقول الله تعالى في وصف الفكر الرسالي بأن أمر الله والأشارة إلى مجمل الفكر الرسالي بأنه محكم غير قابل للأختراق والتغير من قبل المخلوقات سواء أكانت مكلفة بها أو كونها خارج التكليف بخصيصة الأستحكام المحيط به ولو قرأنا النص التالي فأن ما يلفت الأنتباه تلك الصياغة الدقيقة لمفهوم الأستحكام {الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ }هود1,فالفكر الألهي المنزل من خلال القرآن الكتاب محكم غير قابل للتبديل والتغير وفق أي مقتضى أو منطق فهو محكم أيضا ومفصل وهذا الأزدواج بالخصيصة تعطي للفكر سمة الشمولية المستوعبة للحاجات بشقيها الحاجات الزمنية التي يفرضها الزمن التأريخي أو مكانيا والتي تتطلبها التحول والتغير المكاني فهي تستوعب الحدين معا وتتجاوز أزمة الفكر الإنساني المحظ الذي يتحدد بالقصور العقلي والأستيعابي للمدى الشاسع للوجود الكوني ,ومن خلال قراءة النص يمكن أن نؤشر لهذه الخصيصة ومن خلال النص النقاط التالية:
1. أن الآيات المكونة للكتاب والدالة بنائيا على مضمونية الفكر الرسالي وهي أجزاء مترابطة ومتصلة ومتكاملة فلا يمكن لنا مثلا فهم قسم أو مجموعة من الآيات دون فهم وأستيعاب لكل الكتاب,فلو أردنا أن نفسر آية أو نؤلها وفق مؤداها وقصدها لابد من أن نحيط وبالضرورة في مجمل البناء الهيكلي للكتاب لأن ما يمكن أن نستمده منها وبفهمنا الخاص لا يمكن أن يتدبر القصد والروحية للآية بموجب منطلقاتها الحقيقية{أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً } النساء82,فالجزم بعدم الأختلاف في القرآن ليس جزما قاطعا وحسب بل يقينيا من خلال تكامل وترابط وتداخل المفاهيم الجزئية للآيات وعلاقة ذلك كله بمفهوم الأحاطة,وهو ما يعطي للنصوص القرآنية الرسالية خصيصة الأستحكام.
2. أن التفصيل الذي أشار إليه النص لاحق للأستحكام وليس موازيا له ولا مقابل مباشر معه ولكن ناتج أولا من استحكام المبادئ ومن ثم تفصيل ما أستحكم من منطلقات,فهو ليس تجميع لمستحكمات ولكنه تفريق لمحكم مستند على نفس قواعد الأحاطة والأستحكام الأساسية وبذلك رفع الله ما يمكن أن يؤدي إلية تجميع المستحكمات وفرضية تعارض محكم مع محكم,هذا من جهة ومن جهة أخرى حتى المتشابهات فهي ليست خارجة عن نطاق الأستحكام والأحاطة ولكنها في حقيقة هذا التشابه مكمنها في أنها بدرجة أعلى من المحكم الظاهر ومخصوص به من جهة التأويل أفراد متميزين لها وبتقدير مستحكم أيضا ولذلك نرى أن من يتبع المتشابه من غير هؤلاء لا يدركون ماهية الأستحكام في النصوص المتشابه فيخطئوا وينحرفوا عن المنهج الرسالي وفهم خصائصه على الوجه اليقيني {هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ}آل عمران7,فهذا النص يقطع عليهم أي من تيتبعون المتشابه من أختصاص نصي لهم يقطع بكونية المتشابه هو ما أستحكم تماما بخصية ذاتية تفرضها ماهية النظام البنائي للكتاب وليس كما يظهر توهما على أنه منفلت عن الأستحاك لأن النص يقطع بذلك ومن خلال بقية البناء اللغوي النصي المؤكد لهذه الحقيقة{ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ}فلو كان كما يزعم المتبعون لم يعطي الله للمتشابه منه هذه الأستثنائية الفريدة ولما نص على تخصيصه للمتأولين بحسب التخصيص الرباني الذين يعلمون قطعا ويبنون قطعهم على اليقين بأن كلا من المتشابه الظاهري والمحكم القطعي إنما هو{ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ}.
3. إن هذا الأستحكام ليس عملا أتى مصادفة أو لغير ضرورة بل جاء من حكيم تميز بالحكمة المطلقة ووصف نفسه بها,فلا يعقل وحتى وضعيا أن نتصور أمكانية صدور العبثية وعدم القصدية من حكيم بشري له خاصية عدم الكمال والتمام المطلق,فهل يجوز للإنسان الضعيف المهيم ما لايجوز للحكيم المطلق الذي أعطى الحكمة ونزلها مع العلم للبشر الآدمي؟, {يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ }البقرة269,قطعا لا يمكن أن نسند للحكيم ما هو غير محكم ومستحكم,فالمعطي للحكمة أقل ما يوصف بها أنه أولى بها ممن أعطها له والأولى في تطبيقها,فلا يمكن والحال هذا أن ننفي تحكيم الأشياء من الحكيم وفق قواعد الحكمة المطلقة التي تدور فيها ومنها توصف أفعال الله وأوامره على النحو المحكم الذي لا فوت فيه ووصفها بالحكمة البالغة وهو اسلوب يستظهر به الله طبيعة الحكمة الألهية كما هي {حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ }القمر5.
4. هذه الحكمة البالغة من الحكيم المطلق عززها وصف النص للحكيم بأنه خبير وهي صيغة مبالغة من بلوغ الخبر وليس من تحصيل بنائي متراكم لفعل فولد خبرة ,ولكن الله لديه خبر بما كان أو يكون من جهة { وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً }النساء135,هذا الخبر في الذي كان أما في الذي يكون{وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } المائدة8,بل أن الله خبير عليم بعلمه السابق والمحيط بالذي كان أو يكون{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }البقرة29,فالخبير العليم بكل شيء هو أعلم بما صنع بعلمه وحكمته وخبره السابق فيستحكم ما أنزل وفق ذلك ولا يدع للذين يتصورون أن الله إنما وكل إليهم بزعمهم أحتكار معرفة وفهم القصدية من الفكر الرسالي بدون حجة او دليل فهو كما وصف نفسه بالحكيم وصفها بالعليم { لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيماً }النساء11,وهذا قطع أخر بوجه الزاعمين بمعرفة القصدية وفق مقدماتهم القاصرة كائنا من يكون إلا _من أصطفاهم الله_ وليس وفق حكمة وعلم الخبير{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }البقرة30.
5. حقيقة هذا الأستحكام تم من خلال الأحاطة التامة بما لديه أولا وبما سيكون ثانيا{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً}الطلاق12,فالمحيط بالشيء هو الغالب عليه من جميع أجزائه وكليته وقادر على أن يكون متحكما به فهو مستحكم أي المحاط بما أحيط به لايمكن أن يفلت منه ذائرة الأحاطة ولذلك يخضع للمحيط {لِيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً }الجن28,فالأحاطة بكل شيء سبب أضافي يقوي المستحكم الذاتي قلا يدعه يخرج من تكوينه الذاتي ويحبسه في نفس الأطار المستحكم ولاسيما أن الأحاطة والأستحكام من فعل واحد ولقصد واحد {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }الذاريات56.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان: متى تنتهي الحرب المنسية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. الولايات المتحدة: ما الذي يجري في الجامعات الأمريكية؟ • فران




.. بلينكن في الصين: قائمة التوترات من تايوان إلى -تيك توك-


.. انسحاب إيراني من سوريا.. لعبة خيانة أم تمويه؟ | #التاسعة




.. هل تنجح أميركا بلجم التقارب الصيني الروسي؟ | #التاسعة