الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وكرٌ من قش!..

يعقوب زامل الربيعي

2018 / 7 / 1
الادب والفن



هي ذاتها، هي، عندما دخلت غرفتي في منتصف الليلة الفائتة، دون استئذان.
كانت شديدة الحماسة والحساسية، وهي تمنح نفسها شيئاً من الاحتفالية الرمزية. لهذا استرسلت في الكلام، مشبعة بالإخلاص والتأثر، وكأنها تلقي عن كاهلها حملا ثقيلا:
ــ " كان يريدني أن أُصلح له فوضاه " !.
كيف لي أن أتكهن ما يدور في خلدها؟. لهذا بقيت ساكنا وبلا شعور متوافق أو معارض.
ومن جديد استرسلت :
ــ " أنت، وهو، لا تعرفان، كيف أودعتني أمي يوما، التي لا اعرف من هي، عند باب مركز إيواء الاطفال مجهولي النسب والمفقودين. المهم أنني عشت هناك اعواما حتى بلغت سن الفقد الدائم.
المركز في مدينة، لو بحثت عنه في أطلس الجغرافيا، أو على كرة الخارطة الارضية المفترضة، لتعرف أين يقع، فأنك ستفشل لا محالة، وسيصيبك الصداع والاحباط.
والمدينة، هي مجرد مدينة من مدن العالم التي على وشك الاضمحلال تماما من الذاكرة.
" تذكر أني قلت لك كان يريد مني أن أصلح له فوضاه. ونسي أنني جزء من فوضى العالم المعزول والمتروك بعيدا حتى عن ابسط دالة عليه، أو طريق معلوم إليه "!
في تلك اللحظات، ربما غرفتي، بضوئها الشاحب، كانت قد نطقت بثمة كلام، على خلاف ما كنت عليه أنا الذي لم أنطق بكلمة.
نعم، كنت تحت تأثيرٍ ليس متطابق بالكامل مع تلك المرأة، لكني كنت على ثقة بأني لابد أن أشعرها، بشيء من الأمن والفرصة الطيبة، وشيء من التنسيق الوجداني، بطيبة خاطر. لهذا كان عليها أن تعود لثقب الفكرة التي خرجت منها:
ـــ " عندما زارني في حجرة نومي، في مثل هذه الساعة ماذا تتصور، هل من المناسب أن أرد عليه وأنا فقط بنصف ملابس نومي؟.
ألا تتصور معي ، أنها كانت فرصة غير سارة؟ وأنني كنت وقتها غير أنيقة، ولا اشعر بأي تقليد يمكن أن يجعلني مشفقة عليه أو على نفسي، أو حتى أتلمس طريقي بعناية "؟
أنا لم أعرف كم من الوقت مرّ وأنا مثل جدار من أطوار غريبة، أستمع أمام صرامتها التي لا تلين، دون أن أنطق بكلمة واحدة.
شعرت بأنها كانت تعيش في الوكر المصنوع من القش والتحلل المليء بالذكريات وبعض ضوء من شمس صغيرة مزينة بالقديفة الحمراء، بلا نوافذ أو باب واضحة. وأنها كانت ترى الليل من خلال ستارة لها صوت خفيض لحظة تنفتح أو تنسدل.
في تلك اللحظة الوثيرة، وضعت راحة يدها على صدري قائلة برقة:
ــ " أرجوك أجلس. سأكشف لك سرا أكثر إثارة "
لا اتذكر أنني رضخت لرجائها أو أنني ما زلت على وقفتي المندهشة. كل ما حصل أنني ألقيت لها سمعي كلية.
ــ " ستتعجب، كيف سمحت له أن يدخل غرفتي في تلك الساعة وأنا نصف عارية. في كل جملة وتفصيلا، كان يشبهك تماما. لا شيء فيه ولا علاقة إلا وكانت فيك أنت. المهم أني كنت استمع لك وليس له. لهذا صبرت كل ذلك الوقت".
لم يطرأ أي جديد عليها بعد تلك المعلومة المثيرة. بقيت كما هي منسدلة كما ستارة مصنوعة من الدانتيلا الزرقاء، غير أن صوتها كان يتغنج في تلك اللحظات.
ــ " أيها المفاجئ، مثل طفل وسيم ومدلل، هل سأفصح لك إن لا شيء بقي بقلبي من تلك المدينة، ولا عن ذلك الميتم الفقير، غير هو انتظاري الدائم لدخوله ولا خروج منه/ الشيء المطهر الوديع الذي يشبهك، والذي يجعلني أرتعد من شدة الخجل واللذة/ وأنه الأمر السيء عندما يدخل نطلب خروجه منا./ ذلك الحب، الشبيه بمثلث برمودا.. الفوهة التي تأخذنا للرقة. وهي تبتلعنا لا نريد أن نتشبث بأي نتوء للخلاص منها/ هو القدر العظيم الذي لا مناص لنا من حركته الرشيقة ".
كان قلبها كريما. لم تحدثني عن الرحلات أو الاسفار. سوى أنها كانت حسنة الهندام، أنيقة القامة، مرنة الحركة وهي تؤدي رقصة ألوان الخليط. في كل ثنية من ثنايا جسدها، مرح الاطفال وعشق الكبار الناعم.
لكن يا الله، لماذا حين غادرت، نسيت اسمها؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024


.. السجن 18 شهراً على مسؤولة الأسلحة في فيلم -راست-




.. وكالة مكافحة التجسس الصينية تكشف تفاصيل أبرز قضاياها في فيلم


.. فيلم شقو يحافظ على تصدره قائمة الإيراد اليومي ويحصد أمس 4.3




.. فيلم مصرى يشارك فى أسبوع نقاد كان السينمائى الدولى