الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محمد صلاح والمصريون وإحباط الخروج من بطولة كأس العالم

أحمد بدوي

2018 / 7 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


انصب الاهتمام المصري فيما يتعلق بالنجاح المبهر والسريع والمفاجئ للاعب كرة القدم المصري المحترف في صفوف نادي ليفربول الإنجليزي محمد صلاح بأمرين رئيسيين ملحوظين وبارزين. هذان الأمران هما، أولا اللاعب نفسه بالتركيز على شخصه ومهارته الكروية وتنافسيته العالمية، وثانيا فكرة تصوير نجاحه على أنه تمثيل مشرف ومثمر لمصر أو انتمائه العرقي العربي أو الديني. هذه الحالة التفاعلية العامة مع الحدث تعكس شيئا عن قصور طريقة التفكير وفشلها في استغلال الحدث ضمن سياقها الوطني الطبيعي وطرح مجموعة من الأسئلة الأخرى الهامة المتعلقة بهذا النجاح في إطار هذا السياق.

فمع حالة التهليل والصخب التي صاحبت النجاح، كان بديهيا وجديرا - وإن لم يحدث ذلك - أن يولد مثل ذلك النجاح حالة كلية وشعور عام يذكرا ويلفتا الانتباه إلى مجموعة من الأمور الهامة التي تتجاوز أهميتها النجاح نفسه لما تتعلق وتمسه من قاعدة مصرية عامة واسعة تتجاوز شخص اللاعب كفرد حقق نجاحا دوليا بارزا خارج وطنه.

لماذا يعد هذا النجاح حالة كروية مصرية استثنائية؟ كيف مثل ذلك النجاح حالة استثنائية أخرى عن الحالة العامة الكلية؟ ما الذي وأين يجب أن يصرف هذا النجاح الجزئي أنظارنا إليه؟ وماذا يترتب بعد ذلك علينا من دور أو موقف عام مترقب؟

طريقة التفكير العامة القاصرة والشائعة تقول أننا نحب محمد صلاح لأنه مصريا حقق نجاحا دوليا بارزا أو لأن أيضا هذا النجاح قد أخرجته طبقة الكادحين والمجتهدين المصرية، بينما طريقة التفكير العملية الغائبة كانت تستوجب بالضرورة التركيز على العلاقة بين هذا النجاح الاستثنائي والحالة المصرية العامة، وما يعنيه هذا النجاح لطبقة الكادحين والمجتهدين تلك التي خرج منها محمد صلاح كفرد ضمن المجموع الكبير، وما يجب تقديمه في سبيل كسر قاعدة الاستثنائية في النجاح هذه وفهم تفاصيلها وسياقاتها المصرية. نحن لا نعرف مثلا على وجه التحديد والتأكيد إذا كان يوجد أيضا آلاف الموهوبين من أمثال محمد صلاح، رغم أنهم غير معروفين ومستكشفين في ظل دولة غير ديمقراطية تغيب عن دورها الأساسي وتنقصها الكفاءة في كل المجالات.

على أية حال، اقتصر التعامل المصري العام في معظمه مع حدث النجاح الكبير بالحديث فقط عن اللاعب ونجاحه في واحد من أهم الدوريات الأوروبية وما حققه من رقم قياسي غير مسبوق على مستوى الكرة الإنجليزية، بينما غاب التعامل الواقعي الذي استوجب أيضا التركيز والتذكير أن نجاح محمد صلاح لا يعني شيئا مطلقا للمنظومة الكروية المصرية العامة المتأخرة، وهي بالتأكيد جزء من منظومة الدولة المصرية التي تشملها.

كان غالبا عامل الجذب والتركيز والاهتمام الأكبر للبرجوازية المصرية فيما يخص محمد صلاح أنه لاعب مصري في نادي ليفربول العريق وأفضل لاعب في الدوري الانجليزي عموما، أما الطبقة المصرية الريفية العاملة فرأت فيه شخصا يشبههم قد عايش يوما ما ظروفهم الصعبة التي نجح في اجتيازها وإثبات النجاح من نفس سياقها، بينما ذهب تطرف الدولة المصرية إلى كيفية الاستغلال السياسي لهذا النجاح الدولي. ربما تجمعهم جميعا نفس حالة وقوة الاهتمام والتركيز ولكن الأسباب والمبررات والسياقات والتفاصيل كلها مختلفة، والحقيقة أن الحالة العامة التي وجب طبيعيا أن يلتفوا حولها وتجمعهم جميعا مهما كانت قساوتها ومحاولتهم الدائمة للهروب منها هي أن نجاح اللاعب الدولي خارج حدود بلده يذكر بشئ آخر مهم وخطير هو تدني حال هذا البلد وضعفه وفشل منظومته الرياضية العامة أمام ركب ومنظومة بلدان أخرى.

ينقلني هذا أخيرا إلى حالة الإحباط العامة وردود الفعل الصاخبة الغاضبة بعد الخروج المصري غير المشرف من الدور الأول لبطولة كأس العالم حيث تحول الحديث العام والاهتمام إلى مطالبة اللاعب بالهروب الكلي من السياق المصري ونسيان مصريته تماما في سبيل الحفاظ على مستقبله الكروي والعملي والخروج من دائرة الفشل هذه. هي إذن حالة التناقض المصرية ولحظة تكشف للواقع والحقيقة القاسية مجردة وعارية من كل الانفعالات العاطفية غير الواقعية.

لعل هذه القصة القصيرة الحزينة لا تنفصل أبدا عن السياق السياسي الآخر الذي يجدد فيه النظام المصري تذكير المصريين الدائم أنهم يجب أن يشكروا فضله ويتنازلوا عن حقوقهم الأساسية بعد أن أنقذهم من مصير شعوب ودول أخرى مجاورة فاشلة وأن حالهم أفضل كثيرا من حال شعوب هذه الدول، ولكن لا يقدم أو يشرح لهم هذا النظام نفسه أسباب وحلول تخلفهم ومعاناتهم الكبيرة عن دول وشعوب أخرى كثيرة تتمتع بحقوقها الإنسانية الأساسية كاملة ولا يعتبر التفوق فيها حالة استثنائية خارجة عن السياق الوطني الكلي.

وختاما فإن هروبنا المتكرر من مشاكلنا وأزماتنا أو إنكارها أو جهلها أو تجاهلها لن يزيدنا أبدا إلا قدرا كبيرا من الإحباط والهزيمة وخيبة الأمل، ثم لن يبقي علينا أخيرا بعد ذلك كله سوى مواجهتها والاصطدام بها، والمثال الأفضل على ذلك هو إحباطنا الحالي ما بعد الخروج المصري غير المشرف من بطولة كأس العالم بصفر النقاط، رغم وجود وانتماء واحد من أفضل لاعبي العالم الحاليين بين صفوف المنتخب المصري. فهل تعلمنا جميعا الدرس؟









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأرمن في لبنان يحافظون على تراثهم وتاريخهم ولغتهم


.. انزعاج أميركي من -مقابر جماعية- في غزة..




.. أوكرانيا تستقبل أول دفعة من المساعدات العسكرية الأميركية


.. انتقادات واسعة ضد رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شفيق لاستدعائها




.. -أحارب بريشتي-.. جدارية على ركام مبنى مدمر في غزة